( الأنبياء اليمانيون ) : لقد جرت سنة الله في الأمم الماضية أن يبعث إلى كل أمة نبيا ، يقيم عليهم ...
منذ 2020-06-07
( الأنبياء اليمانيون ) :
لقد جرت سنة الله في الأمم الماضية أن يبعث إلى كل أمة نبيا ، يقيم عليهم الحجة ويبين لهم المحجة ويدعوهم إلى عبادة الله وحده .
قال سبحانه ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) .
( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ).
وكان من تمام إقامة الحجة عليهم أن يبعث الله إليهم رسولا منهم يتكلم بلسانهم ..
قال تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ).
وقد كانت العرب العاربة موطنها اليمن كما هو معلوم ، وهم يتناسلون فيه جيلا بعد جيل ، من هنا لم يكن الله ليذرهم بلا نبي يدعوهم إليه سبحانه ، فبعث إليهم أنبياء كثر ، منهم من أخبرنا الله عنهم ومنهم من لم يخبرنا عنهم ، كما هو الشأن في جميع الأنبياء والرسل قال تعالى
( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ )
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بعث النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعد ثمانية آلاف من الأنبياء, منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل. رواه ابن جرير الطبري .
وفي حديث أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ، كم الأنبياء ؟ قال : ( مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًاً ) ، قلت : يا رسول الله ، كم الرسل منهم ؟ قال : ( ثلاثمائة وثلاثة عشر جَمّ غَفِير) ، قلت : يا رسول الله ، من كان أولهم ؟ قال : ( آدم ) .
رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني .
فأنبياء الله ورسله كثيرون لا يحصي عددهم إلا من بعثهم سبحانه ومنهم أنبياء أهل اليمن .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (بعث الله فِي سبأ اثْنَي عشر نَبيا فكذبوهم فَأتوا مَكَّة فتعبدوا بهَا حَتَّى مَاتُوا) ذكره ابن الأثير .
وعن وهب بن منبه اليماني قال: لقد بعث الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبيًّا فكذبوهم . رواه ابن جرير في تفسيره .
هذا من حيث العموم أما من حيث التفصيل فقد ورد ذكر بعضهم في القرءان والسنة والأثار ..
ومنهم :
1- نبي الله هود عليه السلام .
نسبه :
هو هود ابن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس بن برد بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم .
بعثه الله إلى قومه عاد بالأحقاف في حضرموت
قال تعالى (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) .
روى ابن جرير عن ابن إسحاق, قال: كانت منازل عاد وجماعتهم, حيث بعث الله إليهم هودا الأحقاف: الرمل فيما بين عُمان إلى حَضْرَمَوْتَ, فاليمن كله, وكانوا مع ذلك قد فشَوْا في الأرض كلها, قهروا أهلها بفضل قوّتهم التي آتاهم الله.
وعن قتادة قال : ذُكر لنا أن عادا كانوا حيا باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشِّحْر.
قلت : والشحر مدينة معروفة بحضرموت إلى اليوم .
فلما كذبه قومه أرسل الله عليهم الريح العقيم ونجاه ومن معه من المؤمنين كما قال تعالى
(وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ )
قال القرطبي في تفسيره عن عدد المؤمنين بهود عليه السلام الذين نجوا معه : وكانوا أربعة آلاف . وقيل : ثلاثة آلاف .
دفنه عليه السلام :
ذكر ابن هشام الحميري في كتاب (التيجان في ملوك حمير) (ص45) ما نصه : ودفن ـ أي النبي هود عليه السلام ـ بالأحقاف بموضع يقال له الهنيبق ، بجوار الحفيف.
قال أبو إسحاق الثعالبي في كتابه "عرائس المجالس في قصص الأنبياء " (ص 65):(الرواية القائلة بدفنه بحضرموت هي الأقرب للصواب ) .
وبالرغم من أن هود عليه السلام كان له أولاد ، وكان من أشهرهم قحطان بن هود وهو ممن آمن بأبيه هود عليه السلام وهو أبو اليمن كلها، وقيل : أنه هو أول من نزل بأرض اليمن بولده وملكها بعد قوم عاد، فسُمُّوا ولده اليمن حين تيامنوا إليها ونزلوها.
إلا أنه لم ينص أحد من أهل العلم بالتاريخ والسير ، على أن الله قد بعث من أولاد هود عليه السلام نبيا ..
وإن كان قد اشتهر مؤخرا عند العامة في حضرموت ، ذكر
نبي الله هادون بن هود
وذا ليان بن هادون بن هود عليه السلام
وأن (هدون) القرية المعروفة بوادي دوعن تنسب إلى هادون بن هود ،وأن القبر الطويل الموجود فيها هو قبره .
لكن ذلك لم ينص عليه أحد من أهل العلم المعتبرين قديما ولا حديثا ، وحتى لو ثبت أنه قبر نبي لما جاز أن يدعى من دون الله تعالى ويتوسل به ويتبرك ، كما يحصل من بعض من يزوره اليوم للأسف الشديد.
فإن ذلك يصادم دعوة الأنبياء والرسل ، ويخالف الغاية التي بعثوا من أجلها ، وهي عبادة الله وحده لا شريك له ..
( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ).
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ).
من هنا فلن نتعب أنفسنا في مجاراة العامة فيما لم يثبت
ذكره من أنبياء اليمن وننتقل إلى ما ثبت ذكره ..
ومنهم :
٢- شعيب بن ذي مهدم عليه السلام :
بعث عليه السلام إلى أهل حضور غرب صنعاء في بلاد بني مطر حاليا ، وهناك جبل شاهق يعد أعلى قمة في الجزيرة العربية والشام يرتفع عن سطح البحر ٣٦٧٠ مترا ، يسمى بجبل ( النبي شعيب ) عليه السلام إلى يومنا هذا .
قال تعالى (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) الأنبياء(11).
قال الامام القرطبي في تفسيره : وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة. يريد مدائن كانت باليمن وقال أهل التفسير والأخبار : إنه أراد أهل حضور وكان بعث إليهم نبي اسمه شعيب بن ذي مهدم ، وقبر شعيب هذا باليمن بجبل يقال له ضنن كثير الثلج ، وليس بشعيب صاحب مدين .
قال ابن حجر : نزلت هذه الآية - يعني وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين. ..إلى قوله خامدين)
نزلت في أهل حضور بفتح المهملة وضم المعجمة قرية بصنعاء من اليمن...بعث الله إليهم نبيا من حمير يقال له شعيب وليس بصاحب مدين كان بين زمن سليمان وعيسى فكذبوه فقصمهم الله.
وذكر ابن الأثير في "اللباب في تهذيب الأنساب"(1/372): أن من أنبياء اليمن نبي الله شعيب بن ذي مهدم وهو غير نبي الله شعيب المرسل إلى مدين .
وقد ذكرالمفسرون: أن أهل حضور كانوا أهل ترف وبطر إلى درجة أن مغاليق بيوتهم كانت من الذهب ، وأنهم كذبوا نبيهم شعيبا عليه السلام فقتلوه ، فسلط الله عليهم بختنصر الملك الغاشم فغزاهم فقتلهم شر قتله ، وأنهم لما أرادوا الهروب منه نادتهم الملائكة قائلة لهم ( لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ).
٣- النبي حنظلة بن صفوان عليه السلام :
هو نبي الله حَنْظَلَة بن صَفْوان عليه السلام من الأقيون من بني فَهْم بن الحارث بن قحطان .
بعثه الله إلى قومه أصحاب الرس فكذبوه ثم قتلوه ووضعوه في بئر .
قيل أن الرس اسم للبئر وقيل أنه اسم لقوم حنظلة ..
قال تعالى ( وَعَادًا وَثَمُودَاْ وَأَصْحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونًۢا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا )
وقال :(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وثَمُودُ) .
ذكر الحافظ ابن عساكر في أول تاريخه عند ذكر بناء دمشق عن تاريخ أبي القاسم عبد الله بن عبد الله بن جرداد ، أن أصحاب الرس كانوا بحضور، فبعث الله إليهم حنظلة بن صفوان، فكذبوه ، وقتلوه ، فسار عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح بولده من الرس، فنزل الأحقاف، وأهلك الله تعالى أصحاب الرس، وانتشروا في اليمن كلها، وفشوا مع ذلك في الأرض كلها .
وقد اختار ابن جرير الطبري أن المراد بأصحاب الرس هم أصحاب الأخدود ، الذين ذكروا في سورة البروج .
ومعلوم عن أصحاب الأخدود أنهم من نجران ونجران ترجع تاريخيا إلى اليمن ..
قال أبو المنذر الكلبي (ت 204هـ): في نسب معد واليمن الكبير(1 / 26):(رهط حنظلة بن صفوان من أهل الرس، والرس فيما بين نجران واليمن).
قلت : وهناك قبر في الجامع الكبير بصنعاء ينسب إلى النبي حنظلة وهو موجود به حتى اللحظة .
وقد نبهت في رسالتي ( فضائل الجامع الكبير بصنعاء بين الحقيقة والادعاء ) المطبوعة قبل ١٢ عام .
الى بعض المخالفات الشرعية التي توجد في الجامع المذكور ومنها التبرك والتمسح ببعض الآثار فيه كالمسمورة والمنقورة والقبر المنسوب إلى النبي حنظلة .
والخلاصة : أنه وبالرغم من وجود هذه المعلومات عن النبي حنظلة إلا أنها تعتبر شحيحة جدا ، مما يجعل الجزم بوجود نبي بهذا الاسم وتحديد مكانه أمرا صعبا ..
والله تعالى أعلم
وهناك أنبياء آخرون غير من ذكرنا ، قد ذكروا أنهم بعثوا إلى اليمن أو نزلوا بها ، لكن اثبات ذلك يحتاج إلى مزيد أدلة ، فإن وجدت مع الأيام ما يثبت ذلك فسنلحقه بمن ذكرنا إن شاء الله تعالى ..
وهناك أبيات نسبت إلى الصحابي الجليل حسان بن ثابت الأنصاري اليماني شاعر النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيها عددا من الأنبياء ونسبهم إلى اليمن ..
حيث يقول :
فَنَحنُ بَنو قَحطانُ وَالمُلكُ وَالعُلا
وَمِنّا نَبِيُّ اللَهِ هودُ الأَحابِرِ
وَإِدريسُ ما إِن كانَ في الناسِ مِثلُهُ
وَلا مِثلُ ذي القَرنَينِ أَبناء عابِرِ
وَصالِحُ وَالمَرحومُ يونُسُ بَعدَما
أَلاتَ بِهِ حوتٌ بِأَخلَبَ زاخِرِ
شُعَيبٌ وَإِلياسُ وَذو الكَفلِ كُلُّهُم
يَمانونَ قَد فازوا بِطيبِ السَرائِرِ
كتبه / يوسف بن ضيف الله الشبيلي
لقد جرت سنة الله في الأمم الماضية أن يبعث إلى كل أمة نبيا ، يقيم عليهم الحجة ويبين لهم المحجة ويدعوهم إلى عبادة الله وحده .
قال سبحانه ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) .
( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ ).
وكان من تمام إقامة الحجة عليهم أن يبعث الله إليهم رسولا منهم يتكلم بلسانهم ..
قال تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ).
وقد كانت العرب العاربة موطنها اليمن كما هو معلوم ، وهم يتناسلون فيه جيلا بعد جيل ، من هنا لم يكن الله ليذرهم بلا نبي يدعوهم إليه سبحانه ، فبعث إليهم أنبياء كثر ، منهم من أخبرنا الله عنهم ومنهم من لم يخبرنا عنهم ، كما هو الشأن في جميع الأنبياء والرسل قال تعالى
( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ )
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بعث النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعد ثمانية آلاف من الأنبياء, منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل. رواه ابن جرير الطبري .
وفي حديث أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ، كم الأنبياء ؟ قال : ( مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًاً ) ، قلت : يا رسول الله ، كم الرسل منهم ؟ قال : ( ثلاثمائة وثلاثة عشر جَمّ غَفِير) ، قلت : يا رسول الله ، من كان أولهم ؟ قال : ( آدم ) .
رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني .
فأنبياء الله ورسله كثيرون لا يحصي عددهم إلا من بعثهم سبحانه ومنهم أنبياء أهل اليمن .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (بعث الله فِي سبأ اثْنَي عشر نَبيا فكذبوهم فَأتوا مَكَّة فتعبدوا بهَا حَتَّى مَاتُوا) ذكره ابن الأثير .
وعن وهب بن منبه اليماني قال: لقد بعث الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبيًّا فكذبوهم . رواه ابن جرير في تفسيره .
هذا من حيث العموم أما من حيث التفصيل فقد ورد ذكر بعضهم في القرءان والسنة والأثار ..
ومنهم :
1- نبي الله هود عليه السلام .
نسبه :
هو هود ابن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس بن برد بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم .
بعثه الله إلى قومه عاد بالأحقاف في حضرموت
قال تعالى (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) .
روى ابن جرير عن ابن إسحاق, قال: كانت منازل عاد وجماعتهم, حيث بعث الله إليهم هودا الأحقاف: الرمل فيما بين عُمان إلى حَضْرَمَوْتَ, فاليمن كله, وكانوا مع ذلك قد فشَوْا في الأرض كلها, قهروا أهلها بفضل قوّتهم التي آتاهم الله.
وعن قتادة قال : ذُكر لنا أن عادا كانوا حيا باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشِّحْر.
قلت : والشحر مدينة معروفة بحضرموت إلى اليوم .
فلما كذبه قومه أرسل الله عليهم الريح العقيم ونجاه ومن معه من المؤمنين كما قال تعالى
(وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ )
قال القرطبي في تفسيره عن عدد المؤمنين بهود عليه السلام الذين نجوا معه : وكانوا أربعة آلاف . وقيل : ثلاثة آلاف .
دفنه عليه السلام :
ذكر ابن هشام الحميري في كتاب (التيجان في ملوك حمير) (ص45) ما نصه : ودفن ـ أي النبي هود عليه السلام ـ بالأحقاف بموضع يقال له الهنيبق ، بجوار الحفيف.
قال أبو إسحاق الثعالبي في كتابه "عرائس المجالس في قصص الأنبياء " (ص 65):(الرواية القائلة بدفنه بحضرموت هي الأقرب للصواب ) .
وبالرغم من أن هود عليه السلام كان له أولاد ، وكان من أشهرهم قحطان بن هود وهو ممن آمن بأبيه هود عليه السلام وهو أبو اليمن كلها، وقيل : أنه هو أول من نزل بأرض اليمن بولده وملكها بعد قوم عاد، فسُمُّوا ولده اليمن حين تيامنوا إليها ونزلوها.
إلا أنه لم ينص أحد من أهل العلم بالتاريخ والسير ، على أن الله قد بعث من أولاد هود عليه السلام نبيا ..
وإن كان قد اشتهر مؤخرا عند العامة في حضرموت ، ذكر
نبي الله هادون بن هود
وذا ليان بن هادون بن هود عليه السلام
وأن (هدون) القرية المعروفة بوادي دوعن تنسب إلى هادون بن هود ،وأن القبر الطويل الموجود فيها هو قبره .
لكن ذلك لم ينص عليه أحد من أهل العلم المعتبرين قديما ولا حديثا ، وحتى لو ثبت أنه قبر نبي لما جاز أن يدعى من دون الله تعالى ويتوسل به ويتبرك ، كما يحصل من بعض من يزوره اليوم للأسف الشديد.
فإن ذلك يصادم دعوة الأنبياء والرسل ، ويخالف الغاية التي بعثوا من أجلها ، وهي عبادة الله وحده لا شريك له ..
( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ).
(وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ).
من هنا فلن نتعب أنفسنا في مجاراة العامة فيما لم يثبت
ذكره من أنبياء اليمن وننتقل إلى ما ثبت ذكره ..
ومنهم :
٢- شعيب بن ذي مهدم عليه السلام :
بعث عليه السلام إلى أهل حضور غرب صنعاء في بلاد بني مطر حاليا ، وهناك جبل شاهق يعد أعلى قمة في الجزيرة العربية والشام يرتفع عن سطح البحر ٣٦٧٠ مترا ، يسمى بجبل ( النبي شعيب ) عليه السلام إلى يومنا هذا .
قال تعالى (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) الأنبياء(11).
قال الامام القرطبي في تفسيره : وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة. يريد مدائن كانت باليمن وقال أهل التفسير والأخبار : إنه أراد أهل حضور وكان بعث إليهم نبي اسمه شعيب بن ذي مهدم ، وقبر شعيب هذا باليمن بجبل يقال له ضنن كثير الثلج ، وليس بشعيب صاحب مدين .
قال ابن حجر : نزلت هذه الآية - يعني وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين. ..إلى قوله خامدين)
نزلت في أهل حضور بفتح المهملة وضم المعجمة قرية بصنعاء من اليمن...بعث الله إليهم نبيا من حمير يقال له شعيب وليس بصاحب مدين كان بين زمن سليمان وعيسى فكذبوه فقصمهم الله.
وذكر ابن الأثير في "اللباب في تهذيب الأنساب"(1/372): أن من أنبياء اليمن نبي الله شعيب بن ذي مهدم وهو غير نبي الله شعيب المرسل إلى مدين .
وقد ذكرالمفسرون: أن أهل حضور كانوا أهل ترف وبطر إلى درجة أن مغاليق بيوتهم كانت من الذهب ، وأنهم كذبوا نبيهم شعيبا عليه السلام فقتلوه ، فسلط الله عليهم بختنصر الملك الغاشم فغزاهم فقتلهم شر قتله ، وأنهم لما أرادوا الهروب منه نادتهم الملائكة قائلة لهم ( لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ).
٣- النبي حنظلة بن صفوان عليه السلام :
هو نبي الله حَنْظَلَة بن صَفْوان عليه السلام من الأقيون من بني فَهْم بن الحارث بن قحطان .
بعثه الله إلى قومه أصحاب الرس فكذبوه ثم قتلوه ووضعوه في بئر .
قيل أن الرس اسم للبئر وقيل أنه اسم لقوم حنظلة ..
قال تعالى ( وَعَادًا وَثَمُودَاْ وَأَصْحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونًۢا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا )
وقال :(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وثَمُودُ) .
ذكر الحافظ ابن عساكر في أول تاريخه عند ذكر بناء دمشق عن تاريخ أبي القاسم عبد الله بن عبد الله بن جرداد ، أن أصحاب الرس كانوا بحضور، فبعث الله إليهم حنظلة بن صفوان، فكذبوه ، وقتلوه ، فسار عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح بولده من الرس، فنزل الأحقاف، وأهلك الله تعالى أصحاب الرس، وانتشروا في اليمن كلها، وفشوا مع ذلك في الأرض كلها .
وقد اختار ابن جرير الطبري أن المراد بأصحاب الرس هم أصحاب الأخدود ، الذين ذكروا في سورة البروج .
ومعلوم عن أصحاب الأخدود أنهم من نجران ونجران ترجع تاريخيا إلى اليمن ..
قال أبو المنذر الكلبي (ت 204هـ): في نسب معد واليمن الكبير(1 / 26):(رهط حنظلة بن صفوان من أهل الرس، والرس فيما بين نجران واليمن).
قلت : وهناك قبر في الجامع الكبير بصنعاء ينسب إلى النبي حنظلة وهو موجود به حتى اللحظة .
وقد نبهت في رسالتي ( فضائل الجامع الكبير بصنعاء بين الحقيقة والادعاء ) المطبوعة قبل ١٢ عام .
الى بعض المخالفات الشرعية التي توجد في الجامع المذكور ومنها التبرك والتمسح ببعض الآثار فيه كالمسمورة والمنقورة والقبر المنسوب إلى النبي حنظلة .
والخلاصة : أنه وبالرغم من وجود هذه المعلومات عن النبي حنظلة إلا أنها تعتبر شحيحة جدا ، مما يجعل الجزم بوجود نبي بهذا الاسم وتحديد مكانه أمرا صعبا ..
والله تعالى أعلم
وهناك أنبياء آخرون غير من ذكرنا ، قد ذكروا أنهم بعثوا إلى اليمن أو نزلوا بها ، لكن اثبات ذلك يحتاج إلى مزيد أدلة ، فإن وجدت مع الأيام ما يثبت ذلك فسنلحقه بمن ذكرنا إن شاء الله تعالى ..
وهناك أبيات نسبت إلى الصحابي الجليل حسان بن ثابت الأنصاري اليماني شاعر النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيها عددا من الأنبياء ونسبهم إلى اليمن ..
حيث يقول :
فَنَحنُ بَنو قَحطانُ وَالمُلكُ وَالعُلا
وَمِنّا نَبِيُّ اللَهِ هودُ الأَحابِرِ
وَإِدريسُ ما إِن كانَ في الناسِ مِثلُهُ
وَلا مِثلُ ذي القَرنَينِ أَبناء عابِرِ
وَصالِحُ وَالمَرحومُ يونُسُ بَعدَما
أَلاتَ بِهِ حوتٌ بِأَخلَبَ زاخِرِ
شُعَيبٌ وَإِلياسُ وَذو الكَفلِ كُلُّهُم
يَمانونَ قَد فازوا بِطيبِ السَرائِرِ
كتبه / يوسف بن ضيف الله الشبيلي