كسر الخصوصية العيدية (١) مع ثورة الإتصالات الحديثة؛ و تزايد الإمتزاج بغير المسلمين، أصلح المسلم ...

منذ 2021-10-13
كسر الخصوصية العيدية (١)

مع ثورة الإتصالات الحديثة؛ و تزايد الإمتزاج بغير المسلمين، أصلح المسلم يكثر احتكاكه بالحياة اليومية للمجتمعات الغربية، و أصبحت هذه الأمم المهيمنة تسكب على مجتمعاتنا المستضعفة أنماط حياتها في الزي و الطعام و الحفلات و غيرها. و من صور ذلك (أعياد الكفار) التي صار لها حضور في مناخنا الثقافي و الإجتماعي بسبب هذه المتغيرات الإتصالية المعاصرة، و نتيجة لضغط هذه التقاليد الغربية المسيطرة تزايدت الأصوات التي تحاول شرعنة أعياد الكفار، و تأويل المعطيات الشرعية التي تمنع مشاركة الكفار أعيادهم.

و من الأمور التي شدتني كثيرا في السنة النبوية حساسية النبي صلى الله عليه وسلم لموضوع أعياد الكفار، حيث ظهر اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حادثة بقضية عدم مشاركة الكفار في أعيادهم، في أكثر من قضية يستحضر النبي صلى الله عليه وسلم بشكل لافت هذه المفاصلة مع الكفار في أعيادهم، و يركز النبي صلى الله عليه وسلم على تعميق التفرد الإسلامي في فعاليات العيد.

لنضع سويا هذه الوقائع النبوية الأربع تحت عدسة البحث، ثم لنحاول استخلاص المعنى الكلي فيها :

⛔ الواقعة الأولى :
لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وجدهم و لهم يومان يلعبون فيهما، و يمارسون احتفالا اجتماعيا، لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم الموضوع يمر مرورا عابرا، بل سألهم عن دوافع هذا الإحتفال؛ فقال لهم النبي :" ما هذان اليومان؟" فقالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فلم يقل النبي : لا بأس ؛الأهم أن لا يقع في الإحتفال منكر، لا؛ بل أوقف هذا الإحتفال و همّ في خِضم فعالياته، و قال صلى الله عليه وسلم :" إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى و يوم الفطر". أخرجه أبو داود.

⛔ الواقعة الثانية :
أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نذر أن ينحر إبلا في موضع في الحجاز يقال له :(بوانة)، فجاء يستفتي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فسأله النبي عدة أسئلة كإجراء احترازي للإباحة ، و كان منها أن سأله النبي قبل أن يفتيه بالجواز بهذا السؤال :" هل كان فيها - أي : في بوانة - عيد من أعيادهم- أي : الكفار-؟"، فقال الرجل : لا ، فقال له النبي :" أوف بنذرك". أخرجه أبو داود.

⛔ الواقعة الثالثة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم في أحد الفعاليات العيدية الإسلامية أطلق حكما كليا عاما يكرس الخصوصية العيدية فقال :" إن لكل قوم عيدا، و هذا عيدنا ". متفق عليه.

⛔ الواقعة الرابعة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار مرة إلى أيام المناسك و أكد استحضار الخصوصية العيدية من جديد فقال :" يوم عرفة و يوم النحر، و أيام التشريق؛ عيدنا أهل الإسلام". أخرجه الترمذي.

حسنا!!
دعنا نحاول استخلاص المعنى الكلي في هذه الوقائع النبوية الأربع ،لا أظنك تخالفني على الدهشة من شدة استحضار النبي صلى الله عليه وسلم لقضية الخصوصية العيدية، و أن موضوع العيد لم يكن في التصور الشرعي الذي يقدمه النبي صلى الله عليه وسلم مجرد شأن اجتماعي لا صلة للدين به، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلط الضوء على القضية بطرق مختلفة، فمرة يقول لهم و هم يحتفلون :" أبدلكم بهما خيرا منهما" ، حتى أن هذين العيدين الجاهليين اليثربَين ماتا كما يذكر المؤرخون.

و قد طرح ابن تيمية تحليلا تاريخيا بديعا حول سر اختفاء هذين العيدين الجاهليين!!
يقول أين تيمية :"فإن ذينك اليومين الجاهليين قد ماتا في الإسلام فلم يبق لهما أثر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم و لا عهد خلفائه ، و لو لم يكن قد نهى الناس عن اللعب فيهما و نحوه مما كانوا يفعلونه، لكانوا قد بقوا على العادة، إذ العادات لا تغير إلا بمغير يزيلها، لا سيما و طباع النساء و الصبيان و كثير من الناس متشوقة إلى اليوم الذي يتخذونه عيدا للبطالة و اللعب، و لهذا قد يعجز كثير من الملوك و الرؤساء عن نقل الناس عن عاداتهم في أعيادهم؛ لقوة مقتضيها من نفوسهم، و توفر همم الجماهير على اتخاذها، فلولا قوة المانع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت باقية، و لو على وجه ضعيف، فعلم أن المانع القوي منه كان ثابتا ".
المصدر : اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، بتحقيق : ناصر عبد الكريم العقل (١/ ٢٣٥).

و مرة يطلق النبي شعار الخصوصية العيدية الإسلامية (لكل قوم عيد و هذا عيدنا)، و يقول في حادثة مشابهة :" عيدنا أهل الإسلام "، و هي لغة افتراق واضحة في موضوع العيد، و أنه ليس شأنا مدنيا يشترك الناس فيه، بل هو من الخصوصيات الشعائرية الدينية التي تتمايز فيها الأمم.

هذه الوقائع النبوية الأربع أثّرت في فقه الصحابة و التابعين و أتباعهم؛ و من بعدهم، حتى أن عمر بن الخطاب قال :" اجتنبوا أعداء الله في عيدهم". أخرجه البيهقي في السنن الكبرى.
بل إن عمر بن الخطاب في الشروط العمرية الشهيرة اشترط على أهل الذمة أن لا يظهروا أعيادهم في دار المسلمين، و كانت أعيادهم هما : الباعوث و الشعانين ، حيث جاء في شروط عمر على أهل الذمة :" و ألا نخرج باعوثا، - قال : و الباعوث يجتمعون كما يخرج المسلمون يوم الأضحى و الفطر - و لا شعانين". ذكره ابن القيم في أحكام أهل الذمة بتحقيق يوسف البكري و شاكر العارودي.

بل إن ابن عباس و خمسة من التابعين معه : ابن سيرين و أبو العالية، و طاوس و الضحاك ،و الربيع بن أنس، استنى وا من قوله تعالى :" و الذين لا يشهدون الزور "أنه يدخل فيه أعياد الكفار كما نقل ذلك أهل التفسير بالمأثور،و أحدهم ابن كثير في تفسير القرآن (٦ /١٣٠). باعتبار أن عيد الكفار زور فلا يجوز شهوده.

614e07205a9ad

  • 0
  • 0
  • 250

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً