ككيف نحقق الرجاء واليقين

منذ 2019-11-28
السؤال:

حياتي كلها لايحدث فيها شيء اتمناه كل ماتتمناه مستحيل وانا اعرف ان استجابة الدعاء لها ثلاثه أوجه ولكن اريد لأي دعاء ان يتحقق رأي العين عاجلا من الدراسه إلى الزواج إلى دراسة الأبناء ابنتي تذاكر وتجتهد وادعو لها وتخيب أملي مع انها متفوقه اي انسان اتمنى له الخير لايحدث وانا احافظ على الصلاة وادعو في السجود وانا صائمه وفي الثلث الأخير من الليل واصلي على النبي صلى الله عليه وسلم واستغفر كتير ا بكل الصيغ وادعو باسم الله الاعظم ومورد رزقي حلال واصلي صلاة الحاجه وادعوا لاصحاب الحاجات لتقول الملائكه ولك بالمثل واتصدق ولا يحدث ابدا اي شيء يفرحني حياتي كلها فشل وخذلان واحباط كيف ازيد يقيني اخاف ان القى الله بقلب ينقصه اليقين دعواتكم لي بالفرج والثبات وان افرح بالوادى لاني أصبحت اتشائم من نفسي واخاف ان يرث أولادي عدم التوفيق والحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فالذي يظهر من رسالتك أنك بحاجة إلى أن تشهدي معنى اسم الله المنَّان، واسمه الأول، وتحقِّق منزلةَ الفقر إلى الله تعالى، فتُطالعين سبق فضله الأول، تَنقطِعي عن شهود أيِّ عمل أو دعاء أو حال تَنسبُينه إلى نفسك، وحينها ستعرفين شأن العبد وشأن الربِّ، فلن تَقترحَي صورة معيَّنة للإجابة أو تخصيص وقت أو ظرف، فهذا الاقتراح ليس مِن أدب السؤال، وهذا أعجب وأنكر ما يقَع مِن مخلوق! فالتوجُّه للدعاء محض توفيق من الله، والاستجابة فضل آخر، والقلب العارف بالله يُدرك أنَّ الله فعال لما يُريد، فيُعطي الداعي ما سأله، أو يَصرف عنه من السوء أحسنَ مِن نَيلِ المطلوب، أو يدَّخر له في الآخرة، والمؤمن الحق يوقن أن الدعاء ليس صفقة بين بائع وشارٍ، إنما هو استسلام المخلوق للخالق، ومَن يَنقلب على وجهه عند عدم الاستجابة يَخسر الخسارة التي لا شُبهة فيها؛ كما قال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11]، يَخسر الطمأنينة والثِّقة والهدوء والرِّضا، ثم إلى أين يتجه هذا الذي يَختبِر ربه في إجابة الدعاء؟ إلى أين يتجه بعيدًا عن الله؟ يدعو صنَمًا أو وثَنًا أو عبدًا مثله؟! إنه الضَّلال عن المتَّجه الوحيد الذي يجدي فيه الدعاء!

فالله تعالى لا تَنفعه طاعة المطيع، كما لا يضرُّه كفْر الكافر، فمَن آمن فلنفسِه، ومَن كفَرَ فعليها.

والدعاء من أعظم العبادة؛ لما فيه من الخضوع والافتقار، ومن ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أن عدم الافتقار مانع للاستجابة، فقال: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل" قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: "قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء"؛ رواه مسلم.

فالله تعالى أمرَنا أن ندعو الله - ونحن موقنون بالإجابة - وأن نحزِم المسألة؛ لأن الله لا يعجزه شيء، وهو على كل شيء قديرٌ، ولكنَّ الدعاء - وإن كان من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب - إلا أنه قد يتخلفُ عنه أثرُه؛ إما لضعفِه في نفسه؛ بأن يكون دعاءً لا يحبُّه الله؛ لِمَا فيه من العدوان، وإما لضعف القلب، وعدم إقباله على الله، وجمعيَّته عليه وقت الدعاء، فيكون بمنزلة القوس الرِّخو جدًّا؛ فإن السهم يخرج منه خروجًا ضعيفًا، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام، والظلم، ورَيْنِ الذُّنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة، والسهو، واللهو، وغلبتها عليها؛ كما في مستدرك الحاكم من حديث أبى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ادعُو الله -وأنتم موقنون بالإجابة - واعلموا أن الله لا يَقبلُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ"؛ فغفلةُ القلب عن الله تُبطِل قوة الدعاء، وكذلك أكلُ الحرام يُبطِل قوته ويضعفها.

أما علاج تلك الحالة التي تسمينها بالتشاؤم، فيبدأ بقراءة القرآن الكريم بتدبر وتأمل ما ورد فيه من أحسن القصص، وما امتنَّ به سبحانه وتعالى على عباده من نجاة الحائرين الواقعين في المهامِهِ البريَّة، وفي اللجَج البحرية، إذا هاجت الرياح العاصِفة؛ لأنَّهم حينئذ يُفردون الله بالدعاء له وحده لا شريك له؛ قال تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 63، 64]، وقوله: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [يونس: 22، 23]، وقوله: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء: 67]، وقوله: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُون} [النمل: 63].

وأخيرًا تأملي رعاك الله تعالى ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في شأن الدعاء في "مجموع الفتاوى" (8/ 192): "الدُّعَاءُ فِي اقْتِضَائِهِ الْإِجَابَةَ، كَسَائِرِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي اقْتِضَائِهَا الْإِثَابَةَ، وَكَسَائِرِ الْأَسْبَابِ فِي اقْتِضَائِهَا الْمُسَبَّبَاتِ، وَمَنْ قَالَ: إنَّ الدُّعَاءَ عَلَامَةٌ وَدَلَالَةٌ مَحْضَةٌ عَلَى حُصُولِ الْمَطْلُوبِ الْمَسْئُولِ لَيْسَ بِسَبَبٍ، أَوْ هُوَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، لَا أَثَرَ لَهُ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ؛ وُجُودًا وَلَا عَدَمًا، بَلْ مَا يَحْصُلُ بِالدُّعَاءِ، يَحْصُلُ بِدُونِهِ، فَهُمَا قَوْلَانِ ضَعِيفَانِ؛ فَإِنَّ اللهَ عَلَّقَ الْإِجَابَةَ بِهِ تَعْلِيقَ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ؛ كَقَوْلِهِ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللهَ بِدَعْوَةِ لَيْسَ فِيهَا إثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إلَّا أَعْطَاهُ بِهَا إحْدَى خِصَالٍ ثَلَاثٍ: إمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ مِثْلَهَا، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ الشَّرِّ مِثْلَهَا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ}، فَعَلَّقَ الْعَطَايَا بِالدُّعَاءِ تَعْلِيقَ الْوَعْدِ وَالْجَزَاءِ بِالْعَمَلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: "إنِّي لَا أَحْمِلُ هَمَّ الْإِجَابَةِ، وَإِنَّمَا أَحْمِلُ هَمَّ الدُّعَاءِ، فَإِذَا أُلْهِمْتُ الدُّعَاءَ؛ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ مَعَهُ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ". اهـ.

ولمزيد فائدة راجعي تلك الروابط: "لماذا لا يستجيب الله الدعاء؟ الحكمة من تأخير إجابة الدعاء، كيف أحقق منزلة القرب من الله؟، كيف يُستجابُ دعائي، أدعو الله، ولكن لا يُستجاب لي!!".

هذا؛ والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 8
  • -1
  • 34,085

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً