كيف نستقبل رمضان؟ الحمد لله الذي فرض علينا الصيام وجعله مطهراً لنفوسنا من الذنوب والآثام وأشهد ان ...

منذ 2020-05-08
كيف نستقبل رمضان؟
الحمد لله الذي فرض علينا الصيام وجعله مطهراً لنفوسنا من الذنوب والآثام وأشهد ان لَّا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وهو الواحد الصمد وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من صلّى وصام صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أمابعد:
قال سبحانه وتعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185].
أيها الإخوة الكرام! لقد مرَّبنا رمضان الماضي ثم مرت بعده الشهور و الأيام والساعات، والآن نستقبل رمضان أخر ، ومن يدري فقد يكون هذا آخِر رمضان تصومه ، فكم من نفوس تَمَنَّت وقلوب حنَّت أن تدرك معنا هذا الشهر المبارك لكن الله تعالى يختار من عباده من يشاء ، وكم عرفنا أقوامًا صاموا معنا رمضان أعوامًا لكن هم اليوم من سكّان القبور ينتظرون البعث والنشور.
إن وصولنا لرمضان هذا العام هو نعمة إلهية أنعم الله به علينا وبشرى لمن تساقطت له دمعات، قال سبحانه وتعالى: ﴿شهر رمضان الذي اُنزلَ فيهِ القرآن هُدىً للناس وبَيِّنتٍ مِّن الهُدَاى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ﴾ سورة البقرة:( 185)
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستبشر بقدوم هذا الشهر العظيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتاكم شهر رمضان الشهر المبارك فيه تُفتَّح ابواب الجنة وتُغَلَّق أبواب الجحيم، فيه ليلة خير من ألف شهر من حُرم خيرها فقد حُرم ) [رواه النسايي والبيهقي وصححه ابن حبان] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستبشر بالصوم عمومًا و يستبشر أصحابه به كما رُوي عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: قال الله عزوجل: (كلُّ عملِ اْبن آدم لهُ إلَّا الصِّيام فإنه لي وأنا أجزي بهِ والصِّيام جنةٌ، فإذا كان يومُ صومِ أَحَدِكُمْ فَلايرفُثْ، ولا يَصْخَبْ، فإن سَابَّهُ أَحدٌ أو قاتله فَلْيَقُلْ إنِّي صَائمٌ، والَّذي نَفْسُ محمد بِيَدِهِ لَخُلوفُ فَمِّ الصَّائم أطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ ريحِ الْمِسْكِ. لِلصَّائمِ فَرْحَتَاْنِ يَفْرَحُهُمَا: إذا أفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وإذا لقي رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ) [متفق عليه] ولفظه للبخاري.
وقال أيضاً سبحانه وتعالى في سورة البقرة ﴿ ياأيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصيام كما كُتِبَ علي الَّذين من قبلكم لعلكم تتقون ﴾ البقرة[183]. ذكر الله تعالى أن هذه العبادة فُرِضَت عَلينا وأُوجِبَت لِمَحبة رَبِّنا سبحانه وتعالى، فإنها كانت واجبةً على الأُمم السابقة فأمر بها إبراهيم قومه، وأمر بها عيسى وموسى قوميهما، وأمر بها شعيب ولوط وهود أقوامهم، ففرض على أمتنا كما فُرِضَ عليهم. فأشار الله تبارك وتعالى في الآية السابقه أن الصِّيام سبب للتقوى، فقال الله سبحانه و تعالى (لعلكم تتقون) لم يقل لعلكم تجوعون ولا لعلكم تعطشون ولا لعلكم لأموالكم توفرون، والتقوى هو الوقاية من مّا يغضب الله و خشيةٌ من الله جلَّ وعلا وترك الذنوب و إطاعةُ أوامر الله؛
كما قال الشاعر: إبن المعتز.
خلِّ الذنـــوب صــغيـرها وكبيـرها ذاك التــقى
والصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحــذر ما يرى
لا تــحــقـرن صــغـــيرة إن الجبال من الحصى
فالصَّوم سبب للتقوى، ومحل التقوى القلب والصوم يتعامل مع القلب، لايتعامل مع الفمّ ولا يتعامل مع البطن إنما يتعامل مع القلب بمعنى أن الصوم لابد أن يؤثر في قلبك فيزدادُ إيمانك ويزداد تعظيمك لربك ويزداد خشيتك من الله ويزداد حبك لله ويزداد إيمانك، إذا تغير نفسك وقلبك بهذا الصوم فهو الصوم الَّذي يريده رب العلمين، ايها الإخوة الكرام! إن لله تعالى في كل ليلة من ليالي رمضان عتقاء من النار، هل أنت مِمَّن سَتُعْتَقَ رقبته من النار في الليلة الأولى أو الليلة الثانية، أو في أواخر الليالي رمضان، هل عمل التي تعمله في طوال اليوم والليل، برنامج التي قضيت فيه يومك وليلك، والساعات التي مرت عليك، لو كان كلَّه لله فتكون بإذن الله ممن عُتِقَتْ رِقَابَهُمْ من النار.
فيا معشر المسلمين اغتنموا هذا الشهر العظيم، وَعظِّموهُ بِأنواع العبادات والقربات، وسارعوا فيه إلى الطاعات، هو شهر عظيم جعله الله ميدانًا لعبادة يتسابقون إليه فيه بالطاعات، ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات، فأكثروا فيه من الصلوات والصدقات وقراءة القرآن والإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام.
شهر رمضان ليس شهر النوم وشهر الكسل كما یظنه بعض الناس ولكنه شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهرٌ تُفَتَّحُ فيه أبواب الجنات، وتُضاعف فيه الحسنات، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات وشهر فيه صلة الّرحم، وشهر بِرّبالوالدين و شهر کثرة الدّعا، و شهرٌ تغفر فيه السیِّئات قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأَخر، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرله ما تقَّدم من ذنبه وما تأَخَّرْ)) [متفق عليه].
فينبغي للصائم الإكثار من الصلوات والصدقات والذكر والاستغفار، وسائر أنواع القربات في الليل والنهار، اغتنامًا للزمان ورغبة في مضاعفة الحسنات، ومرضاة لِفاطر الأرض والسموات، والحذر من كل ما ينقص الصوم، ويضعف الأجر، ويغضب الرب عز وجل من سائر المعاصي، كالتهاون والتكاسل بالصلاة والبخل بالزكاة وأكل الربا وأكل أموال اليتامى، وأنواع الظلم وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، والغيبة والنميمة، والكذب، وشهادة الزور، وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم وهذه المعاصي التي ذكرنا محرمة في كل زمان ومكان، ولكنها في رمضان أشد تحريمًا، وأعظم إثمًا، لفضل الزمان وحرمته.
ومن أخطر المعاصي اليوم أيضًا ما بلى به الكثير من الناس وكثير من شباب مسلم من استماع الأغاني. ولا ريب أن هذا من أعظم الأسباب في مرض القلوب ومانعٌ عن ذكر الله وعن الصلاة وعن استماع القرآن الكريم والانتفاع به، ومن أعظم الأسباب أيضًا في عقوبة صاحبه بمرض النفاق والضلال عن الهدى كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَّشْتَرِيْ لَهْوَ الْحَدِيْثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيْلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَّيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ ُمُّهِيْنٌ ﴾ [لقمان 6]
فاتقوا الله أيها المسلمون واحذروا ما نهاكم الله عنه ورسوله، واستقيموا على طاعته في رمضان وغيره، أيها الإخوة الكرام! إن رمضان فرصة لكم لا يُفوِّتُها إلا متهاون مغبون، ولا يزهد فيها إلاّ جاهل محروم، أما من أنار الله قلبه، ونقّى فؤاده وهداه إلى الصراط المستقيم واختاره الله من بين عباده فتراه يستعد لرمضان قبل أن يلقاه، فمن المعلوم أنه إقْتَرَبَ علينا أفضل شهر من شهور الله ألا وهو شهر رمضان المبارك فعلينا إذًا أن نستقبله بأتم السرور . فينبغي ويجب علي كل مسلم ومسلمة المحافظة والإلتزام والمداومة على الأعمال التالية في غير رمضان وبالأخص في رمضان.
الإخلاص لله عزوجل في صلاتنا وصيامنا وصدقاتنا وجميع أعمالنا.
المحافظة على الصلاة التراويح وهي قيام رمضان.
المحافظة على تلاوة القران الكريم في رمضان وغيره بتدبر وتفكر فإن القرآن يأتي شفيعًا لصاحبه يوم القيامة.
إحياء ليالي العشرة الأخيرة من رمضان بالصلاة وقراءة القرآن والدعاء والإستغفار لأن في هذه اليالي الأخيرة ليلة خير من ألف شهر، هي ليلة مباركة شرفها الله بنزول القرآن.
الإعتكاف في العشر الأواخر من رمضان.
مضاعفة الصدقات والخيرات في رمضان.
إجتناب الغيبة والنميمة.
إجتناب من سماع الغناء واللهو واللعب. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (( الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع )) [ رواه أبوداود رقم ۴۹۲۷ وابن ابي دنيا في ذم الملاهي(۱/۵) ۤ].
ترك قول الزور والعمل به حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم :(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). [رواه البخاري]
أن نخرج من رمضان وقلوبنا مملوءة بالإيمان والتقوى.
وفي الآخر نسأل الله أن يعصمنا والمسلمين من أسباب غضبه وأن يتقبل منا جميع صيامنا وقيامنا، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين وأن ينصر بهم دينه ويخذل بهم أعداءه، إنه على كل شيء قدير، يارب بارك لنا في رمضان واجعلنا بهِ من السابقين في الخيرات، المحسنين الذين يؤتون ما آتو وقلوبهم وجلة من لا يتوقفون عن السخاء لأجلك، طوّع يا ربّ أنفسنا عمّا يُشغلها عنك وهيأ لنا من أمرنا رشدًا، اللهم إن أيام رمضان تمضي سريعة فاجعل لنا في هذا الشهر نصيبًا من الرحمة والمغفرة والعتق من النار، يارب اجعلنا مِمَّن تفائل بخيرك فأكرمته، اللهم اجعل كل ما دعيناه لك سراً وجهراً تكتبه لنا واقعاً يفرح به قلوبنا، يارب ارزقنا الجنة وابعد عنا شر خلقك واجعلنا مِمَّن توليتهم، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

الإعداد: شريف الله "منيب"
الإشراف: أ. أستاذ شريف الله غفوري ، أ. أستاذ عين الدين منيب
کُتِبَ: 1440
  • 0
  • 0
  • 6,544

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً