حكم مُقاطعة المنتجات الفرنسية
ومن أدلَّة المقاطعة الاقتِصاديَّة أنَّ ثمامة بن أثال لمَّا أسلَم سافر إلى مكَّة للعُمرة، وقال لأهل مكَّة: "والله، لا يأتيكم من اليمامة حبَّة حنطة حتَّى يأْذَن فيها النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم".
السَّلام عليْكم ما حُكْم مُقاطعة المنتجات الفرنسية؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالمقاطعة الاقتِصاديَّة لِمن يُسيءُ للإسلام وللرَّسول مشروعة، وقد تكون واجبةً، إذا كانت سببًا لكسْر شوكتِهم، ومنع تطاولهم؛ لأنَّ ما لا يتمُّ الواجِب إلاَّ به فهو واجب، كما هو مقرَّر شرعًا.
ومن أدلَّة المقاطعة الاقتِصاديَّة: ما رواه البخاري ومسلم في صحيحَيهما، عن أبي هُرَيْرة - رضِي الله عنْه - أنَّ ثمامة بن أثال لمَّا أسلَم سافر إلى مكَّة للعُمرة، وقال لأهل مكَّة: "والله، لا يأتيكم من اليمامة حبَّة حنطة حتَّى يأْذَن فيها النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم".
هذا؛ وما دَفَع كفار أوربا وغيرها - عليهم لعائِنُ الله المتتابعة إلى يوم القيامة - إلى الطَّعن في نَبيِّ الرحمة، هو الحقدُ الدَّفين، والحسد الذي يملأ قلوبَهم على المسلمين ونبيِّهم الكريم.
فالغالب على أهل الكفر سعي للنَّيل من المسلمين، وهذا دأبهم منذ أوَّل أيَّام الدَّعوة الإسلاميَّة، ولو تعرَّضتْ أيّ أمَّة لِمِعشار مِعْشار ما تعرَّض له الإسلام والمسلمون من المَكْرِ والكيد والحرب المُعْلنة والخفيَّة لَماتت في المهد، قال الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109]، وقال: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، وقال سبحانه: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [آل عمران: 69]، وقال سبحانه: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران: 118-120]، وقال سبحانه: {وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة: 2].
حتى إنَّ أخلاقَهم الرَّذيلة، وطبْعَهم الخبيث، وحسدَهم للإسلام والمسلمين، وشدَّة عنادِهم وقلَّة عقولِهم مع كُفْرِهم وسبّهم لربّ العالمين - حَمَلهم على تفضيل عبَّاد الأصنام على المسلمين؛ كما قال تعالى: {هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء: 51].
إنَّه موقفُهم دائمًا من الحقّ والباطل، ومن أهل الحقّ وأهل الباطل.... إنَّهم ذَوُو أطماع لا تنتهي، وذَوُو أهواءٍ لا تعتَدِل، وذَوُو أحقادٍ لا تَزول! وهم لا يَجِدُون عند الحقّ وأهلِه عونًا لهم في شيء من أطماعِهِم وأهوائِهِم وأحقادِهم؛ إنّما يَجدون العونَ والنُّصرة - دائمًا - عند الباطل وأهله، ومِنْ ثَمَّ يَشهَدُون للباطل ضدَّ الحق؛ ولأهل الباطل ضدَّ أهل الحق!
وكان طبيعيًّا منهم ومنطقيًّا أن يقولوا عن الذين كفروا: {هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا} [النساء: 51]... ولكنهم لا يكفّون أبدًا عن تشويه الإسلام وأهله . . لأنَّ حقدهم على الإسلام ، وعلى كل شبح من بعيد لأيّ بعث إسلامي أضخمُ من أن يُدارُوه ولو للخداع والتمويه!
إنَّها جبلَّة واحدة، وخطَّة واحدة، وغاية واحدة .... هي التي من أجلها يَجْبَهُهم الله باللَّعنة والطرْدِ، وفقْدان النصير، والذي يفقد نُصرة الله فما له من ناصرٍ وما له من مُعين، ولو كان أهل الأرض كلهم له ناصرٌ وكلهم له معين: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء: 52].... كما قال صاحب "الظلال".
بل إنَّ الغربَ الكافر يتسامَحُ مع كلّ المعتَقَدات والمِلَل، حتَّى مع عبدةِ الشَّيطان، ولكنَّه لا يظهر أيَّ تسامُح مع المسلمين، فكلّ شيءٍ مسموحٌ إلا أن تكونَ مُسلمًا!! كما يقول مراد هوفمان في كتابه "الطريق إلى مكة".
ولا يخفى أن من أسباب تطاوُل الأصاغِر من المشركين على سيّد الأوَّلين والآخِرين، هو ضعفُ المسلمين وتفرُّقهم وترْكُهم العَمَلَ بِمُوجِب الكِتاب والسُّنَّة، وترْكُهم الجهادَ في سبيلِ اللَّه فإنَّه لا بدَّ للحقّ من قوَّة تَحميه،؛ ولذلك قال سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}[الأنفال: 60]، وقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فذكر تعالى أنَّه أنزل الكِتاب والميزان، وأنَّه أنزل الحديد لأجل القيام بالقسط؛ ولِيعلمَ الله مَن ينصُرُه ورسُلَه، ولِهذا كان قوام الدّين بِكِتابٍ يَهدي وسيفٍ ينصر، وكفى بربّك هاديًا ونصيرًا، وقال: فكان المقصود الأكبر بذِكْر الحديد هو اتِّخاذ آلات الجِهاد منه؛ كالسَّيف والسّنان والنَّصل، وما أشبه ذلك الذي به يُنْصر اللهُ ورسولُه صلَّى الله عليه وسلَّم".
وصدق المعري إذ يقول:
وَجَدْتُ الشَّرَّ يَنْفَعُ كُلَّ حِينٍ = وَمِنْ نَفْعٍ بِهِ حُمِلَ الحُسَامُ
هذا؛ والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: