العلم والعلماء وبيان حال العلم في هذا الزمن إنَّ أمتنا الإسلامية أمة أمجاد وحضارة وتأريخ وأصالة ...

منذ 2020-12-11
العلم والعلماء وبيان حال العلم في هذا الزمن
إنَّ أمتنا الإسلامية أمة أمجاد وحضارة وتأريخ وأصالة ازداد سجلها الحافر عبر التأريخ بكوكبة من العلماء الكرام، مثلوا عقد جيدها وتاج رأسها وذرية وافدها، كانوا في الفضل شموسا ساطعة وفي العلم نجوما لامعة، فعدوا بحق أنور هدى ومصابيح دجا تنير بمنهجها المتلألئ وعلمها المشرق الوفاض غياهب الظلم تُبَجِلها أنوار العلوم والحكم، وإنَّ المقصود بهؤلاء العلماء هم حملة العلم الشرعي، والفرق بين العلم الشرعي والعلم الدنيوي يتجل في أمور، منها: أنَّ العلم الشرعي لا يستند إلا لدليل من القرآن والسنة وأقوال سلف الأمة، وأنَّ العلم الشرعي لا يحتج بالعقل بل يحتج بالنقل، وأنَّ الخلاف في مسائل العلم الشرعي خلاف في الفروع وليس خلافا في الأصول، وغير ذلك كثير.
وإنَّ فضائل العلم الشرعي وحملته لا تكاد تنتهي، فمنها قول الله تعالى:" أو من كان ميتا فأحييناه وجلعنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها"، حيث يتبين لنا أنَّ العلم الشرعي نور يضاء به الطريق ويستنار به الدرب، ومنها قوله أيضا:" قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون"، ومنها قول رسول الله:" من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وإنَّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإنه ليستغفر للعالم من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء"، وجاء في حديث آخر:" وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة البدر"، وقوله صلى الله عليه وسلم:" من يرد الله به خيرا يفقه في الدين"، وإنَّ العلماء هم ورثة الأنبياء وهم أقربهم إليهم في الجنة، كما جاء في الحديث:" من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيى به الإسلام فبينه وبين الأنبياء في الجنة درجة واحدة"، ومن فضائل طلب العلم أنّ رزق صاحبه مضمون في جميع أحواله كما قال رسول الله:" من تفقه في دين الله كفاه الله همَّه، ورزقه من حيث لا يحتسب"، ومنها أيضا مغفرة الذنوب يوم القيامة والخلود في الجنة، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي:" اذهبوا فقد غفرت لكم"، وإنَّي لأعرف كثيرا من العلماء الذين أفضوا إلى ربهم، فرأهم الناس في منامات يتنعمون في أنهار الجنة ويستظلون بظلها، وإنَّ كل هذه الفضائل خاصة بحملة العلم الشرعي ، فانظروا لهذا الفضل العظيم الذي خص الله به حملة دينه، وإنَّ الله حرم النار على من دب عن عرض أخيه المسلم فكيف بمن حمل دينه ودب عن عرضه سبحانه وتعالى، وغير ذلك كثير.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
كل العلوم سوى القرآن مشغلة إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما كان قال فيه حدثنا وما سوى ذلك وسواس شيطان
ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله:
العلم أقسام ثلاثة ما لها من رابع والحق ذو تبيان
علم بأوصاف الإله وفعله وكذلك الأسماء للديان
والأمر والنهي الذي هو دينه وجزاءه يوم المعاد الثان
ورغم كل هذه الفضائل إلا أننا نلاحظ عزوفا شديدا لشباب المسلمين من طلب العلم الشرعي، فتراهم يحرصون على دراسة الطب والهندسة أشد من حرصهم على تعلم دينهم، رغم تحقيق الاكتفاء في هذه المجالات ورغم حاجة الأمة إلى حملة الشريعة أشد من حاجتها إلى الماء والطعام، وترى الأولياء لا يوجهون أبناءهم ولو بكلمة ولا يحثونهم على طلب العلم الشرعي، بل وتراهم يزهدونهم فيه، بأقوال عدة فيها عبارات التنقص والاستهزاء، فمنها قولهم" هذا تخصص المتخلفين وأصحاب المعدلات الضعيفة" وكذا قولهم" ماذا تفعلون بعلم أصحاب العمامة البيضاء"، وغير ذلك كثير، وإنَّ هذا الكلام ليرجع بالضرر أكبر من النفع، فأصبحنا نسأل الشاب المسلم عن معنى" لا إله إلا الله"، فلا يحسن فهمها إطلاقا، وإذا سألته عن اللاعب أو المغني ليعطيك جميع معلوماته وجميع أوصافه وكأنه أبوه أو هو بحد ذاته، ولقد درست معي طفلة قبل 3سنوات، فسألتني عن خمس ممثلات، فرددت عليها بقولي: من هم أولو العزم من الرسل هم خمسة أيضا، فلم تقدر حتى على تحريك لسانها، فانظروا يا رعاكم الله إلى دنو المستوى، ولقد درستني أستاذة قبل سنوات فأخطأت في قراءة قوله تعالى:" مطاع ثمَ أمين"، فقرأتها:" مطاع ثُمَّ أمين"، فصححت لها فردت علي بقولها:" إنَّي لا أقرأ بأحكام الترتيل"، فكأنّ عقلي طار وذهب، منذ متى أصبح الخطأ اللغوي له علاقة بأحكام الترتيل، وإنّ هذه الطائفة من الناس التي عزفت عن طلب العلم الشرعي لا تعلم بأنها تقدم بصنيعها هذا أكبر خدمة لأعداء الدين، فلقد انتشر في الآونة الأخيرة بعض الأفكار الشنيعة والعقائد الهدامة بين أوساط المسلمين خاصة بين طبقات المثقفين، وذلك لأنهم ابتعدوا عن دينهم وهدي ربهم، فأصبحنا نرى أطباء علمانيين في مستشفيات المسلمين وذلك لضعفهم وجهلهم أمور دينهم، بينما في المقابل لن تجد شابا درج على طلب العلم الشرعي متأثرا بهذه الأفكار، وذلك لأنه محصن ومجهز بالحماية بالأدلة الشرعية الصحيحة، فأفيقي يا أمة الإسلام.
وإنَّ الأمة الإسلامية قد خسرت سبعة من علمائها في خلال هذين الشهرين في الحجاز والشام وتركيا، ولهذا فإنه ينبغي على شباب المسلمين أن يحرصوا على طلب العلم الشرعي من عند من بقي من العلماء ليحملوا بذلك نور الرسالة المحمدية، ويدبوا عن حياض الشريعة الإسلامية ويصونوها من الشوائب والبدع، وإنه ينبغي علينا أن ندرك يقينا أنه لا غنى للأمة عن علماء الشرعية إذ هم أساسها، وإنَّ فقدهم خسارة في وسط العالم الإسلامي، يقول الحسن البصري: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار، وقال الإمام الزهري: موت العالم نجم طمس، موت العالم ثلمة لا تسد، موت العالم كسر لا يجبر، وسئل الإمام أحمد رحمه الله عن الشافعي بعد موته فقال: كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للبدن، فهل لهذين من خلف أو عنهما من عوض.
وإني أقول من هذا المقام أن كل من تمكن في العلم الشرعي فإنه موفق لدراسة كل العلوم، إذ أنَّ أصل كل العلوم هو القرآن فهو المرجع وهو الأساس، يقول الله سبحانه وتعالى:" ما فرطنا في الكتاب من شيء"، ولقد أثبت الواقع ذلك فكل دراسة حديثة في أي مجال إذا دققنا النظر فإننا نجدها ترجع إلى القرآن الكريم، فيا أمة الإسلام امسحي الضباب عن العيون وتعلمي بعد النظر واقتدي بالسابقين من العلماء الأبرار لتعيشي في سعادة وأمان.
يقول عمر بن الخطاب: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
أكون بهذا قد أتممت ما وفقني الله لذكره في هذا البحث المتواضع، وأسأل الله أن يرزقني القبول والمتابعة، وأن يرزقنا العمل بالعلم إنه هو القادر عليه،
وهذا والله أعلم.


كتبه الفقير إلى عفو ربه
الطالب: عبدالله بن أحمد بوقليع.

5fd3a7de126de

  • 2
  • 0
  • 168

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً