حكم قول كوارث طبيعية

منذ 3 ساعات
السؤال:

عندما ندرس وكدا عن الزلازل في المحاسبة او كدا بنقول ممكن سبب إننا نقفل الشركة حرائق كوراث طبيعية وانا مؤمنة إنها من آيات الله بل من عقوباته وعندما تحدث فعلا شئ كزلزال بنذكر الله وكدا وبنتكلم انها من ذنوبنا وكدا ولكن الكلمة بنقولها كمسمي وناس كتير ماشية بيها بعض العلماء قالوا من يقول هذا ملحد لانه ينسبه للطبيعة ودا فعلا ممكن ناس تعتقد إن الطبيعة اللي عملت كدا ودا مش اللي مؤمنة به لأن اصلا هذه الطبيعة بيد الله سبحانه وكمان دايما بنكر كلام زي غضب الطبيعة واقولهم احنا مش بنخاف من الطبيعة بنخاف من خ

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:

فمن المعلوم بداهة أن المسلم حينما يصف بعض الكوارث لا يقصد مطلقًا أن الطبيعة هي من خلقت الكارثة، فهذ إنما يقصده ويقوله الملاحدة، أما المسلم فيقول هذا ليفرق بين الكوارث التي من صنع الإنسان وغيرها، فتعبير الطبيعة في السياق هو قسيم للكارثة الإنسانية، مثل: سمن طبيعي، ليفرق بينه وبين السمن الصناعي، والحرير الطبيعي وهكذا، فنسبة الفعل للطبيعة لا يظن أبدًا أن المسلم يعني به أن الطبيعة هي من أبدعته إلا من قلّ نصيبة في فهم النفس البشرية؛ فالمسلمون جميعًا يقولون: إن الطبيعة خلق من خلق الله مسخر مربوب، وهي سنته في خليقته التي أجراها عليها، ثم إنه يتصرف فيها كيف يشاء وكما شاء، فيسلبها تأثيرها إذا أراد، ويقلب تأثيرها إلى ضدِّه إذا شاء ليُرِى عباده أنه وحده الخالق البارى المصور، وأنه يخلق ما يشاء كما يشاء: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [يس: 82].

بل حتى المشركين كانوا يعلمون أن الطبيعة لا تفعل شيئًا بذاتها، وأنها من صنع الله تعالى وخلقه؛ كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف: 87]، وقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } [لقمان: 25]، والآيات بهذا المعنى كثيرة.

والحاصل أن إطلاق نسبة الكوارث للطبيعية نسبة لمحلها لا لفاعلها، وهذه النسبة مجازية، فإن الفاعل حقيقة هو الله تعالى وحده، عند المسلم والكافر، ولا يقصد أحد من خلق الله أن الطبيعة هي الخالق الحقيقي إلا الملاحدة، بخلاف المسلم والكافر إذا قالا هذا اللفظ فإنهما يقصدان محل وقوعه لا أن الطبيعة هي من أبدعته، فتأمله.

 

هذا؛ وقد ردّ الإمام ابن القيم في كتابه "مفتاح دار السعادة"(1/ 261-262) على الفلاسفة الطبيعين (الملاحدة) الذين يعتقدون أن الطبيعة هي الخالق الحقيقية، فقال - بعدما ذكر طرفًا من بديع خلق الله في لأعضاء الإنسان -: "... وكأني بك أيها المسكين تقول: هذا كله من فعل الطبيعة؛ وفي الطبيعة عجائب واسرار، فلو أراد الله ان يهديك لسالت نفسك بنفسك وقلت أخبريني عن هذه الطبيعة، أهي ذات قائمة بنفسها، لها علم وقدرة على هذه الافعال العجيبة؟ أم ليست كذلك، بل عرض وصفة قائمة بالمطبوع، تابعة له محمولة فيه، فإن قالت لك بل هي ذات قائمة بنفسها لها العلم التام والقدرة والارادة والحكمة. فقل لها هذا هو الخالق البارئ المصور فلم تسمينه طبيعية؟!

*وبالله من ذكر الطَّبائع يُرغب*

 فهلَّا سميته بما سَمى به نفسه على أَلسُن رسله، ودخلت في جملة العقلاء والسعداء؛ فإن هذا الذي وصفت به الطبيعة صفته تعالى.

وإن قالت لك: بل الطبيعة عرض محمول مفتقر الى حامل، وهذا كله فعلها بغير علم منها ولا إرادة ولا قدرة ولا شعور اصلاً، وقد شوهد من آثارها ما شوهد.

 فقل لها هذا مالا يصدقه ذو عقل سليم؛ كيف تصدر هذه الافعال العجيبة والحكم الدقيقة التي تعجز عقول العقلاء عن معرفتها، وعن القدرة عليها ممن لا عقل له ولا قدرة ولا حكمة ولا شعور؟ وهل التصديق بمثل هذا إلا دخول في سلك المجانين والمبرسمين.

 ثم قل لها بعد: ولو ثبت لك ما ادعيت فمعلوم ان مثل هذه الصفة ليست بخالقة لنفسها، ولا مبدعة لذاتها، فمن ربها ومبدعها وخالقها؟! ومن طبَّعها وجعلها تفعل ذلك؟!

 فهي إذًا من ادلّ الدلائل على بارئها وفاطرها، وكمال قدرته وعلمه وحكمته، فلم يُجد عليك تعطيلك رب العالم وجحدك لصفاته وأفعاله الا مخالفتك العقل والفطرة.

إلى أن قال: "على أنك لو تأملت قولك: (طبيعة)، ومعنى هذه اللفظة، لدلك على الخالق الباريء لفظها، كما دل العقول عليه معناها؛ لان طبيعة فعيلة بمعنى مفعولة، أي: مطبوعة، ولا يحتمل غير هذا البتة؛ لأنها على بناء الغرائز التي ركبت في الجسم ووضعت فيه، كالسَّجيَّة والغريزة والنحيزة والسَّليقة والطَّبيعة؛ فهي التي طبع عليها الحيوان وطبعت فيه.

 ومعلوم أن طبيعة من غير طابع لها محال؛ فقد دلّ لفظ الطبيعة على البارئ تعالى، كما دل معناها عليه.

 والمسلمون يقولون: إن الطبيعة خلق من خلق الله، مسخر مربوب، وهي سنته في خليقته التي اجراها عليه، ثم إنه يتصرف فيها كيف شاء وكما شاء، فيسلبها تأثيرها إذا أراد، ويقلب تأثيرها الى ضده إذا شاء؛ ليرى عباده أنه وحده الخالق البارئ المصور، وأنه يخلق ما يشاء كما يشاء". اهـ.

إذا تقرر هذا، فإطلاق تلك اللفظة لا شيء فيه،، والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 0
  • 0
  • 26

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً