صانع العالم اثنان : ففاعل الخير نور، و فاعل الشر ظلمة، و هما قديمان لم يزالا و لن يزالا قويين ...

منذ 2021-09-29
صانع العالم اثنان : ففاعل الخير نور، و فاعل الشر ظلمة، و هما قديمان لم يزالا و لن يزالا قويين حساسين، سميعين بصيرين، و هما مختلفان في النفس و الصورة، متضادان في الفعل و التدبير.
جوهر النور فاضل حسن نيّر صاف نقي طيب الريح حسن المنظر، و نفسه نفس خيّرة كريمة حكيمة نفاعة؛ منها الخير و اللذة و السرور و الصلاح، و ليس فيها شيء من الضرر و لا من الشر.
و جوهر الظلمة على ضد ذلك من الكدر و النقص و نتن الريح و قبح المنظر ؛و نفسه نفس شريرة بخيلة سفيهة منتنة ضرارة، منها الشر و الفساد.
هذا هو معتقد الثنوية!!

قال بعضهم : كل واحد إلى جانب الآخر.
و قال أكثرهم : النور لم يزل مرتفعا في ناحية الشمال، و الظلمة منحطة في ناحية الجنوب، و لم يزل كل واحد منهما مباينا لصاحبه.

زعموا أن كل واحد منهما له أجناس خمسة، أربعة منها أبدان و خامس هو الروح.
و أبدان النور أربعة : النار و الريح و التراب و الماء، و روحه الشبح، و لم تزل تتحرك في هذه الأبدان.
و أبدان الظلمة أربعة : الحريق و الظلمة و السموم و الضباب، و روحها الدخان.
سموا أبدان النور ملائكة، و سموا أبدان الظلمة شياطين و عفاريت.

بعضهم يقول : الظلمة تتوالد شياطين، و النور يتوالد ملائكة، و أن النور لا يقدر على الشر و لا يجوز منه ،و الظلمة لا تقدر على الخير و لا تجوز منه.
و لهم مذاهب مختلفة فيما يتعلق بالنور و الظلمة؛ و مذاهب سخيفة!!

منها أنه فرض عليهم ألا يدخرون إلا قوت يوم.
و قال بعضهم : على الإنسان صوم سبع العمر، و ترك الكذب و البخل و السحر و عبادة الأوثان و الزنى و السرقة، و أن لا يؤذي ذا روح، في مذاهب طريفة اخترعوها بوقائعهم الباردة.

ذكر يحي بن بشر النهاوندي أن قوما منهم يقال لهم (الديصانية) زعموا أن طبيعة العالم كانت طينة خشنة، و كانت تحاكي جسم الباري الذي هو النور زمانا، فتأذى بها ،فلما طال عليه ذلك قصد تنحيتها عنه فتوحل فيها و اختلط بها فتركب منها هذا العالم النوري و الظلمي، فما كان من جهة الصلاح فمن النور، و ما كان من جهة الفساد فمن الظلمة.
و هؤلاء يغتالون الناس و يخنقونهم؛ و يزعمون أنهم يخلصون بذلك النور من الظلمة؛ مذاهب سخيفة!!

و الذي حملهم على هذا أنهم رأوا في العالم شرا و اختلافا، فقالوا : لا يكون من أصل واحد شيئان مختلفان، كما لا يكون من النار التبريد و التسخين.

قلتُ : لو كان صانع العالم اثنان لم يخلُ أن يكونا قادرين؛ أو عاجزين، أو أحدهما قادر و الثاني عاجز.
لا يجوز أن يكونا عاجزين لأن العجز يمنع ثبوت الألوهية، و لا يجوز أن يكون أحدهما عاجزا ؛فبقي أن يقال : هما قادران.
فتصور أن أحدهما يريد تحريك هذا الجسم في حالة يريد الآخر فيها تسكينه، و من المحال وجود ما يريدانه، ثم إن حصل مراد أحدهما ثبت عجز الآخر.

أما القول بأن النور يفعل الخير و الظلمة تفعل الشر فأقول : لو هرب مظلوم فاستتر بالظلمة فهذا خير صدر من شر.

أعتقد أنه لا ينبغي مد النفس في الكلام مع هؤلاء فإن مذهبهم خرافات.

614e07205a9ad

  • 4
  • 0
  • 53

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً