تفسير آية البر لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ...

منذ 2020-09-16
تفسير آية البر
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " البقرة , 177 "
التفسير
قال الحافظ ابن كثير عند تفسير هذه الآية " فإن الله تعالى لما أمر المؤمنين أولا بالتوجه إلى بيت المقدس ثم حولهم إلى الكعبة شق ذلك على نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلمين فأنزل الله بيان حكمته في ذلك وهو أن المراد إنما هو طاعة الله عز وجل وامتثال أمره والتوجه حيث ما وجه واتباع ما شرع فهذا هو البر والتقوى "
نزلت الآية في الإرشاد إلى البر وهو درجة عالية من الإيمان والثواب أنه يكون في قلب المؤمن الصادق سواء وجه وجهه قبل المشرق أو المغرب فإذا تحققت فيه صفات البر فهو من الصادقين المتقين وصفات البر هي
أولا {{ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ }} : أن تؤمن بأنه لا إله إلا الله وأن لا تشرك به شيئا وباليوم الأخر أنه كائن على الوجه الذي حدد الله وبالملائكة أنهم مخلوقات نورانية لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يسبحون الله لليل والنهار لا يفترون وبالكتاب أن الله أنزل الكتب على أنبيائه مثل (التوراة والإنجيل والقرآن ... ) وبالنبئين أن الله أرسلهم وأيدهم بالوحي لئلا يعبد أحد سواه ولئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل
ثانيا {{ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ }} : وهو الإنفاق في سبيل الله من مالك الذي تحب ويقول سبحانه في آية أخرى {{ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }} " آل عمران .92 "
عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم قال كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ }} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ " فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ " صحيح البخاري "
وَابْنَ السَّبِيلِ : المسافر
وَالسَّآئِلِينَ : هو المتسولون يقول سبحانه {{ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ }} " الضحى, 10 "
وَفِي الرِّقَابِ : وهم الإماء والعبيد المسلمون , والإنفاق عليهم هو شرائهم وعتقهم
ثالثا : {{ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ }} : يعني أداء الصلوات الخمس الواجبة والزكاة المفروضة
رابعا : {{ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ }} :أن من صفات البر الوفاء بالعهد يقول سبحانه {{ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً }} " الإسراء , 34 " وقد أثنى الله تعالى على نبيه إبراهيم بأنه أوفى عهده حين أبتلاه بكلمات يعمل بها فأتمهن فقال سبحانه {{ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى }} " النجم , 37 " ويقول {{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }} " الأحزاب , 23 " : نزلت هذه الآية بعد غزوة الأحزاب في الصادقين من الصحابة رضي الله عنهم كسعد ابن معاذ فكان ممن ينتظر وكان من الذين قضوا نحبهم أي استشهدوا على ما عاهدوا الله عليه من الإيمان به والجهاد في سبيله أنس ابن النضر في غزوة أحد .
خامسا : {{ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ }} : أي أن من صفات البر الصبر في جميع الظروف من الفقر والمرض والعجز و{{ وَحِينَ الْبَأْسِ }} : أي حين الأهوال العظيمة كالقتال والحصار وسقوط الدار وهلاك الأهل المال وغيرها
وقد كان نبي الله أيوب عليه السلام مثالا في ذلك يقول سبحانه عنه {{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) }} " ص "
وكان من قصته أن الله ابتلاه بأنواع البلاء من الفقر والمرض وفقدان المال والولد فصبر واحتسب حتى كان مثالا في الصبر كما قال عنه سبحانه {{ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }} وقد أثاب الله الصابرين بالمغفرة {{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ }} " الزمر , 10 " عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : {{يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلاَّ الجنة }} "صحيح البخاري "
صفيَّه : يعني أحب الناس إليه

هذه الصفات هي الصفات التي يجب أن تتحقق فيمن يريد أن يكون من أهل البر ومن كانت هذه صفاته كان من الصادقين المتقين لقوله سبحانه {{ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }} .

5f5a37544c79c

  • 5
  • 0
  • 2,937

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً