العربية هي المصدرُ الأوَّلُ الذي يصدُرُ عنه اﻹمامُ ابنُ عاشورٍ في تفسير الآياتِ والبَتِّ في المسائل ...

منذ 2021-10-16
العربية هي المصدرُ الأوَّلُ الذي يصدُرُ عنه اﻹمامُ ابنُ عاشورٍ في تفسير الآياتِ والبَتِّ في المسائل الخلافية التي تَعِنُّ له، وهو شديدُ الوفاء للعربيةِ جِدُّ حريصٍ على التمسُّك بأرجح أقوالِها، لا تحمله عصبيةٌ ولا مذهبية على أن يُعرض عنه ويضرِب به عُرضَ الحائطِ؛ كيف؟ وقد عَدَّ العصبيةَ في مُفتتَح تفسيرِه سببًا من أسباب انحرافِ المعلِّق على كلام اللهِ عن الجادَّة، وضَرَبَ ما يفعله شيطانُ العصبيةِ بالمجسِّم مثالًا على ذلك فقال: «كمن يعتقدُ من الاستواء على العرش التمكُّنَ والاستقرارَ، فإنْ خَطَرَ له أنَّ معنى قولِه تعالى: «القدوس» أنه المنزَّهُ عن كل صفاتِ المُحدَثاتِ؛ حَجَبَه تقليدُه عن أن يتقرَّرَ ذلك في نفسه، ولو تقرَّر لتوصَّل فهمُه فيه إلى كشف معنًى ثانٍ أو ثالثٍ، ولكنه يسارعُ إلى دفع ذلك عن خاطره لِمُناقَضتِه مذهبَه».

ولم يُرِدِ اﻹمامُ بالمعنى الثاني والثالثِ حصرَ التأويلاتِ المقبولةِ للاستواء على العرش في تأويلين، فقد ذَكَرَ في تأويلها أربعة تأويلاتٍ، وإنما أراد مجرَّدَ التنبيهِ على أن وراء المعنى الفاسدِ الذي جَمَدَ عليه المجسِّمُ معنًى آخَرَ لا تدفعُه نصوصُ التنزيهِ، وقد يكونُ مقصودُه بالمعنى الثاني معنًى من معاني التأويلِ، وبالمعنى الثالثِ التفويضَ؛ فإنَّ التفويضَ وإن لم يكن تحديدا لمعنى المتشابِه- فإن فيه صرفًا للنص الموهمِ عن ظاهره، وهذا تفسيرٌ وتأويل إجماليٌّ مُورِثٌ للتعظيم وبَردِ اليقينِ.

وقد أبلى اﻹمامُ بلاءً حسنًا في تقرير مذهبِ أهلِ السُّنةِ، وعَرضِ أقوالِهم، وإظهارِ ما فتح اللهُ عليه في ضوء أقومِ الأقوالِ قِيلًا في العربية وأعرَقِها في الفصاحة والبلاغةِ، غيرَ مُكترِثٍ بمخالفة المشهور والمعتمد في المذهبِ السُّني، ما دام اختيارُه وما سَنَحَ له يندرجُ تحت أصولهم ويُثري مذهبهم، ولا يعارضه معارضةً تستعصي على الجمع لِمَن ألقى السمعَ وهو شهيد.

والشواهدُ على ما أسلفتُه في تفسير اﻹمام (التحرير والتنوير) كثيرةٌ، لولا تفاوتُ المداركِ لكان من الفضول ذِكرُها وسَوقُها، ولكانت اﻹحالةُ أولى وأحرى، على تصرُّف الحالِ سأكتفي بذكر عدَّةِ نماذجَ مشروحةٍ محلَّلةٍ ترشِدُ إلى المسكوت عنه، ويُحتذى بها في إلحاق الأشباهِ بالنظائر.

سيدي فوزي كوناتي
  • 1
  • 0
  • 195

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً