نعم الله علي العبد الحمد لله، الحمد لله الذي خلَق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، أحمدُه -سبحانه- ...
منذ 2020-05-17
نعم الله علي العبد
الحمد لله، الحمد لله الذي خلَق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، أحمدُه -سبحانه- وأشكره على نِعَمِه التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، العليُّ الأعلى، وأشهد أنَّ سيِّدَنا ونبِيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، الذي لا ينطق عن الهوى، إِنْ هو إلا وحيٌ يُوحَى، صلى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه، السائرينَ على دربِ الفَلَاح والهدى.
أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
نِعَمُ اللهِ على عباده كثيرةٌ لا تُحصى، وكثرةٌ كاثرةٌ لا تُستقصى، ومتتابِعَةٌ لا تنقضي، قال الله -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 32-34].
حصولُ المنافعِ ودفعُ المضارِّ، بل كلُّ خيرٍ يحوزه العبدُ هو إنعامٌ من الله عليه، مِنْ عِلْمٍ وإيمانٍ، وعملٍ وذريةٍ، ومسكنٍ ودابةٍ، وسعادةٍ ونجاحٍ، قال الله -تعالى-: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)[النَّحْلِ: 53]، والتأمُّل في ما حولَنا يقودنا إلى استشعار نِعَم الله، قال الله -تعالى-: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ)[عَبَسَ: 24]، وقال: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ)[الطَّارِقِ: 5]، يُبصر المؤمنون نِعَمَ اللهِ الظاهرةَ والباطنةَ، فيزيدهم ذلك إيمانًا ويقرِّبهم إلى ربهم، اعترافًا بِمَنِّه وخيراته، قال الله -تعالى-: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الْحُجُرَاتِ: 17].
والمؤمن -برجاحة عقله ونُضْج فِكْره- يُبصر نعمةَ الله من حوله، قال الله -تعالى- واصفًا حال المؤمن الذي يتقبَّل منه أحسنَ أعماله: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ)[الْأَحْقَافِ: 15].
وإذا امتلأ قلبُ العبدِ بالإيمان تحقَّقَت له نعمةُ شكرِ النعمِ، وصَلُحَت تصرفاتُه، وزكَت أخلاقُه، ورافَقَه التوفيقُ، قال الله -تعالى-: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[الْحُجُرَاتِ: 7-8].
من مقتضياتِ تذكُّر نِعَم الله الاعترافُ بها، ونسبتُها للمتفضِّل -جلَّ جلالُه-، ومن يرصد النعمَ لا يفتأ يذكُر واهِبَها؛ وهو الله -تعالى- المنعِم بكلِّ النعمِ التي نتقلَّب فيها.
الاعترافُ بنِعَم الله مفتاحُ كلِّ خيرٍ، ويجعلُ لسانَ المسلم يلهَج على مدار يومه وليلته بالحمد، الحمد لله ربِّ العالمينَ، وإذا أقرَّ المسلمُ بنِعَم الله -تعالى- واعترف بفضائل ربِّه التي تُحيطه استعمل هذه النعمَ في تحقيق مرضاة الله -تعالى-، هذا نبيُّ الله سليمان -عليه السلام- يدعو ربَّه: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)[النَّمْلِ: 19]، وهذا كليم الله موسى -عليه السلام- يعاهِدُ ربَّه: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ)[الْقَصَصِ: 17].
وإذا أقرَّ المسلمُ بنِعَمِ اللهِ أظهَر هذه النعمَ، شاكرًا حامدًا لا مُفاخِرًا ولا متكَبِّرًا، قال الله -تعالى-: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[الضُّحَى: 11]؛ حدِّثِ الناسَ بما أنعم اللهُ عليكَ تعظيمًا للمنعِم، وفي الحديث: “إذا أنعَم اللهُ على عبدٍ أحبَّ أن يرى أثرَ نعمتِه عليه“، وإنَّ تواتُر النعم وترادُفَها في حياة العبد لَهُوَ بشارةُ خيرٍ لصاحبها، إن استشعر حقَّها وأدَّى فرضَها وسخَّرها في مسار الشكر والعبادة، وأمَّا مَنِ اغتَرَّ بنفسه وأُعجب بما وهَبَه اللهُ مِنَ النعمِ فنَسَبَها إلى نفسه كما ذكَر القرآنُ على لسان فرعون حين قال: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[الزُّخْرُفِ: 51]، وكذلك قال قارون: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)[الْقَصَصِ: 78]، فإن النعمة في حقه نقمة، والخير شر، والعافية بلاء.
أعظمُ الشكرِ -عباد الله- المبادَرةُ إلى العبادة، قال الله -تعالى-: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[الزُّمَرِ: 66]، ولن يحيط عبدٌ أداءَ حقِّ شكرِ النعمِ مهما اجتهد، وحسبُه السعيُ إلى بلوغ مرضاة الله، وله أن يشكر شكرًا عامًّا، وشكرًا خاصًّا، فكلَّما تجدَّدت نعمةٌ جدَّد لها شكرًا، وفي الحديث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ قال إذا أصبح: اللهمَّ ما أصبح بي من نعمة أو بأحدٍ مِنْ خَلْقِكَ فمنكَ وحدَكَ لا شريكَ لكَ، فلكَ الحمدُ ولكَ الشكرُ، فقد أدَّى شكرَ ذلك اليوم، ومَنْ قال إذا أمسى: اللهمَّ ما أمسى بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقِكَ فمنكَ وحدَكَ لا شريكَ لكَ، فلكَ الحمدُ ولكَ الشكرُ، فقد أدَّى شكرَ تلك الليلةِ“.
يَهْرَعُ المسلمُ إلى باب الدعاء يسأل ربَّه أن يُلهِمَه الشكرَ؛ ليجبر قصورَه وتقصيرَه في باب النعم، وفي الحديث: “وَاجْعَلْنَا شاكرينَ لنعمِكَ، مُثْنِينَ بها عليكَ، قابلينَ لها وأَتِمَّها علينا“، وأمَّا مَنْ عَمِيَتْ بصيرتُه عن إدراك نِعَمِ الله فقد وقَع فريسةَ وسوسةِ الشيطانِ ومَكْرِه، وقد حكى القرآنُ عنه ذلك: (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 17]، يغفُل المسلمُ عن إدراك نِعَمِ اللهِ، بل ويزدريها حين ينظر إلى ما في أيدي الآخرينَ من النعم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “انظروا إلى مَنْ هو أسفلَ منكم، ولا تنظروا إلى مَنْ هو فوقَكم، فهو أجدرُ ألَّا تَزْدَرُوا نعمةَ اللهِ“.
وإن من سوء الأدب مع الله الانغماسَ في النعيم ونسيان المنعِم، والاستغراق في الفَرَح، ونسيان كاشف الكَرْب والهَمِّ، قال الله -تعالى-: (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ)[النَّحْلِ: 81-83]، وقال سبحانه: (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الْبَقَرَةِ: 211].
بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفِر اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله، الحمد لله الذي خلَق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، أحمدُه -سبحانه- وأشكره على نِعَمِه التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، العليُّ الأعلى، وأشهد أنَّ سيِّدَنا ونبِيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، الذي لا ينطق عن الهوى، إِنْ هو إلا وحيٌ يُوحَى، صلى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه، السائرينَ على دربِ الفَلَاح والهدى.
أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
نِعَمُ اللهِ على عباده كثيرةٌ لا تُحصى، وكثرةٌ كاثرةٌ لا تُستقصى، ومتتابِعَةٌ لا تنقضي، قال الله -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 32-34].
حصولُ المنافعِ ودفعُ المضارِّ، بل كلُّ خيرٍ يحوزه العبدُ هو إنعامٌ من الله عليه، مِنْ عِلْمٍ وإيمانٍ، وعملٍ وذريةٍ، ومسكنٍ ودابةٍ، وسعادةٍ ونجاحٍ، قال الله -تعالى-: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)[النَّحْلِ: 53]، والتأمُّل في ما حولَنا يقودنا إلى استشعار نِعَم الله، قال الله -تعالى-: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ)[عَبَسَ: 24]، وقال: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ)[الطَّارِقِ: 5]، يُبصر المؤمنون نِعَمَ اللهِ الظاهرةَ والباطنةَ، فيزيدهم ذلك إيمانًا ويقرِّبهم إلى ربهم، اعترافًا بِمَنِّه وخيراته، قال الله -تعالى-: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الْحُجُرَاتِ: 17].
والمؤمن -برجاحة عقله ونُضْج فِكْره- يُبصر نعمةَ الله من حوله، قال الله -تعالى- واصفًا حال المؤمن الذي يتقبَّل منه أحسنَ أعماله: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ)[الْأَحْقَافِ: 15].
وإذا امتلأ قلبُ العبدِ بالإيمان تحقَّقَت له نعمةُ شكرِ النعمِ، وصَلُحَت تصرفاتُه، وزكَت أخلاقُه، ورافَقَه التوفيقُ، قال الله -تعالى-: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[الْحُجُرَاتِ: 7-8].
من مقتضياتِ تذكُّر نِعَم الله الاعترافُ بها، ونسبتُها للمتفضِّل -جلَّ جلالُه-، ومن يرصد النعمَ لا يفتأ يذكُر واهِبَها؛ وهو الله -تعالى- المنعِم بكلِّ النعمِ التي نتقلَّب فيها.
الاعترافُ بنِعَم الله مفتاحُ كلِّ خيرٍ، ويجعلُ لسانَ المسلم يلهَج على مدار يومه وليلته بالحمد، الحمد لله ربِّ العالمينَ، وإذا أقرَّ المسلمُ بنِعَم الله -تعالى- واعترف بفضائل ربِّه التي تُحيطه استعمل هذه النعمَ في تحقيق مرضاة الله -تعالى-، هذا نبيُّ الله سليمان -عليه السلام- يدعو ربَّه: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)[النَّمْلِ: 19]، وهذا كليم الله موسى -عليه السلام- يعاهِدُ ربَّه: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ)[الْقَصَصِ: 17].
وإذا أقرَّ المسلمُ بنِعَمِ اللهِ أظهَر هذه النعمَ، شاكرًا حامدًا لا مُفاخِرًا ولا متكَبِّرًا، قال الله -تعالى-: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[الضُّحَى: 11]؛ حدِّثِ الناسَ بما أنعم اللهُ عليكَ تعظيمًا للمنعِم، وفي الحديث: “إذا أنعَم اللهُ على عبدٍ أحبَّ أن يرى أثرَ نعمتِه عليه“، وإنَّ تواتُر النعم وترادُفَها في حياة العبد لَهُوَ بشارةُ خيرٍ لصاحبها، إن استشعر حقَّها وأدَّى فرضَها وسخَّرها في مسار الشكر والعبادة، وأمَّا مَنِ اغتَرَّ بنفسه وأُعجب بما وهَبَه اللهُ مِنَ النعمِ فنَسَبَها إلى نفسه كما ذكَر القرآنُ على لسان فرعون حين قال: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[الزُّخْرُفِ: 51]، وكذلك قال قارون: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)[الْقَصَصِ: 78]، فإن النعمة في حقه نقمة، والخير شر، والعافية بلاء.
أعظمُ الشكرِ -عباد الله- المبادَرةُ إلى العبادة، قال الله -تعالى-: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[الزُّمَرِ: 66]، ولن يحيط عبدٌ أداءَ حقِّ شكرِ النعمِ مهما اجتهد، وحسبُه السعيُ إلى بلوغ مرضاة الله، وله أن يشكر شكرًا عامًّا، وشكرًا خاصًّا، فكلَّما تجدَّدت نعمةٌ جدَّد لها شكرًا، وفي الحديث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ قال إذا أصبح: اللهمَّ ما أصبح بي من نعمة أو بأحدٍ مِنْ خَلْقِكَ فمنكَ وحدَكَ لا شريكَ لكَ، فلكَ الحمدُ ولكَ الشكرُ، فقد أدَّى شكرَ ذلك اليوم، ومَنْ قال إذا أمسى: اللهمَّ ما أمسى بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقِكَ فمنكَ وحدَكَ لا شريكَ لكَ، فلكَ الحمدُ ولكَ الشكرُ، فقد أدَّى شكرَ تلك الليلةِ“.
يَهْرَعُ المسلمُ إلى باب الدعاء يسأل ربَّه أن يُلهِمَه الشكرَ؛ ليجبر قصورَه وتقصيرَه في باب النعم، وفي الحديث: “وَاجْعَلْنَا شاكرينَ لنعمِكَ، مُثْنِينَ بها عليكَ، قابلينَ لها وأَتِمَّها علينا“، وأمَّا مَنْ عَمِيَتْ بصيرتُه عن إدراك نِعَمِ الله فقد وقَع فريسةَ وسوسةِ الشيطانِ ومَكْرِه، وقد حكى القرآنُ عنه ذلك: (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 17]، يغفُل المسلمُ عن إدراك نِعَمِ اللهِ، بل ويزدريها حين ينظر إلى ما في أيدي الآخرينَ من النعم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “انظروا إلى مَنْ هو أسفلَ منكم، ولا تنظروا إلى مَنْ هو فوقَكم، فهو أجدرُ ألَّا تَزْدَرُوا نعمةَ اللهِ“.
وإن من سوء الأدب مع الله الانغماسَ في النعيم ونسيان المنعِم، والاستغراق في الفَرَح، ونسيان كاشف الكَرْب والهَمِّ، قال الله -تعالى-: (كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ)[النَّحْلِ: 81-83]، وقال سبحانه: (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الْبَقَرَةِ: 211].
بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفِر اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.