-- حكي أن لبوة كانت ساكنة بغابة وبجوارها غزالة وقرد قد ألفت جوارهما واستحسنت عشرتهما، وكان لتلك ...

منذ 2021-06-02
--
حكي أن لبوة كانت ساكنة بغابة وبجوارها غزالة وقرد قد ألفت جوارهما واستحسنت عشرتهما، وكان لتلك اللبوة شبل صغير قد شغفت به حباً وقرت به عيناً وطابت به قلباً، وكان
لجارتها الغزالة أولاد صغار وكانت اللبوة تذهب كل يوم تبتغي قوتاً لشبلها من النبات وصغار الحيوان وكانت تمر في طريقها على أولاد الغزالة وهم يلعبون بباب مسكنهم فحدثت نفسها يوماً باقتناص واحد لتجعله قوت ذلك اليوم وتستريح فيه من الذهاب ثم أقلعت عن هذا العزم لحرمة الجوار ثم عادها الشره ثانياً مع ما تجد من القوة والعظم وأكد ذلك ضعف الغزالة واستسلامها لأمر اللبوة فأخذت طبياً منهم ومضت، فلما علمت الغزالة داخلها الحزن والقلق ولم تقدر على إظهار ذلك وشكت لجارها القرد فقال لها القرد اصبري فلعلها تقلع عن هذا ونحن لا نستطيع مكافأتها ولعلي أن أذكرها عاقبة العدوان وحرمة الجيران، فلما كان الغد أخذت طبياً ثانياً فليقها القرد في طريقها فسلم عليها وحيّاها، وقال لها لا آمن عليك عاقبة العدوان والبغي وإساءة الجوار فقالت له ما اقتناصي لأولاد الغزال إلا كاقتناصي من أطراف الجبال وما أنا تاركة قوتي وقد ساقه القدر إلى باب بيتي، فقال لها القرد هكذا اغتر الفيل بعظم جثته ووفور قوته فبحث عن حتفه بظلفه وأوقعه البغي رغم أنفه، فقالت اللبوة كيف كان ذلك. قال القرد ذكروا أن قنبرة كان لها عش فباضت وفرخت فيه وكان في نواحي تلك الأرض فيل وكان له مشرب يتردد إليه وكان يمر في بعض الأيام على عش القنبرة فمر ذات يوم يريد مشربه فعمد إلى ذلك العش ووطئه وهشم ركنه وأتلف بيضها وأهلك فراخها، فلما نظرت القنبرة إلى ما حل بعشها ساءها ذلك وعلمت أنه من الفيل فطارت حتى وقعت على رأسه باكية وقالت أيها الملك ما الذي حملك على أن وطئت عشي وهشمت بيضي وقتلت أفراخي وأنا في جوارك أفعلت ذلك استضعافاً بحالي وقلة مبالاة بأمري؟ قال الفيل هو ذلك فانصرفت القنبرة إلى جماعة من الطيور فشكت إليهم ما نالها من الفيل فقالت لها الطيور وما عسانا أن نبلغ من الفيل ونحن طيور فقالت للعقاعق والغربان إني أريد منكم أن تسيروا معي إليه فتفقئوا عينيه وأنا بعد ذلك أحتال عليه بحيلة أخرى فأجابوها إلى ذلك ومضوا إلى الفيل فحملوا عليه حملة واحدة ونقروا عينيه إلى أن فقئوهما وبقي لا يهتدي إلى طريق مطعمه ولا مشربه فلما علمت ذلك جاءت إلى نهر فيه ضفادع فشكت إليهن ما نالها من الفيل فقالت الضفادع ما حيلتنا مع الفيل ولسنا كفؤه وأين نبلغ منه؟ قالت القنبرة أحب منكن أن تذهبوا معي إلى وهدة بالقرب منه فتقفوا وتصيحوا بها فإذا سمع أصواتكن لم يشك أن بها ماء فيكب نفسه فيها فأجابتها الضفادع إلى ذلك فلما سمع الفيل أصواتهن في قعر الحفرة توهم أن بها ماء وكان على جهد من العطش فجاء مكبا على طلب الماء فسقط في الوهدة ولم يجد ما يخرجه منها فجاءت القنبرة ترفرف على رأسه وقالت أيها المغرور بقوته الصائل على ضعفي كيف رأيت عظيم حيلتي مع صغر جثتي وبلادة فهمك مع كبر جسمك وكيف رأيت عاقبة البغي والعدوان ومسالمة الزمان؟ فلم يجد الفيل مسلكاً لجوابها ولا طريقاً لخطابها، فلما أنهى القرد غاية ما ضربه للبوة من المثل أوسعته انتهاراً وأعرضت عنه استكباراً، ثم إن الغزالة انتقلت بما بقي من أولادها تبتغي لها مسكناً آخر وإن اللبوة خرجت ذات يوم تطلب صيداً وتركت شبلها فمر به فارس فلما رآه حمل عليه فقتله وسلخ جلده وأخذه وترك لحمه وذهب، فلما رجعت اللبوة ورأته مقتولاً مسلوخاً رأت أمراً فظيعاً فامتلأت غيظاً وناحت نواحاً عالياً وداخلها هم شديد، فلما سمع القرد صوتها أقبل عليها مسرعاً فقال لها ما دهاك؟ فقالت اللبوة مر صياد بشبلي ففعل به ما ترى فقال لها لا تجزعي ولا تحزني وأنصفي من نفسك واصبري من غيرك كما صبر غيرك منك فكما يدين الفتى يدان وجزاء الدهر بميزان ومن بذر حباً في أرض فبقدر بذره يكون الثمر والجاهل لا يبصر من أين تأتيه سهام القدر فلا تجزعي من هذا الأمر وتذرعي له بالرضا والصبر، فقالت اللبوة كيف لا أجزع وهوقرة العين وواحد القلب وأي حياة تطيب لي بعده؟ فقال لها القرد أيتها اللبوة ما الذي كان يغديك ويعشيك قالت لحوم الوحوش؟ قال القرد فما لنا لا نسمع لتلك الآباء والأمهات صياحاً وصراخاً كما سمع منك ولقد أنزل بك هذا الأمر جهلك بالعواقب وعدم تفكرك فيها وقد نصحتك حين حقرت حق الجوار وألحقت بنفسك العار وجاوزت بقوتك حد الإنصاف وسطوت على الظبا الضعاف فكيف وجدت طعم مخالفة الصديق الناصح قالت اللبوة وجدته مرّ المذاق، ولما علمت اللبوة أن ذلك بما كسبت يدها من ظلم الوحوش رجعت عن صيدها وزمت نفسها وصارت تقنع بأكل النبات وحشيش الفلوات.

5d9f3389f17cd

  • 0
  • 0
  • 237

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً