ما حكم قنوت الوتر والفجر
ما حكم قنوت الوتر والفجر ؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فلم يبين الأخ السائل المراد بحكم القنوت الذي يسأل عنه، لأن هناك قنوتان مشهورن وهما قنوت الفجر وقنوت الوتر.
أما قنوت الفجر فلم يثبت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله إلا لنازلةٍ نزَلتْ بالمسلمين، فيَقنُت حينئذٍ في الصلوات الخمس؛ كما في الأحاديث الصحيحة، وهي كثيرة ومشهورة.
وأمَّا الحديثُ الوارد في مُداومته - صلَّى الله عليه وسلَّم - على القُنوت في الفَجْر؛ عن أنسٍ - رضِي الله عنه - قال: "ما زالَ رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقنُت في الفجْر حتَّى فارق الدُّنيا" - فحديثٌ ضعيفٌ؛ كما قال الألباني، فلا تقوم به الحجَّة.
أمَّا إنْ صلَّيتَ خلف إمامٍ شافعيِّ المذهب، وكان يقنُت في الفجر؛ عملًا بقول أئمَّة المذهب - فيُشرَع لك أن تتابِع الإمام في التأمين ورفْع اليدين، ولا تَنفرد عنه؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما جُعِل الإمام ليُؤْتَمَّ به، فلا تَختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمِع الله لِمَن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا أجمعون" ، والحديثُ دليل على وُجُوب تحرِّي موافقة الإمام، وعدم الاختلاف في أعمال الصلاة، لا سيَّما الأفعال الظاهرة؛ ولا شك أنَّ تَرْك القنوت خلْفَ الإمام مِن غير عذرٍ، مِن الاختلاف عليه.
وقد نصَّ غيرُ واحد مِن الأئمَّة على أنه: ينبغي للمأموم أن يقنُتَ خلف إمامه، ونقتصر هنا على ذِكْر ما ورَد في مذهب الإمامِ أحمدَ؛ ففي المحرَّر في الفقه على مذهب الإمام أحمدَ بن حنبل (1/ 90): "ومَن ائتمَّ بمَن يقنُت في الفجر، تابَعه فأمَّن أو دعَا".
وقال في الإنصاف في معرفة الراجح مِن الخلاف (4/ 133 - 135): "فائدة: لو ائتمَّ بمن يقنُت في الفجر، تابَعه، فأمَّن أو دعا، جزم به في «المحرر»، و«الرِّعاية الصُّغرى»، و«الحاويين»، وجزَم في «الفصول» بالمتابعة، وقال الشريف أبو جعفر في «رؤوس المسائل»: تابعه في الدعاء، قال ابن تميم: أمَّن على دعائه، وقال في «الرعاية الكبرى»: تبِعه فأمَّن ودعا، وقيل: أو قنَت، وقال في «الفروع»: ففي سكوتِ مُؤتَمٍّ ومتابعتِه كالوتر روايتان، وفي فتاوى ابن الزاغوني: يُستحب عند أحمدَ متابعتُه في الدعاء الذي رواه الحسن بن علي، فإن زاد كُرِه متابعتُه، وإن فارَقه إلى تمام الصلاة كان أَولى، وإن صبَر وتابَعه جاز، وعنه: لا يُتابعه؛ قال القاضي أبو الحسين: وهي الصحيحة عندي".
وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله تعالى قاعدةً عامة في صلاة الجماعة في مسألتنا وغيرها: وهي أنَّ إمام الصلاة لو فَعَلَ ما يَسوغ فيه الاجتهادُ، يجب على المأموم اتِّباعه، وإن كان لا يرى صحة ذلك، فقال في مجموع الفتاوى (23/ 115،116): "ينبغي للمأموم أن يَتْبَع إمامه فيما يَسوغ فيه الاجتهاد، فإذا قنت قنتَ معه، وإن ترَك القنوت لم يقنُتْ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما جُعِل الإمام ليُؤتَمَّ به))، وقال: ((لا تَختلفوا على أئمَّتِكم))، وثبت عنه في الصحيح أنه قال: ((يُصلُّون لكم، فإن أصابُوا فلكم ولهم، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم)).
ألا ترى أن الإمام لو قرأ في الأخيرتين بسورة مع الفاتحة وطوَّلهما على الأُوليَيْنِ، لَوَجَبت متابعتُه في ذلك، فأما مسابقة الإمام، فإنها لا تجوز، فإذا قنتَ، لم يكن للمأموم أن يُسابقه، فلا بد من متابعته؛ ولهذا كان عبدالله بن مسعود قد أنكَر على عثمانَ التَّرْبيعَ بِمِنًى، ثم إنه صلى خلفه أربعًا، فقيل له في ذلك، فقال: الخلافُ شرٌّ، وكذلك أنس بن مالك لَما سأله رجلٌ عن وقت الرمْي، فأخبره، ثم قال: افعَلْ كما يفعل إمامُك".
أما قنوت الوتر فهو مستحب طول العام؛ لما روى أحمد وأصحاب السنن بسند صحيح عن الحسن بن علي، قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: "االلهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت"، وقال الترمذي في سننه: ذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي واسمه ربيعة بن شيبان، ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر شيئا أحسن من هذا.
واختلف أهل العلم في القنوت في الوتر. فرأى عبد الله بن مسعود القنوت في الوتر في السنة كلها، واختار القنوت قبل الركوع، وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، وإسحاق، وأهل الكوفة، وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه كان لا يقنت إلا في النصف الآخر من رمضان، وكان يقنت بعد الركوع. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا، وبه يقول الشافعي، وأحمد". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: