حكمة الله فى البلاء
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته امتلك قناة يوتيوب واعمل عليها منذ ٣ سنوات مرت عليا كثير من الازمات والاخفاقات وبفضل الله وحوله تجاوزتها ومنذ عام رزقني الله بالطريق المستقر فى العمل الرزق يزيد وينقص بتوفيق من الله راضي كامل الرضا برزق الله وكلما صعب علي أمر ف العمل يوفقني الله فى تجاوزه منذ اسبوعين توقف العمل بالكامل بسبب مشكلة مع اليوتيوب اغلق باب الرزق لي ول اسرتي اتقرب الي الله قدر استطاعتي احافظ على صلاتي قدر استطاعتي البلاء شديد هذه المرة فهل من كلمة فحكمة هذا الامر
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإن حكمة الله تعالى في ابتلاء عباده المؤمنين يدركها كل من طلبها، فأفعال الله سبحانه وتعالى كلها لا تَخرُج عن العدل والحكمة، والمصلحة والرحمة؛ فالله تعالى لا يَجُور في حُكمِه وفِعله ومنعه وعطائه، وعافيته وبلائه، وتوفيقه وخذلانه، ولا يخرج شيءٌ عن موجَب ما تَقْتَضيه أسماؤُه وصفاته، والرحمة والإحسان والفضل، ووضع والعطاء والمنع في مَوضِعه، ولا يَخُرج تصرُّفه في عبادِه عن العدل والفضل، ووضع الأشياءَ مواضعها؛ فإن أعطى وأكرَم وهدَى ووفَّق، فبفضله ورحمته، وإنْ منَع وأهانَ وأضلَّ وخذَلَ وأشقى، فبعدلِه وحكمته.
والله سبحانه وتعالى لكمال علمه وحكمته {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}[الأنبياء: 23]، فليس في أفعاله خلل ولا عبث ولا فساد يسأل عنه، كما يسأل المخلوق، وهو الفعال لما يريد، ولكن لا يريد أن يفعل إلا ما هو خير ومصلحة ورحمة وحكمة، فلا يفعل الشر ولا الفساد، ولا الجور ولا خلاف مقتضى حكمته؛ فهو الغنى الحميد العليم الحكيم، لا يظلم العباد مثقال ذر، ويفعل ما يشاء بأسباب وحكم، ولغايات مطلوبة وعواقب حميدة.
وهو سبحانه وتعالى لم يخلُقْ شرًّا خالصًا، ولا شرًّا راجحًا، وإنما خلق خيرًا محضًا، وخيرًا راجحًا، وشرًّا مرجوحًا والخير الذي فيه اعظم من الشر؛ مِن أجل هذا قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابتْه سراء شَكَر فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضراء صبر فكان خيرًا له))؛ رواه مسلم عن صُهيب.
ومن قرأ كتابَ الله تعالى و تأمَّله، وتدبُّر أمثلته، أدرك أن أولَ ما وجَّه الله تعالى إليه الأمةَ المسلمة هو الاستعانةُ بالصبر والصلاةِ؛ استعدادًا للتكاليفِ، وبذْل التضحيات، ومُكابَدة الأهوالِ، والنقص في الأموال والأنفسِ والثمرات، وذلك في مقابل جزاءٍ ضخمٍ للقلبِ المؤمن؛ وهو رضا الله ورحمتُه وهدايته.
فالله تعالى ذكَر الصبر في القرآن كثيرًا فلا تكاد سورة تخلو منه؛ ذلك لأنَّ الله تعالى يعلم ضخامة الابتلاء والتكليف والجهد الذي يَتَطَلَّبُه الثبات على الحق، والاستقامة على صراطه المستقيم، وقوة منازعة النفس والهوى والصراعات والعقبات، وكل هذا يتطلَّب الصبر على الطاعات، والصبر عن المعاصي، والصبر على بُطء الفرَج، والصبر على التواء النفوس، وزيغ القلب، لا سيما حينما يَطول في الابتلاءات الكبيرة،
كما يتطلَّب صِدق اللجوء إلى الله بالضراعة وطلب الفرج والعون، وتفويض الأمر لله، والافتقار إليه؛ لأن الصبر يضعف ويتفلَّت أو ينفد، إذا لم يكن هناك زادٌ ومدَد مِن الطاعات الكِبار كالصلاة؛ ولذلك يقرن سبحانه الصلاةَ إلى الصبر؛ لأنها المعينُ الذي لا ينضَبُ، والزَّاد الذي لا ينفدُ؛ فهي تجدِّدُ الطاقة، وتزوِّد القلب؛ فيمتدُّ حبلُ الصبر ولا ينقطع، فالإنسانُ ضعيفٌ بطَبعِه، قويٌّ بربه إذا الْتَجَأَ للقوة الكبرى، لاستمدادِ العون وطلب الاستقامة على طريق الحقّ، والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]، إلى قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: 155 ،- 157]، وقال سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } [البقرة: 214]، وقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142]، وقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [التوبة: 16]، وقال: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2، 3]
قال شيخ الإسلام ابن القيم في كتابه "الفوائد" (ص: 93): "... سبحانه تَوَلَّى تدبيرَ أمورِهم بموجب علمِه وحكمته ورحمته أَحَبُّوا أم كرهوا، فعرف ذلك الموقنونَ بأسمائه وصفاته، فلم يتَّهموه في شيءٍ مِن أحكامه، وخفي ذلك على الجهلة به وبأسمائه وصفاته، فنازعوه تدبيرَه، وقدحوا في حكمتِه، ولم يَنقادوا لحكمه، وعارضوا حُكمَه بعقولهم الفاسدة، وآرائهم الباطلة، وسياساتهم الجائرة، فلا لربهم عرفوا، ولا لِمصالحهم حصلوا.
ومتى ظفر العبد بهذه المعرفة سكن في الدنيا قبل الآخرة في جنة لا يشبه فيها إلا نعيم الآخرة فإنه لا يزال راضيا عن ربه والرضا جنة الدنيا ومستراح العارفين فإنه طيب النفس بما يجري عليه من المقادير التي هي عين اختيار الله له وطمأنينتها إلى أحكامه الدينية وهذا هو الرضا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وما ذاق طعم الإيمان من لم يحصل له ذلك وهذا الرضا هو بحسب معرفته بعدل الله وحكمته ورحمته وحسن اختياره فكلما كان بذلك أعرف كان به أرضى فقضاء الرب سبحانه في عبده دائر بين العدل والمصلحة والحكمة والرحمة لا يخرج عن ذلك البتة كما قال في الدعاء المشهور: ((ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك))، وهذا يتناول كل قضاء يقضيه على عبده من عقوبة أو ألم وسبب ذلك فهو الذي قضى بالسبب وقضى بالمسبب وهو عدل في هذا القضاء وهذا القضاء خير للمؤمن"
هذ؛ وقد ذكر الإمام ابن القيم بعض الحكم من ابتلاء الأنبياء والصالحين بالشر وتسليط الكفار على المؤمنين، فقال في "إغاثة اللهفان" (2/189-191):" ... الأصل السابع : أن ما يصيب المؤمن في هذه الدار من إدالة عدوه عليه، وغلبته له، وأذاه له في بعض الأحيان: أمر لازم لا بد منه، وهو كالحر الشديد، والبرد الشديد، والأمراض، والهموم، والغموم، فهذا أمر لازم للطبيعة والنشأة الإنسانية في هذه الدار، حتى للأطفال والبهائم؛ لما اقتضته حكمة أحكم الحاكمين، فلو تجرد الخير في هذا العالم عن الشر، والنفع عن الضر، واللذة عن الألم، لكان ذلك عالمًا غير هذا، ونشأة أخرى غير هذه النشأة، وكانت تفوت الحكمة التي مُزِجَ لأجلها بين الخير والشر، والألم واللذة، والنافع والضار، وإنما يكون تخليص هذا من هذا وتمييزه في دار أخرى غير هذه الدار؛ كما قال تعالى : {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[الأنفال : 37] .
إلى أن قال: ومنها : أنه سبحانه يحب من عباده تكميل عبوديتهم على السراء والضراء، وفي حال العافية والبلاء، وفي حال إدالتهم والإدالة عليهم، فلله سبحانه على العباد في كلتا الحالين عبودية بمقتضى تلك الحال؛ لا تحصل إلا بها، ولا يستقيم القلب بدونها، كما لا تستقيم الأبدان إلا بالحر، والبرد، والجوع، والعطش، والتعب، والنصب، وأضدادها، فتلك المحن والبلايا شرط في حصول الكمال الإنساني، والاستقامة المطلوبة منه، ووجود الملزوم بدون لازمه ممتنع". اهـ.
فرج الله تعالى كربك، ورزقك من حيث لم تحتسب فافزع إلى الله بالدعاء، وضع مسألتك بين يديه، واسأله سسبحانه سعة الرزق الحلال؛ فلا يخيب من دعاه، وتحر أوقات الإجابة؛ فـ"يد الله ملأى لا تغيضها نفقةُ سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض، فإنه لم يغض ما في يده"؛ كما روى البخاري البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر من الاستغفار ،، والله أعلم.
- المصدر: