الخلاف الممنوع والخلاف المشروع وأدب الخلاف: الحمد لله وبعد : إن للخلاف معنيان، خلاف هو شر ...

منذ 2021-06-25
الخلاف الممنوع والخلاف المشروع وأدب الخلاف:

الحمد لله وبعد :

إن للخلاف معنيان، خلاف هو شر وجب مجانبته وتركه والبراءة منه، وهو ضد الائتلاف والمطاوعة، وهو ناتج عن عصبية وانتصار للنفس، وقد حذر منه الله عز وجل في قوله:" ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" ونبيه في قوله صلى الله عليه وسلم:" يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا"، وهذا الذي ذكره ابن مسعود فيما رواه أبو داود وغيره عن عبد الرحمن بن يزيد قال كنا مع عبد الله بن مسعود بجمع، فلما دخلنا مسجد منى، سأل كم صلى أمير المؤمنين؟ قالوا : أربعا، فصلى أربعا، قال: قلنا: ألم تحدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، وأبا بكر صلى ركعتين ؟! فقال: بلى، وأنا أحدثكموه الآن، ولكن عثمان كان إماما، فما أخالفه، والخلاف شر" وفي الحديث نكتة أرجئ ذكرها إلى آخر مقالي.
المعنى الثاني للخلاف، هو الخلاف الفقهي والخلاف في مسائل العلم الذي تسعه دائرة أهل السنة، وهو راجع إلى اختلاف فهوم العلماء لنصوص الكتاب والسنة وتفاوت مراتب الإدراك لدى عقول البشر، وهو واقع لا محالة إلا أنه غير مطلوب.
وهذا الخلاف هو كخلاف العلماء في إخراج زكاة الفطر نقدا بين مجزئ ومانع، والواجب علينا تجاه خلاف كهذا أن يسعى المسلم جهده في إدراك الصواب فيه باحثا في أدلة الفريقين مستعينا بالله على ذلك، فإن بلغ ببحثه نتيجة، اعتقد الصواب في ذلك، والخطأ في خلافه، لكن لا يتعدى إلى تسفيه المخالف أو تبديعه أو السخرية منه، كما هو واقع مع كل أسف أيامنا هذه حول هذه المسألة التي لا تعدو كونها فقهية قد اختلف حولها السلف قبل الخلف، ففي هذا المعنى ما ينسب للإمام الشافعي: ( رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) وفي مثل هذه المسألة اختلف ابن مسعود مع عثمان، وقد أنكر ابن مسعود على عثمان ما ذهب إليه وخطأه، ولكنه لم يقع فيما وقع فيه الناس أيامنا هذه، بل أنكر فعلهم بقوله " الخلاف شر" .
أما عن أدب الخلاف فهو في حد ذاته علم ينبغي أن يعنى به طالب العلم حتى يتخلق بأخلاق العلماء ويتأدب بأدبهم، فإن كان على ذلك وفق بإذن الله لكل خير، ويتضح مما سبق بيانه من الأمر بالمطاوعة وعدم التشنيع والتسفيه والتبديع للمخالف إذا كانت المخالفة فيما تسعه دائرة الخلاف، كقضية الحال، ويظهر ذلك جليا في حديث ابن مسعود السالف الذكر، حيث صلى خلف عثمان بمنى أربعا رغم أنه يرى عدم مشروعيته طلبا للائتلاف ودرءا للخلاف المذموم.

وأما عن النكتة في حديث ابن مسعود فاشتماله على معنيي الخلاف، وكذا اشتماله على كيفية التعامل مع المخالف والأدب الذي على المسلم أن يتحلى به.

والله أسأل أن يوفقنا للتحلي بأخلاق العلماء الأصفياء الأتقياء.

- أبوعبدالله عبدالحفيظ مهدي -

5f177200e20b8

  • 0
  • 0
  • 85

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً