محاكمة مثيرة للمفكر الراحل محمد أركون ـ[محمد العبادي]•---------------------------------•[06 Oct ...

منذ 2021-07-08
محاكمة مثيرة للمفكر الراحل محمد أركون

ـ[محمد العبادي]•---------------------------------•[06 Oct 2010, 01:40 ص]ـ
tra/01.png
مصحف البحر الميت
بقلم: إبراهيم السكران

ماذا يجري في الصحافة السعودية هذه الأيام؟ حسناً .. تأمل معي هذا التصفيق الحار في الصحافة السعودية:

- (أعتقد دون مبالغة أن أركون المجدد الأكبر للإسلام في عصرنا الراهن) [الشرق الأوسط، 16 سبتمبر 2010]
- (أركون من الكبار الذين كانوا يجاهدون في بث النور، وإحلاله محل الظلمة الكالحة في عالمنا العربي) [الوطن، 18سبتمبر 2010]
- (يظل أركون مشعلاً حقيقياً) [الوطن، 17 سبتمبر 2010]
- (يهدف أركون إلى استخلاص التجربة الروحية الكبرى للإسلام وتنقيتها من كل ما علق بها على مدار تاريخ المسلمين) [الرياض، 19سبتمبر2010]
- (أركون أول من قدم نقدا للتفكير الخرافي المعارض للمعرفة، وبدد هيمنة الأسطورة في العقل العربي-الإسلامي) [الرياض، 16سبتمبر2010]
- (أركون أحد حكماء المسلمين الكبار) [الشرق الأوسط، 17 سبتمبر 2010]
- (خلال الأيام الثلاثة الأخيرة اشتغلت بكل ما كان متاحاً، ورقياً أو إلكترونياً، بتوديع ثقافتنا لرمز عالمي مثل الراحل الأخير محمد أركون) [الوطن 19سبتمبر2010]
- (أركون أحد هذه الهامات الفكرية من المشهد الثقافي والفكري العربي) [صحيفة اليوم، 19 سبتمبر2010]
- (عمل محمد أركون طوال أكثر من نصف قرن على تقديم قراءة جديدة للإسلام، قراءة تستند إلى مرجعيات ومناهج علمية) [الحياة 16 سبتمبر2010]
- (ساهمت -أفكار أركون- بقوة في الدفاع عن القيم الإسلامية النبيلة) [الشرق الأوسط، 16سبتمبر 2010]
- (نجح أركون في العودة بالإسلام إلى طابعه الإنساني) [الشرق الأوسط 18سبتمبر 2010]

هذه نماذج فقط، ويمكن مراجعة الصحافة السعودية خلال الأسبوع الماضي لتسمع أضعاف هذه الطبول.
حسناً .. لماذا هذه الدعاية الصحفية السعودية لأركون؟ ماذا وراء هذا الإمعان في التلميع والمغالاة في ألفاظ المديح لشخصية محمد أركون؟ لماذا تعرض الصحافة السعودية أركون باعتباره: المجدد الأكبر، المجاهد لبث النور ومكافحة الظلام، المشعل الحقيقي، حكيم الاسلام الكبير، الهامة الفكرية، معيد الاسلام لطابعه الانساني، صاحب المنهج العلمي في دراسة الإسلام، الخ الخ؟
ماذا وراء حفلة الإطراء هذه ياترى؟ لماذا تسكب هذه الأوصاف التبجيلية بهذه الحمولة المتجاوزة للوزن المسموح به؟ هذا قطعاً ليس ممارسة عفوية، وليس حدثاً عشوائياً غير مفهوم، بل هذا التمجيد إنما هو لاعتبارات تتعلق بفكر هذا الشخص الممجّد ذاته، هذا يعني أننا لا يمكن أن نصل لتفسير هذه الدعاية إلا بمعرفة ماذا يريد أركون نفسه؟
إذن لننتقل إلى إلقاء الضوء على شئ من أفكار أركون، وقبل أن ننتقل لذلك أحب التنويه إلى أنني تعمدت إغفال أسماء الكتّاب لهذه الشواهد الصحفية السابقة لأنني لست معنياً بآحاد وأفراد هؤلاء الكتّاب، وإنما المراد تفسير كامل البنية الإعلامية السعودية وكيف تصنع مثل هذه التوجهات، نريد تناول الإعلام السعودي كنظام ينتج المعرفة بطريقةٍ ما ويروجها للقارئ المحلي، ولذلك جعلت الشواهد السابقة معمّاة الكاتب عمداً لتجريدها من ارتباطاتها الآحادية والفردية، وتحويلها إلى مجرد نماذج لنظام إعلامي.

-مشروع مصحف البحر الميت:
جوهر مشروع أركون هو (إعادة دراسة القرآن على ضوء العلوم الإنسانية)، ويتصور البروفيسور محمد أركون أنه لا يوجد اليوم على وجه الأرض نص صحيح للقرآن، وأن النص القرآني الموجود اليوم نص محرّف، وأن النص الأصلي شبه مفقود، لكن ما الحل في نظر أركون؟ من أطرف مشروعات أركون لحل هذه المشكلة التي يراها أنه لا يمكن أن نصل للنص الصحيح للقرآن إلا إذا وصلنا إلى مخطوطات موجودة في البحر الميت، هذه المخطوطات اللاهوتية في البحر الميت ستوصلنا إلى النص الصحيح للقرآن، كما يقول أركون:
(يُتْبَعُ)
2-032-
حسناً .. أخي القارئ ضع في ذهنك الآن ما يقوله أركون من أن: القرآن بعضه مفقود في خزائن الرافضة في الهند واليمن، وأن علماء الإسلام تلاعبوا بالقراءات القرآنية، وأن الصحابة لم يكونوا أمناء في تدوين القرآن، وأن النبي أدخل في القرآن الأساطير، وقصص التوراة بعد أن شوهها، وأن القرآن فيه مغالطات تاريخية، وأن القرآن قسا على المشركين دون مبرر، وأن القرآن هو الذي ينتج التطرف، والعنف، ومضادة العقل، وأن أسلوب القرآن فيه قصور وتكرار زائد وتشنج، وأنه لا يوجد أدلة على صحة نسبة القرآن إلى الله.
ضع ما سبق كله في ذهنك، ثم استحضر كيف عرضت الصحافة السعودية أركون بأنه المجدد الأكبر للإسلام، وأحد المجاهدين لمكافحة الظلام وإحلال النور في عالمنا العربي، وأنه مشعل حقيقي، وأنه أحد حكماء الاسلام الكبار، وأحد الهامات الفكرية، والمدافع عن القيم النبيلة.
أعرف أخي الكريم أن جوفك يتقاطر مرارةً الآن، وحُق لك ذلك والله، فليس سهلاً أن ترى صحافة بلاد الحرمين وجزيرة الإسلام ومنطلق دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب تبجل وتلمع وتكرم من يهين كتاب الله جل وعلا.
أعرف أنك -يا أخي الكريم- تتساءل الآن كما تساءلتُ مثلك: إلى أين يريد أن يذهب بنا هذا الإعلام التغريبي ياترى؟ حتى كتاب الله لم يعد له كرامة؟
على أية حال .. الشواهد والمعطيات حول موقف أركون من القرآن كثيرة، وكثيرة جداً، بسب أن أساس ما يسمى مشروع أركون إنما يدور حول القرآن، بمعنى آخر فإن ما يسمى مشروع أركون يرتكز كله حول هدف ووسيلة، فأما (الهدف) فهو: تحرير المسلمين من القرآن ليستطيعوا أن يصلوا إلى الحداثة، وأما (الوسيلة) لتحقيق هذا الهدف فهي: تطبيق العلوم الإنسانية على القرآن، لنحقق ماحققه الغرب في تجاوز الكتاب المقدس. هذا باختصار مكثف كل ماتدور حوله كتابات أركون.
ولكن برغم كثرة كلامه حول القرآن إلا أننا يجب فعلاً أن نتوقف عن عرض المزيد من الشواهد، فأظن القارئ المسلم المعظم لله وكتابه لم يعد يطيق أكثر من ذلك، وإنني أشعر أن لهيب الغيرة لله وكتابه قد بلغت غايتها في قلب القارئ الآن، لذلك من الأفضل أن ننتقل لسؤال آخر:
ما هو تفسير تشكُّل تصورات وعقيدة أركون بهذه الصورة شديدة الحدة تجاه القرآن ذاته؟ لماذا أعلن أركون الحرب على القرآن منذ أكثر من نصف قرن؟ هذا سؤال يحتاج فعلاً إلى إجابة، وفي تقديري الشخصي أن هناك ثلاثة عوامل صاغت، أو وجّهت على الأقل، بوصلة اعتقادات أركون إلى هذا الاتجاه، وهي: (الطفولة الكنسية، والتشرب الاستشراقي، والعقدة العرقية) وسنحاول إلقاء الضوء على هذه العوامل الثلاث في المحاور القادمة.
-مفعول الطفولة الكنسية:
في عام 1868 م أنشأ الكاردينال الكاثوليكي "لافيجري" جمعية علنية في الجزائر عُرِفت باسم الآباء البيض ( White Fathers) ، وسبب تسميتهم بهذا الإسم أنهم قرروا أن يلبسوا أردية بيضاء بهدف التناغم مع البيئة الاجتماعية، فأُطلِق عليهم هذا الاسم، ولهم صور فوتوغرافية مبكرة نشروها في كتبهم التي كتبوها عن هذه الحركة يظهرون فيها بهذه الأردية البيضاء.
وقد كتب عن هذه الجمعية بغزارة كلا الطرفين، أعني مؤرخي الجزائر ومؤرخي الكنيسة على حد سواء، وممن كتب عنها مؤرخ الجزائر الأشهر ابوالقاسم سعد الله صاحب الموسوعات في تاريخ الجزائر (تاريخ الجزائر الثقافي عشر مجلدات، أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر خمس مجلدات، وغيرها)، وكُتِب عن تاريخ لافيجري منشئ الجمعية كتب خاصة مثل دراسة الأستاذ سعيدي مزيان، وهي رسالة ماجستير بعنوان (النشاط التنصيري للكاردينال لافيجري في الجزائر).
وكان الآباء البيض -كما جاء في تاريخهم- يستهدفون مناطق البربر (منطقة القبائل) بعناية أكثر، وفي مدينة وهران (شمال غرب الجزائر) أنشأ الآباء البيض مدارس لتحقيق أغراضهم ضمن أنشطة أخرى.
والحقيقة أن الكتابات عن نشأة أركون وطفولته محدودة، ولكن الباحثة د. أورسولا قامت بإعداد رسالتها للدكتوراة عن أركون في جامعة هامبورج في ألمانيا، ثم طرحت خلاصة لهذه الدراسة باللغة الانجليزية ضمن كتاب يرصد النشاط العلماني في الأوساط السنية، بعنوان:
( Modern Muslim intellectuals and the Quran ).
(يُتْبَعُ)
2-033-
(كان محمد أركون حدثا فكريا في كل مشاركاته في دورات ملتقى الفكر الإسلامي الذي كان ينظمه المرحوم مولود قاسم بالجزائر، كانت نقاشاته مع الشيخ الغزالي إشارة فارقة للاختلاف بين فكرين يعيشان داخل مجتمع واحد ويدرسان متنا واحدا، لقد كفر الشيخ الغزالي محمد أركون وهو ما يؤكد قصور الفكر الديني) [صحيفة الفجر الجزائرية، 15سبتمبر2010]
وكان الشيخ يوسف القرضاوي ينشر في صحيفة الخبر الجزائرية سلسلة مذكرات له، وفي أحد تلك الحلقات قال عن أركون أنه لايؤمن بالشريعة الإسلامية، فثارت ثائرة الكتاب العلمانيين في الجزائر، فتحت عنوان (القرضاوي يكفِّر أركون) كتبت صحيفة الفجر الجزائرية:
(جزم الدكتور يوسف القرضاوي، في مذكراته التي تنشرها يومية "الخبر" بأن البروفيسور محمد أركون المتخصص في دراسات الفكر الإسلامي، لا يؤمن بالشريعة الإسلامية .. ، القرضاوي يستخف بقامة فكرية بحجم أركون، فيطلق عليه رصاصة الرحمة، متهما إيّاه بالخروج من ملة الإسلام) [الفجر الجزائرية، 15سبتمبر2010].
وفي حادثة أخرى تكلم الشيخ القرضاوي عن معاداة أركون للنصوص الشرعية فقال:
(هناك صنف آخر يقفون ضد النصّوص بدعوى أخرى، يعني هم ضد المقاصد، يقولون إن دعاة الشريعة يستخدمون المقاصد حيلة لتطبيق الشريعة؛ وهذه المدرسة الأركونية، محمد أركون والجماعة الذين يعيشون في فرنسا ويعتمدون على اللسانيات وعلى غيرها) [الموقع الرسمي للقرضاوي]
-خلاصات أخيرة:
بعد هذه الجولة حول كتابات أركون فإنني أتألم كثيراً من ضحايا الدعاية الإعلامية، فحين أرى شباناً وفتياناً صغاراً يتحدثون أو يكتبون، ويتناقشون طويلاً، ويرددون عبارات من نوع: (قراءة في مشروع أركون)، و (دراسة تحليلية في خطاب أركون)، (مفهوم كذا عند أركون)، و أركون يرى وأركون لا يرى، .. الخ الخ فوالله إنه لتهبط علي غيوم الغبن والرثاء كيف استطاع الاعلام التغريبي أن يخدع هؤلاء المساكين ويضيعون أعمارهم العلمية الثمينة في دردشات "يجب أن نبحث" و "مصحف البحر الميت"؟!
أو يأتيك بعض المخدوعين يقول "نحتاج دراسات فكرية معمقة عن أركون وعن فلان وفلان" .. ووالله لا نحتاج دراسات فكرية عنهم ولا غيره، بل نحتاج فقط أن نوضح للقارئ المسلم الدجل الفكري الذي يمارسه هؤلاء، وحجم الجهل الفظيع عندهم سواءً بالعلوم الإنسانية المعاصرة أو بالتراث الإسلامي، لكي لا تتصرم الفترة الذهبية للتحصيل العلمي عند الشباب المسلم في ملاحقة هلوسات فكرية يكتبها بعض المرتزقة.
إذا كنا سنعتبر دردشات صاحب (مصحف البحر الميت) و كتابات (يجب أن نبحث)؛ أبحاثاً فكرية تستحق الدراسة والمناقشة والتحليل؛ فهذه بحد ذاتها مشاركة في صناعة الوهم، ياجماعة افتحوا عقولكم والله لا مشروع ولا خطاب ولا غيره .. ليس إلا متملق يتزلف أسياده الفرنسيين ليضعوه في مناصب أكاديمية ويمولونه مالياً باعتباره مهندس العلاقة مع الباحثين الذين سيقنعون المسلمين بالتبعية لفرنسا!
لو كان لي من أمر الدعوة الإسلامية شيئاً لأوصيت جميع الدعاة بتكثيف الكلام عن أهمية استعمال (العقل)، لم ينخدع شبابنا بجهلة الفرنكفونيين إلا بسبب ضعف استعمال العقل .. ولا يبتعد الشاب عن القرآن وينهمك في هذه الترهات الفكرية إلا بسبب ضعف استعمال العقل .. ولا يستسلم الإنسان للشهوات برغم عاقبتها إلا بسبب ضعف استعمال العقل لحظة الخطيئة .. ولذلك لا عجب أن كرر القرآن وأعاد وأبدى لمبدأ (أفلا يعقلون) ..
أخي الغالي على نفسي، يا من لازلتَ تستعمل الدهشة في التعامل مع أمثال هذه الكتابات الفكرية، أرجوك "حرك عقلك" قليلاً، وستكتشف أن هذه الترهات لا تستحق منك الدهشة بتاتاً، فلا تضيع عمرك العلمي الثمين.
لا شك أن المشهد مؤلم جداً، رجلٌ يهين القرآن، ويدعي أنه محرف وأن الصحابة لم يكونوا أمناء في نقله، وأننا نحتاج مخطوطات في البحر الميت وخزائن الرافضة في الهند واليمن لنصل للنص الصحيح للقرآن، ثم بعد ذلك، بعد ذلك كله، يكرّم في صحافتنا، ويقدم باعتباره المجدد الأكبر، من يجاهد لبث النور ومكافحة الظلام، أحد حكماء الإسلام الكبار، المشعل الحقيقي، الهامة الفكرية، الخ.
ثم يقولون لك بعد ذلك، وبكل براءة ومسكنة: ليس هناك أي تغريب، سبحان الله أين التغريب؟! إنما هو تنمية وتطوير!
بل أتدري ما هو أكثر إيلاماً من ذلك؟ تفضل اقرأ هذا الخبر من صحيفة الجزيرة السعودية:
(تحتفي "الاثنينة" بدار الأستاذ عبدالمقصود خوجة في جدة مساء يوم الاثنين 25/ 12/1427هـ بالأستاذ الدكتور محمد أركون، المفكر الإسلامي المعروف والبروفيسور الفخري بجامعة السوربون بباريس، وذلك تكريماً له ولمشواره العلمي والعملي، وإسهاماً في توثيق تلك المسيرة الطويلة ضمن فعاليات "الاثنينة") [الجزيرة، 11يناير2007].
رجل يعلن الحرب على القرآن يكرم بأموال سعودية، وفي محفل عام، على جزيرة الإسلام ..
معركتنا مع الإعلام التغريبي ليست معركة حول مسائل اجتهادية، بل هي معركة حول القرآن والسنة ذاتهما، فتارة يصرحون بتعظيم من يهينهما، وتارة يغمغمون ويتدثرون بالخلاف الفقهي، أو يستأجرون أي منتسب للدين من اصقاع العالم، حتى لو كان موظف إداري في جامع الزيتونة؛ لكي يقدم فتوى تناسب أي قرار تغريبي يطبخ في مكانٍ ما.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
(أفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الرعد، 19].
المصدر:حكمة ( http://www.hekmah.org/portal/?awesm=fbshare.me_AUVOE&p=1268)

60db7cc5b3763

  • 0
  • 0
  • 27

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً