كيف يعامل الأهل الابنة الزانية
السلام عليكم ورحمة الله، وقعت فتاة في السادسة عشر من عمرها في خطيئة الزنا مرة واحدة واعترفت لأهلها ونوت التوبة خشية من الله تعالى وخوفا من عظم ما ارتكبت. السؤال الأول كيف تتوب توبة نصوحة؟ السؤال الثاني كيف يتعامل معها ابويها؟ السؤال الثالث هل من حق الأبوين الانتقام من الفاعل اذا توصلوا له؟ وشكرا لكم
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن الزّنا أعظمِ الذّنوب وأفظعها، وأقبح الكبائر وأشرها، وقد فطر الله عباده على استقباحه، وحرمته معلومةٌ من دين الإسلام بالضَّرورة، وحرمه الله تعالى في جَميع الشَّرائع السَّماوية الأُخْرى؛ فقد أَجْمع أهلُ المِلَل وجَميعُ العُقلاء على تَحريمه، فلم يحلَّ في ملَّة قطّ، وذلك لما يجلب على المجتمعات سخطَ الله وعقابَه، وإشاعة البغضاء بين النَّاس واختِلاط الأنساب، وضياع العفَّة وانتِشار كثيرٍ من الجرائِم والأمراض الفتاكة، وقد حذَّر الله من مجرد الاقتراب من سبله، فقال سبحانه: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء: 32]؛ وجعل حدّه أشدَّ الحدود، لأنَّه جنايةٌ على الأعراض والأنساب، ومن ثم توعَّد الله مرتكبه بالعقابٍ الأليم.
ولذلك كان الواجب على من وقع فيه المبادرةُ بالتَّوبة إلى الله من هذا الجُرم العظيم، والنَّدمُ والعزم على عدم العَوْد، والابتعاد عن كل ما من شأنه الرجوع إلى الذنب أو تذكره؛ والله تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره؛ فهو سبحانه يُحبّ التَّوّابين ويُحبّ المُتطهّرين؛ قال عزَّ وجلَّ بعد ذكر عقوبة الزَّاني: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان: 70]، وقد سبق تفصيل ذلك في الفتاوى:
"التوبة من الزنا"، "توبة من الزنا"، "الستر على الزاني أم إقامة الحد عليه".
أما معاملة الأهل لتلك الفتاة، فيجب عليهم أولاً السعي في هدايتها، وحثها على التوبة وكثرة الاستغفار، والمحافظة على العبادات ومن أعظمها الحفاظ على الصلاة المكتوبة، وأن يغلقوا أبواب الشر دونها، من الأفلام والمسلسلات وغيرها مما يؤجج الشهوات، ومنعها من وسائل الاتصال التي تسهل المعصية، كالمحمول والانترنت، وغيرها من الوسائل التي تتواصل بها مع الشباب، ولا بأس ألا يراقبوا تصرفاتها لفترة من الزمان حتى يتأكوا من صدق توبتها؛ فالوالدان مسؤولان عن تربية وتقويم الأبناء، والسعي في صلاح دينهم هو أول واجباتهم الشرعية؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، وفي "الصحيحين" عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته".
فالشهوة الجنسية من قوى النفس البشرية، ولذلك جاءتْ شريعة الله تعالى بما يُلائم فطرة الإنسان، ولم تَغفلْ عن طبيعة النفسَ البشرية؛ فصان الإسلامُ العلاقاتِ بين الجنسين، وجعل لها ضوابطَ صارمةً، وحرَّم العلاقة بين رجلٍ وامرأةٍ، إلا في ظلِّ زواج شرعيٍّ، فلا يصحُّ أيُّ علاقة بين الجنسين إلا لحاجة، ومخالفة تلك الضوابط توقع في الفساد.
وأمَّا إقامة الحدِّ فلا تجوز لآحادِ النَّاس؛ منعًا للفوضى، كما نصّ عليه الأئمة المتبعين، قال الإمام النَّوويُّ - رحمه الله - في "المجموع": "أمَّا الأحكام، فإنَّه متى وجب حدُّ الزِّنا أو السَّرقة أو الشرب، لَم يَجُزِ استيفاؤه إلا بأمر الإمام، أو بأمرِ مَن فوَّض إليه الإمامُ النَّظَر في الأمر بإقامة الحدِّ؛ لأنَّ الحدودَ في زمن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - وفي زمن الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - لَم تُستوفَ إلا بإذْنِهم، ولأنَّ استيفاءَها للإمام، والمُراد بالإمام الخليفة العامِّ". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: