الصلاة وحال المسلم معها الحمد لله رب العالمين والصلاة على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد ...

منذ 2020-12-11
الصلاة وحال المسلم معها
الحمد لله رب العالمين والصلاة على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فإن دين الإسلام أفضل الأديان والجامع والناسخ لكل ما سبقه، لم يترك خيرا إلا دل عليه ولا شرا إلا حذر منه، لقوله تعالى:" ما فرطنا في الكتاب من شيء"، وأساس هذا الدين قائم على تحقيق العبودية لله تعالى وإفراده بذلك، وهو دعوة جميع الأنبياء والمرسلين لقوله تعالى:" وما أرسلنا قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون"، وبعد تحقيق هذا الأصل العظيم تأتي بعده الفرائض، وأهم فريضة وأولها هي "الصلاة"، إذ أنها الركن الثاني من أركان الإسلام كما جاء في الحديث:" بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان".
ويقصد بالصلاة في اللغة "الدعاء" لقوله تعالى:" وصل عليهم إنَّ صلواتك سكن لهم"، ومعناها في الاصطلاح؛ أنها عبادة بأقوال وأفعال معلومة، بصفة معلومة.
يتمثل حكمها؛ في أنها فرض عين على كل مسلم بالغ مميز عاقل، فرضت الصلاة في أعلى مكان في السماء عند سدرة المنتهى ليلة الإسراء والمعراج، كانت في بدايتها خمسون صلاة في اليوم، ثم خففت إلى أن وصلت إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، وفي هذا دلالة على عظم الصلاة ومحبة الله لها.
وتوجد دلائل عدة في فرض الصلاة، فمنها قوله تعالى:" إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، ومن السنة ما ورد في حديث معاذ لما بعثه إلى اليمن:" أعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة"، ولم ينكر أحد من علماء أهل السنة والجماعة مشروعية الصلاة من المتقدمين أو المتأخرين، وكما أن الصلاة واجبة في جماعة المسلمين ما لم يكن للإنسان عذر شرعي يجيز له التخلف عن صلاة الجماعة، فلا يجوز للإنسان أن يتخلف عنها بحجة الشغل أو قضاء بعض حوائج الدنيا وغيرها، ومما أصبح أن يتداول في أوساط المجتمع أنه يجوز للإنسان التخلف عن صلاة الجماعة بحجة أنَّ العمل العبادة، فنقول أنَّ هذه العبادة التي لم تراعي أهم ركن من أركان الإسلام فهي عبادة للشيطان واتباع للهوى، وكما أنه لا يجوز تأخير عن صلاة عن وقتها إلا لعذر شرعي، وهذا التأخير جائز ما لم يدخل وقت الصلاة الموالية، وهذا هو القول الصحيح في المسألة، وإن كان بعض العلماء قد فصلوا في مسألة الوقت الضروري والاختياري، ولكن الراجح من الأقوال هو ما ذكرته مسبقا، وجاز للمرء أن يصلي الصلاة إذا خرج وقتها ودخل وقت الموالية لها في أمرين؛ إذا نسيها، أو إذا نام عنها، لقوله صلى الله عليه وسلم:" من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك".
وللصلاة فضائل لا تعد ولا تحصى فمنها، أنَّ صلاة هي الفارق بين المسلم والكافر، كما جاء في الحديث:" بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة"، ومنها أنها رياضة للقلب والبدن؛ وتتجلى في أنها رياضة للقلب بأنها تلين قلب المحافظ عليها وتجعله دائم التفكر لله والشكر له، كما جاء في تفسير قوله تعال:" اعملوا آل داوود شكرا"، أنه لم تأت عليهم ساعة إلا وفيهم قائم يصلي، وكما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر ويطيل الصلاة فسئل عن ذلك فقال: "أ فلا أكون عبدا شكورا"، وكما أنها تجعل من قلب المحافظ عليها متعلقا بالآخرة مستغنيا عن الدنيا، وتجعله يعيش في سعادة واطمئنان لا مثيل لهما، وتكون سببا في سلامته من الإصابة بداء الغفلة، فإن أعظم أسباب السلامة من الغفلة حياة القلب، وتتجلى في أنها رياضة للبدن وذلك من خلال أفعال الصلاة من ركوع وسجود، ولقد أثبت العلم الحديث ذلك، وكما أن لها فوائد طبية صحية، منها أنَّ السجود يساهم في اكتمال الدورة الدموية ووصوله إلى الدماغ، ومن فضائل الصلاة أيضا أنها تزيد في بركة الوقت وتسهل للإنسان قضاء حوائجه بأقل جهد، ومنها أنَّ المحافظ على الصلاة رزقه مضمون، كما قال الله تعالى:" وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى"، وكما أن فضائل الصلاة تتفاوت من صلاة لأخرى، فأفضل الصلوات صلاة الصبح والعصر، وذلك لأنها صلوات مشهودة، يشهدها ملائكة الليل والنهار، وكما أن المحافظ عليهما يدخل الجنة، لقول رسول الله:" من صلى البردين دخل الجنة"، وكما أن المحافظ على صلاة الصبح يسلم من الإصابة بالفيروسات والجراثيم وذلك لتنفسه أنقى هواء وأفضله وهو هواء أول اليوم في صلاة الصبح، ولقد أثبت العلم الحديث أن هواء الصباح يقتل الكثير من الجراثيم، فانظر لهذا الفضل العظيم الذي خص الله به المحافظين على صلاة الصبح، وكما انَّ لصلاة العشاء فضلا كثيرا لقول رسول الله:" أثقل الصلاة على المنافقين: الصبح والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا".
إذا كانت هذه الفضائل خاصة بالفرائض فما بالك بالذي يحافظ على الفريضة والنافلة معا، إن هذا هو الفائز الحقيقي، فلقد تواترت النصوص والأدلة في فضل صلاة النافلة من رواتب وقيام الليل ونفل مقيد ومطلق، كما قال رسول الله:" من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء"، وكما أن الإكثار من النوافل سبب لمحو السيئات لقوله تعالى:" أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين"، وفضائل المحافظة على صلاة الفرض والنفل لا تعد ولا تحصى.
ولنا القدوة في هذا بسلفنا الصالحين فلقد ضربوا أروع الأمثلة وأسمى النماذج في المحافظ على النوافل، فلقد روي عن خير الورى أنه كان يصي بالليل وكان يقول:" خير الصيام داوود وخير القيام قيام داوود، كان يصوم يوما ويفطر يوما، وكان ينام شيئا من الليل ويصلي شيئا من الليل"، وكما روي عن ابن عباس أنه كانت له خمسمائة شجرة يصلي عند كل واحدة ركعتين، ليصبح المجموع ألف ركعة في اليوم الواحد، وروي عن إمام الدار الهجرة مالك بن أنس أنه صلى الصبح بوضوء العشاء أربعين سنة، وثبت عن واحد من السلف أنه كان يقوم الليل فإذا اقترب الصبح تنحنح كأنه قام من نومه في تلك اللحظة، والأمثلة في ذلك كثيرة جدا.
رغم كل هذه الفضائل ورغم حرص المتقدمين على أداء هذه العبادة فرضا ونفلا، إلا أننا أصبحنا نشاهد فئات من المجتمع تخلت عن هذه الشعيرة بالكلية، أو تكاسلت في أدائها، فأصبحنا نرى الناس لا يستيقظون لصلاة الصبح ولا يعطون لها بالا بينما في المقابل لن يتأخر في دخوله إلى وظيفته أو إلى اجتماع مع كبار المسؤولين، أو لم يعلم هذا الإنسان أنه إذا حرص على صلاته فإنه حريص على مقابلة رب العباد وأداء حقوقه، وأنه إذا حرص على صلاته فإنه يزداد قربا من الله، ومن الصور الغريبة أنك ترى المقاهي تعج بالناس والأذان يرفع فلا يحركون ساكنا ولا يعطون النداء أي قيمة، أ فلم يعلموا أنهم إذا لم يجيبوا نداء الصلاة لن يجيبهم نداء الفلاح، ولقد تواترت النصوص والأدلة في أن تارك الصلاة كافر، فمنهم من قال كفر دون كفر، ومنهم من قال بالكفر الصريح، وأغلب الأقوال على القول الثاني، فقد قال عمر بن الخطاب: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وقال بعض الصحابة أيضا: من تركها فقد كفر، قال العلامة العابد أبو أيوب السختياني: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه، أما القول الأول فقد قال بعض المتأخرين كالعلامة محمد ناصر الدين الألباني، ومن الناس من لا يصلي إلا الجمعات وشهر رمضان والأعياد فإذا انقضى الشهر الفضيل لن تراه في المسجد إطلاقا، أ يتحايل هؤلاء الناس مع ربهم الذي خلقهم أم ماذا؟ والله إنهم لن يقدروا على ذلك، ومن الناس من تراه حريصا على جمع الدرهم والدينار في أي عمل كان فإذا رفع الأذان كأن الصمم أصاب أذنه، والله لن يبارك له في رزقه ولا في قوته، ومن الأصناف الغريبة أيضا أنك ترى بعض الناس إذا رفع الأذان يتجه إلى بيته لأداء الصلاة بدل أن يصلي مع جماعة المسلمين وبدون عذر، فنقول إن الصلاة في المنازل شرعت للنساء، وإن صلاة الرجل مع جماعة المسلمين تفوق صلاته وحده بسبع وعشرين درجة، ومن الصور العجيبة أيضا أنك تجد الشخص جالسا طوال يومه ثم يرجع إلى بيته في آخر النهار فيجمع جميع الصلوات تباعا، فنقول إن الجمع شرع من أجل المسافر أو المقيم في حالات ضيقة، فلا يجوز لك أن تؤخر عن الصلاة عن وقتها ثم تجمعها مع الموالية لها، وصور الاستهزاء بالصلاة كثيرة جدا، ولهذا ينبغي علينا أن نعلم عاقبة تارك الصلاة، أو المستهزئ بها، أو المتهاون في أدائها، فالأول والثاني يكفران بهذه الأفعال، وأما الثالث فهو في مشيئة الله، ولقد قرأت قصة أن أحدهم مات فلما ذهبوا بدفنه حفروا القبر الأول فخرجت منه حية على طوله، ثم حفروا القبر الثاني فقفزت الحية إلى القبر الثاني، ثم حفروا القبر الثالث فخرجت منه حية أخرى على طوله، ولم يبق بيدهم خيار إلا دفنه، فلما دفنوه وهم منصرفون سمعوا عظامه وهي تتكسر في قبره، فسألوا والده عنه، فقال: كان يتهاون في أداء الصلاة، يصلي يوما ولا يصلي يوما آخر، فانظروا إلى عظم الأمر وفزع الموقف.
غير أنه لا تزال طائفة من الأمة منصورة ظاهرة على الحق، يأتون بما افترض الله عليهم، وينتهون عما نهاهم عنه، يحافظون على أداء هذه الشعيرة العظيمة مع جماعة المسلمين، ويحرصون على الزيادة في النوافل، لا يكادون يفترون عن التنفل، قليلا من الليل ما يهجعون، فهم عباد الرحمان وخاصته وهم الذين ثنا الله عليهم في كتابه، وكما قال العلامة السعدي رحمه الله:
يتقربون إلى المليك بفعله طاعاته والترك للعصيان
فعل الفرائض والنوافل دأبهم مع رؤية التقصير والنقصان
بهذا أكون قد وصلت إلى الختام، فأسأل الله القبول والثبات، وأن يرزقنا الإخلاص والعمل، إنه هو القادر على ذلك.
كتبه الفقير إلى عفو ربه الطالب: عبدالله بن أحمد بوقليع

5fd3a7de126de

  • 0
  • 0
  • 208

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً