حقيقة الواقع الذي نعيش فيه أُحييكم بتحية تعلو مُحياكم، وتنتعش برياكم، غراء محجلة، طاهرة ...

منذ 2020-12-12
حقيقة الواقع الذي نعيش فيه

أُحييكم بتحية تعلو مُحياكم، وتنتعش برياكم، غراء محجلة، طاهرة مبجلة، تحرك الضمير، وتقي النفس من التقصير، ألَّا وهي تحية الإسلام: سلام الله عليك.
وبعد، إني أحببت أن أكتب لكم هذه الرسالة لتبيان حقيقة الواقع الذي نعيش فيه، لعلنا نستفيد من هذه الكلمات القليلة، والله من وراء القصد.
إننا نعيش في هذه الأيام في مزيج بين التطور من جهة، والتخلف من جهة أخرى، فالتطور يتجسد في صنعنا للسيارات والطائرات التي سهلت التنقل من مكان إلى آخر، فقد أصبح الإنسان المعاصر عندما يريد الذهاب إلى مكان معين، ما عليه إلَّا أن يحجز في الطائرة المتجهة إلى المكان الذي يريده، وخلال ساعات معدودة فإنه يصل إلى مبتغاه، وكذا فإنَّ التطور يتجسد في صنع الغسالات وأجهزة الطبخ الكهربائي التي سهلت على المرأة قضاء أعمالها المنزلية خلال وقت وجيز، فأصبحت المرأة عندما تريد غسل الملابس ما عليها إلَّا أن تضع الملابس في الغسالة وبضغطة زر واحدة تنتقل مهمة الغسل من المرأة إلى الغسالة، وكذلك فإنَّ التطور يتجسد في اختراع جهاز التلفاز الذي يعرض كل ما يحدث في العالم من خلال ما تستقبله صحون الإستقبال من الأقمار الصناعية المنتشرة في الفضاء الواسع، والذي يسهل على الإنسان معرفة أحوال مجتمعه كالجرائم، والملتقيات، والزيارات الدولية....، وإنَّ أعظم تطور هو اختراع "شبكة الأنترنيت" التي غيرت مجرى الحياة، حيث كانت فكرة الأنترنيت ترجع إلى عام 1968، وذلك بإنشاء نظام ربط إلكتروني قادر على الاشتغال في جميع الظروف، وهي عبارة عن مجموعة من الحواسيب التي ترتبط فيما بينها والتي تستند إلى بنوك المعلومات المختلفة، وقد كانت تستعمل في القدم من قبل الحكومات أو بالأحرى الاستخبارات، ومن ثم تم تطويرها لتصبح مستعملة من طرف كل الناس، وقد أثبتت إحصائيات رسمية أنَّ مليونا ونصفًا من مستعملي الإنترنيت يرتبطون بالشبكة العنكبوتية كل شهر، وخلال دراسة علمية تم إثبات أنَّ نسبة 80% من استعمالات الإنترنيت تستعمل في الشر المحض الذي لا خلاف فيه، ونسبة 10% تستعمل في الخير المحض، وتبقى نسبة 10% تستعمل في التواصل بين الناس.
ومن هنا يتبين لنا معنى التطور الذي ذَكَرتُه في البداية، وهو تطور علميٌ تكنولوجيٌ.
أمَّا التخلف فهو يتمثل في انسلاخنا عن ديننا وأخلاقنا، فأصبحنا كالبهائم لا نميز بين نافع وضار، وطيب وخبيث، وننساق وراء الشهوات والشبهات، كأنَّ الله خلقنا هملا ولم يميزنا عن سائر مخلوقاته بالعقل، ولم يأمرنا بتحكيمه واستعماله في مواطنه المشروعة، ولهذا التخلف صور عديدة، منها:
اقتناع كثير من أبناء وبنات المسلمين بالأفكار العقدية الهدَّامة كالفكر الحدثي والإلحاد، واتباعهم لكثير من الطوائف الضالة التي حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم كالشيعة والقاذينية والمعتزلة، التي تريد هدم الدين والقضاء على العقيدة الإسلامية الصحيحة، فمنهم من يخوض في أسماء الله وصفاته ويجعل لها كيفية وهيئة مشابهة للبشر، والله سبحانه وتعالى يقول:" ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" الشورى9، ومنهم الذين يدَّعون النبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول:" أنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي"، ومنهم الذين يقولون بإبطال الجهاد وأنه عنف وهمجية، وكذا الذين يقولون بوحشية القصاص وإقامة الحدود، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" حد يقام في الأرض خير من أن تمطروا سبعين خريفا"، وإنَّ أخطرهم للذين يقولون بوحدة الأديان ثم تطور المصطلح ليصبح الديانة العالمية، والله سبحانه يقول:" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" المائدة3 ، وكذا الذين يردون عذاب البقر وفتنة المسيح الدجال وخروج يأجوج ومأجوج بحجة مخالفة العقل والواقع، ومنهم الذين يردون أحاديث الآحاد في العقيدة بحجة أنها ليست قطعية الدلالة والثبوت، يقول الله سبحانه:" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إنَّ الله شديد العقاب" الحشر7، ومن هنا يتبين لنا كفر كل من يدّعي مثل هذا، فلا أصل له في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية، ومن صور هذا التخلف أيضا ظاهرة "سب الله" التي أصبح يرددها الكبير والصغير دون خوف من الله أو تعظيم له، وإنَّ العجب لينقضي إذا كان هذا السب في وسط مجتمعات المسلمين التي تُظهر شعائر الدين كالصلاة والصوم، يقول الله سبحانه وتعالى:" يكاد السماوت يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا" مريم90، ثم يأتي هذا الإنسان الضعيف المقهور ويتجرأ على سب رب العالمين الذي خلقه ورزقه وسخر له كل ما يعينه في حياته، وإني أقول كما قال أهل العلم: من سب الله فهو كافر وإن صلى وصام وحج وزعم الإسلام، فينبغي عليه تجديد العهد والتوبة إلى الله من جديد قبل فوات الآوان، وصورة أخرى من صور هذا التخلف وهي "الإختلاط بين الرجال والنساء" فإننا نلاحظ أبنائنا يتربون منذ الصغر على الإختلاط في المدارس والمنشأت التعليمية، ومن ثَم يتطور هذا الإختلاط ليصبح بين الرجال والنساء في أماكن العمل وكأنَّه من صميم الحياة ومتطلباتها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" ما تركت فتنة أشد على الرجال من فتنة النساء" ويقول أيضا:" إذا رأى الرجل المرأة ذهب نصف عقله"، وأصبحنا نشاهد سفر المرأة دون محرم وكلامها مع الرجال الأجانب ومصافحة بعضهم البعض، وقد قال خير الورى:" لا تسافر المرأة مسيرة يوم وليلة غير ذي محرم" وقال أيضا:" لئن يشق أحدكم بمخيط من حديد أحب إليه من أن تمس يده يد امرأة لا تحل له"، ومن صور هذا التخلف أيضا ظاهرة التبرج عند النساء التي غزت العالم والتفنن في ذلك وكأنه من صميم الحياة ومن الأشياء المشروعة التي لا يمكن الإستغناء عنها، أ فلا تقرأ هذه النساء قول الله تعالى:" وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهيلة الأولى" الأحزاب 33، وقال أيضا:" يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما" الأحزاب59، ومن هنا بتبين لنا حرمة هذا التبرج، وإني أقول: أنَّ من أطلق زوجته أو ابنته أو أخته بهذا التبرج فإنه راض بالزنا والعياذ بالله، وكما أنَّ من أطلق من هم في رعايته بهذا التبرج فهو ديوث انقطعت منه جميع أوصاف الرجولة والشهامة والغيرة، وإنَّ من صور هذا التخلف انتشار المعاملات الربوية التي تقضي على الدين، وتحطم اقتصاد البلادان، وكما أنَّ من يتعاملون بالربا فإنهم معرضون للفقر والأمراض وكل البلايا، وقد جاءت النصوص الشرعية بتحريم الربا وبيان عاقبته، فقد قال الله تعالى:" الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسِّ" إلى قوله تعالى:" فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله" البقرة 275-279، وصورة أخرى من صور هذا التخلف وهي ظاهرة الكذب التي فشت في مجتمعنا، والتي قضت على العلاقات ودمرت الأسر، ورغم خطورتها إلَّا أنَّ الناس لا يكفون عنها، فهذا يكذب على خطيبته وذاك على صديقه وآخر على مدير عمله، وصوره لا تعد ولا تحصى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" وإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجور يهدي إلى النار" وإنَّ الكذب صفة من صفات المنافقين لقوله صلى الله عليه وسلم:" ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتي يدعها، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"، والذي يتسبب في وقوع الطلاق في أغلب الأحيان وقد سجلت إحصائيات أخيرة أنَّ حالات الطلاق في العام الماضي تعدت 70000حالة، فتصوروا هذا العدد الرهيب، بغض النظر عن القضايا التي لم تسجل في المحاكم، ومن صور هذا التخلف أيضا ظاهرة الغش، فهذا يغش في الإمتحان، وذاك يغش في الميزان، والله سبحانه وتعالى يقول:" أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين" هود 85، وآخر يغش في الدوام، فيخرج من مكان عمله مبكرا ويدخل إليه متأخرا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" من غشنا فليس منا".
ومن هنا يتبين لنا معنى التخلف الذي ذكرتُه سالفا وهو تخلف دينيٌ أّخلاقيٌ.
وإنَّ هذا التخلف الديني الأخلاقي الذي نعيش فيه يرجع إلى أنَّ كثير من الناس أصبحت تجري وراء الدنيا والحضارة الفانية دون مراعاة للدين والأخلاق، فأصبحنا نشاهد كثيرا من الأطباء والمهندسين يتكبرون عن الناس ويرفعون أنفسهم فوق منازلها، وإذا ناصحتهم في ذلك هبوا مسرعين إليك بلسان واحد "الناس صعدت إلى القمر وأنتم لا تزالون تهتمون بهذه التفاهات" وكأن التمسك بالدين والصحيح والأخلاق النافعة يمنع من التطور، يقول الشاعر:
لقد رفع التوحيد سلمان فارس وأذل الشرك الشقي أبا لهب
وماذا يفيدك يا عبد الله أن تصعد إلى القمر أو أن تصنع الطائرة إذا ضاع دينك وفسدت أخلاقك، والله لن يفيدك ذلك حتى لو مشيت على الماء أو طرت في الهواء، فأفيقي يا أُمة الإسلام.
هذه لمحة مختصرة عن حال الواقع المعاش، وخلاصة هذا القول أنه في تدهور وتقهقر، وإن ذلك ليعلمنا بقرب الفناء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنَّ بين يدي الساعة سنوات خدَّاعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويُخون فيها الأمين، ويتكلم الرويبضة، قيل: وما الرويبضة، قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة".
وهذا والله أعلم
كتبه الفقير إلى عفو ربه الطالب:
عبدالله بن أحمد بوقليع.

5fd3a7de126de

  • 2
  • 0
  • 558

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً