حكم صيانة مسجد به ضريح

منذ 2022-01-31
السؤال:

اعمل مدير قسم الكهرباء فى شركة مقاولات وبحكم عملى لابد وأن تعرض على جميع اعمل الكهرباء لكل مواقع العمل وواقع عليها ولقد طلبت من الشركة دراسة أحمال مسجد به ضريح وعمل الصيانة اللازمة له فما الحكم وبالأخص أن هذه الأعمال يطلب تنفيذها من الشركة بأوامر الوزارة دون مقابل مع العلم أنه ليس هذا مجال عمل الشركة

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فقد حرمت الشريعة الإسلامية بناء المساجد على القبور، وقد تواترت النصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنهي عن اتخاذ القبور مساجد ولعن فاعلها.

ففي الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)).

وفيهما أيضًا ومنها عن عائشة - رضي الله عنها - أن أم سلمة ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: ((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله)).

كما دلت السنة المطهرة أن ذلك النهي محكم لم ينسخ؛ ففي الصحيح من حديث جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - عند مسلم  قال: ((سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس يقول: ((إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)).  

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "

مجموع الفتاوى" (22/ 194): "اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على قبر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك)). وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غُيِّر إما بتسوية القبر وإما بنبشه وإن كان جديداً، وإن كان المسجد بني بعد القبر، فإما أن يزال المسجد، أو تزال صورة القبر، فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل فإنه منهي عنه". اهـ.

قال (27/ 140): "بل المساجدُ المبنيةُ على قبور الأنبياء والصالحين لا تجوز الصلاة فيها، وبناؤها محرَّمٌ؛ كما قد نصَّ غيرُ واحدٍ من الأئمة؛ لِمَا استفاض عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحاح والسنن والمسانيد". اهـ.

وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله – في "زاد المعاد في هدي خير العباد": "فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه، وكان الحكم للسابق، فلو وضعا معاً لم يجز، ولا تصح الصلاة في هذا المسجد لنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، ولعنه من اتخذ القبر مسجداً، أو أوقد عليه سراجاً، فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه بين الناس كما ترى". اهـ.

وقال ابن حجر الهيتمي في كتابه "الزواجر عن اقتراف الكبائر": "الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون: اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها، واتخاذها أوثاناً، والطواف بها، واستلامها، والصلاة إليها". اهـ.

وقد بين الإمام الصنعاني الحكمة من النهي عن ذلك فقال في كتابه "سبل السلام"(1/ 498): "وهذه الأخبار المعبر فيها باللعن والتشبيه بقوله : ((لا تجعلوا قبري وثناً يعبد من دون الله))، تفيد التحريم للعمارة، والتزيين والتجصيص، ووضع الصندوق المزخرف، ووضع الستائر على القبر، وعلى سمائه، والتمسح بجدار القبر، وأن ذلك قد يفضي مع بعد العهد وفشو الجهل إلى ما كان عليه الأمم السابقة من عبادة الأوثان؛ فكان في المنع عن ذلك بالكلية قطع لهذه الذريعة المفضية إلى الفساد، وهو المناسب للحكمة المعتبرة في شرع الأحكام، من جلب المصالح ودفع المفاسد، سواء كانت بأنفسها أو باعتبار ما تفضي إليه". اهـ.

إذا تقرر هذا، فلا يجوز للمسلم العمل في خدمة هذه الأضرحة؛ لما سبق من النهى عن بناء المساجد على الأضرحة، ولا يحل لأحد من المسلمين أن يعاون أحدًا على ما حرمه الله من المعاصي ونحوها؛ قال الله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]،  وروى أحمد وأصحاب السنن عن ابن عمر قال: ابن عمر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه".

أيضًا فإن العمل في تلك المشاهد والأضرحة  فيه مشاهدة للمنكر وإقراره والإعانة عليه؛ وقد قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا } [النساء: 140]

هذا؛ والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 2
  • 0
  • 1,681

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً