هل خطرات النفس تنافي اليقين في إجابة الدعاء؟
خطرات النفس لا تنافي اليقين في الاستجابة، بشرط دفها وعدم الاسترسال معها، واستمري في الدعاء بيقين، ولا تلتفتي لتلك الخطرات، فالله سبحانه وتعالى جَوَادٌ، كَرِيمٌ، قريبٌ، مجيبٌ.
سلام عليكم لو سمحت انا دلوقتي بدعي وانا مطمنه جدا جدا جدا ومتاكده ان ربنا سامعني وان خلاص دعوتي استجيبت وده بيحصلي ف الغالب ف القيم اللي هو انا فقمة الراحه بدعي ومطمنه بس اول لما برفع راس يعني اخلص صلاة بعدها بخمس دقايق بتجيلي طاقه سلبيه او بيجي حاجه ف بالي اللي هو هتحصل ازاي ده مستحيله وافكر افكار سلبيه على عكس ايام تانيه بكون مطمنه جدا جدا وموقنه ف ربنا فسؤالي دلوقتي هو انا لما بيحصلي كده ده كده محققتش شرط الاجابه اليقين مع ان بكون موقنه ساعتها جدا الحمدلله وكده دعوتي مستجابتش وبيحصلي كده كمان صراع ف يومي بين حسن ظن بالله يعني انا واثقه فيه وبين مدخل الشيطان هل كل ده بيأخرلي الاجابه !!! وشكرا جدا اسفه على اطاله ..
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فاليقينِ والثِّقَةِ باللهِ هُو شَأْنُ المؤمِنِ الصَّادِقِ حتى في أَشَدِّ المَوَاقِفِ إيلامًا، لَا يَدَعُ اليقينَ وحُسْنَ الظَّنِّ باللهِ القريب الوَدُودِ المُجِيبِ، فيرفَعُ أَكُفَّ الضرَاعَةَ؛ وهُو موقِنٌ بالإجابة؛ لأن اللهَ المَلِكَ العَظِيمَ الكَبِيرَ الأكبَرَ الذي لا يُعْجِزُهُ شيءٌ، ومن ثَمَّ وَصَفَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ، شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"؛ رواه مسلمٌ.
فالمؤمنُ الذي يفعلُ الأسبابَ ثم يُحسِنُ الظَّنَّ بالله تبارك وتعالى، يُحْسِنُ عَمَلَهُ؛ لِيَنَالَ القَبُولَ عند الله تبارك وتعالى، وكما قال الحَسَنُ البصريُّ: "لَوْ أَحْسَنُوا الظَّنَّ بِاللهِ، لَأَحْسَنُوا الْعَمَلَ".
أما ما تشعرين به أحيانًا من فكر سلبي فهو من خطرات الشيطان؛ التي تحتاج لدفعها لأمرين:
أولهما علمي: وهو قراءة القرآن الكريم بتدبر وتَأَمُّلِ، والنظر في أحوال السابقين؛ وحَالِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابِهِ فِي أَحْلَكِ المَوَاقِفِ حيث لَمْ يَهْتَزَّ اليقينُ والتَّوَكُّلُ والاستبشارُ؛ لعلمهم بالله، وحُسْنِ ظَنَّهم به سبحانه؛ قال الله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]، وقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 173،174]، وَأَمَرَنا اللهُ تَعَالى، وأرشدنا - جميعًا - لذلك؛ فقال سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58]، وقال: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [إبراهيم: 11]، وقال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} [آل عمران: 159]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]؛ أيْ: كافِيهِ. والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ، ومعروفةٌ.
وكذلك قراءة سيرة النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَحْلَكِ المَوَاقِفِ، وَأَشَدِّهَا صُعُوبَةً؛ مثل يومَ الطائف ويوم الهِجْرَةِ لَمَّا أَحَاطَ المُشركونَ بالغار، لم يهتَزَّ إيمانُهُ، ولا يقينُهُ في الله؛ كما في حديث أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللهُ عنهُ - قال: نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ، أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا"؛ متفقٌ عليه.
الأمر الثاني وهو قطع تلك الخطرات وعدم الاسترسال معها، وقد بين هذا الأمر الإمام ابن القيم في كتابه "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي"(ص: 154):
"وأما الخطرات: فشأنها أصعب، فإنها مبدأ الخير والشر، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب، ومن استهان بالخطرات قادته قهرًا إلى الهلكات، ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير منى باطلة".
إذا تقرر هذا، فخطرات النفس لا تنافي اليقين في الاستجابة، بشرط دفها وعدم الاسترسال معها، واستمري في الدعاء بيقين، ولا تلتفتي لتلك الخطرات، فالله سبحانه وتعالى جَوَادٌ، كَرِيمٌ، قريبٌ، مجيبٌ يَغْضَبُ عَلَى مَن لَا يَسْأَلُهُ، وَكَرِّرِي السُّؤَالَ؛ فَهُو - سبحانه - يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، وهوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَهَّابٌ، كَرِيمٌ، بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ؛ قال الله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: