هل علي اقامة الحد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة انا شاب في عمري 22 سنة قمت بعمل قوم لوط في سن 12 سنة الي غاية سن 20 وقد تبت الى الله وندمت على ذلك وانا خائف على نفسي هل اسافر الي بلاد تقيم الحد لي يقام علي الحد
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، ثمَّ أمَّا بعد:
فإن من سعة رحمة الله بعباده؛ أن من وقع في كبيرة توجب الحد فاستتر بستر الله، وتاب فيما بينه وبين الله تعالى: فإن الله تعالى يقبل توبته، مهما بلغ الذنوب؛ قال - سبحانه وتعالى -:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان:67-70]، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور31]، والآيات بهذا المعنى الشريف كثيرة جدًا.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها))؛ رواه مسلم من حديث أبي موسى.
وأخرج الترمذي وغيره عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((قال الله – تعالى -: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي)).
ومن لوازم التوبة: الإقلاع عن الذنب، والابتعاد عن أسبابه، وكل ما يؤدي إليه، والعزم على عدم العود إليه، والندم على ما فات، مع الإكثار من العمل الصالح، ومخالطة أهل الخير، ومجانبة أهل الشر؛ قال – تعالى -: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة هود: 114،115].
كما يجب أن تسد على الشيطان مجاريه، وأن تقطع حبائله؛ قال الله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور:21].
أما إقامة الحد فليس بشرط في التوبة، بل الأفضل أن تستر بستر الله - تعالى - لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها، فليستتر بستر الله - تعالى - وليتب إلى الله - تعالى - فإنه من يُبْدِ لَنَا صفحتَهُ نُقِمْ عليه كتاب الله))؛ رواه الحاكم من حديث ابن عمر، ورواه مالك - في "الموطأ" – مرسلًا، عن زيد بن أسلم، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((تعافُوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد قد وجب))؛ رواه النسائي، وأبو داود، والحديث نصٌّفي محل النزاع.
وعن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بعد رجمه الأسلمي فقال: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله"؛ رواه مال والبيهقي.
قال ابن حجر - في فتح الباري (19 / 238) -:
"ويؤخذ من قضيته: أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله - تعالى - ويستر نفسه، ولا يذكر ذلك لأحد؛ كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز، وأن من اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا، ولا يفضحه، ولا يرفعه إلى الإمام؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم - في هذه القصة -: ((لو سترته بثوبك، لكان خيرًا لك))، وبهذا جزم الشافعي - رضي الله عنه - فقال: "أحب لمن أصاب ذنبًا، فستره الله عليه أن يستره على نفسه، ويتوب، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر".
هذا؛ والله أعلم.
- المصدر: