*"اليوم العالمي لهلاك الطغاة"* في يومِ عاشُوراء .. كانَت الأرضُ على موعدٍ مع حفلٍ بهيجٍ.. ذاك ...
منذ 2020-08-29
*"اليوم العالمي لهلاك الطغاة"*
في يومِ عاشُوراء ..
كانَت الأرضُ على موعدٍ مع حفلٍ بهيجٍ..
ذاك الحفلُ سيعيدُ رسم الخارطة من جديدٍ ..
كان موسى يصارعُ أسئلةَ بني إسرائيل المتكررة ويَقطعُها بقوةِ الثقة وعمقِ الطمأنينة لأنه على موعدٍ معَ الله ..
كان خروجهم من مصر بحدّ ذاتهِ يُمثّل ثورةَ الانعتاق من عبودية الطغيانِ، والتخلصِ من كهنوتِ الظلمِ والاستبدادِ ..
*خرجوا ليلا وبسريةٍ وخفاءِ لئلا يشعر بهم فرعون وحتى لا تجهض الثورة قبل اكتمالها فيضيع الجهد وتحصل الفوضى وتخترق صفوفهم المخابرات الفرعونية..*
قامَ فرعون في الصباحِ فأدرك الأمر وعرف المخطط فأزبد وأرعد، وهدد وتوعد..
كيف لهم أن يخرجوا من تحت عباءتي ؟
من سمح لهم بذلك؟
وكيف تجَرّؤا على مفارقتي؟
يا فرعون: العبيد سيصبحوا أحرارا، اليوم ليس كالأمس، ومن عرفتهم اليوم سيتغيروا في الغد، ومن المحال دوام الحال..لكن كان فرعون يعيش بتلك العقلية القديمة المتخلفة وأن هؤلاء العبيد سيستمرون في عبوديتهم إلى أبد الآباد..وهذا هو تفكير الطغاة دائما ..
إنه سرابُ الملك، وخمرةُ العرش، ونشوةُ الحكم..
إنه درسٌ بليغ لكل طاغية أن كأس الحكم علقم وإن مُزجت بالعسل، وأنّ كرسي الملك هلاك وإن زُخرف بالحياة..
تَنحني الدُّروب الطويلة لمُوسى عَليهِ السَّلام وهو يقودُ بَني إسرائيل، وتُرحب به الوهاد والنّجاد لأنه أكرم من مشى عليها يومئذٍ ..
كان موسى يترقب النّهاية ويفوّض أمره في كل صغيرة وكبيرة للملك الجليل ..
خُطوات موسى أثناء تلك الرحلة كانت تحمل الأعباء فيتصبر لأنهم كانوا يعتبروها مغامرة نحو المجهول وهو يُعلّمهم من هو الله ..
.. { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } !
هو الذي أمرنا بعبادته، وهو الذي أمرنا بالخروج، وهو خالقنا وخالق هذه الدروب والصحاري والقفار والأنهار والبحار..
كان جدبُ الثّقة قد حاصرهم، والهلع قد أحاط بهم من كل جانب، كان موسى على موعد أن يسمع منهم:
{ إنّا لَمُدْرَكُون } !
وكان موسى يموجُ في داخلهِ صوتٌ خفي يَطغى على كل شيء حوله فهو يتذّكر قولَ ربه :
{ قَدْ أُجيبَت دَعوَتكُما } !
هو ربي ولن يضيعني..
لن يخذل الله قلبا تعلق به ..
يجيبُ دعاء المضطر وإن كان لا يعبده فكيف بالمتصل به آناء الليل وأطراف النهار فضلا عن أن يكون الداعي كليمه...
ما أعظمها من منزلة!!
أي قلب كان يحمل موسى وهو ينتظر الخلاص..
سجّل القرآن هذه المشاهد أولا بأول فما أبلغ تصوير القرآن:
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِى الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ }
حالُ فرعون: لا بد من القضاء على هذه العصابة المارقة، لن نسمح لهم بالفرار إلى الشام، هيّا أيها الجنود ..
*وتعملُ الآلة الإعلامية لفرعون جهدها في الضخّ الكبير لحشد الدعم للقضاء على موسى ومن معه،* وجيش فرعون كما يذكر ابن كثير في البداية والنهاية ألف ألف وستمائة ألف ..
" مليون وستمائة ألف" جندي يظن فرعون أنه سيسحق بهم بني إسرائيل ويصيرهم في خبر كان ..
يا لله ..
أي طغيانٍ هذا !!
أينتصر من يحارب الله ولو ملَك ما بين الخافقين؟
أيفوز من يبارز الله ولو بكل عتاد الأرض.؟
حليمٌ أنت يا الله ..لا أحد أحلم منك، صبور على عبادك..تمهل كثيرا لكنك لا تهمل..
كم أمهلت وجعلت هناك متسعا من الوقت وفرصة من الزمن لمراجعة الحسابات لكن ما أكفر هذا الإنسان وأشد طغيانه !!
*كان فرعون في أوج مراحل طغيانه، وأشد حالات عتوه، وأعنف خطوات بطشه، كان يود أن يسحقهم..*
إنه لن يدع ولن يذر..
سيفتك بالمتمردين..
ويقترب الموعد ..
ويلحقهم فرعون ..
أشرقت الشمس ولم يشرق معها النور إلى قلوبهم بل تسلل مع شعاعها اليأس والرعب إلى نفوسهم.
{فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ }
لحقهم فرعون وجنوده وحصروهم في مضيق لا مفر منه .
.
{فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ}
رأى كل فريق الآخر رأي العيان وتلاقت الحدق بالحدق والأبصار بالأبصار...
{فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}
سيدركنا القوم لا محالة والأمر مؤكد ب{ إنّا} .
لحقهم فرعون بجيشه العرمرم اللجب فأدركهم عند طلوع الشمس، وتراءى الجيشان ، ولم يبق ثَم ريب عندها ، وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه عن قرب ورآه، فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون تملكهم الرعب وسيطر عليهم الفزع: إنا لمدركون، وذلك لأنهم اضطروا فى طريقهم إلى البحر، فليس لهم مسلك ولا محيد ولا مهرب إلا خوضه وكيف لهم أن يخوضوا البحر فموسى وراءهم والبحر أمامهم..
{فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}
قالوها والخوف قد ركبهم..
*لكن موسى قطع توكيدهم الموهوم بحرف الردع والزجر{ كلاّ}*
{ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِى رَبِّى سَيَهْدِينِ }
معي ..
*فقد كان وحده يصلي في محراب الثقة..*
وحده جمعيةُ قلبهِ في عكوفٍ مع الله ..
وحده يحارب جيوش اليأس بسيوف الأمل، ويصارع أمواج الخوف بجنود الأذكار..
وحدهُ متصلٌ أمّا البقية فالخوف هو سيّد الموقف..
{ إِنَّ مَعِى رَبِّى }
والله لو فقد موسى كل الدنيا ومعيّة الله معه فما فقد شيئا ..
*هذه أعظم كلمة يمكن أن تقال عند احتدام الخطر واشتداد البأس..*
معيّة الله أعظم كنز يمكن أن تعثر عليه فإنه إن كان معك سيحميك وأنت في عين العاصفة..وإن لم يكن معك هلكت وأنت على شاطئ النجاة..
{ سَيَهْدِينِ }
هو الذي يهديني الطريق ..
وهو الذي هدى التابوت يوم أن كنتُ رضيعا إلى قصر الطاغية ..
" اقترب من الخوف تأمن" ..
*ولقد كنتُ تائها ذات مساء في صحراء مظلمة لا أعرفه فدلّني وهداني إليه...*
والآن حاشاه أن يتركني في منتصف الطريق.
اشتدّ الكرب، وتفاقم الأمر، واقترب الخطر، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، عندها أوحى الكبير المتعال، صاحب الملك والجلال إلى موسى الكليم:
{ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ}
فلما ضربه انفلق بإذن الله، { فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} .
فجأة وبمجرد ضربة العصا في هذا البحر العرمرم الذي لا يبلغ مداه الطرف ينفلق..
لقد انفلق إلى اثنتى عشرة طريقًا، لكل سبط طريق يسيرون فيه..
يا لِله ..
كيف لماء البحر يصبح قائمًا مثل الجبال..!!؟
*نعم لقد أصبح مكفوفًا بالقدرة العظيمة الجبّارة الصادرة من ملك الملوك الذي يقول للشيء: كن فيكون.*
وجاءت الرياح في الحال فضربت حال البحر، فأذهبته حتى صار يابسًا لا يعلق فى سنابك الخيول والدواب. قال الله : { فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِى الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى}.
ضربهُ موسى فانفلق فشاهدوا من الأمر العظيم ما يحير الناظرين، ويهدي قلوب المؤمنين، ويبعث الطمأنينة في قلوب الخائفين..
سلكوا طريقا آمنة ..
وخرجوا بأمان..
يا الله ما أوسعَ الطرق إن كنت أنت الدليل !!
*وما أضيقَ الطريق على من لم تكن دليله..!*
بعد خروج آخر واحد من بني إسرائيل يأمر الملك أمره:
{ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا } أي: ساكنًا على هيئته، لا تغيره عن صفته التي هو عليها فهو مخلوق مثلك يأتمر بأمري..
عصاكَ يا موسى لا تقدم ولا تؤخر هي أيضا مخلوقة مثلك ومثل البحر..
{ إنّهم جندٌ مُغرقون}
قضي الأمر، وحق القول..
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ } .
وهكذا مصيرُ كلّ طاغية وظالم مرّ من على هذا الكوكب مصيره البؤس والخزي والهوان وسوء الأحدوثة ..
كان يوم عاشوراء حَدثا عظيما صامَهُ موسى عليه السلام شكرا لربه على هذا النصر المبجّل وصامه نبينا صلى الله عليه وسلم إحياء لذكرى ذلك النصر..
*ويا للعجب من أناسٍ يزعمونَ محبةَ موسى وكره فرعون وهُم في الواقعِ ضدّ كلّ موسى ومع كلِّ فرعون..*
وفي النهاية..
لا غالب إلا الله ..
ومصير كلِّ محاربٍ لربه مبارز له الخسران والهلاك..
وكل معركة تقام ضد الله معركة خاسرة ..
{ فاليومَ ننجيّكَ ببدنكَ لتكونَ لمن خلفكَ آيةً}
هذه نهاية كبير المتمردين على الله ..
وأنت يا كل ظالم إن لم تتعظ صرت موعظة، وإن لم تعتبر صرت مُعتبرا، فهذه نهاية أكبر طاغية ماثلةّ أمامك منذ آلاف السنين..
أيها الناس: *ابتهجوا بعاشوراء وصوموه شكرا واجعلوه اليوم العالمي لهلاكِ الطّغاة..*
فلا طاغية كفرعون، ولا عاقبة كعاقبته، وهو اليوم الوحيد الذي أُمِرنا بصيامه شكرا ..
عامر الخميسي
في يومِ عاشُوراء ..
كانَت الأرضُ على موعدٍ مع حفلٍ بهيجٍ..
ذاك الحفلُ سيعيدُ رسم الخارطة من جديدٍ ..
كان موسى يصارعُ أسئلةَ بني إسرائيل المتكررة ويَقطعُها بقوةِ الثقة وعمقِ الطمأنينة لأنه على موعدٍ معَ الله ..
كان خروجهم من مصر بحدّ ذاتهِ يُمثّل ثورةَ الانعتاق من عبودية الطغيانِ، والتخلصِ من كهنوتِ الظلمِ والاستبدادِ ..
*خرجوا ليلا وبسريةٍ وخفاءِ لئلا يشعر بهم فرعون وحتى لا تجهض الثورة قبل اكتمالها فيضيع الجهد وتحصل الفوضى وتخترق صفوفهم المخابرات الفرعونية..*
قامَ فرعون في الصباحِ فأدرك الأمر وعرف المخطط فأزبد وأرعد، وهدد وتوعد..
كيف لهم أن يخرجوا من تحت عباءتي ؟
من سمح لهم بذلك؟
وكيف تجَرّؤا على مفارقتي؟
يا فرعون: العبيد سيصبحوا أحرارا، اليوم ليس كالأمس، ومن عرفتهم اليوم سيتغيروا في الغد، ومن المحال دوام الحال..لكن كان فرعون يعيش بتلك العقلية القديمة المتخلفة وأن هؤلاء العبيد سيستمرون في عبوديتهم إلى أبد الآباد..وهذا هو تفكير الطغاة دائما ..
إنه سرابُ الملك، وخمرةُ العرش، ونشوةُ الحكم..
إنه درسٌ بليغ لكل طاغية أن كأس الحكم علقم وإن مُزجت بالعسل، وأنّ كرسي الملك هلاك وإن زُخرف بالحياة..
تَنحني الدُّروب الطويلة لمُوسى عَليهِ السَّلام وهو يقودُ بَني إسرائيل، وتُرحب به الوهاد والنّجاد لأنه أكرم من مشى عليها يومئذٍ ..
كان موسى يترقب النّهاية ويفوّض أمره في كل صغيرة وكبيرة للملك الجليل ..
خُطوات موسى أثناء تلك الرحلة كانت تحمل الأعباء فيتصبر لأنهم كانوا يعتبروها مغامرة نحو المجهول وهو يُعلّمهم من هو الله ..
.. { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } !
هو الذي أمرنا بعبادته، وهو الذي أمرنا بالخروج، وهو خالقنا وخالق هذه الدروب والصحاري والقفار والأنهار والبحار..
كان جدبُ الثّقة قد حاصرهم، والهلع قد أحاط بهم من كل جانب، كان موسى على موعد أن يسمع منهم:
{ إنّا لَمُدْرَكُون } !
وكان موسى يموجُ في داخلهِ صوتٌ خفي يَطغى على كل شيء حوله فهو يتذّكر قولَ ربه :
{ قَدْ أُجيبَت دَعوَتكُما } !
هو ربي ولن يضيعني..
لن يخذل الله قلبا تعلق به ..
يجيبُ دعاء المضطر وإن كان لا يعبده فكيف بالمتصل به آناء الليل وأطراف النهار فضلا عن أن يكون الداعي كليمه...
ما أعظمها من منزلة!!
أي قلب كان يحمل موسى وهو ينتظر الخلاص..
سجّل القرآن هذه المشاهد أولا بأول فما أبلغ تصوير القرآن:
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِى الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ }
حالُ فرعون: لا بد من القضاء على هذه العصابة المارقة، لن نسمح لهم بالفرار إلى الشام، هيّا أيها الجنود ..
*وتعملُ الآلة الإعلامية لفرعون جهدها في الضخّ الكبير لحشد الدعم للقضاء على موسى ومن معه،* وجيش فرعون كما يذكر ابن كثير في البداية والنهاية ألف ألف وستمائة ألف ..
" مليون وستمائة ألف" جندي يظن فرعون أنه سيسحق بهم بني إسرائيل ويصيرهم في خبر كان ..
يا لله ..
أي طغيانٍ هذا !!
أينتصر من يحارب الله ولو ملَك ما بين الخافقين؟
أيفوز من يبارز الله ولو بكل عتاد الأرض.؟
حليمٌ أنت يا الله ..لا أحد أحلم منك، صبور على عبادك..تمهل كثيرا لكنك لا تهمل..
كم أمهلت وجعلت هناك متسعا من الوقت وفرصة من الزمن لمراجعة الحسابات لكن ما أكفر هذا الإنسان وأشد طغيانه !!
*كان فرعون في أوج مراحل طغيانه، وأشد حالات عتوه، وأعنف خطوات بطشه، كان يود أن يسحقهم..*
إنه لن يدع ولن يذر..
سيفتك بالمتمردين..
ويقترب الموعد ..
ويلحقهم فرعون ..
أشرقت الشمس ولم يشرق معها النور إلى قلوبهم بل تسلل مع شعاعها اليأس والرعب إلى نفوسهم.
{فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ }
لحقهم فرعون وجنوده وحصروهم في مضيق لا مفر منه .
.
{فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ}
رأى كل فريق الآخر رأي العيان وتلاقت الحدق بالحدق والأبصار بالأبصار...
{فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}
سيدركنا القوم لا محالة والأمر مؤكد ب{ إنّا} .
لحقهم فرعون بجيشه العرمرم اللجب فأدركهم عند طلوع الشمس، وتراءى الجيشان ، ولم يبق ثَم ريب عندها ، وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه عن قرب ورآه، فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون تملكهم الرعب وسيطر عليهم الفزع: إنا لمدركون، وذلك لأنهم اضطروا فى طريقهم إلى البحر، فليس لهم مسلك ولا محيد ولا مهرب إلا خوضه وكيف لهم أن يخوضوا البحر فموسى وراءهم والبحر أمامهم..
{فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}
قالوها والخوف قد ركبهم..
*لكن موسى قطع توكيدهم الموهوم بحرف الردع والزجر{ كلاّ}*
{ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِى رَبِّى سَيَهْدِينِ }
معي ..
*فقد كان وحده يصلي في محراب الثقة..*
وحده جمعيةُ قلبهِ في عكوفٍ مع الله ..
وحده يحارب جيوش اليأس بسيوف الأمل، ويصارع أمواج الخوف بجنود الأذكار..
وحدهُ متصلٌ أمّا البقية فالخوف هو سيّد الموقف..
{ إِنَّ مَعِى رَبِّى }
والله لو فقد موسى كل الدنيا ومعيّة الله معه فما فقد شيئا ..
*هذه أعظم كلمة يمكن أن تقال عند احتدام الخطر واشتداد البأس..*
معيّة الله أعظم كنز يمكن أن تعثر عليه فإنه إن كان معك سيحميك وأنت في عين العاصفة..وإن لم يكن معك هلكت وأنت على شاطئ النجاة..
{ سَيَهْدِينِ }
هو الذي يهديني الطريق ..
وهو الذي هدى التابوت يوم أن كنتُ رضيعا إلى قصر الطاغية ..
" اقترب من الخوف تأمن" ..
*ولقد كنتُ تائها ذات مساء في صحراء مظلمة لا أعرفه فدلّني وهداني إليه...*
والآن حاشاه أن يتركني في منتصف الطريق.
اشتدّ الكرب، وتفاقم الأمر، واقترب الخطر، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، عندها أوحى الكبير المتعال، صاحب الملك والجلال إلى موسى الكليم:
{ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ}
فلما ضربه انفلق بإذن الله، { فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} .
فجأة وبمجرد ضربة العصا في هذا البحر العرمرم الذي لا يبلغ مداه الطرف ينفلق..
لقد انفلق إلى اثنتى عشرة طريقًا، لكل سبط طريق يسيرون فيه..
يا لِله ..
كيف لماء البحر يصبح قائمًا مثل الجبال..!!؟
*نعم لقد أصبح مكفوفًا بالقدرة العظيمة الجبّارة الصادرة من ملك الملوك الذي يقول للشيء: كن فيكون.*
وجاءت الرياح في الحال فضربت حال البحر، فأذهبته حتى صار يابسًا لا يعلق فى سنابك الخيول والدواب. قال الله : { فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِى الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى}.
ضربهُ موسى فانفلق فشاهدوا من الأمر العظيم ما يحير الناظرين، ويهدي قلوب المؤمنين، ويبعث الطمأنينة في قلوب الخائفين..
سلكوا طريقا آمنة ..
وخرجوا بأمان..
يا الله ما أوسعَ الطرق إن كنت أنت الدليل !!
*وما أضيقَ الطريق على من لم تكن دليله..!*
بعد خروج آخر واحد من بني إسرائيل يأمر الملك أمره:
{ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا } أي: ساكنًا على هيئته، لا تغيره عن صفته التي هو عليها فهو مخلوق مثلك يأتمر بأمري..
عصاكَ يا موسى لا تقدم ولا تؤخر هي أيضا مخلوقة مثلك ومثل البحر..
{ إنّهم جندٌ مُغرقون}
قضي الأمر، وحق القول..
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ } .
وهكذا مصيرُ كلّ طاغية وظالم مرّ من على هذا الكوكب مصيره البؤس والخزي والهوان وسوء الأحدوثة ..
كان يوم عاشوراء حَدثا عظيما صامَهُ موسى عليه السلام شكرا لربه على هذا النصر المبجّل وصامه نبينا صلى الله عليه وسلم إحياء لذكرى ذلك النصر..
*ويا للعجب من أناسٍ يزعمونَ محبةَ موسى وكره فرعون وهُم في الواقعِ ضدّ كلّ موسى ومع كلِّ فرعون..*
وفي النهاية..
لا غالب إلا الله ..
ومصير كلِّ محاربٍ لربه مبارز له الخسران والهلاك..
وكل معركة تقام ضد الله معركة خاسرة ..
{ فاليومَ ننجيّكَ ببدنكَ لتكونَ لمن خلفكَ آيةً}
هذه نهاية كبير المتمردين على الله ..
وأنت يا كل ظالم إن لم تتعظ صرت موعظة، وإن لم تعتبر صرت مُعتبرا، فهذه نهاية أكبر طاغية ماثلةّ أمامك منذ آلاف السنين..
أيها الناس: *ابتهجوا بعاشوراء وصوموه شكرا واجعلوه اليوم العالمي لهلاكِ الطّغاة..*
فلا طاغية كفرعون، ولا عاقبة كعاقبته، وهو اليوم الوحيد الذي أُمِرنا بصيامه شكرا ..
عامر الخميسي