الحمد لله حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة ...

منذ 2021-01-06
الحمد لله حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن سلك سبيلهم إلى يوم الدين أفضل الصلاة وأزكى التسليم، أما بعد:
أيها المسلمون اتقوا الله حقيقة التقوى واعلموا أن أقدامنا على النار لا تقوى، واعلموا أن حقيقة التقوى في السلوك والتطبيق وليس مجرد التأثر والتصديق. وقد كان حديثنا السابق عن قيم وأخلاقيات العمل في عصر كثر فيه الفساد الإداري والمالي، وانتشرت الرشاوى، وضارت الناس ذرعاً بمثل هذا الفساد فما أجمل أن نهيأ النفوس ونذكرها بما جاء في سبيل دينها بمثل هذا الباب من قيم وأخلاقيات ونصوص تؤكد على كثير من مثل هذه المعاني حتى لا يبتعد المسلم عن حقيقة الإسلام فبدأنا بالوفاء بالعقود والعهود ولأنه لا يمكن التحدث عن الوفاء بالعقود والعهود دون الحديث عن الأمانة كان الحديث اليوم عن هذه الفضيلة العجيبة الأمانة وما أدراكم ما الأمانة فالعرب كما أنها تطلق لفظ الأمانة على الوديعة فهي تطلقها أيضاً على الوفاء وهكذا.
فالرجل الأمين رجل وفي يؤدي ما ائتمن عليه وحين يودع أحدنا شيئاً عند رجل وفي فإنه يشعر بالأمن والطمأنينة لأنه يعتقد أن وديعته مصونة محفوظة وأن استردادها أمر ميسور ألست أخي تحب أن يقال عنك رجل وفي ورجل أمين؟ إنها صفات تبجيل وألفاظ تعديل وشهادات في سجل المؤمنين الصادقين { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }[الأحزاب:72].

حملتها أنت أيها الإنسان ذهب الكثير من المفسرين إلى أن المراد بالأمانة في هذه الآية هي تكاليف والأوامر والنواهي فالإنسان حين قبل الأمانة أذعن لمجمل التكاليف الشرعية وبناء عليه فإن كل ما يوجبه التعاقد والاتفاق والالتزام من التكاليف يصبح أمانة يجب أدائها إلى أصحابها على النحو المتفق عليه والتقصير في أدائه يعني الوقوع في نوع من الخيانة وقد حث الله المؤمنين على حفظ الأمانة والقيام بحقها فقال من قائل: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا }[النساء:58].
بل ذكر سبحانه من صفات أهل الفلاح من المؤمنين أنهم أهل وفاء وأمانة فقال تعالى: { وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ }[المؤمنون:8] وقد جمعت ابنة شعيب أهم صفتين ينبغي توافرهما في كل مؤمن على نحو عام، وفي كل موظف وعامل على نحو خاص وهما القوة والأمانة فقالت: { يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ }[القصص:26].
إن القوة هنا للإيمان تعني الكفاءة والمهارة والنشاط وجودة الأداء وبذل أقصى الجهد أما الأمانة فإنها تعني القيام والاهتمام بالعمل بإتقان والحرص على الإنجاز والإنتاج وتعني الأمانة عدم القيام بأي أعمال تضر بمصلحة العمل من تقصير وغياب وتأخر وكسل وإهمال وتعني الأمانة عدم استغلال العمل لتحقيق مصلحة شخصية غير مشروعة وتعني الأمانة الجانب الخلقي في الموظف والعامل من رفق ولين وفن تعامل.
قال أحد الحكماء: الأمانة أن تؤدي حقوق الرؤوف الأعلى ولا تفشي سر من أودع إليك شيئاً من شئونه وألا تنقض عهد من عاهدته وألا تختلس ما لفيس لك فيه حق، ولا تغش امرئ في معاملتك وأن تحافظ على من جُعل تحت رعايتك فالأمانة عليها مدار عموم المعاملات ونجاحها وهي أصل من أصول الديانات.
ولذلك أكدت جميع الشرائع على وجوب رعايتها فليسأل كل منا نفسه عباد الله ليكاشف كل منا نفسه في حقيقة هذه الصفة العجيبة العظيمة هل حققها، هل طبقها، هل باعد بينه وبينها لما عليه أن يراجع نفسه لأنها من أعظم العبادات والقرويات ومن أعظم الصفات الإنسانية، ونرى وللأسف البعض يتخلى عنها ويتلون عليها ويتحايل عليها بكلمات وعبارات كثيرة اصطنعها الحاضر في قوالب عجيبة لا تنتهي إنها الأمانة إخوة الإيمان خلق نبيل وخير عظيم.
فقد ورد عن النبي ( أنه قال: «أربع إذا كنا فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفة طعمة» فأي شيء يريد الإنسان أمانة وصدق وخلق وقناعة إنها السعادة في الدنيا والفوز بالآخرة أيستحق الإنسان أن يتخلى عن مثل هذه الصفات من أجل حفنة من المال؟ أو من أجل كسل وفتور ها هو الحبيب ( يوجهنا إلى أن نكون أمناء حتى مع الذين يخونونا نعم يوجهنا حبيبنا ( لأعظم الأخلاق لأنه صاحب الخلق العظيم لأن خلقه القرآن يوجهنا إلى أن نكون أمناء حتى مع الذين يخونونا لأنه لا ينبغي للمسلم أن يقابل الخطأ بخطأ مثله فيقول (: «أدِ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك».
إنه المسلم الذي تربى على تعاليم هذا الدين العظيم ينشر الخير ويقاوم الشر ولا يقابل السيئة بالسيئة بل يدفع السيئة بالحسنة ولا تستوي الحسنة ولا السيئة { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }[فصلت:34].
فإلى الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا نعم إنهم الكبار الذين يتصفون بمثل هذه الصفات كبار الأخلاق، كبار الأمناء، كبار أهل الصفات العجيبة وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم حظ ممن جاهد نفسه وترقى في كمال الخلق الإسلامي حق لا يستطيع على مثل هذا إلا الأمناء الأوفياء الذين جاهدوا أنفسهم من أجل الله وصبروا للفوز برضا الله.
فالمسلم يعرف أن التفريط في ما ائتمن عليه يعني الوقوع فيما يغضب الله وأنه يجر عليه الوبال، ولذا ورد الكثير من النصوص التي تدل على عظم جرم الخائن وقبح ما أقدم عليه فاسمعوا بتدبر اسمعوا بتدبر إلى بعض تلك النصوص يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }[الأنفال:27].
قال الشوكاني: (الأمانة الأعمال التي ائتمن عليها العباد) ويقول سبحانه: { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ }[الأنفال:58] تأمل هذه الآية ففيها عجب الله أكبر! ما أعظم هذا الدين! أتعلمون ما معنى هذه الآية؟ أي إذا خفت من قوم عاهدتهم على أمر أن يغشوك أو ينقضوا عهدهم فأخبرهم على نحو واضح وصريح أن العهد الذي بينك وبينهم قد انتهى، نعم قد انتهى نعم قد انتهى العهد الذي بيني وبينكم وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء.
لا تبدأهم بالحرب قبل أن تنبذ إليهم عهدهم ما أعظم وأجمل وأروع هذا دين! دين الإسلام، دين الأمانة والوفاء { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ }، أعلنها الله من فوق سبع سماوات آية تتلى إلى أن يرث الأرض ومن عليها { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ } الخائنون المتلونون الخائنون المتقلبون الخائنون أصحاب الأهواء الخائنون الذين يقدمون مصالحهم الخاصة على مصالح الناس العامة لا يحبهم الله بل يبغضهم ويقمتهم لجشعهم وخيانتهم ولأنانيتهم فلهم الويل ولهم الثبور وأما الحبيب ( فيغرس مرة أخرى فينا كل خلق نبيل اسمعوه ( يقول: «من أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه».
لا تقل إنها مجرد رأي أو مجرد استشارة فإن لم تمحظ النصح له فهي خيانة فالمستشار مؤتمن ومن الأمانة أن يقدم لمن استشاره أفضل ما لديه من رأي وخبره وبكل تجرد وصدق وإخلاص لأن ذلك من مقتضيات الأخوة الإسلامية ولوازم القيام بحقوقها كما في قوله (: «المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه » التقوى ها هنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم إنه المجتمع المسلم عباد الله إنه المجتمع المسلم النظيف إخوة ومحبة إخوة ومحبة وتراحم وتعاطف تقتضي أداء الأمانة للمسلم ونصرته والمحافظة على حقوقه وكرامته بل إنه ( يؤكد أن معنى الأمانة يصل للمجالس والكلمات فالمجالس أمانة يا عباد الله، المجالس أمانة أيها المتحدثون بالأعراض، المجالس أمانة أيها المغتابون، المجالس أمانة أيها الثرثارون، المجالس أمانة يا من لا يتقي الله في كلمته، يا من ينقل الكلمات وينثرها هنا وهناك.
يقول الحبيب (: «إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة» إن التفاتة الجليس وهو يحدث جليسه تدل على أنه لا يريد لأحد غيره أن يسمع ذلك الحديث ومن ثم فإنه يقول: ما قلته لك سر فلا تخبر أحد به فأين هذا من الثرثارين والنمامين المفسدين بين الناس بنقل الكلام والأخبار وكثرة القيل والقال خاصة في مكاتب الوظيفة ومجالس المؤسسات واجتماعاتها وغيرها يا الله ما أشد الفجوة بيننا وبين حقيقة الإسلام!
إنها الصورة يا عباد الله إنها الصورة لما تبتعد عن الحقيقة فلا نأخذ من حقيقة إسلامنا ولا استقامتنا وحسن أخلاقنا إلا الصورة فقط فنبتعد عن الكثير من المعاني العظيمة التي هي أصل الأصول في حقيقة الاستقامة وأصل الأصول في حقيقة الإسلام للمسلم ما أحوجنا للحقيقة، ما أحوجنا أن نعيش بحقيقة الإسلام وحقيقة الاستقامة!
إخوة الإيمان ونحن نتحدث عن عظمة الأمانة وأهميتها وحرمة الخيانة وشناعتها لابد أن نؤكد أن الناس والمجتمع والوطن يتضررون حين يقعوا ولو القليل من الخيانة فالإخلال بالعقود، جحد الأمانات، عدم القيام بالواجبات الوظيفية يؤدي إلى إلحاق الضرر بالبلاد والعباد ويضر الوطن والمواطنين فإن التثقيف بأهمية الوفاء بالعقود وأداء الأمانات واجب الجميع بل يجب أن يكون على أوسع نطاق ممكن وإذا كان الوفاء بالعقود والعهود يستوجب فضيلة الأمانة فإن فضيلة الصدق أساس قيم وأخلاقيات العمل وهذا هو موضوع خطبتنا القادمة بمشيئة الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً الصدق والأمانة، اللهم ارزقنا الصدق والأمانة، اللهم ارزقنا الوفاء بالعهود والعقود، وارزقنا الصدق والأمانة، وطهر قلوبنا وأعيننا وألسنتنا من الكذب والخيانة.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

5ef69e2ba0dce

  • 0
  • 0
  • 119

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً