قتال البغاة يقول سبحانه : {{ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا ...

منذ 2020-10-22
قتال البغاة
يقول سبحانه : {{ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }} " الحجرات , 9 " :
قال ابن تيمية رحمه الله :
1- الأصل إذا نشب قتال بين طائفتين من المؤمنين أن يُسعى بالإصلاح بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى قوتلت الباغية فقتال البغاة لم يؤمر الله تعالى به ابتداءا مع واحدة من الطائفتان ولم يؤمر بقتال كل باغ والبغاة المأمور بقتالهم هم الذين بغوا بعد الاقتتال وامتنعوا من الإصلاح المأمور به فصاروا بغاة مقاتلين " راجع ملتقى العقيدة , قول شيخ الإسلام ابن تيمية في قتال البغاة "
2-والبغي يكون بقتال وبغير قتال وما كان بعير قتال فليس في النص أن الله أمر بقتاله ومثال البغي بغير قتال كأخذ مال أو رئاسة بظلم " نفس المصدر "
3- كتب الحديث المصنفة كالبخاري ومسلم والسنن ليس فيها باب قتال البغاة إذ ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في قتال البغاة إلا حديث كوثر ابن حكيم وهو موضوع فليس فيها إلا قتال أهل الردة والخوارج وأهل الأهواء" نفس المصدر "
4- ما يذكر الفقهاء في باب قتال البغاة مبني على وجوب القتال مع علي رضي الله عنه في الجمل وصفين فلما اعتقدوا وجوب ذلك جعلوه قاعدة فقهية ثم أدخلوا في هذه القاعدة قتال الخوارج والمرتدين وصاروا يطبقون هذا الأمر على من يتولى أمور المسلمين من الملوك والخلفاء ويجعلون أهل العدل من اعتقدوه كذلك ثم يجعلون المقاتلون له بغاة " نفس المصدر "
5- في قتال الجمل وصفين علي رضي الله عنه أولى بالحرب وترك القتال بالكلية كان خير وذلك القتال من قتال الفتنة " نفس المصدر "
6- المكره على القتال في الفتنة ليس له أن يقاتل بل عليه إفساد سلاحه وأن يصبر حتى يقتل مظلوما " نفس المصدر " .
قلت الأصل في المسلم أنه يخاف من قتال أخيه المسلم وإذا كان مصرا على قتاله لم يقاتله وخلى بينه وبين الله تعالى كما فعل ابن آدم المتقي حينما أراد أخوه العاصي قتله وكان من أمرهما ما قص الله علينا
{{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) }} " المائدة " :
من قتل أخاه المسلم عقوبته أن يحمل ذنوبه ويكون من الخاسرين أما المقتول ظلما دون قتال فهو الفائز لتكفير ذنوبه وثناء الله عليه كما دلت عليه الآيات أما إذا كان كل منهما حريص على قتل صاحبه فالقاتل والمقتول منهما في النار لقوله صلى الله عليه وسلم عن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : {{إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفِيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ فقلت يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ }} " الصحيحين " , فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه لقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع {{ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ - قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ - وَأَعْرَاضَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ». وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ ذَلِكَ «أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ» مَرَّتَيْنِ .
" الصحيحين "
أما ما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم فقد كان معركتان فقط وليستا كما يحدث بين المسلمين اليوم وقد علَّمنا ربنا سبحانه ما نقول فيما شجر بينهم في سورة الحشر بعد ما بين فضل المهاجرين والأنصار منهم بيَّن بعد ذلك أن المؤمنين التابعين لهم بإحسان هم الذين يسألون لهم المغفرة وفي هذا إشارة إلى أن الصحابة ليسوا معصومين وإذا أخطأ فريق منهم كما في غزوة أحد وكما شجر بين أصحاب علي مع أصحاب معاوية وأهل موقعة لجمل منهم رضي الله عنهم علينا أن نقول ما علمنا ربنا قوله {{وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }} " الحشر , 10 "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في عرضه لعقيدة أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة { ويمسكون عما شجر بين الصحابة ويقولون إن هذه الآثار المروية في مشاجرتهم منها ما هو كذب ومنها ما قد زيد فيه ونُقص وغُيِّر عن وجهه والصحيح منه هم فيه معذرون إما مجتهدون مصيبون أو مجتهدون مخطئون } "راجع العقيدة الواسطية مع شرحها لمحمد , ص 137 "
قلت : هذه هي عقيدة أهل السنة من السلف الصالح والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ولذلك نرى أن كتب الحديث الصحيح كالموطأ والصحيحين لم تدون ما شجر بينهم كما فعلت مع فصول السيرة الأخرى كالمغازي والمناقب وإنما جاء فيها أحاديث متفرقة صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قولها ولذا وجب تدوينها
وقد كانت معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم وسبيلا منيرا للصلح بين المسلمين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت الصادق المصدوق يقول {{ هَلاَكُ أُمَّتِي عَلَى يَدِي غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ }} " صحيح البخاري " , وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {{ يُوشِكُ أَنْ يَكُون َ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبِعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطَرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ }} " صحيح البخاري "
الحديثين وردا عن النبي صلى الله عليه وسلم ليبينا لنا أنه في حال الفتنه والاقتتال بين المسلمين يكون خيرا للمسلم أن يكون في البدو ليكون بعيدا عن الفتنة وفيهما إشارة لما وقع بعد عصر الخلافة الراشدة من الفتن وفي حديث سلمة ابن الأكوع أنه دخل على الحجاج فقال يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك تعربت قال لا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو"راجع صحيح البخاري " وعن يزيد ابن أبي عبيد قال لما قتل عثمان ابن عفان خرج سلمة ابن الأكوع إلى الرَّبْذَةِ وتزوج هناك إمرأة وولدت له أولادا فلم يزل بها حتى أقبل قبل أن يموت بليال فنزل المدينة
"راجع صحيح البخاري "
وإذا وقعت الفتنة بين فئتين من المسلمين فأنجح طريق للصلح بينهما هو حثهما على العفو والصلح يقول سبحانه {{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ }} " الشورى , 41 "
وتقديم التضحيات كما فعل الحسن ابن علي رضي الله عنهما فأصلح الله به بين المسلمين الذين معه والذين مع معاوية عن أبي بكرة رضي الله عنه قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب جاء الحسن فقال النبي صلى الله عليه وسلم {{ ابنِ هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ الله أنْ يُصْلِحَ بِه بَيْنَ فِيَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }} " صحيح البخاري "
فتحقق ذلك بتنازله عن الخلافة لمعاوية من أجل أن يتوقف القتال بين المسلمين وتجتمع كلمتهم على خليفة واحد لأن المسلمين لا يكون لهم إلا خليفة واحد {{ إِذَا بُويِعَ الْخَلِيفَتَانِ فَاقْتُلوا الْآخِرَ مِنْهُمَا }} " رجع صحيح مسلم "
ثم تطالب الفئتان بالاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويندب لذلك العلماء العدول ويتوقف القتال وينتظر المسلمون الأحكام الشرعية التي سيستنبطها العلماء من الكتاب والسنة وعلى المسلمون حينئذ تطبيقها والالتزام بها يقول سبحانه {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }} " النساء , 59 "
قولي يندب لذلك العلماء العدول مأخوذ من قوله سبحانه {{ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً , النساء " {{ 83 "
أُوْلِي الأَمْرِ : هم العلماء أهل التخصص فكل منهم صاحب الأمر في تخصصه الذي علمه الله يستنبط منه ما فتح الله عليه به .
فإذا تأخر العلماء في استنباط الأحكام أو تأخروا في الاتفاق عليها كان على الفريقين الانتظار حتى يعرفوا أحكام الله وحدوده فيما اختلفوا فيه وليس لأحد منهم أن يبدأ بقتال ولا قصاص لأن إقامة الحدود والقصاص تكون على الإمام في أرض الله التي استخلفه فيها وهي من شأن القاضي وهيئة الصلح وليست من شأن المتخاصمين إلا في أنفسهم وما ولوا .
هذه سنة الله التي سنها لأنبيائه يقول سبحانه {{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ }} " ص , 26 " بِالْحَقِّ : يعني شرع الله .

5f5a37544c79c

  • 0
  • 0
  • 311

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً