شاسعة، فقد سافر جابر بن عبد الله من البصرة إلى المدينة في طلب حديث واحد، وسافر عبد الله بن أنيس رضي ...

منذ 2021-06-19
شاسعة، فقد سافر جابر بن عبد الله من البصرة إلى المدينة في طلب حديث واحد، وسافر عبد الله بن أنيس رضي الله عنه من المدينة إلى الشام في طلب حديث واحد، وسافر أبو أيوب الأنصاري من المدينة إلى مصر في طلب حديث واحد، ومن أجل هذا فإن ركوب الخطر هو أصل التضحية، فالتضحية لا تكون إلا مع الخطر عندما تعارضها المصالح، وما دامت المصالح متفقة مع ما يبذله الإنسان فإن ذلك لا يُسمى تضحية، ولا يكون مجاهداً بسببه؛ لأنه لم يبذل جهداً، وإنما أنفق الزائد من جهده، ومن لم يضح فمعناه أنه: لم يبذل جهداً، وبهذا يفسد على نفسه بعض الأمور التي يهواها، ولا يُعد من المضحين المجاهدين، ومن أجل هذا قال أحد الحكماء في الأخوة🍐: إن أخاك الحق من يسعى معك ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا ريب الزمان صدَّعك شتت فيك شمله ليجمعك فلا يكون الإنسان مضحياً إلا إذا بذل من الجهد ما يؤدي به إلى أن يفقد بعض ما يتمناه ويهواه.

.
.
معرفة الابتلاء
خامساً: المعرفة بالابتلاء والاستعداد له: فمما يعين على الصبر عند البلاء والثبات فيه أن يعرف الإنسان سنة الله بالابتلاء، فهي سنة ماضية وحكمة بالغة، فالله تعالى يقول في كتابه: {آلم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3].
وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران:186]، وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214].
والاستعداد للبلاء بأن يعلم الإنسان أنه يسلك طريق المكاره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) وفي رواية: (حجبت الجنة بالمكاره، وحجبت النار بالشهوات).
وصح عنه صلى الله عليه وسلم: (أن الله عز وجل لما خلق الجنة زينها ثم أرسل جبريل فأطاف بها، فقال: كيف وجدتها؟ فقال: وعزتك وجلالك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فلما خلق النار وجعل فيها من الرجز والعذاب أرسل جبريل فأطاف بها فقال: كيف وجدتها؟ فقال: وعزتك وجلالك لا يسمع بها أحد فيدخلها، ثم أمر بالجنة فحجبت بالمكاره، فأرسل جبريل فأطاف بها فقال: وعزتك وجلالك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد، ثم أمر بالنار فحفت بالشهوات، فأرسل جبريل فأطاف بها فقال: وعزتك وجلالك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد).
فالسائر في هذا الطريق يعلم أنه سيمتحن بكثير من المحن والبلايا، فلا بد أن يستعد لها بتهيئة نفسه لذلك، وقد قال أحد الحكماء🔨: يمثل ذو اللب في لبه مصائبه قبل أن تنزلا فإن نزلت بغتة لم ترعـ ـه لما كان في نفسه مثلا وذو الجهل يأمن أيامه وينسى مصارع من قد خلا فإن دهمته صروف الزمان ببعض مصائبه أعولا فلا فائدة من العويل، بل لا بد من الاستعداد للابتلاء، وأن يعلم الإنسان تقلب أحوال الدنيا وعدم استقرارها، ويستعد لذلك، وبالأخص إذا علم حكمة الله في الابتلاء، وأن من حكمة الله أن يرفع به أقواماً درجات إذا صبروا، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عجباً لأمر المؤمن، كل أمر المؤمن له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن).
وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من مصيبة تصيب المؤمن إلا كانت تكفيراً من ذنبه حتى الشوكة يشاكها)، وقال: (أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل الأمثل)،وبين أنه لا يزال البلاء بالعبد حتى يفد على الله وليس معه ذنب.
.
.

5d9f3389f17cd

  • 0
  • 0
  • 302

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً