.الماء يجري ..لا يحبس . . . . وقالت الحكماء: يجب على الملك أن يتلبّس بثلاث خصال: تأخيره ...
منذ 2021-06-12
.الماء يجري ..لا يحبس
.
.
.
.
وقالت الحكماء: يجب على الملك أن يتلبّس بثلاث خصال: تأخيره العقوبة فى سلطان الغضب، وتعجيل مكافأة المحسن، والعمل بالأناة فيما يحدث؛ فإن له فى تأخير العقوبة إمكانا، وفى تعجيل المكافأة بالإحسان المسارعة فى الطاعة من الرعية، وفى الأناة انفساح الرأى وإيضاح الصواب.
وقالوا: ينبغى للملك أن يأنف أن يكون فى رعيّته من هو أفضل منه دينا، كما يأنف من أن يكون منهم من هو أنفذ منه أمرا.
وقيل: لا ينبغى للملك أن يسرع إلى حبس من يكتفى له بالجفاء والوعيد.
وقالوا: ينبغى للملك أن تعرفه رعيّته بالأمانة، ولا يعجّل بالعقاب ولا بالثواب، فإن ذلك أدوم لخوف الخائف ورجاء الراجى.
وقال بعض حكماء الفرس: أحزم الملوك من غلب جدّه هزله، وقهر رأيه هواه، وعبّر عن ضميره فعله، ولم يخدعه رضاه عن حظّه، ولا غضبه عن كيده.
الباب الثانى من القسم الخامس من الفن الثانى فى صفات الملك وأخلاقه وما يفضّل به على غيره، وذكر ما نقل من أقوال الخلفاء والملوك الدالّة على علوّ هممهم وكرم شميهم
قال أحمد بن محمد بن عبد ربّه: السلطان زمام الأمور، ونظام الحقوق، وقوام الحدود، والقطب الذى عليه مدار الدّين والدنيا؛ وهو حمى الله فى بلاده، وظلّه الممدود على عباده، به يمنع حريمهم، وينصر مظلومهم، ويقمع ظالمهم، ويؤمّن خائفهم.
.
والسابع: أن يتقاصر عن مشاكلة الملك فى رتبته، ويقبض نفسه عن مثل هيئته، فلا يلبس مثل ملابسه، ولا يركب مثل مراكبه، ولا يستخدم مثل خدمه؛ فإن الملك يأنف إن موثل، وينتقم إن شوكل، ويرى أن ذلك من أمواله المحتاجة، وحشمته المستباحة. وليقتصر على نظافة لباسه وجسده من غير تصنّع، فإن النظافة من المروءة، والتّصنّع للنساء؛ ليكون بالسلامة محفوظا، وبالحشمة ملحوظا.
والثامن: أن يستوفى للملك ولا يستوفى عليه، ويتأوّل له ولا يتأول عليه؛ فإن الملك إذا أراد الإنصاف كان عليه أقدر، وإن لم يرده فيد الوزير معه أقصر؛ وإنما أراد الوزير عونا لنفسه ولم يرده عونا عليها. فإن وجد إلى مساعدته سبيلا سارع إليها، وإن خاف ضررها وانتشار الفساد بها تلطّف فى كفّه عنها إن قدر. فإن تعذّر عليه تلطّف فى الخلاص منها؛ ولا يجهر بالمخالفة. سئل بعض حكماء الروم عن أصلح ما عوشر به الملوك، فقال: قلة الخلاف وتخفيف المؤنة. والملوك لا يصحبون [1] إلا على اختيارهم، ولا يتمسّكون إلا بمن وافقهم على آرائهم. وإذا روعيت أحوال الناس وجدوا لا يأتلفون إلا بالموافقة، فكيف الملوك! قال شاعر:
الناس إن وافقتهم عذبوا ... أو لا فإنّ جناهم مرّ
كم من رياض لا أنيس بها ... تركت لأنّ طريقها وعر
وأما عهودها ووصاياها- فلم أر فيما طالعته فى هذا المعنى أشمل ولا أكمل ولا أنفع ولا أجمع من كلام لأبى الحسن الماوردىّ؛ فلذلك أوردته بفصّه، وأتيت على أكثر نصّه.
__________
[1] فى الأصل: «لا تصحب» وهو وإن صح الا أنه لا يتناسب مع الضمائر التى بعده.
.
.
.
.
وقالت الحكماء: يجب على الملك أن يتلبّس بثلاث خصال: تأخيره العقوبة فى سلطان الغضب، وتعجيل مكافأة المحسن، والعمل بالأناة فيما يحدث؛ فإن له فى تأخير العقوبة إمكانا، وفى تعجيل المكافأة بالإحسان المسارعة فى الطاعة من الرعية، وفى الأناة انفساح الرأى وإيضاح الصواب.
وقالوا: ينبغى للملك أن يأنف أن يكون فى رعيّته من هو أفضل منه دينا، كما يأنف من أن يكون منهم من هو أنفذ منه أمرا.
وقيل: لا ينبغى للملك أن يسرع إلى حبس من يكتفى له بالجفاء والوعيد.
وقالوا: ينبغى للملك أن تعرفه رعيّته بالأمانة، ولا يعجّل بالعقاب ولا بالثواب، فإن ذلك أدوم لخوف الخائف ورجاء الراجى.
وقال بعض حكماء الفرس: أحزم الملوك من غلب جدّه هزله، وقهر رأيه هواه، وعبّر عن ضميره فعله، ولم يخدعه رضاه عن حظّه، ولا غضبه عن كيده.
الباب الثانى من القسم الخامس من الفن الثانى فى صفات الملك وأخلاقه وما يفضّل به على غيره، وذكر ما نقل من أقوال الخلفاء والملوك الدالّة على علوّ هممهم وكرم شميهم
قال أحمد بن محمد بن عبد ربّه: السلطان زمام الأمور، ونظام الحقوق، وقوام الحدود، والقطب الذى عليه مدار الدّين والدنيا؛ وهو حمى الله فى بلاده، وظلّه الممدود على عباده، به يمنع حريمهم، وينصر مظلومهم، ويقمع ظالمهم، ويؤمّن خائفهم.
.
والسابع: أن يتقاصر عن مشاكلة الملك فى رتبته، ويقبض نفسه عن مثل هيئته، فلا يلبس مثل ملابسه، ولا يركب مثل مراكبه، ولا يستخدم مثل خدمه؛ فإن الملك يأنف إن موثل، وينتقم إن شوكل، ويرى أن ذلك من أمواله المحتاجة، وحشمته المستباحة. وليقتصر على نظافة لباسه وجسده من غير تصنّع، فإن النظافة من المروءة، والتّصنّع للنساء؛ ليكون بالسلامة محفوظا، وبالحشمة ملحوظا.
والثامن: أن يستوفى للملك ولا يستوفى عليه، ويتأوّل له ولا يتأول عليه؛ فإن الملك إذا أراد الإنصاف كان عليه أقدر، وإن لم يرده فيد الوزير معه أقصر؛ وإنما أراد الوزير عونا لنفسه ولم يرده عونا عليها. فإن وجد إلى مساعدته سبيلا سارع إليها، وإن خاف ضررها وانتشار الفساد بها تلطّف فى كفّه عنها إن قدر. فإن تعذّر عليه تلطّف فى الخلاص منها؛ ولا يجهر بالمخالفة. سئل بعض حكماء الروم عن أصلح ما عوشر به الملوك، فقال: قلة الخلاف وتخفيف المؤنة. والملوك لا يصحبون [1] إلا على اختيارهم، ولا يتمسّكون إلا بمن وافقهم على آرائهم. وإذا روعيت أحوال الناس وجدوا لا يأتلفون إلا بالموافقة، فكيف الملوك! قال شاعر:
الناس إن وافقتهم عذبوا ... أو لا فإنّ جناهم مرّ
كم من رياض لا أنيس بها ... تركت لأنّ طريقها وعر
وأما عهودها ووصاياها- فلم أر فيما طالعته فى هذا المعنى أشمل ولا أكمل ولا أنفع ولا أجمع من كلام لأبى الحسن الماوردىّ؛ فلذلك أوردته بفصّه، وأتيت على أكثر نصّه.
__________
[1] فى الأصل: «لا تصحب» وهو وإن صح الا أنه لا يتناسب مع الضمائر التى بعده.