. الوصية بالمماليك أضف إلى ما تقدم كله وصايا الله ورسوله بالمماليك، ومنها تخفيف الواجبات عليهم، ...
منذ 2021-07-05
.
الوصية بالمماليك
أضف إلى ما تقدم كله وصايا الله ورسوله بالمماليك، ومنها تخفيف الواجبات عليهم، وجعل حدّ المملوك فى العقوبات نصف حد الحر، وقد قرن الله تعالى الوصية بهم بالوصية بالوالدين والأقربين، ونهى النبى صلّى الله عليه وسلّم عن قول السيد: «عبدى وأمتى»، وأمره أن يقول:
«فتاى وفتاتى وغلامى»، وأمر بأن يطعموهم مما يأكلون ويلبسوهم مما يلبسون، ويعينوهم على خدمتهم إن كلفوهم ما يغلبهم كما فى حديث أبى ذر فى الصحيحين وغيرهما الذى تقدم والمناسب منها هنا: أن المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر بالربذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك»، وذكر ما تقدم من الحديث وتتمته هى قوله صلّى الله عليه وسلّم فى المماليك:
«إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم» أى: عاملوهم
معاملة الأمثال، وفى الصحاح أيضا أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يوصى النساء وما ملكت الأيمان حتى فى مرض موته إلى أن التحق بالرفيق الأعلى صلّى الله عليه وسلّم. وسأله ابن عمر: كم أعفو عن الخادم؟ قال: «اعف عنه كل يوم سبعين مرة»، وهذه مبالغة معناها اعف عنه كلما أذنب.
وقد تفلسف بعض المتنطعين فيما يسمونه النقد التحليلى فقال: إن محمدا صلّى الله عليه وسلّم كان يوصى بالرقيق لأنه ربى فى حجر أمه- قيل يعنى به إرضاع ثويبة مولاة عمه أبى لهب- وأن هذا التعليل لجهل عميق بالتاريخ وعلم النفس والفلسفة جميعا، والأولى أن يعنى أم أيمن حاضنته وكانت جارية لأمه فورثها وأعتقها، ولكنّ هذا التشريع العظيم الذى جاء فى كهولة الأمية فوق جميع شرائع البشر وفلسفتهم وآدابهم شىء آخر لا ينبغى لعاقل أن يعلله بما علله به هذا المتنطع المتحذلق، وما كان هذا التشريع وحده هو الذى يعلو هذا التعليل ويحكمه بل كل نوع من شريعته مثله، ثم ماذا يقال فى مجموعها وجملتها؟.
.
.
.
ويقولون لقد فاز من اتبع ملتهم وصدق شريعتهم قال مالك يوم الدين: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر:2] فإذا ورد مقامه اطال فيه هناك قيامه وبسط كف ابتهاله وبالغ في طلبه وسؤاله ويقول أسألك قبول شفاعتي في العصاة من أمتي.
وإذا بالنداء وعزتي وجلالي لا أخلف لك وعدا ولا أنقض لك عهدا ولأرين أهل الموقف علو شانك ورفيع مكانك ولأعطينك حتى ترضى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5] قال فازداد عاصم إيمانا فلما كان وقت السحر وثبت الصحابة على اقدام الحزم والعزم وخرجوا على أهل المدينة فاستعانوا بالله وقالوا: اللهم انصرنا كنصر نبيك يوم الاحزاب وقال خالد: إياكم أن تفترقوا فتذهب ريحكم وأتقوا الله الذي إليه مصيركم واعلموا أن الاعداء يجتمعون عليكم والنساء يرجمنكم والشباب يقاتلونكم وإياكم أن تطمعوا أحدا في بحار الحرب بل اصبروا على مر الكرب والضرب وإنما يتبين صبر الرجال عند ملاقاة الاهوال وما نحن ممن يفزع بهجوم الآجال لانا قد تحققنا أن لكل منا أجلا لا يتعداه ومن خاطر بعظيم نال عظيما وهذه اسمها عظيم والجمع فيها أعظم وهي قصور ديار بكر وربيعة وقد حصلنا في وسط مدينة القوم فإن كنتم طالبين الظفر فاصبروا ولا تعجلوا فالصبر مقرون بالظفر والعجلة مقرونة بالزلل والصبر عاقبته النصر واعلموا أن هذه البيعة هي بيعتهم المعظمة ولا بد لهم من القدوم إلى الصلاة فإذا حصل وإليهم ههنا ومقدم عساكرهم أطبقنا عليهم من كل جانب وقصمناهم بالقواضب فإنه إذا قتلت الملوك وعظماء البطارقة فما يجسر بعدهم أحد أن يرفع يده وأما العوام فلا اعتبار بهم فقال عاصم بن رواحة لله درك أيها الأمير ما أخبرك بالامور والحرب ولقد تكلمت بالصواب وأحسنت في الخطاب فليقر كل واحد منكم في مكانه وأخفوا سلاحكم في أعيابكم فإذا اشتغل القوم في صلاتهم ثرنا عليهم ومددنا أيدينا إليهم فاستصوبوا رأيه قال: وكانت الصحابة في بيت كبير في البيعة كان برسم النذور وفيه شيء من الامتعة لا يثمن لكثرته.
قال الراوي: حدثنا عبد الله بن يانس عن جده فياض بن زيد وكان من جملة من ذكرناهم من الصحابة وحضر فتوح رأس العين قال هكذا كانت قصتنا وكنا قد دبرنا هذا التدبير ثم رجعنا عنه وكان من الامر المقدر أن ذلك اليوم الذي رجعنا فيه لم يقاتل فيه أحد من جند رأس العين وكان له سبب نذكره.
قال الراوي: كان من قضاء الله السابق في خلقه أنه كان للوالي أخ عاقل لبيب له راي وتدبير وكان يعرف من الحكمة التي وصاه بها فهرايس أحد حكماء اليونانيين وقد عرف من علم الملاحم وكان صاحب سر شهرياض فما كان يفعل شيئا إلا بمشورته وكان قد نهاه عن قتال العرب وقال له: ما أرى لك في قتالهم خيرا والامر عليك لا.
لك فلما كان من الملك ما كان وقتل جيشه ورجع الأمر إلى مرسيوس قال له أخوه الحكيم: وكان اسمه اسالوس معناه حكيم زمانه اعلم يا أخي أنه ليس ينبغي للعاقل اللبيب الفاضل الاديب أن يرمي نفسه في غير مراميها ولا ينقاد بزمام شهوة النفس فإنه من أطاع نفسه هوى في مهاوي الذل ونسب إلى الجهل فإن الشهوة عرض واتباع الهوى مرض والاستمتاع بالملذات سبب الهلكات ولا خير في لذة تؤدى إلى الفناء وتورث صاحبها العناء الشهوة حين والامل شين والاستمتاع بين والتمتع دين وحب الدنيا مين وما ندم عاقل ولا ساد جاهل ولا وفق عجول ولا أرى لملول ولا سعد خائن ولا صدق مائن ولا عظم بخيل ولا قدم ذليل ولا فحم نبيل ولا حقر جليل ولانال العبادة من زهد في الافادة ولا أمن في الآخرة من سر بالدنيا الساحرة ولا سدد من ظلم ولا حرم من حلم ولا حزم من ندم ولا خاف من تاب ولا رد من أناب ولا هجر من لزم الباب ولا ذل من اتبع الصواب واعلم أن بالسياسة تدوم الرياسة وبالعدل تدوم الدول وبالجور هلك الاول وبقلة التدبير يحصل التبذير ومن بذل جهده كملت أوصافه ومن افشى السلام فضله الانام واصلاح السريرة نعم السيرة وجمال الانسان فصاحة اللسان وزينة الرجال كرم الخلال وخير الاصحاب التقوى وشر الاخوان اتباع الهوى ولا خاب من قصد طوره ولا ارتفع من جهل قدره والتعلق بالآمال ضياع الاعمال ومعالي الاخلاق نعمت الرفاق وممارسة الحلال نجاة من الاهوال وحب العاجل يبيد الآجل وارتكاب العصيان علامة الخذلان وعلامة التوفيق تيسير الطريق والنظر في العواقب أمن من المعاطب ومن نظر إلى الدنيا بعين الفنا أدرك في الآخرة ما تمنى واعلم يا أخي إنك قد أصبحت مقيدا بحب الدنيا سابحا في بحار أهوالها متعلقا بأذيال محال آمالها وقد تزينت لك برياشها ووقفت لك على قدم احتياشها وزوت عنك جل مصائبها ونصبت لك شبكة مصايدها ووضعت لك تاج شهواتها على مفرق رأس آفاتها حتى إذا أشرت اليها بالوصال منحتك لذيذ الاتصال وأحسنت لك صحبتها شهرا ورمتك بسهام الهجر دهرا وطالبتك بما كتبت عليك مهرا حتى إذا علمت إنك غريم الانغاص غير منقاد للقصاص ألقتك في بحر الآفات وحجبتك في سجن الغفلات وصغرت أمرك عند الناس ووكلت بك سحائب الوسواس فلا تبرح تذكر الانسان بما كان فيه حتى تخرج روحه من فيه واعلم أن من جملة ما ذكر لنا عن عيسى ابن مريم عليه السلام أنه راى طائرا مليح الشكل حسن الريش كامل الزينة.
فقال من أنت قال أنا الدنيا ظاهري مليح وباطني قبيح قال عيسى عجبت لغافل ليس بمغفول عنه ومؤمل اتمام شيء والموت يطلبه وإنما ضربت لك هذه الامثال لتتعظ بها وبما نزل بالملك شهرياض كان بالامس على السماط واليوم نزل على.
.
.
.
69: وقالوا: "اتق خيرها بشرها، وشرها بخيرها".
ويقال: إن ذلك قيل في اللقطة أو الضالة؛ وقيل: إن ابن عمر قائله؛ وقد روي أن أحد حكماء الجاهلية قاله قبله.
70: وقالوا: "قد أعذر من أنذر".
71: وقالوا: "أجر الأمور على أذلالها".
أي على وجوهها.
وقالوا في حسن التدبير: 72: "قلب الأمر ظهراً لبطن".
73: وقالوا: "رب أكلة تمنع أكلات".
74: وقالوا: "ما هلك امرؤ عن مشورة".
.
.
عند خطبته على سيف أو عصا وأول من علا على شرف وخطب عليه، وأول من قال: "أما بعد"، وأول من كتب "إلى فلان بن فلان"1. وأول من قال: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"، فكل ما عرفه العرب من هذه الأمور، هو من صنعة قس وعمله.
ثم أنه كان أحد حكماء العرب، وكان أسقف نجران، وخطيب العرب كافة2. وذكروا أن له ولقومه فضيلة ليست لأحد من العرب، لأن الرسول روى كلامه وموقفه على جمله الأورق بعكاظ وموعظته، وعجب من حسن كلامه، وأظهر تصويبه3، وأنه قال فيه: "يحشر أمة وحده" 4.
وجاء في رواية في تفسير قول الرسول: "يحشر أمة وحده"، أو "يرحم الله قسًا، إني لأرجو أن يبعث يوم القيامة أمة واحدة"، أن وفدًا من إياد قدم على النبي: فسألهم عن قس، فقالوا: هلك. فقال: "رحمه الله، كأني أنظر إليه بسوق عكاظ على جمل له أورق "أحمر" وهو يتكلم بكلام عليه حلاوة ما أوجدني أحفظه". فقال رجل من القوم، أنا أحفظه يا رسول الله. سمعته يقول: أيها الناس اسمعوا وعوا ... إلى آخر الخطبة، وما جاء بعدها من شعر، فقال رسول الله عندئذ قوله المذكور فيه5.
ويختلف هذا الخبر بعض الاختلاف مع خبر آخر أشرت إليه قبل قليل، فقد وردت في ذلك الخبر أن رسول الله كان يحفظ تلك الخطبة، غير أنه لم يكن يحفظ الأبيات الملحقة بها، وكان "أبو بكر" يحفظها، فأعادها على مسامعه6. كما يختلف عن رواية أخرى، جاء فيها أن الوفد الذي قدم على الرسول كان وفد "عبد القيس"، وأن الذي قرأ الشعر عليه هو أحد بني عبد القيس7.
__________
1 المؤتلف والمختلف، للمرزباني "338"، بلوغ الأرب "2/ 246"، الأغاني "14/ 40 وما بعدها" مروج الذهب "1/ 82"، "2/ 102"، "دار الأندلس"، البداية والنهاية "2/ 230 وما بعدها".
2 اللسان "8/ 58"، شعراء النصرانية "2/ 211".
3 بلوغ الأرب "2/ 246".
4 الأغاني "14/ 40".
5 الأغاني "14/ 40 وما بعدها"، المعارف "61"، البداية والنهاية "2/ 230 وما بعدها".
6 البداية والنهاية "2/ 230 وما بعدها"، مجمع الأمثال، للميداني "1/ 117".
7 البداية والنهاية "2/ 230 وما بعدها".
الوصية بالمماليك
أضف إلى ما تقدم كله وصايا الله ورسوله بالمماليك، ومنها تخفيف الواجبات عليهم، وجعل حدّ المملوك فى العقوبات نصف حد الحر، وقد قرن الله تعالى الوصية بهم بالوصية بالوالدين والأقربين، ونهى النبى صلّى الله عليه وسلّم عن قول السيد: «عبدى وأمتى»، وأمره أن يقول:
«فتاى وفتاتى وغلامى»، وأمر بأن يطعموهم مما يأكلون ويلبسوهم مما يلبسون، ويعينوهم على خدمتهم إن كلفوهم ما يغلبهم كما فى حديث أبى ذر فى الصحيحين وغيرهما الذى تقدم والمناسب منها هنا: أن المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر بالربذة وعليه حلّة وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك»، وذكر ما تقدم من الحديث وتتمته هى قوله صلّى الله عليه وسلّم فى المماليك:
«إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم» أى: عاملوهم
معاملة الأمثال، وفى الصحاح أيضا أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يوصى النساء وما ملكت الأيمان حتى فى مرض موته إلى أن التحق بالرفيق الأعلى صلّى الله عليه وسلّم. وسأله ابن عمر: كم أعفو عن الخادم؟ قال: «اعف عنه كل يوم سبعين مرة»، وهذه مبالغة معناها اعف عنه كلما أذنب.
وقد تفلسف بعض المتنطعين فيما يسمونه النقد التحليلى فقال: إن محمدا صلّى الله عليه وسلّم كان يوصى بالرقيق لأنه ربى فى حجر أمه- قيل يعنى به إرضاع ثويبة مولاة عمه أبى لهب- وأن هذا التعليل لجهل عميق بالتاريخ وعلم النفس والفلسفة جميعا، والأولى أن يعنى أم أيمن حاضنته وكانت جارية لأمه فورثها وأعتقها، ولكنّ هذا التشريع العظيم الذى جاء فى كهولة الأمية فوق جميع شرائع البشر وفلسفتهم وآدابهم شىء آخر لا ينبغى لعاقل أن يعلله بما علله به هذا المتنطع المتحذلق، وما كان هذا التشريع وحده هو الذى يعلو هذا التعليل ويحكمه بل كل نوع من شريعته مثله، ثم ماذا يقال فى مجموعها وجملتها؟.
.
.
.
ويقولون لقد فاز من اتبع ملتهم وصدق شريعتهم قال مالك يوم الدين: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر:2] فإذا ورد مقامه اطال فيه هناك قيامه وبسط كف ابتهاله وبالغ في طلبه وسؤاله ويقول أسألك قبول شفاعتي في العصاة من أمتي.
وإذا بالنداء وعزتي وجلالي لا أخلف لك وعدا ولا أنقض لك عهدا ولأرين أهل الموقف علو شانك ورفيع مكانك ولأعطينك حتى ترضى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5] قال فازداد عاصم إيمانا فلما كان وقت السحر وثبت الصحابة على اقدام الحزم والعزم وخرجوا على أهل المدينة فاستعانوا بالله وقالوا: اللهم انصرنا كنصر نبيك يوم الاحزاب وقال خالد: إياكم أن تفترقوا فتذهب ريحكم وأتقوا الله الذي إليه مصيركم واعلموا أن الاعداء يجتمعون عليكم والنساء يرجمنكم والشباب يقاتلونكم وإياكم أن تطمعوا أحدا في بحار الحرب بل اصبروا على مر الكرب والضرب وإنما يتبين صبر الرجال عند ملاقاة الاهوال وما نحن ممن يفزع بهجوم الآجال لانا قد تحققنا أن لكل منا أجلا لا يتعداه ومن خاطر بعظيم نال عظيما وهذه اسمها عظيم والجمع فيها أعظم وهي قصور ديار بكر وربيعة وقد حصلنا في وسط مدينة القوم فإن كنتم طالبين الظفر فاصبروا ولا تعجلوا فالصبر مقرون بالظفر والعجلة مقرونة بالزلل والصبر عاقبته النصر واعلموا أن هذه البيعة هي بيعتهم المعظمة ولا بد لهم من القدوم إلى الصلاة فإذا حصل وإليهم ههنا ومقدم عساكرهم أطبقنا عليهم من كل جانب وقصمناهم بالقواضب فإنه إذا قتلت الملوك وعظماء البطارقة فما يجسر بعدهم أحد أن يرفع يده وأما العوام فلا اعتبار بهم فقال عاصم بن رواحة لله درك أيها الأمير ما أخبرك بالامور والحرب ولقد تكلمت بالصواب وأحسنت في الخطاب فليقر كل واحد منكم في مكانه وأخفوا سلاحكم في أعيابكم فإذا اشتغل القوم في صلاتهم ثرنا عليهم ومددنا أيدينا إليهم فاستصوبوا رأيه قال: وكانت الصحابة في بيت كبير في البيعة كان برسم النذور وفيه شيء من الامتعة لا يثمن لكثرته.
قال الراوي: حدثنا عبد الله بن يانس عن جده فياض بن زيد وكان من جملة من ذكرناهم من الصحابة وحضر فتوح رأس العين قال هكذا كانت قصتنا وكنا قد دبرنا هذا التدبير ثم رجعنا عنه وكان من الامر المقدر أن ذلك اليوم الذي رجعنا فيه لم يقاتل فيه أحد من جند رأس العين وكان له سبب نذكره.
قال الراوي: كان من قضاء الله السابق في خلقه أنه كان للوالي أخ عاقل لبيب له راي وتدبير وكان يعرف من الحكمة التي وصاه بها فهرايس أحد حكماء اليونانيين وقد عرف من علم الملاحم وكان صاحب سر شهرياض فما كان يفعل شيئا إلا بمشورته وكان قد نهاه عن قتال العرب وقال له: ما أرى لك في قتالهم خيرا والامر عليك لا.
لك فلما كان من الملك ما كان وقتل جيشه ورجع الأمر إلى مرسيوس قال له أخوه الحكيم: وكان اسمه اسالوس معناه حكيم زمانه اعلم يا أخي أنه ليس ينبغي للعاقل اللبيب الفاضل الاديب أن يرمي نفسه في غير مراميها ولا ينقاد بزمام شهوة النفس فإنه من أطاع نفسه هوى في مهاوي الذل ونسب إلى الجهل فإن الشهوة عرض واتباع الهوى مرض والاستمتاع بالملذات سبب الهلكات ولا خير في لذة تؤدى إلى الفناء وتورث صاحبها العناء الشهوة حين والامل شين والاستمتاع بين والتمتع دين وحب الدنيا مين وما ندم عاقل ولا ساد جاهل ولا وفق عجول ولا أرى لملول ولا سعد خائن ولا صدق مائن ولا عظم بخيل ولا قدم ذليل ولا فحم نبيل ولا حقر جليل ولانال العبادة من زهد في الافادة ولا أمن في الآخرة من سر بالدنيا الساحرة ولا سدد من ظلم ولا حرم من حلم ولا حزم من ندم ولا خاف من تاب ولا رد من أناب ولا هجر من لزم الباب ولا ذل من اتبع الصواب واعلم أن بالسياسة تدوم الرياسة وبالعدل تدوم الدول وبالجور هلك الاول وبقلة التدبير يحصل التبذير ومن بذل جهده كملت أوصافه ومن افشى السلام فضله الانام واصلاح السريرة نعم السيرة وجمال الانسان فصاحة اللسان وزينة الرجال كرم الخلال وخير الاصحاب التقوى وشر الاخوان اتباع الهوى ولا خاب من قصد طوره ولا ارتفع من جهل قدره والتعلق بالآمال ضياع الاعمال ومعالي الاخلاق نعمت الرفاق وممارسة الحلال نجاة من الاهوال وحب العاجل يبيد الآجل وارتكاب العصيان علامة الخذلان وعلامة التوفيق تيسير الطريق والنظر في العواقب أمن من المعاطب ومن نظر إلى الدنيا بعين الفنا أدرك في الآخرة ما تمنى واعلم يا أخي إنك قد أصبحت مقيدا بحب الدنيا سابحا في بحار أهوالها متعلقا بأذيال محال آمالها وقد تزينت لك برياشها ووقفت لك على قدم احتياشها وزوت عنك جل مصائبها ونصبت لك شبكة مصايدها ووضعت لك تاج شهواتها على مفرق رأس آفاتها حتى إذا أشرت اليها بالوصال منحتك لذيذ الاتصال وأحسنت لك صحبتها شهرا ورمتك بسهام الهجر دهرا وطالبتك بما كتبت عليك مهرا حتى إذا علمت إنك غريم الانغاص غير منقاد للقصاص ألقتك في بحر الآفات وحجبتك في سجن الغفلات وصغرت أمرك عند الناس ووكلت بك سحائب الوسواس فلا تبرح تذكر الانسان بما كان فيه حتى تخرج روحه من فيه واعلم أن من جملة ما ذكر لنا عن عيسى ابن مريم عليه السلام أنه راى طائرا مليح الشكل حسن الريش كامل الزينة.
فقال من أنت قال أنا الدنيا ظاهري مليح وباطني قبيح قال عيسى عجبت لغافل ليس بمغفول عنه ومؤمل اتمام شيء والموت يطلبه وإنما ضربت لك هذه الامثال لتتعظ بها وبما نزل بالملك شهرياض كان بالامس على السماط واليوم نزل على.
.
.
.
69: وقالوا: "اتق خيرها بشرها، وشرها بخيرها".
ويقال: إن ذلك قيل في اللقطة أو الضالة؛ وقيل: إن ابن عمر قائله؛ وقد روي أن أحد حكماء الجاهلية قاله قبله.
70: وقالوا: "قد أعذر من أنذر".
71: وقالوا: "أجر الأمور على أذلالها".
أي على وجوهها.
وقالوا في حسن التدبير: 72: "قلب الأمر ظهراً لبطن".
73: وقالوا: "رب أكلة تمنع أكلات".
74: وقالوا: "ما هلك امرؤ عن مشورة".
.
.
عند خطبته على سيف أو عصا وأول من علا على شرف وخطب عليه، وأول من قال: "أما بعد"، وأول من كتب "إلى فلان بن فلان"1. وأول من قال: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر"، فكل ما عرفه العرب من هذه الأمور، هو من صنعة قس وعمله.
ثم أنه كان أحد حكماء العرب، وكان أسقف نجران، وخطيب العرب كافة2. وذكروا أن له ولقومه فضيلة ليست لأحد من العرب، لأن الرسول روى كلامه وموقفه على جمله الأورق بعكاظ وموعظته، وعجب من حسن كلامه، وأظهر تصويبه3، وأنه قال فيه: "يحشر أمة وحده" 4.
وجاء في رواية في تفسير قول الرسول: "يحشر أمة وحده"، أو "يرحم الله قسًا، إني لأرجو أن يبعث يوم القيامة أمة واحدة"، أن وفدًا من إياد قدم على النبي: فسألهم عن قس، فقالوا: هلك. فقال: "رحمه الله، كأني أنظر إليه بسوق عكاظ على جمل له أورق "أحمر" وهو يتكلم بكلام عليه حلاوة ما أوجدني أحفظه". فقال رجل من القوم، أنا أحفظه يا رسول الله. سمعته يقول: أيها الناس اسمعوا وعوا ... إلى آخر الخطبة، وما جاء بعدها من شعر، فقال رسول الله عندئذ قوله المذكور فيه5.
ويختلف هذا الخبر بعض الاختلاف مع خبر آخر أشرت إليه قبل قليل، فقد وردت في ذلك الخبر أن رسول الله كان يحفظ تلك الخطبة، غير أنه لم يكن يحفظ الأبيات الملحقة بها، وكان "أبو بكر" يحفظها، فأعادها على مسامعه6. كما يختلف عن رواية أخرى، جاء فيها أن الوفد الذي قدم على الرسول كان وفد "عبد القيس"، وأن الذي قرأ الشعر عليه هو أحد بني عبد القيس7.
__________
1 المؤتلف والمختلف، للمرزباني "338"، بلوغ الأرب "2/ 246"، الأغاني "14/ 40 وما بعدها" مروج الذهب "1/ 82"، "2/ 102"، "دار الأندلس"، البداية والنهاية "2/ 230 وما بعدها".
2 اللسان "8/ 58"، شعراء النصرانية "2/ 211".
3 بلوغ الأرب "2/ 246".
4 الأغاني "14/ 40".
5 الأغاني "14/ 40 وما بعدها"، المعارف "61"، البداية والنهاية "2/ 230 وما بعدها".
6 البداية والنهاية "2/ 230 وما بعدها"، مجمع الأمثال، للميداني "1/ 117".
7 البداية والنهاية "2/ 230 وما بعدها".