تنبيه على مسائل في التعزية
منذ 2006-12-01
السؤال: تنبيه على مسائل في التعزية
الإجابة: من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه ويطلع عليه من إخواني
المسلمين، وفقني الله وإياهم إلى فعل الطاعات وجنبني وإياهم البدع
والمنكرات آمين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فإن الداعي لكتابة هذه الكلمة هو النصح والتذكير والتنبيه على مسائل في التعزية مخالفة للشرع قد وقع فيها بعض الناس ولا ينبغي السكوت عنها بل يجب التنبيه والتحذير منها. أقول وبالله التوفيق:
على كل مسلم أن يعلم علم اليقين أن ما أصابه فهو بقضاء الله وقدره وعليه أن يصبر ويحتسب، وينبغي للمصاب أن يستعين بالله تعالى ويتعزى بعزائه ويمتثل أمره في الاستعانة بالصبر والصلاة، لينال ما وعد الله به الصابرين في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، وروى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " "، وليحذر المصاب أن يتكلم بشيء يحبط أجره ويسخط ربه مما يشبه التظلم والتسخط، فهو سبحانه وتعالى عدل لا يجور، وله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، وله في ذلك الحكمة البالغة، وهو الفعال لما يريد، ومن عارض في هذا فإنما يعترض على قضاء الله وقدره الذي هو عين المصلحة والحكمة وأساس العدل والصلاح.
ولا يدعو على نفسه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما مات أبو سلمة: " "، ويحتسب ثواب الله ويحمده.
و تعزية المصاب بالميت مستحبة، لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "، والمقصود منها تسلية أهل المصيبة في مصيبتهم ومواساتهم وجبرهم.
ولا بأس بالبكاء على الميت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله لما مات ابنه إبراهيم وبعض بناته صلى الله عليه وسلم.
أما الندب والنياحة ولطم الخد وشق الجيب وخمش الوجه ونتف الشعر والدعاء بالويل والثبور وما أشبهها فكل ذلك محرم، لما روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: " "، وذلك لأن هذه الأشياء وما أشبهها فيها إظهار للجزع والتسخط وعدم الرضا والتسليم.
والصالقة: هي التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: هي التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: هي التي تشق ثوبها عند المصيبة.
ويستحب إصلاح طعامٍ لأهل الميت يُبعث به إليهم إعانة لهم وجبراً لقلوبهم فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم، لما روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة بسند صحيح عن عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: " "، وروي عن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما أنه قال: "فما زالت السنة فينا حتى تركها من تركها".
أما صنع أهل الميت الطعام للناس سواء أكان ذلك من مال الورثة أو من ثلث الميت أو من شخص يفد عليهم فهذا لا يجوز، لأنه خلاف السنة ومن عمل الجاهلية، ولأن في ذلك زيادة تعب لهم على مصيبتهم وشغلٍ إلى شغلهم، وقد روى الإمام أحمد وابن ماجة بإسناد جيد عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: "كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت، وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة"
وأما الإحداد فيحرم على المرأة إحداد فوق ثلاثة أيام على ميت غير زوج، فيلزم زوجته الإحداد مدة العدة فقط، لقوله عليه الصلاة والسلام: " "،
أما إحداد النساء سنة كاملة فهذا مخالف للشريعة الإسلامية السمحة، وهو من عادات الجاهلية التي أبطلها الإسلام وحذر منها، فالواجب إنكاره والتواصي بتركه.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "وهذا من تمام محاسن الشريعة وحكمتها ورعايتها على أكمل الوجوه، فإن الإحداد على الميت من تعظيم مصيبة الموت التي كان أهل الجاهلية يبالغون فيها أعظم مبالغة، وتمكث المرأة سنة في أضيق بيت وأوحشه، لا تمس طيباً ولا تدهن ولا تغتسل، إلى غير ذلك مما هو تسخط على الرب وأقداره، فأبطل الله بحكمته سنة الجاهلية وأبدلنا بها الصبر والحمد، ولما كانت مصيبة الموت لا بد أن تُحدث للمصاب من الجزع والألم والحزن ما تقتضيه الطباع: سَمَحَ لها الحكيم الخبير في اليسير من ذلك، وهو ثلاثة أيام، تجد بها نوع راحة، وتقضي بها وطراً من الحزن، وما زاد عن ذلك فمفسدة راجحة فمنع منه، والمقصود أنه أباح لهن الإحداد على موتاهن ثلاثة أيام، وأما الإحداد على الزوج فإنه تابعٌ للعدة بالشهور، وأما الحامل فإذا انقضى حملها سقط وجوب الإحداد، لأنه يستمر إلى حين الوضع" ا. هـ كلامه رحمه الله.
وأما عمل الحفل بعد خروج المرأة من العدة فهو بدعة إذا اشتمل على ما حرم الله من نياحة وعويل وندب ونحوها، فإن لم يشتمل على شيء من ذلك فلا بأس به، أما الاحتفال من أجل الميت فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم ولا عن السلف الصالح إقامة حفل للميت مطلقاً لا عند وفاته ولا بعد أسبوع أو أربعين يوماً أو سنة من وفاته، بل ذلك بدعة وعادة قبيحة.
فيجب البعد عن مثل هذه الأشياء وإنكارها والتوبة إلى الله منها وتجنبها، لما فيها من الابتداع في الدين ومشابهة المشركين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "، وثبت عنه أيضاً عليه الصلاة والسلام أنه قال: " " إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على النهي عن التشبه بالمشركين وعن الابتداع في الدين، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز. المجلد الثالث عشر.
فإن الداعي لكتابة هذه الكلمة هو النصح والتذكير والتنبيه على مسائل في التعزية مخالفة للشرع قد وقع فيها بعض الناس ولا ينبغي السكوت عنها بل يجب التنبيه والتحذير منها. أقول وبالله التوفيق:
على كل مسلم أن يعلم علم اليقين أن ما أصابه فهو بقضاء الله وقدره وعليه أن يصبر ويحتسب، وينبغي للمصاب أن يستعين بالله تعالى ويتعزى بعزائه ويمتثل أمره في الاستعانة بالصبر والصلاة، لينال ما وعد الله به الصابرين في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، وروى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " "، وليحذر المصاب أن يتكلم بشيء يحبط أجره ويسخط ربه مما يشبه التظلم والتسخط، فهو سبحانه وتعالى عدل لا يجور، وله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، وله في ذلك الحكمة البالغة، وهو الفعال لما يريد، ومن عارض في هذا فإنما يعترض على قضاء الله وقدره الذي هو عين المصلحة والحكمة وأساس العدل والصلاح.
ولا يدعو على نفسه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما مات أبو سلمة: " "، ويحتسب ثواب الله ويحمده.
و تعزية المصاب بالميت مستحبة، لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "، والمقصود منها تسلية أهل المصيبة في مصيبتهم ومواساتهم وجبرهم.
ولا بأس بالبكاء على الميت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله لما مات ابنه إبراهيم وبعض بناته صلى الله عليه وسلم.
أما الندب والنياحة ولطم الخد وشق الجيب وخمش الوجه ونتف الشعر والدعاء بالويل والثبور وما أشبهها فكل ذلك محرم، لما روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: " "، وذلك لأن هذه الأشياء وما أشبهها فيها إظهار للجزع والتسخط وعدم الرضا والتسليم.
والصالقة: هي التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة: هي التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة: هي التي تشق ثوبها عند المصيبة.
ويستحب إصلاح طعامٍ لأهل الميت يُبعث به إليهم إعانة لهم وجبراً لقلوبهم فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم، لما روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة بسند صحيح عن عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: " "، وروي عن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما أنه قال: "فما زالت السنة فينا حتى تركها من تركها".
أما صنع أهل الميت الطعام للناس سواء أكان ذلك من مال الورثة أو من ثلث الميت أو من شخص يفد عليهم فهذا لا يجوز، لأنه خلاف السنة ومن عمل الجاهلية، ولأن في ذلك زيادة تعب لهم على مصيبتهم وشغلٍ إلى شغلهم، وقد روى الإمام أحمد وابن ماجة بإسناد جيد عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: "كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت، وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة"
وأما الإحداد فيحرم على المرأة إحداد فوق ثلاثة أيام على ميت غير زوج، فيلزم زوجته الإحداد مدة العدة فقط، لقوله عليه الصلاة والسلام: " "،
أما إحداد النساء سنة كاملة فهذا مخالف للشريعة الإسلامية السمحة، وهو من عادات الجاهلية التي أبطلها الإسلام وحذر منها، فالواجب إنكاره والتواصي بتركه.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "وهذا من تمام محاسن الشريعة وحكمتها ورعايتها على أكمل الوجوه، فإن الإحداد على الميت من تعظيم مصيبة الموت التي كان أهل الجاهلية يبالغون فيها أعظم مبالغة، وتمكث المرأة سنة في أضيق بيت وأوحشه، لا تمس طيباً ولا تدهن ولا تغتسل، إلى غير ذلك مما هو تسخط على الرب وأقداره، فأبطل الله بحكمته سنة الجاهلية وأبدلنا بها الصبر والحمد، ولما كانت مصيبة الموت لا بد أن تُحدث للمصاب من الجزع والألم والحزن ما تقتضيه الطباع: سَمَحَ لها الحكيم الخبير في اليسير من ذلك، وهو ثلاثة أيام، تجد بها نوع راحة، وتقضي بها وطراً من الحزن، وما زاد عن ذلك فمفسدة راجحة فمنع منه، والمقصود أنه أباح لهن الإحداد على موتاهن ثلاثة أيام، وأما الإحداد على الزوج فإنه تابعٌ للعدة بالشهور، وأما الحامل فإذا انقضى حملها سقط وجوب الإحداد، لأنه يستمر إلى حين الوضع" ا. هـ كلامه رحمه الله.
وأما عمل الحفل بعد خروج المرأة من العدة فهو بدعة إذا اشتمل على ما حرم الله من نياحة وعويل وندب ونحوها، فإن لم يشتمل على شيء من ذلك فلا بأس به، أما الاحتفال من أجل الميت فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم ولا عن السلف الصالح إقامة حفل للميت مطلقاً لا عند وفاته ولا بعد أسبوع أو أربعين يوماً أو سنة من وفاته، بل ذلك بدعة وعادة قبيحة.
فيجب البعد عن مثل هذه الأشياء وإنكارها والتوبة إلى الله منها وتجنبها، لما فيها من الابتداع في الدين ومشابهة المشركين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "، وثبت عنه أيضاً عليه الصلاة والسلام أنه قال: " " إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على النهي عن التشبه بالمشركين وعن الابتداع في الدين، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز. المجلد الثالث عشر.
- التصنيف: