الأصول في فهم الحديث الحديث كما بينا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وتقريره يقول سبحانه ...

منذ 2020-11-06
الأصول في فهم الحديث
الحديث كما بينا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وتقريره يقول سبحانه
{{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }} " النحل , 44 "
فالحديث هو نوع من استنباط النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن وهو أيضا تشريع من الله وبعضه أيضا أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم كالأحاديث القدسية {{ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا }} " النساء , 113 "
الْكِتَابَ : هو القرءان
وَالْحِكْمَةَ : هي السنة
وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ : بالكتاب والسنة المنزلين من الله وبالاستنباط منهما والفهم الصحيح لهما
ويقول سبحانه {{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }} " الحشر , 7 "
يستفاد من الآية وجوب الآخذ بالحديث ولكن في ذلك تفصيل :
إذا سمعت الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وجب عليك الأخذ به وتصديق ما فيه من العلم وطاعته وذلك لم يحصل إلا للصحابة رضي الله عنهم أما نحن فالذي وصلنا من الحديث هو ما دون بعد ذلك بزمن ليس بقصير فماذا نأخذ منه وماذا نترك وكيف نفهمه ونستنبط منه ؟
يقول سبحانه {{ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ }} " الرعد , 17 " : الحديث الصحيح يبقى في الأرض لأنه حق والحديث الموضوع يذهب جفاء كغثاء السيل لأنه باطل .
ولتوقن خبر الحديث هل هو موضوع أعرضه على كتاب الله
كقوله سبحانه {{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }} " النحل , 90 " : فإذا كان يخالف ما جاء فيه عن صفات الله تعالى وما يتعلق بذلك من العقيدة الصحيحة أو كان ينهى عن ما أمر الله به من العدل والإحسان أو يأمر بما نهى الله عنه من الفحشاء والمنكر فهو حديث مكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم , فإن كان فيه شيئ من النكارة مما تنكره قلوب المؤمنين وجب عليهم رده مثال ذلك حديث الإفك رده بعض المؤمنين لأن قلوبهم أنكرته وكانوا على حق في ذلك يقول سبحانه {{ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ }}"النور ,12 "
فإذا روى الحديث بعض الرواة الذين يزيدون في روايتهم وينقصون ويروون ما يخالف رواية العدول الضابطين فهؤلاء حديثهم يجب التَّبَيُّنُ فيه ولا يحكم بصحته إلا إذا وجد ما يصححه يقول سبحانه {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }} " الحجرات , 6 "
ويعرف هذا النوع من الحديث بالحديث الضعيف
أما إذا كان رواة الحديث ممن يكذبون في حديثهم فهؤلاء لا يؤخذ منهم الحديث بل يرد عليهم كما فعل يعقوب عليه السلام لما رد حديث إخوة يوسف لأنه كان يعلم كذبهم ونيتهم السيئة يقول سبحانه في ذلك {{ وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }} " يوسف ,18 "
والخبر الصحيح هو الذي يأتي به عدلان ممن نرضى من الشهداء ولا يكون مخالفا لما في القرءان أو تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة لا يمكن الجمع بينهما ولهذا نجد أن المحدثين اشترطوا لصحة الحديث وثبوته أن يأتي بطرقين صحيحين عن أحد الصحابة رضي الله عنهم ثم اشترطوا عدم وجود العلة القادحة والشذوذ في السند والمتن , وذلك أن الله اشترط في ثبوت الطلاق والنكاح شهادة عدلان فأكثر وفي ثبوت الدين شهادة رجلين ممن نرضى من الشهداء لقوله سبحانه {{ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء }}
فإذا كان هذا حال ثبوت النكاح والطلاق والدين فما بالك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أليس التَّبَيُّنُ فيه أولى من هذه الأمور .
ويشترط في الطريق الصحيحة عند البخاري ثبوت صحبة الراوي لمن ر وى عنه وهذا هو الحق في هذه المسألة لوجود الدليل عل ذلك من الكتاب وذلك أن الله جعل الصحبة لأهل الفضل والعلم هي التفقه في الدين فيقول سبحانه {{ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }} "التوبة , 122 " , والوجود الدليل عليه من علم الحديث فالدارس لهذا العلم ولرجاله كالبخاري يرى ما وقع من التدليس عند رواة الحديث منذوا عهد التابعين إلى العصور الوسطى ولهذا وجب أن لا نكتفى بشرط المعاصرة فقط ولأن اعتبار طريق للحديث صحيحا بمثابة شاهد عدل فلا بد أن يكون هذا الطريق محكم ولا يكون ذلك إلا بتوفر شرط العدالة والصحبة والمعاصرة وانتفاء التدليس ولذا نجد المحدثين يبحثون عن الحديث المسلسل والسند العالي وينتقدون انقطاع السند وعنعنته .
ولتأصيل الحديث وفهمه والاستنباط منه يجب دراسته من خلال الآيات والأحاديث الصحيحة التي وردت في بابه ولذا أدعوا إلى دراسة جميع الأحاديث على النحو التالي :
أولا : عرض كل حديث منها على كتاب الله فإذا خالفه في ظاهره في ما أمر الله به أو نهى عنه أو أخبر به فهو مردود على ر واته مهما كانوا عدولا وإن كان يخالفه في الأحكام فإن أمكن الجمع بينهما جمع وإن لم يمكن ترك الحديث وعمل بنص القرءان
ثانيا : إذا اختلفت عليك روايات الصحابة فاعلم أن الله قدم الأعدل منهما والأكثر صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم فأكثرهم عدالة هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار لقول سبحانه عنهم {{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }} " التوبة , 100 "
وأهل بيعة الرضوان لقوله سبحانه عنهم {{ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا }}"الفتح , 18"
أما عن غيرهم فعدالته تحتاج إلى دليل كثناء النبي صلى الله عليه وسلم ومن هؤلاء خالد ابن الوليد وعبد الله ابن عباس وأبو هريرة وعبد الله ابن عمرو ابن العاص أو الاشتهار بالعدالة كأبي بكرة
وقد قال البخاري رحمه الله وعامة المحدثين من بعده أن الصحابة كلهم عدول وهو قول يوافق ما ذكرنا من وجه ويخالفه من وجه آخر فلا شك أن البخاري يقصد بقوله ما ذكرنا من عدالة عامة المهاجرين والأنصار وأهل بيعة الرضوان وكل من أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وكل من اشتهروا بالعدالة بين الناس أو روى عنهم اثنين من أئمة التابعين وإلا يكون كلامه فيه نظر لأن الصحابي عندهم كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به وقد أدعى كثير من المنافقين ذلك رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به في الظاهر وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف بعضهم وبعضهم لا يعرفه بدليل قوله سبحانه {{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ}}
" التوبة , 101 "
ووصفِ بعضهم بعدم الصدق والتربص بالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كقوله سبحانه عن بعض الٌأعراب {{ وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }} " التوبة , 98 "
وإذا كان الصحابي ممن ذكرنا أكثر صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم من غيره فهو مقدم على الآخر الأقل صحبة في العلم والرواية لقوله سبحانه {{ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }} " المجادلة , 11 "
والذين أوتوا العلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هم الأكثر صحبة له كالخلفاء وأمهات المؤمنين وجمع من السابقين كزيد ابن ثابت الأنصاري وأبي ابن كعب وأبا ذر وعبد الله ابن مسعود وغيرهم من الصحابة كأبي هريرة وعبد الله ابن عباس ومن أبلغ ما ورد في شأن هؤلاء قوله سبحانه {{ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }} " التوبة . 122 "
فجعل الله سبحانه وتعالى التفقه في الدين صحبة النبي صلى الله عليه وسلم مما يعني أن الأكثر صحبة يكون أكثر علما وتفقها في الدين .
ثالثا : اعلم أن الحديث إذا كان الأصل فيه الرواية باللفظ فقد روي أيضا بالمعنى وروايته بالمعنى ظهرت منذوا عهد الصحابة إلى فترة تدوينه ويظهر ذلك جليا في اختلاف الرواة في رواية ألفاظ بعض الأحاديث الصحيحة .

5f5a37544c79c

  • 1
  • 0
  • 201

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً