ندمي على أخذ الخياط لمقاسات زوجتي
... ولا يتحسر على الماضي؛ لأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا متزوج ، وأحب الالتزام، ولي غيرة شديدة على زوجتي. لكن وبعد أن اشتريت لها معطفا لم يكن المقاس مناسبا لها, فبحثنا عن خياطة نساء لتقوم بتعديل مقاسه ليناسبها فلم نجد. فاقترحت علي أن نأخذه لخياط رجالي ونعطيه المقاسات. وكذلك فعلنا. لكن عند ذهابنا عنده أخبرناه بالمقاسات ليعدله، لكن طلب منا أن ترتديه زوجتي ليلاحظ المقاسات ففعلت ولبسته فوق عباءتها وكان معطفا شتائيا غليظا نوعا ما. ثم أخذ المقاس من جهة الذراع. مر الأمر دون أن أعي الموقف أو أقدره حينها. لكن بعد فراغنا. لم أطق هذا الصنيع وظل ينغص حياتي وتفكيري. بدأ وابل من الأسئلة تراودني وتسبب لي الحزن: كيف سمحت له أن يأخذ مقاسات الثوب لزوجتي، وأنا الذي أغار غيرة شديدة. ماذا فعلت؟ ماهذا الصنيع؟ أين مبادئي؟... ندمت ندما شديدا. أصبح تفكيري ينغصه هذا الأمر. وددت لو عاد الزمان للوراء وأصلحت الأمر, أصبحت أكره نفسي وأمقتها وأحتقرها. فكلما سمعت موضوعا أو قرأته عن انعدام الغيرة عند الرجال أحس كأني المخاطب وأحزن بشدة، أعيش صراعا نفسيا. أريد منكم أن ترشدوني. أنا في حيرة من أمري. جزاكم الله خيرا
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالغيرة من الغرائز البشرية المحمودة التي أودَعَهَا اللهُ في الإنسان، وتظهر كلما أحس شركة الغير في حقه بلا اختيار منه، ولا خير في من لا يغار وقلبه منكوس لا خير فيه، وهي من الأخلاق التي يحبُّها الله، فأقوى الناس دينًا أعظمُهم غيرة، وفي الصحيحين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الكسوف: "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ"،
وفي الصحيح أيضًا أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ؛ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ".
أما ذهابك لذلك الخياط فهو أمر مقدر، والشارع الحكيم جعل باب التوبة مفتوحًا، وأمر بالاستغفار عند المعائب، ولا يتحسر على الماضي؛ لأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، ففي الصحيح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان"، فالمسلم مأمور بالحرص على طاعة الله ورسوله، وإذا أصابته مصيبة مقدرة أن ينظر إلى القدر ولا يتحسر، ويقول: قدر الله وما شاء فعل، ولا يقول: لو أني فعلت لكان كذا؛ لأنها تورث حسرة وحزنًا لا يفيد، وإنما التسليم للقدر هو الذي ينفعه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع فتاوى ابن تيميَّة" (2 / 494):
"والمؤمِنُ مأْمُور عند المصائب أنْ يصبرَ ويُسَلِّمَ، وعند الذنوب أنْ يسْتغفرَ ويتوبَ؛ قال الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [غافر: 55]، فأَمَرَهُ بالصبر على المصائب، والاستغفار من المعائب، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]، قال ابن مسْعود: هو الرجُل تُصيبه المصيبةُ، فيَعْلم أنَّها مِنْ عند الله، فيرضى ويُسَلِّم". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: