نشر هذا المقال في منصة أريد "مائدة العلم" 2-11-2020 العلوم النقلية ودورها في التطور العلمي في ...

منذ 2020-11-09
نشر هذا المقال في منصة أريد "مائدة العلم" 2-11-2020
العلوم النقلية ودورها في التطور العلمي في الأندلس
فرج مراجع فرج بن موسى
باحث في تاريخ الأندلس "جامعة السلطان إدريس بماليزيا"
إيميل: [email protected]

العلوم النقلية ودورها في التطور العلمي في الأندلس
الملخص
هذه الدِّراسة تتناول العلوم النَّقلية وأثرها في التَّطور العلمي في الأندلس، فقد تميز تاريخ الحضارة الإسْلامية بالتَّطور والإبْداع والازْدهار والابْتكار العلمي، خُصوصاً خلال الخلافة الأموية لأكثر من مائة عام التي حكمت فيها الأندلس، ومع هذا التَّقدم والإبْداع الإسْلامي تظهر مشكلة هذه الدِّراسة في الطعن والتَّشْويه من بعض الباحثين الغربيين، وكذلك تبرز حقيقة الانفتاح الإسلامي على العالم الغربي، تهدف هذه الدِّراسة إلى إبراز دور القرآن الكريم واللغة العربية والكتابة والخط في التَّطور العلمي، وكذلك تسْليط الضَّوء على جهود علماء الإسلام، ويسْتخدم الباحث المنهج السَّردي والمنهج النَّقدي، وتظهر النتائج تميز القرآن الكريم كمصدر رئيسي للعلوم النقلية، وأيضاً تقدم اللغة العربية كمفتاح للمعرفة، كما سأتحدَّث على أبناء أُمَّة محمد (ﷺ) الذين كانُوا أسَاتِذة العالم خلال القرون الوسطى، وتظهر هذه الدراس قدرة القرآن الكريم واللغة العربية في نقل العلوم الإسلامية إلى العالم، كما تعد هذه الدراسة حافزا للعلماء في تحقيق الحضارة الأندلسية في العالم وغرس الوعي عند المؤرخين والحكومة الإسلامية لزيادة الجهود لدراسة كنوز الأندلس التاريخية التي لا تزال مخفية في المكتبات في الدول الغربية.
الكلمات المفتاحية: العلوم النقلية الأندلس تطور وازْدهار.



العلوم النقلية وأثرها في الأندلس
المقدمة:
انتشرت العلوم الإسلامية بالأندلس بالعصور الوسطى ومن أهم أسس( ) انتشارها القرآن الكريم الذي كسب قلوب الإنس والجن في مختلف العصور الإسلامية، فقد أصبح القرآن الكريم المصدر الأول في العلم والتعليم، وورد ذكر العلم في كتاب الله قبل (1400سنة) لتحرير الإنسانية وتبيين أهمية العلم للبشرية، وظهرت نتائج القرآن الكريم نور يشع ليكسب أهل الإسلام صفات الابتكار والتطور، ويفتح لهم أبواب العلوم والمعرفة ( )، قال الله ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ( )﴾، فأول ما نعرف من خلال تفسير القرآن الكريم لهذه الآية الكريمة هو فضل الله على عباده فقد علم الإنسان ما لم يكن يعلمه، فشرَّفهم وكرَّمهم بالمعرفة والعلم، وبين لنا الله سبحانه وتعالى بأن العلم يكون بالأذهان واللسان والكتابة بالبنان( )، وبذلك أصبحت مفردات اللغة العربية تنتشر في مختلف مدن الأندلس، فاسْتُخدِمت المصطلحات العربية في البيوت والأسواق ووصلت حتى لأماكن العبادة الخاصة بالنَّصارى واليهود، ولعلَّ أبرز نتائج تربُّع اللغة العربية على عرش الثقافة الأندلسية إسهاماتها بنقل العلوم الإسلامية لمختلف دول القارة الأوروبية، ودخول الكثير من سكان الأندلس للإسلام بواسطة اللغة العربية التي تتمثل بالقرآن والسنة، وقد كان لجمال المفردات والكلمات القرآنية أثرٌ كبير في نفوس الناس، وأيضاً تعتبر الكتابة من أسس الحركة العلمية التي نقلت إلينا العلوم وحافظت عليها، فقد ساهمت في الحفاظ على القرآن والسنة وسيرة محمد (ﷺ)، ومازالت المخطوطات العلمية الأندلسية بين أيْدِينا منذ قرونٍ طويلة، فقد كانت الكتابة والخط واللغة العربية من أهم أُسس العلم والتَّعليم بالأندلس، وفيما يلي العلوم النقلية وهي كالآتي:
أولاً: القرآن الكريم
أهل الأندلس كغيرهم من باقي الدول الإسلامية الأخرى، فقد استمر بقاء القرآن الكريم موضع إجلال وتقدير لدى أهل الإسلام بوصفه كلام الله، ويعتبر حفظ القرآن الكريم وتلاوة آياته ومعرفة المعاني القرآنية من أهم الأسس التي يتميَّز بها المسلم( )، ونزل القرآن على محمد (ﷺ) بفترة طويلة تقدر 23 سنة( )، وكان من لا يتكلم العربية ممن دخلوا في الإسلام يتعلمون اللغة العربية ويجتهدون في إتقانها، حتى أصبح منهم الشُّعراء والنُّقّاد والأدباء والكُتّاب، وساهم الكثير منهم بإنجازاتٍ كثيرة، تميزت بتطور قواعد الإعراب وتصْنيف المعاجم وترْسيخ علم النحو( )، وجعلوا من القرآن الكريم المصدر الأول في التعليم والمعرفة، فساهم ذلك في تعلُّم اللغة العربية ومفرداتها، وأصبح للغة العربية دور كبير في الحياة الأندلسية في بيوتهم وأسواقهم وتعليمهم وفي القضاء والسياسة والاقتصاد، فصارت من أهم اللغات في الأندلس، وأصبحت أَصْلاً في الحضارة والثقافة والمعرفة وتحدث بها القوط واليهود والوندال والمستعربين في طلب المعرفة والثقافة( )، وأصبحت اللغة العربية تتغلب على اللغة الإسبانية التي تعرف باللغة القشتالية( ) ونلاحظ مع هذا الاختلاط والامتزاج الكبير والغريب إلا أن اللغة العربية استطاعت أن تحقق لنفْسِها قُبولاً واسعاً، وأن تتغلب على اللغات الأخرى ولم تنهزم ولن تنتهي لغة القرآن الكريم بل زادت في المحافظة على وجودها وقوَّتها، حيث أصبحت المراكز العلمية تدرِّس جميع العلوم باللغة العربية، وبذلك استطاعت من أن تحقق المرتبة الأولى على جميع اللغات الأخرى( )، واعتمد خلفاء بني أمية وأهل العلم على الكُتب العربية الشرقية بالأندلس، وبذلك هاجرت العديد من الكتب العربية إلى الأندلس( )، وكان لها أثر كبير في الحضارة الإسلامية بالأندلس.
ثانيا: اللغة العربية
وكانت اللغة العربية في الأندلس لغة العلم وغدت من أهم اللغات الأندلسية، وكذلك أصبح الإسبان المسحيين يتكلمون بها حتى أطلق عليهم اسم (المستعربين)، وبدأت هذه اللغة في الانتشار منذ بداية الفتح الإسلامي للأندلس، واستمرت حتى عصر الخلافة الأموية، حتى أصبحت اللغة الرسمية لدى أهل الذمة في الأندلس، وترتب على ذلك انتشار اللغة العربية واعتناق العديد من سكان الأندلس الدين الإسلامي، ولقد كانت المناهج الدراسية تمثل مبادئ العلوم، بالإضافة إلى حفظ كتاب الله عز وجل( )، وتميَّزت اللغة العربية بأنها من أهم القواعد والأسس التي قامت عليها النهضة العلمية، واهْتم الحَكَم المستنصر بها وبالنحو والشعر والرسائل الأدبية والمعاجم والزَّجل والصَّرف وعلوم القرآن وعلوم الحديث( )، ومن خلال ما سبق نعرف بأن اللغة العربية أصبحت هي القاعدة والأساس الذي ينطلق منه طالب العلم في الأندلس للبحث عن أي علم من العلوم، ففي كتاب نفح الطيب للمقري، والصلة لأبي القاسم ابن بشكوال، وكتاب بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس للضبي، وكتاب طبقات الأمم للقاضي أبي القاسم صاعد ابن أحمد بن صاعد، وكذلك المقدمة لعبد الرحمن بن خلدون، وجذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس لأبي عبدالله محمد بن فتوح بن عبدالله الحُميدي، نعرف ونسْتنْبِط ونسْتنتج بأن القرآن الكريم واللغة العربية والخط والنحو والأدب، كان لهم دور كبير جداً في الحركة العلمية في زمن الخلافة الأموية بالأندلس، ونلاحظ من خلال ما سبق بأن طرق التعليم تعتمد على اللغة العربية و النحو والخط في جميع العلوم، خاصة في العلوم النقلية التي نحن بصدد الحديث عنها في الفصول القادمة. وقد تحدث أهل طليطلة من النَّصارى الذين لم يدخلوا في الإسلام باللغة العربية، وكذلك غلبت عليهم العروبة، وجعلوا اللغة العربية في صلواتهم وطقوسهم داخل الكنيسة مع اللغة القوطية( )، وأكد كولان أن اللغة العربية التي تحدث بها أهل الأندلس من أفضل اللغات في ذلك الزمان( )، ومما لا شك فيه بأن اللغة العربية التي دخلت الكنائس وأماكن العبادة في الأندلس كان لها دور عظيم وكبير، أثَّرت بعقول وقلوب أهل الأندلس حتى من الديانات الأخرى، حتى أصبح لها مكانة عالية وأهمية عظيمة لدى غير أهل الإسلام، فقد أصبح لها شأن عظيم وتصدَّرت لغات العالم، وساهمت في تطور العلوم ونقلها إلى الأمم الأخرى، وهنا نرد على بعض المسْتشْرقين الذين تناولوا في بعض مؤلفاتهم بالإنكار والطعن وتزييف والتجريح ضد الحضارة الإسلامية، ونؤكِّد بأن الحضارة الإسلامية تمكنت من الانصهار والتعايش مع النصارى واليهود وغيرهما من الديانات الأُخرى لمدة 800 سنة دون أن تفقد ذاتها أو دينها أو شخصيتها الإسلامية، وقد تحرَّرت هذه الأُمة من الاعتماد على الشق النظري فقط، حيث اكتشفوا فكرة التطور والازدهار والاستنتاج، واعتمدوا على فكرة إفراز الطاقات التي جعلتهم يضعون أسس الحضارة العلمية خلال القرون الوسطى.
ثالثاً: الخط والكتابة وأثرهما في نقل وحفظ العلوم
يعتبر الخط على هيئة أشكال ورسوم وهو يدل على الكلمات التي تصدر من الإنسان، وتُعبِّر بما يشعر به، وبكل تأكيد يتضح لنا أهمية الكتابة في حفظ العلوم المختلفة وفي نقلها من جيل إلى جيل عبر كل زمان وفي كل مكان، وكذلك تتميز الكتابة بأنها توجد داخل ضمائر البشر، وهي كلمات ترسل عبر الكتابة لتصل إلى دول بعيدة يُعرف منها المقصد فتُقضى الحاجات، ونعلم من خلالها العلوم والحضارات والثقافات المختلفة في جميع العصور، ومن أبرز وأهم فوائد الكتابة والخط أن نقلت إلينا القرآن الكريم والسنة النبوية كما هي، وكذلك سجلت لنا أحداث العالم المختلفة وحفِظت لنا العلوم والعلماء والأمم والدول والأجناس المتنوعة، ويمكننا أن نتعرف على الحضارة والعلم لأي أمة من الأمم من خلال النظر في جودة الخط وجماله ودقّته، وتعليم الخط يعتبر علم من العلوم يخضع لمجموعة من القوانيين والضّوابط يلقيها المعلم على طلابه( ). وقد كانت العلوم تدرس باللغة العربية، واسْتطاع علماء المسلمين باختلاف أجْنَاسِهم التعليم باللغة القرآن الكريم، فأثَّرت اللغة العربية في شعوب العالم تأثيراً كبيراً ( )، ففي زمن الخلافة الأموية الأندلس كانت عُقُول أبنائنا ناضجة بالعلم والتعليم، ويتلقَّون في حلقاتهم العلوم المختلفة ويتحدثون عن الأرض بدورانها وكرويَّتِها، ويعلمون الأجْرام بالسَّماء وحركاتها، وكذلك في المراكز العلمية يتعلمون قوانين الجاذبية الأرضية، وقد كانت أوروبا تعاني من الجهل والأوْهام وتعيش في زمان الخرفات والأساطير ( )، ويتَّضح من خلال جودة الخط مدى التَّقدم والحضارة في أي مجتمع، وهو من أفضل الصَّنائع ويعتبر تابع للعمران والتطور وبناء الأمصار، والحضارة العمرانية تمثل العلم الذي هو يتميز في جمال الخط والكتابة كأنه يظهر الإنسان المتميز والعارف بأمور العلم، وأيضاً أي دولة أو مدينة لا يوجد فيها العمران أو أي فن في البناء والتخطيط صوّره ابن خلدون بالجهل، بل قال بأن بعض البدو أُميين لا يعرفون الكتابة ولا القراءة( )، ونستنتج مما سبق بأن التطور والازدهار بالكتابة والخط نتج عن طريق علماء الإسلام وهجرتهم إلى الأندلس وتواصلهم بالبصرة والكوفة ومكة وبالمغرب العربي، ولا تزال الكتابة والخط تتحدث عن قصة المسلمين بالأندلس حتى الآن، فالخط والكتابة نقل لنا القرآن الكريم والسنة النبوية، ويعتبر الخط من أفضل الكنوز العلمية التي أسست القواعد العلمية للحضارة العالمية.
رابعاً: علماء العلوم النقلية في الأندلس
لا شك بأن العلم انتشر في الأندلس بجهود العلماء، بفضل الله عز وجل ثم حلقاتهم العلمية التي تعتبر أماكن للتعليم في جميع المجالات العلمية والثَّقافية، ويوجد أماكن كثيرة للحلقات العلمية منها الأسواق والرحلات العلمية وفي البيوت ودواوين التَّرجمة وقُصُور الخلفاء، وغيرها من الأماكن التي كانت من أهم الأسس العلمية التي ساهمت بالنهضة والتطور العلمي، فقد كان حِبان بن أبي جبلة( )، من التابعين العشرة الذين بعث بهم عمر بن عبد العزيز إلى إفريقية لتعليم الناس أمور دينهم، وقد دخل الأندلس مع موسى بن نصير سنة (94هـ) ووصل إلى قرشونة التي تبعد عن برشلونة حوالى 25 ميلاً ( )، ويعتبر حيوة بن رجاء من التابعين الذين شاركوا بفتح الأندلس مع موسى بن نصير( ) وهو من علماء الأندلس الفاتحين الذين وضعوا أسس الحركة العلمية بالأندلس منذ فتحها. ومن العلماء الأوائل المغيرة بن أبي بردة نشيط ابن كنانة العذري، وهو من التابعين ممن يروي عن أبي هريرة () وورد ذكره عند البخاري بكتابة التاريخ الكبير، وجاء اسمه عند مالك في موطئه ( )، ويُعد عياض بن عقبة الفهري من التابعين الذين ساهموا منذ بداية فتح الأندلس بنشر القرآن والسنة ( )، ومن العلماء الذين دخلوا منذ بداية الفتح الإسلامي للأندلس معاوية بن صالح الحضرمي( )، من رواة الحديث عن رسول الله (ﷺ)، وكان له دروس يعلم الناس من خلالها القرآن والسنة النبوية( )، تميز بحبه لحديث رسول الله (ﷺ)؛ وإنه لحب يسكن الجسد ويتغلغل فيه ويلامس الروح ويتعلق بالقلب، هكذا هم علماء الإسلام بالأندلس، همهم وشغلهم إخراج العباد من الظُّلمات إلى النُّور، هدفهم التَّعليم وفتح آفاق المعرفة، يسْعون من أجل نشر المعرفة والثقافة من خلال دروسهم ومواعظهم.
ومن علماء الأندلس الذين لهم دور كبير في الحلقات العلمية محمد بن الحسن بن الحسين أبو عبد الله القرطبي المعروف بالكتاني (ت 420هـ)، فقد ساهم في النهضة والتقدم العلمي، وتميز بعلم الأدب وله مؤلفات كثيرة معروفة بالجودة والإبداع والمنفعة، نزل سرقسطة وتولى أمور التعليم بها فأخذ منه بعض العلماء منهم ابن حزم والمصحفي( )، كذلك تميز محمد بن يوسف أبو عبد الله التاريخي الوّراق (363/973هـ)( ) بنشر العلم عبر حلقات علمية مختلفة، وكان أبو عبد الله دائما يسْعى للعلم من خلال الرَّحلات العلمية، وتميز بالحركة العلمية المستمرة في أغلب المدن الأندلسية والمشرق العربي، ولا شك بأن هذه الرَّحلات سَاهمت في التَّطور والازدهار العلمي، حيث ألّف للْخليفة الحكم المسْتنصر كتاب (مسالك إفريقية وممالكها)، كذلك ألّف في أخبار وهران والبصرة وسجلماسة وتيهرت ونكور، وألف كتاب عن تاريخ الملوك وأخبارهم، وتوفي بالأندلس ومدفنه قرطبة مع أنه هاجر إليها وأصله من القيروان( )، وأيضاً من العلماء الذين ساهموا في نشر العلم عبر الحلقات العلمية محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عوف أبوعبد الله الفقيه (ت 434هـ)، قال عنه الحميدي جلس للعلم وأقام حلقات علمية وكان دائما يسعى من أجل تعليم الناس، وكان معْروفاً بأنه من أهل الرّياسة في بعض العلوم، وعندما حدث له مرض مما تسبب في فقده للبصر لم يترك التعليم بل عمل في الفقه وأبداع واجتهد فيه( )، ولقد كان بعض العلماء يُعلِمُون أبناء الأُمراء ويقيمون لهم الحلقات العلمية، ومن هؤلاء العلماء أبو محمد عبدالله بن بكر بن سابق الكلامي، فقد كان مُغْرماً بالشَّعرِ وعالماً باللغة وعارفاً بالنَّحو، قام بتعليم عبد الرحمن الأوسط منذ طفولته (176-238هـ)، وكذلك ابن الأرقم علم عبد الرحمن الناصر، وهشام بن الوليد الغافقي، كان عالماً بالآداب عارفاً باللغات (360-440هـ) علم الأمير عبد الرحمن الأوسط( )، وأيضاً عثمان بن نصر عبدالله بن حميد بن سلمة بن عباد بن يونس القيسيُّ المصحفيُّ المؤدب من أهل قرطبة، علم الحكم المستنصر واجتهد في تعليمه، توفي رحمه الله سنة (325هـ) وهو ابن 62 سنة( )، ويُعد سعيد بن سليمان الهمواني الذي يعرف بنافع ويكنى أبا عثمان (ت 421هـ) من علماء الأندلس فقد كان له دور كبير في تعليم القرآن الكريم واللغة العربية والضبط والإتقان ( )، وأيضاً أحمد بن عبد الله بن يحيى (ت 324)، كان كامل المعرفة يقوم بتعليم الناس الخط والضبط والإتقان واللغة العربية والأدب( )، ويعتبر خلف بن سليمان بن عمران البزار وأصله صنهاجي يكنى أبا القاسم من علماء الأندلس (ت 378هـ)، حيث تمتع بالعلم والإبداع في الكتابة، وكان نحوياً ولغوياً، وكذلك كان شاعراً فقد تولى القضاء في شذونة والجزيرة ( )، وشمل ديوان محمد بن يوسف بن أحمد بن الصريحي الفريضي المعروف بابن زمرك على دواوين الشعراء ومن خلال البحث والدِّراسة فقد تطرَّق ابن زمرك للحديث عن الخط المستخدم في هذه المخطوطة ووصف الخط بأنه أندلسي مغربي، وذكر أيضاً نوع الحبر بأنه بني، ووصف جمال الخط بالجودة والضبط ( ).
وأيضاً من علماء الأندلس زمن الخلافة عبد الرّحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس يكنى أبا المطرف، كان هذا العالم من جهابذة المحدثين والمسندين برز وشارك في بعض العلوم، وقد كان عارفاً بالآثار تميز بحسن الخط وضبطه واجْتهد في جمع العلوم والاهتمام بها، ولديه مجموعة من الكتب منها كتاب (القصص والأسباب التي نزل من أجلها القرآن)، وكذلك له كتاب (مصابيح في فضائل الصحابة 100 جزء) (وفضائل التابعين لهم بإحسان 150 جزءاً) (والنَّاسخ والمنَّسوخ 30 جزءاً) وألف كتاب (الأخوة من المحدثين من الصحابة والتَّابعين ومن بعدهم من الخالفين 40 جزءاً) وأيضاً (كرامات الصالحين ومنجزاتهم 30 جزءاً) وكتاب (الكلام على الإجازة والمناولة) بعدة أجزاء( ).



الخاتمة
وفي ختام هذه الدِّراسة التي جاءت فكرتها "العلوم النقلية كمبدأ للعلوم العقلية"، وظهرت أهمية القرآن الكريم كمصدر لتعليم والمعرفة، فقد ساهم القرآن في تعليم اللغة العربية ومفرداتها، وأصبح للغة العربية دور كبير في الحياة الأندلسية في بيوتهم وأسواقهم وتعليمهم وفي القضاء والسياسية والاقتصاد، وتحدَّث بها القوط واليهود والوندال والمسْتعربين في طلب العلوم والمعرفة، ومع هذا الاخْتلاط والامْتزاج الكبير والغريب إلا أن اللغة العربية اسْتطاعت أن تحقق لنفسها قبولاً واسعاً، فقد دخلت الكنائس وأماكن العبادة في الأندلس، وأثرت بعقول وقلوب أهل الأندلس، وساهمت في نقل العلوم إلى الدُّول الأوروبية، ومن أعظم وأفضل نتائجها في الأندلس دعوة الناس لدين الله، بالإضافة لذلك بأنها ساهمت في التطور العلمي عن طريق ترجمة الكتب العربية الإسلامية إلى اللغات الأوروبية المختلفة، وتتضح لنا أهداف هذه الدراسة في إبراز دور الكتابة في حفظ العلوم المختلفة وفي نقلها من جيل إلى جيل عبر كل زمان وفي كل مكان، ، ونعلم من خلالها العلوم والحضارات والثقافات المختلفة في جميع العصور، كما هدفت هذه الدراسة إلى إظهار الكتابة والخط أن نقلت إلينا القرآن الكريم والسنة النبوية كما هي، وكذلك سجلت لنا أحداث العالم المختلفة وحفِظت لنا العلوم والعلماء والأمم والدول والأجناس المتنوعة، ويمكننا أن نتعرف على الحضارة والعلم لأي أمة من الأمم من خلال النظر في جودة الخط وجماله ودقّته، بالإضافة إلى أنني ساهمت في ذكر علماء الإسلام الذين كانوا أساتذة العالم في الكتابة والخط خلال القرون الوسطى، ويوصي الباحث طلاب العلم بالبحث عن دور التابعين رضي الله عنهم في تطور العلوم في الأندلس.
المصادر والمراجع:
 القرآن الكريم
 الصريحي، محمد بن يوسف، 1997، ديوان زمرك الأندلسي، حققه محمد توفيق النّيفر، ط 1، دار المغرب الإسلامي، بيروت.
 ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، 2004، المقدمة، حققه عبد الله محمد درويش، دار يعرب، دمشق.
 أبي الوليد عبد الله بن محمد ابن الفرضي، 2008، تاريخ علماء الأندلس، حققه بشار عواد معروف، ط 1، دار الغرب الإسلامي، تونس.
 عمر، أحمد مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة، ط1، 2008، عالم الكتب، القاهرة.
 الغزالي، محمد، 2005، نظرات في القرآن، نهضة مصر، القاهرة.
 أبي الفداء، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدِّمشقي، 1997، تفسير القرآن العظيم، ط1، تحقيق سامي بن محمد السلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرِّياض.
 الفاروقي، إسماعيل راجي، لوس لمياء الفاروقي، 1998، أطلس الحضارة الإسلامية، ط 1، مكتبة العبيكان.
 الفاروقي، إسماعيل راجي، لوس لمياء الفاروقي،1998، أطلس الحضارة الإسلامية، ترجمة عبد الواحد لؤلؤة، مراجعة رياض نور الله، مكتبة العبيكان: الرياض.
 الصابوني، محمد علي، 2010، التبيان في علوم القرآن، ط1، مكتبة البشرى، كراتشي.
 الفاروقي، إسماعيل راجي، لوس لمياء الفاروقي، أطلس الحضارة الإسلامية.
 عيد، يوسف، 1992، النشاط العجمي في الأندلس، ط 1، دار الجيل، بيروت.
 عباس، إحسان، 1969، تاريخ الأدب الأندلسي، ط 2، دار الثقافة، بيروت.
 حسين مؤنس، 2005، فجر الأندلس، ط3، دار الرشاد، القاهرة.
 دياب، حامد الشافعي، 1998، الكتب والمكتبات في الأندلس، ط 1، دار قباء، القاهرة.
 الحلاق، حسان، 1989، دراسات في تاريخ الحضارة الإسلامية، ط1، دار النهضة العربية، بيروت.
 ج. س، كولان، الأندلس، 1980، ط1، دار الكتاب اللبناني، بيروت.
 محمد، نبيلة حسن، 2005، في تاريخ الحضارة الإسلامية، دار المعارف الجامعية.
 العلوان، عبد الله ناصر، د.ت، معالم الحضارة في الإسلام وأثرها في النهضة الأوروبية، دار السلام، القاهرة.
 الذهبي، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان، 2008، المستملح من كتاب التكملة، حققه بشار عواد معروف، ط 1، دار المغرب الإسلامي، تونس.
 أبو عُبية، طه عبد المقصود عبد الحميد، الحضارة الإسلامية دراسة في تاريخ العلوم الإسلامية، دار الكتب العلمية، بيروت.
 الضبي، 1989، بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس، تحقيق إبراهيم الأبيارى، دار الكتاب اللبنانية، بيروت.
 الحميدي، ابن عبد الله بن محمد بن فتوح بن عبد الله، 2008، جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس، حققه بشار عواد معروف، محمد بشار عواد، ط 1، دار المغرب الإسلامي، تونس.
 ابن بشكوال، أبا القاسم 2010، الصلة، تحقيق بشار عواد معروف، ط 1، دار العرب الإسلامي، تونس.
 ابن الآبار، 1995، التكملة لكتاب الصلة، تحقيق عبد السلام الهراس، دار الفكر، بيروت
 ابن الفرضي، لأبي الوليد عبد الله بن محمد، 2008، تاريخ علماء الأندلس، حققه بشار عواد معروف، دار المغرب الإسلامي: تونس.

المراجع الأجنبية:

 Munjid Mustafa Bahjat, Tahraoui Ramdane and Abdul Shakour, New Insights into Linguistic and Literary Exchanges between the East and the West Asiatic, p167

5d0d9f54cf01f

  • 5
  • 0
  • 680

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً