الزوجة الزانية بين الستر والانتقام

منذ 2020-01-04
السؤال:

انا متزوج ولدينا ولد وبنت كونت احب زوجتي وحترمها وهي كانت ذاك الادب وهدوء ماترد عليا بكلمه ولا ترفع صوتها علي ومن عائله كبير ومحترمه ابوها يحترمني كثير ودايم يوصي ابنته ان تكون على كامل المسؤليه، و بعد زوجنا جلسنا في بيت اهلي خمس سنوات وبعدين استقلينا شقه وعشت انا وهي وابنائي وبعد مرور خمس سنين في شقتنا عرفت ان زوجتي تخونني عرفت الرسائل في التليفون، فكرت القصه تواصل ورسائل، ولكن طلع الموضوع اكبر كان يجي عند زوجتي في الشقه في غيابي في العمل كانت صدمه كبيره لي لم اتوقع من زوجتي تخونني بهذه الدرجه اكبر مصيبه حلت علي. افيدوني انصحوني  هل اطلقها واسترها او انتقم منها ومن الزاني كيف اتحمل اشوف شخص امامي كان يدخل بيتي وعند زوجتي  اريد الانتقام منهم الاثنين بس خوفي من الفضيحه امام الناس تكون كارثه اذا عرفو اهلها او اهلي انصحوني كيف اسوي كيف انتقم من انصحوني بارك الله فيكم

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن فاحشة الزنا من أقبح الكبائر ويزداد فحشه إن كان من امرأة متزوجة، فـ"الزِّنَى مِنَ الْمَرْأَةِ أَقْبَحُ مِنْهُ بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى هَتْكِ حَقِّ اللهِ إِفْسَادَ فِرَاشِ بَعْلِهَا، وَتَعْلِيقَ نَسَبٍ مِنْ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَفَضِيحَةَ أَهْلِهَا، وَأَقَارِبِهَا، وَالْجِنَايَةَ عَلَى مَحْضِ حَقِّ الزَّوْجِ، وَخِيَانَتَهُ فِيهِ، وَإِسْقَاطَ حُرْمَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ، وَتَعْيِيرَهُ بِإِمْسَاكِ الْبَغِيِّ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَفَاسِدِ زِنَاهَا، فَكَانَتِ الْبَدَاءَةُ بِهَا فِي الْحَدِّ أَهَمَّ"، قاله ابن القيم في "زاد المعاد".

فالزنا مستقبح مستبشع حتى في نفوس الكافرات، كما حكى الله تعالى عن النسوة صاحبات امرأة عزيز مصر، وأنهن أنكرن عليها مراودتها لنبي الله يوسف عليه السلام ذلك، قال الله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [يوسفومن ثمّ حذَّرَنا الله تعالى في كتابه المحكم من مقاربته، ومخالطة أسبابه ودواعيه، وأمر بغلق جميع الأبواب وسد الذراع فرقًا منها؛ فقال سبحانه: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء:32]، وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد".

الذي يَظْهَرُ من السؤال أنَّ الانحِرَاف مُتَأَصِّل في نفس زوجتك غائر في الأعماق، فهي لم َتكتفي بمجرد الزنا وإنما بلغت لحدّ الوقاحة فزنت في منزل الزوجية، وما قد يترتب على ذلك من اطلاع الجيران أو الأبناء وغير ذلك، ولذلك لا يجوز الإمساك بها فقد أمر رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -  ببيع الجارية إذا تكرر زِنَاها؛ وزجر عن مُعَاشَرَتها؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، وَلاَ يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ، فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ"؛ متفقٌ عليهِ. وَإِن كَانَ هَذَا فِي الأَمَةِ فَفِي الزَّوْجَةِ مِن بَابِ أَوْلى وَأَحْرَى لَا سِيَّمَا إِن كَانت بَاقِيَةً عَلَى حَالِهَا، وَلَمْ تَتُبْ فَلَا خَيْرَ فِي إِمْسَاكِ مِثْلِهَا، بل فيه الشر المستطير.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (15/ 328) في معرض تعليقه على هذا الحديث:

"وَالْإِمَاءُ اللَّاتِي يَفْعَلْنَ هَذَا، تَكُونُ عَامَّتُهُنَّ لِلْخِدْمَةِ، لَا لِلتَّمَتُّعِ، فَكَيْفَ بِأَمَةِ التَّمَتُّعِ؟! وَإِذَا وَجَبَ إخْرَاجُ الْأَمَةِ الزَّانِيَةِ عَنْ مِلكِهِ، فَكَيْفَ بِالزَّوْجَةِ الزَّانِيَةِ؟! وَالْعَبْدُ وَالْمَمْلُوكُ نَظِيرُ الْأَمَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَنَّهُ لَعَنَ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا"؛ فَهَذَا يُوجِبُ لَعْنَةَ كُلِّ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، سَوَاءٌ كَانَ إحْدَاثُهُ بِالزِّنَا، أَوْ السَّرِقَةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِيوَاءُ بِمِلْكِ يَمِينٍ، أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا فِي ذَلِكَ تَرْكُهُ إنْكَارًا لِلْمُنْكَرِ". اهـ.

يُؤَكِّدُ هَذَا المعنى أَنَّ اللهَ - عزَّ وَجَلَّ - إِنَّما أَبَاحَ نِكَاحِ العَفَائِفِ؛ قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: 5].

وقال تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3].

والمرأةُ الزَّانيةُ لَا يُؤْمَنُ جَانِبُهَا أن تَأْتِيَ بِوَلَدٍ مِنَ الزِّنَا فَتُلْحِقُهُ بِزَوجِهَا، لا سيَّما إن كَانت تَزْنِي عَلَى فِراشِ زَوْجِهَا، ويخشى أن يَدْخُل إمساكُ مِثلِ هَذهِ الزَّوْجَةِ المستهتِرَةِ في الوقوع في الدياثة؛ وقد قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ..."، وَذَكَرَ مِنْهُمُ الدَّيُّوثَ؛ وهُو الذي يُقِرُّ الفاحِشَةَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، والحديثُ رواهُ أحمدُ، والنسائيُّ، وقد قال الله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور: 26].

أيضًا فإن وجودَّ أُمًّ كهذِهِ لا تُؤتَمَنُ على أبنائِها وهو أفسدُ لهم من عَدَمِهَا.

وإذا عرف هذا، فطلق زوجتك واشترط ضم الأبناء إليك، لتستر عليها، ولا تخبر أحدًا بما فعلت، وفوض أمرك إلى الله، ودع امر هما إلى الله تعالى المنتقم الجبار،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 44
  • 14
  • 105,905

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً