مصير المنتحر

منذ 2006-12-01
السؤال: ما حكم من قتل نفسه متعمداً، هل يدخل النار لا محالة، وإذا كان كذلك فإن هناك من يقتل شخصاً آخر مسلماً بدون حق أو لغضب، ومع ذلك إذا تنازل الأقرباء لا يقتص منه ويكون عليه عتق رقبة، فهل هو في النار؟ وهل يعني دخوله النار أنه يكون مخلداً فيها؟
الإجابة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
فقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93]، وثبت في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده في نار جهنم يجأبها بطنه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى في جبل فإنه يتردى في جهنم خالداً مخلداً فيها" (رواه البخاري: 5778، ومسلم: 109)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام, فدلت الآية ودل الحديث على عظم تحريم قتل الإنسان نفسه أو قتله لغيره وأن ذلك من كبائر الذنوب، فأما قتل الإنسان نفسه متعمداً فلا يترتب عليه شيء من أحكام الدنيا ولا حق لأحد فيه ولا تجب فيه الكفارة، وهو إذا كان مسلماً موحداً فهو يوم القيامة تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، وإن عذبه فإنه لا يخلد في النار، هذا ما عليه أهل السنة والجماعة، فكل من مات على التوحيد ولم يأت بناقض من نواقض الإسلام فإنه لابد له من دخول الجنة ولو بعد تمحيصه في النار، فإما أن يتجاوز الله عنه دون عذاب، أو يعذبه سبحانه ثم يخرجه من النار برحمته أو بشفاعة الشافعين من أوليائه سبحانه وتعالى، وهذا الحديث عند أهل السنة والجماعة محمول على الوعيد ومقيد بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية، [النساء: 48]، ودل على خروجه من النار ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان - أو مثقال خردلة من الإيمان" (رواه البخاري: 44، ومسلم: 184) وما في معناه.

وأما من يقتل غيره متعمداً فإنه من أهل الوعيد الذي في الآية الكريمة: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93]، والكلام في هذا الوعيد كالكلام في الوعيد الذي ورد في الحديث، فالقاتل إذا مات ولم يتب ومات على التوحيد والإسلام فإنه كذلك تحت مشيئة الله، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، ثم أخرجه من النار برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته.
ولكن القاتل للنفس التي حرم الله يترتب على فعله مع الوعيد الشديد حقوق فإما القصاص أو الدية.

قال العلماء: إن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق:
حق الله فهذا يسقط بالتوبة فإذا تاب العبد توبة نصوحاً تاب الله عليه، ومن شروط التوبة أن يسلم القاتل نفسه.
الثاني من الحقوق: حق أولياء المقتول، وهذا الحق يسقط بعفو الأولياء أو أخذهم الدية، وإلا اقتصوا منه بأن يقتلوه بالقتيل، إذا توفرت شروط القصاص فلولي المقتول الأخذ به وإن شاء تنازل إلى الدية أو عفا مجاناً.
والحق الثالث حق المقتول وهذا يستوفيه يوم القيامة، فإن كان القاتل قد تاب توبة نصوحاً فالله سبحانه وتعالى بفضله يرجى أن يرضي المقتول عن حقه ويكرم عبده التائب، وإلا فإنه يستوفي حقه من حسناته، فيوم القيامة ليس فيه ما تقضى منه الحقوق إلا الحسنات والسيئات، كما جاء في حديث المفلس، وهو الذي يأتي بأعمال صالحة، ويأتي وقد ضرب هذا وشتم هذا وانتهك عرض هذا وأخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته ولم يؤد ما عليه أخذ من سيئات المظلومين ثم طرح عليه ثم طرح في النار انظر مسلم (2581).

والقتل العمد ليس فيه كفارة، وإنما في قتل الخطأ، فقتل العمد أعظم وأكبر من أن تؤثر فيه الكفارة، وإنما تجب فيه الحقوق التي ذكرت، يجب على القاتل التوبة النصوح ويجب عليه تسليم نفسه لأولياء المقتول ثم الله سبحانه وتعالى يحكم فيه يوم القيامة بعدله.

وبهذا نعرف أن المؤمن الموحد لا يخلد في النار مهما كانت ذنوبه، بل هو تحت مشيئة الله وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافاً للخوارج والمعتزلة، فإن الخوارج والمعتزلة يقولون إن من مات مصراً على كبيرة من كبائر الذنوب فإنه لابد أن يدخل النار، وإذا دخلها فإنه لا يخرج منها، بل يكون مخلداً فيها، وهذا قول باطل مخالف للنصوص الصحيحة في خروج الموحدين من النار. والله أعلم.

عبد الرحمن بن ناصر البراك

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود

  • 12
  • 6
  • 115,989

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً