حرب "المصطلحات" ودور المسلم المعاصر فيها بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ...
منذ 2021-07-05
حرب "المصطلحات" ودور المسلم المعاصر فيها
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإن تغيير المصطلحات، وتسمية الأشياء بغير اسمها فتنة من أعظم الفتن، وتلبيس يلبس به إبليس وحزبه على الناس، ليوقعوهم في معصية ربهم سبحانه وتعالى.
وحتى تتضح جذور القضية فإنني أورد آيات من سورة البقرة تتحدث عن بداية خلق الإنسان، وأن الله سبحانه وتعالى علم آدم عليه السلام الأسماء كلها، وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 30 - 33]
ومن خلال قراءة الآيات السابقة نعرف أن الأمر ضارب في جذور التاريخ، وقديم قدم الإنسان نفسه، وبالرجوع إلى كلام أهل العلم في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾ [سورة البقرة 31]، نجد أن خلاصة كلامهم -رحمهم الله تعالى- "أنَّ الله تعالى قد عَلَّم آدَمَ عليه السَّلام أسماءَ كلِّ شيء"[1]، فالله سبحانه وتعالى أظهر شرف آدم عليه السلام بأن علمه الأسماء الصحيحة للأشياء، ثم أمر الملائكة بالسجود له، فقال سبحانه: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [البقرة: 34 - 36].
وجاء تفصيل ما وسوس به إبليس لأبينا آدم عليه السلام في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120].
فالشيطان الرجيم - نعوذ بالله تعالى منه - لم يصرح لآدم عليه السلام أنه يريد منه أن يعصي الله سبحانه وتعالى، بل خادعه، وكذب عليه، وحلف له بالله تعالى أنه له ولزوجه ناصح، كما قال الله تَعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 20، 21]، وأن نصيحته "الطيبة!" هي الأكل من ﴿ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾، كما قال الله عز وجل: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120].
تأملوا - رعاكم الله تعالى ووفقكم - في هذا الكلام الذي وسوس به الشيطان لآدم عليه السلام.
كذب صراح، وباطل محض، وقلب للحقائق، فالخلد في الجنة لا يكون إلا بطاعة الله عز وجل، وما يريده الشيطان من آدم هو حرمانه من ذلك الخلد في الجنة حسدًا، وعداوة، وبغضًا، ولخبث عدو الله وغشه وخداعه جاء بهذا الكلام المناقض للحقيقة والواقع، ووسوس بقول باطل لا أصل له، ولا برهان عليه، ولا دليل على صحته.
ولأن إبليس يعلم ذلك، أقسم بالله تعالى كاذبا ليغر آدم عليه السلام بذلك الحلف، وتعلم منه حزبه هذه الطريقة في الإفك، والدجل، والتزوير، وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [المجادلة: 16].
وفي زماننا المعاصر عظمت فتنة الشيطان وحزبه، وضل عن سبيل الله تعالى خلق كثير، بسبب انتشار الفضائيات والانترنت وغيرهما من الوسائل الإعلامية التي تبث سمومها صباح مساء، وتنشر خَبَثَهَا في الليل والنهار بلا توقف، ولا انقطاع، ولا هوادة، فما هو دور المسلمين، والمسلمات المعاصرين في مواجهة هذه الفتن والبلاءات؟
معاشر الكرام:
إن المعركة بين الخير والشر قديمة عتيقة، وستدوم ما دامت الحياة الدنيا، وإن جهاد الباطل فرض على كل مسلم ومسلمة، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ". [أخرجه أبو داود (2504) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وصححه الألباني].
فهذا الحديث - وفقكم الله لمرضاته - لم يقصر جهاد الباطل على جهاد السنان، بل أشار أيضا إلى جهاد المال واللسان، وقد أمر ربنا عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار بالقرآن، فقال سبحانه: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52]، والخِطابُ في هذه الآية وإنْ كان للنبي صلى الله عليه وسلم، فالحُكمُ شاملٌ لِأُمَّتِه [2]، والآية تدعو بوضوح إلى نُصرة الحَقِّ، وقمع الباطل، بكُلِّ الطاقة وبلا فُتورٍ [3]، فهي نصٌّ صريحٌ في أنَّ الدعوة إلى اللهِ تعالى، وإحقاق الحقِّ، وإبطال الباطلِ من أكبر أنواع الجهاد، وأشدها على أعداء الملة والدين، وأعظمها تأثيرا في نفوس العالمين [4].
ويخطئ كثير من الناس في ظنه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مختص بالعلماء، والصواب أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على كل مسلم ومسلمة بحسب ما يعلمون من أحكام الشريعة.
ولذا، ينبغي على أهل الخير والصلاح التمسك بمصطلحات الكتاب والسنة، ورفض ما يقوم به أهل الباطل من تلبيس وتزييف، وإعلانها صريحة مدوية، عبر جميع وسائل الإعلام والتواصل التي يمكننا ربنا منها، "أننا نرفض تغيير مصطلحات الشريعة"، "وأننا نعتبر نصوص الإسلام خطا أحمر لا نرضى، ولا نقبل، ولا نسمح لأحد أن يقترب منه"، ومن ذلك أننا نرفض، وننكر، وبشدة:
• تسمية الربا فائدة.
• والزنا صداقة.
• والخمر مشروبات روحية.
• والحكم بغير ما أنزل الله تعالى ديمقراطية وتجديدًا.
• والإلحاد حداثة.
• والعلمانية تطورًا.
• والرأسمالية تقدمًا.
• والعصبية وطنية.
• والغناء والمجون فنا ونجومية.
وفي المقابل، نناهض، ونحارب، وبصرامة:
• تسمية الإيمان تخلفًا.
• والجهاد إرهابًا.
• والتمسك بالدين تطرفًا.
• والحجاب رجعية.
• والسنة بدعة.
• والحق باطلا.
• والخير شرًّا.
• والاستقامة تعقيدًا.
• والإصلاح إفسادًا.
وأننا نناضل ونتمسك وبقوة، بمصطلحات الدين والملة، مثل:
• الإسلام.
• والإيمان.
• والإحسان.
• والتوحيد.
• والسنة
• والبدعة
• والشرك.
• والكفر.
• والردة.
• والنفاق.
• والفسق.
وذلك لأن المصطلحات الشرعية لها معان ودلالات، وينبني عليها أحكام وجزاءات، فإذا غُيرت المصطلحات فسد الدين، والتبس الحق بالباطل، وأهدرت دماء وأموال معصومة، وعصمت دماء وأموال مهدرة؛ وفي تقرير ذلك يقول الإمام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "اعْلَمْ أَنَّ "مَسَائِلَ التَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ" هِيَ مِنْ مَسَائِلِ "الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ" الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْمُوَالَاةُ وَالْمُعَادَاةُ، وَالْقَتْلُ وَالْعِصْمَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَحَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَهَذَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ"[5].
ويقول الشيخ محمد المنجد مؤكدا ضرورة المحافظة على المسميات الصحيحة الموافقة لما جاء في الكتاب والسنة: "لقد وردت كلمة الكفر بمشتقاتها من "الكفر" و"الكافرين"، و"الكفار" و"الذين كفروا" في القرآن الكريم أكثر من أربعمائة مرة، ووردت لفظة الشرك بمشتقاتها "المشركين"، "والذين أشركوا" في القرآن أكثر من مائتي مرة، ووردت لفظة "النفاق"، ومشتقاتها "المنافقين"، و"الذين نافقوا" في القرآن أكثر من خمسين مرة، ووردت كلمة "اليهود" سبع مرات، و"النصارى" ثمان مرات، ولفظة "الكفار" أربعة عشر مرة، و"الكافرين" خمساً وخمسين مرة، وكذلك "الذين كفروا" مائة واثنين وخمسين مرة، وهكذا بهذه الألفاظ،
فيسمع المؤمن كلمة "كفر"، و"كافر"، و"كفار"، و"كافرين" بمجرد السماع قلبه ينطق بالكراهية لهؤلاء؛ لأنهم كفروا بالله، أشركوا به، سبوا الله، اعتقدوا في الله عز وجل عقيدة ضالة منحرفة، وهكذا تنبني أحكام ومواقف" [6].
وفي ختام هذا المقال فإننا نحذر من يتلاعبون بالمصطلحات، ويغيرون المسميات، ونخوفهم عقاب الله عز وجل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ". [رواه ابن ماجه (4020) من حديث أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3263)]، وفي الحديثِ: علم من أعلام النبوة، وفيه وعيد شديد [7] للمُفْسِدِينَ الذين يغيرون الألفاظ الشرعية، بالخسف، والمسخ، والعذاب في الدنيا، ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 26].
والحاصل: أن دورنا في حرب المصطلحات يتمثل في قيامنا بما أمر به ربنا عز وجل من تعلم ما جاء في الكتاب والسنة، والعمل بمقتضى ذلك العلم، ونشره في أصقاع الدنيا بجميع الوسائل المتاحة، وأن نعلم أن مسؤولية الدعوة إلى الله تعالى ليست مهمة فرد أو جماعة، بل هي مسؤولية أمة، وكلٌّ مُكَلَّفٌ بأن يقوم بها بحسب إمكاناته، وقدراته، واستطاعته مع أهمية التعاون على البر والتقوى؛ عملا بقول الله عز وجل: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2]
والله تعالى أعلم.
اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنا لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [8].
اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لنا، وَتَوَفَّنا إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لنا، اللَّهُمَّ وَنسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَنسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَنسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَنسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَنسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَنسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَنسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَنسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ [9].
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] "نسَبه ابنُ تَيميَّة إلى الجمهور. كما في ((مجموع الفتاوى)) (7/ 94). ويُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/ 222-223)، ((تفسير السعدي)) (ص: 49)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/ 118-119). وممَّن قال من السَّلف بذلك: ابن عبَّاس ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقَتادَة. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/ 541)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (1/ 80)". [((التفسير المحرر)) للدرر السنية].
[2] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/ 286)، ((تفسير البيضاوي)) (4/ 127)، ((تفسير ابن باديس)) (ص: 188)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية.
[3] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/ 470)، ((الوسيط)) للواحدي (3/ 343)، ((تفسير القرطبي)) (13/ 58)، ((تفسير ابن كثير)) (6/ 116)، ((تفسير السعدي)) (ص: 584)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/ 64)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية.
[4] يُنظر: ((تفسير ابن باديس)) (ص: 188)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية.
[5] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (12/ 468).
[6] يُنظر: ((التلاعب بالمصطلحات الشرعية)) لمحمد المنجد، على الرابط التالي:
https://almunajjid.com/speeches/lessons/271
[7] يُنظر: ((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية.
[8] عن سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؛ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: "اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ". [أخرجه مسلم (770)].
[9] عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: صَلَّى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالْقَوْمِ صَلَاةً أَخَفَّهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا، فَقَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَمَا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ: "اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ". [أخرجه النسائي (1306)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1305)].
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإن تغيير المصطلحات، وتسمية الأشياء بغير اسمها فتنة من أعظم الفتن، وتلبيس يلبس به إبليس وحزبه على الناس، ليوقعوهم في معصية ربهم سبحانه وتعالى.
وحتى تتضح جذور القضية فإنني أورد آيات من سورة البقرة تتحدث عن بداية خلق الإنسان، وأن الله سبحانه وتعالى علم آدم عليه السلام الأسماء كلها، وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 30 - 33]
ومن خلال قراءة الآيات السابقة نعرف أن الأمر ضارب في جذور التاريخ، وقديم قدم الإنسان نفسه، وبالرجوع إلى كلام أهل العلم في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾ [سورة البقرة 31]، نجد أن خلاصة كلامهم -رحمهم الله تعالى- "أنَّ الله تعالى قد عَلَّم آدَمَ عليه السَّلام أسماءَ كلِّ شيء"[1]، فالله سبحانه وتعالى أظهر شرف آدم عليه السلام بأن علمه الأسماء الصحيحة للأشياء، ثم أمر الملائكة بالسجود له، فقال سبحانه: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [البقرة: 34 - 36].
وجاء تفصيل ما وسوس به إبليس لأبينا آدم عليه السلام في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120].
فالشيطان الرجيم - نعوذ بالله تعالى منه - لم يصرح لآدم عليه السلام أنه يريد منه أن يعصي الله سبحانه وتعالى، بل خادعه، وكذب عليه، وحلف له بالله تعالى أنه له ولزوجه ناصح، كما قال الله تَعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 20، 21]، وأن نصيحته "الطيبة!" هي الأكل من ﴿ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾، كما قال الله عز وجل: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120].
تأملوا - رعاكم الله تعالى ووفقكم - في هذا الكلام الذي وسوس به الشيطان لآدم عليه السلام.
كذب صراح، وباطل محض، وقلب للحقائق، فالخلد في الجنة لا يكون إلا بطاعة الله عز وجل، وما يريده الشيطان من آدم هو حرمانه من ذلك الخلد في الجنة حسدًا، وعداوة، وبغضًا، ولخبث عدو الله وغشه وخداعه جاء بهذا الكلام المناقض للحقيقة والواقع، ووسوس بقول باطل لا أصل له، ولا برهان عليه، ولا دليل على صحته.
ولأن إبليس يعلم ذلك، أقسم بالله تعالى كاذبا ليغر آدم عليه السلام بذلك الحلف، وتعلم منه حزبه هذه الطريقة في الإفك، والدجل، والتزوير، وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [المجادلة: 16].
وفي زماننا المعاصر عظمت فتنة الشيطان وحزبه، وضل عن سبيل الله تعالى خلق كثير، بسبب انتشار الفضائيات والانترنت وغيرهما من الوسائل الإعلامية التي تبث سمومها صباح مساء، وتنشر خَبَثَهَا في الليل والنهار بلا توقف، ولا انقطاع، ولا هوادة، فما هو دور المسلمين، والمسلمات المعاصرين في مواجهة هذه الفتن والبلاءات؟
معاشر الكرام:
إن المعركة بين الخير والشر قديمة عتيقة، وستدوم ما دامت الحياة الدنيا، وإن جهاد الباطل فرض على كل مسلم ومسلمة، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ". [أخرجه أبو داود (2504) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وصححه الألباني].
فهذا الحديث - وفقكم الله لمرضاته - لم يقصر جهاد الباطل على جهاد السنان، بل أشار أيضا إلى جهاد المال واللسان، وقد أمر ربنا عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار بالقرآن، فقال سبحانه: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52]، والخِطابُ في هذه الآية وإنْ كان للنبي صلى الله عليه وسلم، فالحُكمُ شاملٌ لِأُمَّتِه [2]، والآية تدعو بوضوح إلى نُصرة الحَقِّ، وقمع الباطل، بكُلِّ الطاقة وبلا فُتورٍ [3]، فهي نصٌّ صريحٌ في أنَّ الدعوة إلى اللهِ تعالى، وإحقاق الحقِّ، وإبطال الباطلِ من أكبر أنواع الجهاد، وأشدها على أعداء الملة والدين، وأعظمها تأثيرا في نفوس العالمين [4].
ويخطئ كثير من الناس في ظنه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مختص بالعلماء، والصواب أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على كل مسلم ومسلمة بحسب ما يعلمون من أحكام الشريعة.
ولذا، ينبغي على أهل الخير والصلاح التمسك بمصطلحات الكتاب والسنة، ورفض ما يقوم به أهل الباطل من تلبيس وتزييف، وإعلانها صريحة مدوية، عبر جميع وسائل الإعلام والتواصل التي يمكننا ربنا منها، "أننا نرفض تغيير مصطلحات الشريعة"، "وأننا نعتبر نصوص الإسلام خطا أحمر لا نرضى، ولا نقبل، ولا نسمح لأحد أن يقترب منه"، ومن ذلك أننا نرفض، وننكر، وبشدة:
• تسمية الربا فائدة.
• والزنا صداقة.
• والخمر مشروبات روحية.
• والحكم بغير ما أنزل الله تعالى ديمقراطية وتجديدًا.
• والإلحاد حداثة.
• والعلمانية تطورًا.
• والرأسمالية تقدمًا.
• والعصبية وطنية.
• والغناء والمجون فنا ونجومية.
وفي المقابل، نناهض، ونحارب، وبصرامة:
• تسمية الإيمان تخلفًا.
• والجهاد إرهابًا.
• والتمسك بالدين تطرفًا.
• والحجاب رجعية.
• والسنة بدعة.
• والحق باطلا.
• والخير شرًّا.
• والاستقامة تعقيدًا.
• والإصلاح إفسادًا.
وأننا نناضل ونتمسك وبقوة، بمصطلحات الدين والملة، مثل:
• الإسلام.
• والإيمان.
• والإحسان.
• والتوحيد.
• والسنة
• والبدعة
• والشرك.
• والكفر.
• والردة.
• والنفاق.
• والفسق.
وذلك لأن المصطلحات الشرعية لها معان ودلالات، وينبني عليها أحكام وجزاءات، فإذا غُيرت المصطلحات فسد الدين، والتبس الحق بالباطل، وأهدرت دماء وأموال معصومة، وعصمت دماء وأموال مهدرة؛ وفي تقرير ذلك يقول الإمام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "اعْلَمْ أَنَّ "مَسَائِلَ التَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ" هِيَ مِنْ مَسَائِلِ "الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ" الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْمُوَالَاةُ وَالْمُعَادَاةُ، وَالْقَتْلُ وَالْعِصْمَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَحَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَهَذَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ"[5].
ويقول الشيخ محمد المنجد مؤكدا ضرورة المحافظة على المسميات الصحيحة الموافقة لما جاء في الكتاب والسنة: "لقد وردت كلمة الكفر بمشتقاتها من "الكفر" و"الكافرين"، و"الكفار" و"الذين كفروا" في القرآن الكريم أكثر من أربعمائة مرة، ووردت لفظة الشرك بمشتقاتها "المشركين"، "والذين أشركوا" في القرآن أكثر من مائتي مرة، ووردت لفظة "النفاق"، ومشتقاتها "المنافقين"، و"الذين نافقوا" في القرآن أكثر من خمسين مرة، ووردت كلمة "اليهود" سبع مرات، و"النصارى" ثمان مرات، ولفظة "الكفار" أربعة عشر مرة، و"الكافرين" خمساً وخمسين مرة، وكذلك "الذين كفروا" مائة واثنين وخمسين مرة، وهكذا بهذه الألفاظ،
فيسمع المؤمن كلمة "كفر"، و"كافر"، و"كفار"، و"كافرين" بمجرد السماع قلبه ينطق بالكراهية لهؤلاء؛ لأنهم كفروا بالله، أشركوا به، سبوا الله، اعتقدوا في الله عز وجل عقيدة ضالة منحرفة، وهكذا تنبني أحكام ومواقف" [6].
وفي ختام هذا المقال فإننا نحذر من يتلاعبون بالمصطلحات، ويغيرون المسميات، ونخوفهم عقاب الله عز وجل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ". [رواه ابن ماجه (4020) من حديث أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3263)]، وفي الحديثِ: علم من أعلام النبوة، وفيه وعيد شديد [7] للمُفْسِدِينَ الذين يغيرون الألفاظ الشرعية، بالخسف، والمسخ، والعذاب في الدنيا، ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 26].
والحاصل: أن دورنا في حرب المصطلحات يتمثل في قيامنا بما أمر به ربنا عز وجل من تعلم ما جاء في الكتاب والسنة، والعمل بمقتضى ذلك العلم، ونشره في أصقاع الدنيا بجميع الوسائل المتاحة، وأن نعلم أن مسؤولية الدعوة إلى الله تعالى ليست مهمة فرد أو جماعة، بل هي مسؤولية أمة، وكلٌّ مُكَلَّفٌ بأن يقوم بها بحسب إمكاناته، وقدراته، واستطاعته مع أهمية التعاون على البر والتقوى؛ عملا بقول الله عز وجل: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2]
والله تعالى أعلم.
اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنا لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [8].
اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لنا، وَتَوَفَّنا إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لنا، اللَّهُمَّ وَنسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَنسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَنسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَنسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَنسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَنسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَنسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَنسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ [9].
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] "نسَبه ابنُ تَيميَّة إلى الجمهور. كما في ((مجموع الفتاوى)) (7/ 94). ويُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/ 222-223)، ((تفسير السعدي)) (ص: 49)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/ 118-119). وممَّن قال من السَّلف بذلك: ابن عبَّاس ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقَتادَة. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/ 541)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (1/ 80)". [((التفسير المحرر)) للدرر السنية].
[2] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/ 286)، ((تفسير البيضاوي)) (4/ 127)، ((تفسير ابن باديس)) (ص: 188)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية.
[3] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/ 470)، ((الوسيط)) للواحدي (3/ 343)، ((تفسير القرطبي)) (13/ 58)، ((تفسير ابن كثير)) (6/ 116)، ((تفسير السعدي)) (ص: 584)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/ 64)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية.
[4] يُنظر: ((تفسير ابن باديس)) (ص: 188)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية.
[5] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (12/ 468).
[6] يُنظر: ((التلاعب بالمصطلحات الشرعية)) لمحمد المنجد، على الرابط التالي:
https://almunajjid.com/speeches/lessons/271
[7] يُنظر: ((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية.
[8] عن سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؛ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: "اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ". [أخرجه مسلم (770)].
[9] عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: صَلَّى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالْقَوْمِ صَلَاةً أَخَفَّهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا، فَقَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَمَا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ: "اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ". [أخرجه النسائي (1306)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1305)].