الغزالى - قصة حياة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ،أرسل رسوله بالهدى ودين ...

منذ 2020-11-06
الغزالى - قصة حياة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ،أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله ربّه بين يدى الساعةِ هاديًا ومبشرًاونذيرًا ، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيراً.

أما بعد:

فإن كل نفس بشرية لها نصيب من الجمال والقبح ،والكمال المطلق لايوجد فى هذا العالم ،ولكن بعض النفوس الممتازة تقرب من الكمال أكثر من غيرها ، فتنموا زهرة الجمال فيها نمواً عجيباً ، وتتكاثر فروعها وتمتد طولاً وعرضاً ،ولاتترك مجالاً لسواها فيضعف ويذبل كل نباتٍ خبيثٍ بجانبها.(1)

ومن هذا القسم الممتاز كانت نفسُ إمامنا الشيخ محمد الغزالى رحمه الله رحمة واسعة.

لقد كان الشيخ الغزالى رحمه الله من أعظم خطباء عصره ، وكان فارس الكلمة ، كان يملك أسلوباًيمتلئ بالحمية ،ويتوقد غيرةً على حرماتِ الله ، كان من حراسِ هذه الأمةِ الذين نذروا أنفسهم لحماية مقدساتها ، وأفنوا أعمارهم فى خدمةِ قضيتها .

وإنّ من واجب الدعاة إلى الله عزوجل أن يدرسوا أسلوب الشيخ رحمه الله فى الخطابة ، ليعلموا كيف يخاطبوا الناس ويأخذوا بايديهم إلى الله ،ليكونوا بحقٍ أئمةً يقتدِى بهم مَن بعدَهم وليُضيئوا الطريق لكل سالكٍ إلى الله على بصيرة وهدى .

لهذا شرعت فى كتابة هذا البحث المتواضع وجعلت عنوانه (الشيخ الغزالى خطيباً )

أماسبب اختيارى للموضوع فيرجع إلى:

1- التعريف بجانب من حياة الشيخ قَلّ من تناوله من الكتاب والباحثين .

2-بيان طريقة الشيخ رحمه الله فى الخطابة التى كانت سببًا فى جمع القلوب حوله ، وجذب الأفئدة إليه .

3_تعريف الجيل الحالى ممن لم يدرك عصر الشيخ الغزالى رحمه الله بشخصية الشيخ وعوامل النجاح التى جعلته مهوى أفئدة المحبين للخطابة فى عصره والعصور التالية لعصره .
واللهَ أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه ،وأن يجعله نواةً لدراسة موسعة عن طريقةِ الشيخ رحمه الله فى الخطابة ،وأن يضئ هذا البحث الطريق للخطباء ليقتدوا بالشيخ فى طريقته لعلهم يصلوا إلى ماوصل إليه.حياته

المبحث الأول : مولده ونشأته

هو محمدالغزالى أحمداالسقا مرسى .

ومحمدالغزالى اسم مركب ،وقد ذكر رحمه الله سبب تسميته بهذا الإسم فقال :والدى رحمه الله كان يحب شيخ الإسلام أبا حامدالغزالى ، وكان عاشقا للتصوف ، يحترم رجاله ،ويختار من مسالكهم مايشاء ،لأنه كان حافظا للقرآن جيد الفهم لنصوصه ، ويروى أبى لأصدقاء الأسرة أن تسميتى (محمدالغزالى ) جاءت عقب رؤية منامية وبإيحاءٍ من أبى حامد(رضى الله عنه )

ولد رحمه الله فى 22/9/1917 للميلاد فى قرية تكلا العنب من إيتاى البارود بمحافظة البحيرة ،لأسرة ريفية فقيرة متدينة ،وكان الشيخ أكبر إخوته السبعة .

وكان والده رجلا صالحاً وتاجراً أميناً ، محباً للصوفية شغوفاً بأبى حامدالغزالى ، حريصاً على العلم الشرعى .

وأما والدته فكانت سيدة بارّةً صالحةً محسنةً ،تحب الخير والإحسان للناس ، وكان الغزالى حين يذهب إلى القرية تطلب منه والدته أن يحسن إلى الجميع فكان يعد أكبر مبلغ من المال لإنفاقه فى أوجه الخير والبر .

وأتم حفظ القرآن الكريم وهو فى العاشرة من عمره ،والتحق بالمعهدالدينى التابع للأزهر الشريف بمدينة الإسكندرية ،فحصل على الشهادة الإبتدائية سنة 1932م ، ومن نفس المعهد بالقسم الثانوى حصل على الشهادة الثانوية الأزهرية سنة 1937م .

ولقدتأثرالشيخ فى هذه الفترة من حياته بعلماء تتلمذ على يديهم منهم الشيخ :إبراهيم الغرباوى ، والشيخ : عبدالعزيز بلال ، وكانا يشتغلان بالتربية النفسية ،ولهما درجة عالية فى العبادة والتقوى ،وكانا يمزجان الدرس برقابة الله وطلب الآخرة ،وعدم الفتنة بنيل الإجازات العلمية ، لأن للألقاب العلمية طنينا ربما ذهب معه الإخلاص المنشود فى الدين





ولقد ذكر الشيخ رحمه الله موقفًا يدل على ماكان يمتاز به أستاذه من رقة قلبٍ وذلك لما طلب منه الشيخ محمدالريان أن يعرب الجملة التالية (عبدت الله ) فأجاب الشيخ الغزالى رحمه الله بـأن اسم الجلالة منصوب على التعظيم فبكى شيخه رحمه الله (1) وهذا الموقف ربما ظل محفورًا فى ذاكرة الشيخ ومؤثرًا فيه ،وقد أثر هذا الموقف فى تكوين الشيخ وأكسبه رقة القلب التى لازمته حتى آخر حياته ، فهانحن نراه وقد ذكر فى محاضرة له اسم الله الستار ، فقال أحب أن أقول لكم أنى أعيش فى ظل وارفٍ من الإسم الحسن من اسماء الله الحسنى الستار ، ولولا هذا الستر الذى لف الله به نفسى وكيانى لافتضحت ثم لم يتمالك الشيخ نفسه فانهمرت دموعه معبرة عن تعظيمه لربه سبحانه وتعالى .

وقد تكرر بكاء الشيخ رحمه الله كثيرا عند ذكره لرسول الله ، وعند شوقه للموت فى سبيل الله ، وهذا يبين لنا أهمية هذه التنشئة فى حياة الداعى إالى الله عزوجل .

ولما أتم الشيخ رحمه الله تعليمه الثانوى انتقل إلى القاهرة ليبدأ دراسته الجامعية ، فالتحق بكلية أصول الدين ولما أتم دراسته بها حصل على الإجازة التى تعرف اليوم بالماجستير .

أعماله ووظائفه التى تولاها

تولى رحمه الله الخطابة بمسجد عذبان بالعتبة الخضراءسنة 1362ه/1943م ، وتولى أيضا الخطابة بالجامع الأزهر وجامع عمروبن العاص فأحيا الله به قلوبا كادت أن تموت وبعث به أمة من رقدتها، وأصبح مسجد عمرو بن العاص قبلة لمحبى العلم الصادق والكلمة الطيبة والدفاع الحار عن أصول الإسلام وفروعه .

تدرج الشيخ رحمه الله فى مناصب الدعوة والوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف المصرية فتولى التفتيش بالمساجد والوعظ بالأزهر الشريف ، ثم مديراً للمساجد فمديراً للتدريب ، ثم مديرًا للدعوة والإرشاد فوكيلًا لوزارة الأوقاف سنة 1981

ولقد شرفت بعضوية الشيخ العديد من المجامع الفكرية والمؤسسات العلمية مثل مجمع البحوث الإسلامية ، والمجمع الملكى لبحوث الحضارة الإسلامية بالأردن ، والمعهدالعالى للفكر الإسلامى بواشنطن ، إلى غير ذلك من المجامع والمؤسسات .

حصل الشيخ رحمه الله على العديد من الأوسمة مثل : وسام الأمير وهو أعلى وسام بالجزائر سنة 1988

وجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام سنة 1989

وجائزة الإمتياز من باكستان سنة 1991

وجائزة الدولة التقديرية من مصر سنة1991

إلى غير ذلك من الجوائز(1)

كانت للشيخ رحمه الله مواقف عظيمة فى الدفاع عن الإسلام ضد منتقديه ، وفى فضح أباطيل خصومه ، أوقف رحمه الله بها زحف أعداء الإسلام ، وأرسل قذائف الحق ليدك حصون الكارهين لنور الله ،وأرسل تأملاته هادئة فى الجانب العاطفى من الإسلام ، وبث هموم الداعية الغيور على الإسلام وأهله ،وأبان عن خلق المسلم الحق صاحب العقيدة الصحيحة ، ووقف فى وجه الزحف الأحمر ، وخاض معركة المصحف بكل جرأة وثبات جنان ، ووضع يده على الداء ووصف الدواء فجزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء .

توفى رحمه الله سنة1996 ودفن بالبقيع

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى
ماذا قال عمروبن العاص عن الشيخ الغزالى؟


لقد جعلت لهذه القصة عنوانا خاصا خارج ترجمة الشيخ لأهميتها، ولكونها ستوضح لنا مدى نجاح الشيخ فى جذب أفئدة الناس إلى مسجد عمروبن العاص بعد أن كانت الأنظار متجهة إلى غيره من المساجد .
يحكى الشيخ محمد الغزالى رحمه الله فيقول : استدعانى فضيلة الأستاذ الشيخ: أحمدحسن الباقورى إلى بيته وقال لى : (أريد أن ألقاك فى أمر مهم ) فذهبت إليه ، وعندما جلست على المقعدالقريب منى ، فإذا بالشيخ الباقورى يجلسنى فى مقعد آخر ،واعتذرت له أولا عن غيابى عنه ، لأنه كان مريضا وكان الشلل ينال منه ، فبادرنى بالسؤال الآتى : ماالذى بينك وبين عمروبن العاص ؟ فاستغربت السؤال وقلت : بينى وبين عمروبن العاص ؟ لاشئ أنا خطيب مسجده . قال الشيخ الباقورى :لا ، هناك شئ فشعرت بالدهشة وقلت : أى شئ ؟ قال : (أنا أحكى لك مارأيت وأنت تفسر ) قلت له : ماذا رأيت ؟ قال : بينما أنا نائم شعرت بطارق يقرع الباب ، ويقول : الوالى قادم ، قلت : من القادم ؟ من الوالى القادم ؟ قال :عمرو بن العاص . قال الشيخ الباقورى : فتهيأت للقاء صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعرت بخفة فى بدنى - رغم الشلل الذى كان يعانى منه - ودخل عمروبن العاص وجلس فى مكانك هذا ، رجل قصير القامة ، لكن فى عينيه عمقا فكأنهما محيطان فقال لى - أى عمروبن العاص - أبلغ الشيخ الغزالى أننى غفرت له تطاوله على لأنه أحيا مسجدى ، وهذا المسجد هورابع مسجد فى الإسلام لأنه المسجد الذى اجتمع فيه الفاتحون الذين هزموا الرومان فى مصر وأدخلوا الإسلام .
قال الشيخ الباقورى : (وشعرت بشئ من الرهبة ، وإذا عمروبن العاص ينصرف ، وأنا أستيقظ على صوت المؤذن للفجر ، وصليت الفجر وعدت إلى النوم ،وتكررت الرؤيا فاستدعيتك لأعرف كيف تطاولت على عمرو ، ولم غفر لك ؟.
قال الشيخ الغزالى معلقا على الرؤيا :الحقيقة عندما سمعت الرؤيا أخذتنى رعدة وشعرت بالميل للبكاء ، وقلت : أنا ذهبت إلى مسجد عمرو كارها ، وبدرت منى كلمات ضد عمروبن العاص لأنى كنت أكره الذين حاربوا على ابن أبى طالب ، ولكن الآن وبعد أن سمعت هذه الرؤيا ، أنا أتوب إلى الله من ذكر أحد الصحابة بما لايليق ، وعمرو له مكانته ، ولولاه والمؤمنون معه مادخل الإسلام مصر ، وما اعتنقت أنا الإسلام .
قال الشيخ الباقورى : على كل حال الرجل تجاوز عنك ، ونوه بأنك أحييت المسجد ، بعد أن كان المسجد ميتا .
قال الشيخ الغزالى : يغفر الله لى ماكان ، وأنا على العهد لا أبسط لسانى لأصحاب رسول الله جميعا إلا بالخير .
فهذا الموقف يوضح لنا الدور العظيم الذى قام به الشيخ الغزالى فى إحياء مسجد عمروبن العاص بشهادة مؤسسه وبانيه الصحابى الجليل عمروبن العاص رضى الله عنه ، ويوضح لنا كيف أن الله عزوجل جمع القلوب على حب الشيخ الغزالى رحمه الله ، حتى غدا مسجد عمرو كعبة تهفوا إليها أفئدة المحبين من كل مكان .
رحم الله الشيخ
وللحديث بقية
كتبه /المعتزبالله الكامل
  • 1
  • 0
  • 702

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً