ماذا يفعل من رمي في عرضه
بيني وبين الجيران المعروف عنهم سوء الذكر خناقة، وظننت ان الامر واقف على الشتم والهجوم على بالسلاح، لكن علمت بعد مدة انهم رموني في عرضي، وكنت أستغرب من كلام بعض الناس بالفاظ ليست مما يقال لي، فما علمت من نفسي وسط الناس الا بالاحترام. لكن بعد ما فطنت لما يقصدون،، أصابني الغم، أعلم أنه كما تدين، تدان، لكن ما اظنني وقعت في عرض شخص أو حتى اذعت ذلك عنه او عنها، فلماذا وقع الناس في؟ قرأت فتوى ع موقع معروف ان على من قذفه الناس ان يبرأ نفسه، فأثار ذلك غضبي،، وأشعر بالزعل من ربي،
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فقد شهدت الفطر والعقول بأن الله سبحانه وتعالىأحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، الحكيم العليم الذي يضع الأشياءَ مواضعها، وأنه ليس في أفعاله سبحانه وتعالى خلل ولا عبث ولا فساد، ومن أجل هذا {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء:23]، كما يسأل المخلوق؛ لكمال حكمته وعلمه، فهو الفعّال لما يريد، ولا يريد أن يفعل إلا ما هو خير ومصلحة ورحمة وحكمة، فلا يفعل الشر ولا الفساد ولا الجور ولا خلاف مقتضى الحكمة؛ لكمال أسمائه وصفاته، فهو الغنى الحميد العليم الحكيم، ولا يظلم العباد مثقال ذر، ويفعل ما يشاء بأسباب وحكم، ولغايات مطلوبة وعواقب حميدة وجودهما خير من عدمها.
فالشر ليس إلى الرب تعالى بوجه من الوجوه، لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله، وإنما يدخل الشر الجزئي الإضافي في المقضي المقدر ويكون شرًا بالنسبة إلى محل وخيرًا بالنسبة إلى محل آخر، وقد يكون خيرًا بالنسبة إلى المحل القائم به من وجه، كما هو شر له من وجه.
والله سبحانه خلق الإنسان ليبتليه بالخير والشر؛ ليعوضه بالصبر على الابتلاء الثواب الجزيل، والدرجات العُلى في الآخرة، ويوفيه أجره بغير حساب؛ فسنة الله في ابتلاء المؤمنين وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم الكاذبين، والله تعالى يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء، ولكنّ الابتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم الله، مغيّب عن علم البشر، فيحاسب الناس إذن على ما يقع من عَمَلِهم، لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم، فلا يأخذوا أحدًا إلا بما استعلن من أمره.
ولا ينبغي للعاقل - فضلا عن المؤمن بقضاء الله وقدره - إذا أصابه نوع من البلاء يقول: يا ربى ما كان ذنبى، حتى فعلت بى هذا؟ حتى يرسب في امتحان صدقه وصبر؛ وصدق الله العظيم القائل: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2، 3] إلى قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ* وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}[العنكبوت: 10، 11]، وقال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}[الحج: 11]، والذي ينقلب على وجهه عند مس الفتنة يخسر الخسارة التي لا شبهة فيها، حيث يخسر الطمأنينة والثقة والهدوء والرضى، وهذا جزاء من يجعل العقيدة صفقة في سوق التجارة، إن ربح قال: إن الإيمان خير، وإن ابتلي بالشر لم يصبر عليه، ولم يتماسك له، ولم يرجع إلى الله فيه.
والعبد مأمور أن يرجع إلى القدر عند المصائب، بعد العلم بأن الله قدرها يملء القلب سكينة وطمأنينته وتسليمًا، وهذا من تمام الإيمان بالقدر خيره وشر؛ قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22]، وقال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11]، قال ابن عباس: يعني يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
أما كون الجزاء من جنس العمل، فهذه قاعدة مضطرة، غير أنها لا تتعارض مع سنة الابتلاءُ بالمصائب، فإن الله تعالى قد يختبر العبد إبتداء بالشر ليس جزاء على ما فعل؛ كما قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء: 35]، وقال سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }[البقرة: 214]، وقال: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } [آل عمران: 142].
ومن ثمّ وجَّه الله تعالى إليه الأمةَ المسلمة للاستعانةُ بالصبر والصلاةِ؛ استعدادًا لتحمل التكاليفِ، والنقص في الأموال والأنفسِ والثمرات، وذلك في مقابل جزاءٍ عظيم؛ كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة: 153]، إلى قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].
وتدبَّر كلام شيخ الإسلام ابن القيم في "الفوائد" (ص: ـ22) "... قال هود لقومه: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[هود: 56]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "ماض في حكمك، عدل في قضاؤك"، تضمن هذا الكلام أمرين: أحدهما مضاء حكمه في عبده. والثاني: يتضمن حمده وعدله، وهو سبحانه له الملك وله الحمد؛ وهذا معنى قول نبيه هود {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}، ثم قال {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، أي: مع كونه مالكًا قاهرًا متصرفًا في عباده نواصيهم بيده، فهو على صراط مستقيم، وهو العدل الذي يتصرف به فيهم، فهو على صراط مستقيم في قوله وفعله وقضائه وقدره، وأمره ونهيه وثوابه وعقابه، فخبره كله صدق، وقضاؤه كله عدل، وأمره كله مصلحة، والذي نهى عنه كله مفسدة، وثوابه لمن يستحق الثواب بفضله ورحمته، وعقابه لمن يستحق العقاب بعدله وحكمته، وفرق بين الحكم والقضاء، وجعلَ المضاء للحكم، والعدل للقضاء؛ فإن حكمه سبحانه يتناول حكمه الديني الشرعي، وحكمه الكوني القدري والنوعان نافذان في العبد ماضيان فيه، وهو مقهور تحت الحكمين قد مضيا فيه، ونفذا فيه شاء أم أبى، لكن الحكم الكوني لا يمكنه مخالفته، وأما الديني الشرعي فقد يخالفه.
وقال (ص: 93): "... سبحانه تَوَلَّى تدبيرَ أمورِهم بموجب علمِه وحكمته ورحمته أَحَبُّوا أم كرهوا، فعرف ذلك الموقنونَ بأسمائه وصفاته، فلم يتَّهموه في شيءٍ مِن أحكامه، وخفي ذلك على الجهلة به وبأسمائه وصفاته، فنازعوه تدبيرَه، وقَدَحُوا في حكمتِه، ولم يَنقادوا لحكمه، وعارضوا حكمَه بعقولهم الفاسدة، وآرائهم الباطلة، وسياساتهم الجائرة، فلا لربهم عرفوا، ولا لِمصالحهم حصلوا".
وقد بين رحمه الله بعض الحِكم من الابتلاء بالشر، فقال في "إغاثة اللهفان" (2/189-191):
" ... إن ما يصيب المؤمن في هذه الدار من إدالة عدوه عليه، وغلبته له، وأذاه له في بعض الأحيان: أمر لازم لا بد منه، وهو كالحر الشديد، والبرد الشديد، والأمراض، والهموم، والغموم، فهذا أمر لازم للطبيعة والنشأة الإنسانية في هذه الدار، حتى للأطفال والبهائم؛ لما اقتضته حكمة أحكم الحاكمين، فلو تجرد الخير في هذا العالم عن الشر، والنفع عن الضر، واللذة عن الألم، لكان ذلك عالمًا غير هذا، ونشأة أخرى غير هذه النشأة، وكانت تفوت الحكمة التي مُزِجَ لأجلها بين الخير والشر، والألم واللذة، والنافع والضار، وإنما يكون تخليص هذا من هذا وتمييزه في دار أخرى غير هذه الدار؛ كما قال تعالى : {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[الأنفال : 37]... أنه سبحانه يحب من عباده تكميل عبوديتهم على السراء والضراء، وفي حال العافية والبلاء، وفي حال إدالتهم والإدالة عليهم، فلله سبحانه على العباد في كلتا الحالين عبودية بمقتضى تلك الحال؛ لا تحصل إلا بها، ولا يستقيم القلب بدونها، كما لا تستقيم الأبدان إلا بالحر، والبرد، والجوع، والعطش، والتعب، والنصب، وأضدادها، فتلك المحن والبلايا شرط في حصول الكمال الإنساني، والاستقامة المطلوبة منه، ووجود الملزوم بدون لازمه ممتنع". اهـ. مختصرًا.
إذا تقرر هذا فالواجب عليك المسارعة بالتوبة النصوح، والصبر على أقدار الله المؤلمة واحتساب الأجر والمغفرة عند الله، والإكثار من الأعمال الصالحة، مع قراءة القرآن بتدبر، وإدمان ذكر الله تعالى، ومنها المحافظة على أذكار الصباح والمساء وغيرها.
وما يجري عليك مِن أمورٍ لا حيلة لك في دفْعِها، فاصبرْ عليها وارضَ وسَلِّمْ؛ فالمسلم عليه أن يصبرَ ويَرضى بما قدَّر الله عليه مِن المصائب، ويستغفر من الذنوب والمعايب، ويشكر الله على ما قدَّرَ له مِن النعم والمواهب، فيجمع بين الشكر والصبر والاستغفار، والإيمان بالقدَر والشرْعِ.،، والله أعلم.
- المصدر: