أدوات التعليل وأثرها في إثبات عليّة الحُكم عند الأُصوليين د/ أشرف إبراهيم عبد الله إبراهيم أستاذ ...
منذ 2022-03-12
أدوات التعليل وأثرها في إثبات عليّة الحُكم عند الأُصوليين
د/ أشرف إبراهيم عبد الله إبراهيم
أستاذ أصول الفقه المشارك- كلية الشريعة والقانون- جامعة دنقلا.
المستخلص:
لاشك أن تقدم الحياة وتطور العصر، يجعل الحياة في تجدد وتوسع، وأن الشريعة الإسلامية قد جاءت بيضاء نقية صالحة لكل زمان ومكان، ولا تضيق ذرعاً بما يستجد في الحياة من أمور، وصلاحيتها لكل زمان ومكان يجعلها تنفرد من بين الشرائع السابقة ، بالنظر في كل المشاكل التي تستجد في الحياة وإيجاد الحلول لكل جديد وحديث. فقد جاء الكتاب العزيز والسنة النبوية بأحكام لا تقبل التغير ولا التبديل ، بل هي ثابتة يفتقر إليها كل الحوادث المستجدة في كل زمان ومكان ، وقد قُرنت أحكامها نعللها وأسبابها ومقاصدها رحمة بالأمة وتوسيعاً عليها. ولما كانت العلة هي المعرفة للحكم والدالة عليه ، كانت محط أنظار وأبحاث العلماء من الأصوليين والفقهاء، حتى توسعت أبحاثها وتوسعت فروعها ، وأصبحت مباحثها من مباحث أصول الفقه المعتمدة التي ثار حولها الخلاف وتعددت فيها الآراء والمذاهب. فوجدوا من خلال جهودهم أن هنالك ارتباطاً وثيقاً بين العلة ومقاصد الشرع عبر أدوات التعليل، وأن مقاصد الشرع تستخلص من خلال معرفة علل الأحكام.
Abstract:
There is no doubt that the progress of life and development of the times makes life in the renewal and expansion that Sharia came pure white time less and place fed up with developments in life of things and validity of ever y time and place. The Holly Quran and sunnah came to the provisions of the rules and they do not accept the change and switch it is fixed lacking any emerging in every time and place have been paired rulings causes and purposes mercy nation even give Muslims community be wildered to find the rule of anew incident not provided for or at a particular verdict if they insert it in to the pan legal rules based on the evidence .Through it knowledge of the reasons of the verdicts, but some scientists has made the verdicts are regarded are the reasons of the fixed reference known a legislator on the purpose in the ways in which reasons known ( reasons paths ) can take courses to learn purposes of the law.
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن سار على دربهم إلى يوم الجمع والدين.
أما بعـــــــد....
فإنّ أدوات التعليل عند الأصوليين من الموضوعات المهمة في أصول الفقه الإسلامي، وعادةً ما تتم مناقشة موضوع أدوات التعليل عند الأصوليين من خلال الأمثلة من القرآن الكريم والسنة النبوية. وذلك لأن موضوع العلة وأدوات التعليل من الموضوعات التي بذل فيها الأصوليون قصارى جهدهم، وتنافس فيها العلماء والأصوليون، فبينوا أدوات العليل وربطوا هذه العلل بالأحكام الشرعية وجوداً وعدماً، كما أنهم بينوا مسالك هذه العلة وأثر أدوات التعليل في إثبات علية الحكم.
أسباب اختيار الموضوع: ومن أهم الأسباب لاختيار هذا الموضوع ما يلي:
1/ بيان دور وأثر أدوات التعليل في إظهار علية الحكم.
2/ توضيح مفهوم أدوات التعليل.
3/ نشر أصول وتعاليم ديننا الحنيف.
أهمية الموضوع : تُقدر أهمية البحث بأهمية موضوعه، والأهداف المرجوة منه وتأتي أهمية هذا الموضوع في كونه:
1/ التأكيد على أنّ أحكام شريعتنا إنّما شرعت لمقاصد وغايات سامية وجليلة، باقية ما بقي الزمان.
2/ دعوة لتجديد النظر في تعاليم ديننا الحنيف ، لمعرفة يسره وسماحته، وشموله، ومواكبته ، لكل الحوادث .
3/ التأكيد على أن الأحكام منوطة بعللها وأنّ لهذه العلل أدوات.
مشكلة الدراسة: لأهمية موضوع أدوات التعليل عند الأصوليين كان الاختيار لهذا الموضوع كمجال للدراسة ويمكن حصر مشكلة الدراسة في التساؤلات التالية:
1/ ما هي أدوات التعليل؟
2/ و ما أثر أدوات التعليل في إثبات علية الحكم؟
منهج البحث: المنهج الذي انتهجه الباحث لكتابة هذا البحث هو المنهج الوصفي التحليلي، لآراء علماء الأصول وتحليلها.
المبحث الأول: :تعريف العلة لغة واصطلاحاً:
تعريف العلة في اللغة: العِلة بالكسر:اسمٌ لما يتغير الشيء بحصوله،أخذاً من العِلة التي هي المرض،لأنّ تأثيرها في الحكم، كتأثير العِلة في ذات المريض، اعتل فلان إذا حال عن الصحة إلى السقم(ابن منظور:2010م:ج11ص465). قال القرافي: العِلة باعتبار اللغة مأخوذة من ثلاثة أشياء:العرض المؤثر: كعلة المرض، وهو الذي يؤثر فيه عادةً، والداعي للأمر: من قولهم: علة إكرام زيد لعمرو،علمه وإحسانه، وقيل من الدوام والتكرار، ومنه العلل الشرب بعد الري، يُقال: شرب عللاً بعد نهل(القرافي:1999م:ج7ص3217). وتأتي العِلة بمعنى السبب كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: فكان عبد الرحمن يضرب رجلي بعلة الراحلة، يظهر أنّه يضرب جنب البعير برجله،وإنّما يضرب رجلي(النووي:2000م:ج2ص311). ولعل هذا المعنى هو المناسب للمعنى الاصطلاحي، وذلك لأنّ العِلة سبب في ثبوت الحكم في الفرع المطلوب إثبات الحكم له.
تعريف العلة في الاصطلاح:
لمّا كانت العلة هي أهم أركان القياس، بل هي أساس القياس، وجماع أمره ومرتكزه، وعلى أساس معرفتها في الأصل والتحقق من وجودها في الفرع يتم القياس، ويأخذ الفرع حكم الأصل، تعددت عبارات الأصوليين وتنوعت في تعريف العلة من حيث الاصطلاح، مع تنوع الطعون فيها، والاعتراضات الواردة عليها، ولكنني سوف أتناول التعريف الذي اختاره معظم علماء الأصول، وشرح هذا التعريف، فالعلة هي: الوصف الظاهر المنضبط الذي يُناسب الحكم بتحقيق مصلحة الناس،إما بجلب منفعة أو دفع مفسدة عنهم(التفتازاني:1996م:ج2ص133).
شرح التعريف الاصطلاحي:
معنى الوصف: لا يراد به الوصف حقيقة بل يراد به ما يشمل الوصف والفعل والقول، ولذا قال الآمدي: سواء كان الوصف معقولاً كالرضا والسخط، أم محسوساً كالقتل والسرقة، أم عرفياً كالحُسن والقبح، وسواء كان موجوداً في المحكوم عليه كهذه الأمثلة، أم غير موجودٍ فيه، ولكنه ملازمٌ له، كتعليل حرمة نكاح الأمة برق الولد(الآمدي:2010م:ج3ص208).
الظاهر: وهو أن يكون الوصف ظاهراً جلياً لا خفاء فيه،يُدرك بالحواس حتى يُمكن تحقيقه، ولا يصح التعليل بالوصف إذا كان خفياً، وذلك لأنّ الخفاء يمنع التعريف بالحكم، إذ لا يُمكن التحقق من وجود العلة أو عدمها، ومن الأوصاف الظاهر التي تصلح أن تكون علة كالسفر علة تبيح القصر للصلاة والسفر، وكالإسكار كعلة تحريم الخمر، أو الصغر لثبوت الولاية على الصغير،أما الأوصاف غير الظاهرة أي الحفية،لا تصلح أن تكون علة كالأوصاف المتعلقة بأعمال القلب أو النفس.
المنضبط: وهو أن تكون له حقيقة مُعينة يمكن من التحقق من وجودها في الفرع،ومساواته للأصل، لأنّ أساس القياس هو مساواة الفرع للأصل في علة حكم الأصل، وهذا التساوي يستلزم أن يكون الوصف منضبطاً محدداً، بحيث لا يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال والأمكنة والكثرة والقلة، وهو قيد لإخراج الوصف المضطرب،كالمشقة مثلاً: فلا تعتبر وصفاً مناسباً منضبطاً لقصر الصلاة في السفر لاختلافها باختلاف الأشخاص والأحوال، فقد يعد الأمر مشقة عند بعض الناس، ولا يُعد كذلك عند البعض الآخر، فالشاب لا يناله مشقة في السفر مثلما يتعرض له شيخ كبير السن، وقد يكون الشيء شاقاً في زمن دون زمن، فالمشقة في زمن الصيف أشد منها في زمن الشتاء، وقد تكون المشقة حاصلة في مكان دون آخر، فالسفر في السهول والوديان أقل مشقة منه في الجبال، ولهذا كله أناط الشارع قصر الصلاة وإباحة الفطر في رمضان بالسفر مدة معينة لانضباطه، ولم ينط الرخصة بالمشقة لعدم انضباطه(وهبة الزحيلي:2006م:ج2ص643).
المناسب: أي مناسبة الأوصاف أو علل الأفعال، حيث يؤدي في نظر العقل أن ربط الأحكام بالأوصاف يحقق المصالح التي شرعت الأحكام لتحقيقها، فمثلاً: الإسكار كوصف مناسب لكونه علة لتحريم الخمر، وربط الحرمة بهذا الوصف يترتب عليه في نظر العقل تحقيق المصلحة المقصودة في التحريم، وهي المحافظة على عقول الناس أحد مقاصد التشريع الأساسية، وبهذا يكون الإسكار وصفاً مناسباً.
المطلب الأول :أدلة مثبتي التعليل النقلية والعقلية وفيه فرعان:
الفرع الأول : أدلة مثبتي التعليل النقلية :
لقد استدل مثبتي التعليل بأدلة نقلية كثيرة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية على إثبات التعليل ، فمن ذلك :
1/ أدلة مثبتي التعليل من القرآن الكريم : لقد أرشد الله سبحانه وتعالى عباده في القرآن الكريم إلى مقاصد التشريع وحكمة الأوامر والنواهي ، فضرب الأمثلة للناس وقارن بين المتماثلين لما فطر عليه الناس فقاس النشأة الثانية على الأولى في الإمكان ، وجعل النشأة الأولى أصلاً والثانية فرعاً ، وقاس حياة الأموات بعد الموت على حياة الأرض بعد موتها بالنبات ، وقاس الخلق الجديد الذي أنكره أعداؤه على خلق السموات والأرض وجعله من قياس الأولى ، وقاس الحياة بعد الموت على اليقظة بعد النوم ، وضرب الأمثال وصرفها في الأنواع المختلفة ينبه بها عباده أن حكم الشيء حكم مثله ، وما ذكر في القرآن الكريم يدل على أن " مدار الاستدلال جميعه على التسوية بين المتماثلين ، والفرق بين المختلفين ، فإنه إما استدلال بمعين على معين ، أو بمعين على عام ، أو بعام على معين ، أو بعام على عام ، فهذه الأربعة هي مجامع ضروب الاستدلال(ابن قيم الجوزية:ج1ص177). ولقد سلك الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم مسالك شتى لبيان التعليل فمنها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي :
التعليل بحرف من حروف التعليل: قال ابن القيم: ( وقد جاء التعليل في الكتاب العزيز بالباء تارة ، وباللام تارة ، وبأن تارة ، وبمجموعهما تارة ، وبكي تارة ، ومن أجل تارة ، وترتيب الجزاء على الشرط تارة ، وبالفاء المؤذنة بالسببية تارة ، وترتيب الحكم على الوصف المقتضي له تارة ، وبلمّا تارة ، وبإنّ المشددة تارة ، وبلعل تارة ، وبالمفعول له تارة(ابن قيم الجوزية:ج1ص254).
ومما جاء في القرآن الكريم معللاً بحرف من حروف التعليل ، توضيحاً لما سبق ذكره :
التعليل بحرف الباء :
كقوله تعالى:( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا) سورة النساء: الآية 160. قال الشوكاني: فالباء للسببية والتنكير للتعظيم ، أي فبسبب ظلم عظيم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ، لا بسبب شيء آخر كما زعموا...(الشوكاني:2010م:ج1ص675). فدلّت الآية أن علة التحريم وسببه هو الظلم والصد عن سبيل الله تعالى .
التعليل باللام :
كقوله تعالى:( ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) سورة المائدة: الآية 97. أي لتعلموا أن الله يعلم تفاصيل أمر السموات والأرض ويعلم مصالحكم الدينية والدنيوية فإنها من جملة ما فيها، فكل ما شرعه لكم فهو جلب لمصالحكم ودفع لما يضركم(فتح القدير:2010م:ج2ص99). وكقوله تعالى:( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) سورة الذاريات: الآية56. فدلّت الآية على أن العلة من الخلق والإيجاد هو عبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.
التعليل بأن :
كقوله تعالى:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) سورة الحجرات: الآية 2. فدلّت الآية الكريمة على أن رفع الصوت بحضرته صلى الله عليه وسلم سبب من أسباب حبوط الأعمال وبطلانها ، والآية معناها الأمر بتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره وخفض الصوت عند مخاطبته وبحضرته(القرطبي: 2002م:ج16ص195).
التعليل بمجموعهما:
أي اجتماع أن ولا ، كقوله تعالى:( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) سورة النساء: الآية: 165.
فدلّت الآية على أن الحكمة من إرسال الرسل هو إقامة الحجة على الناس . وغالباً ما يكون هذا في النفي فتأمله(ابن قيم الجوزية:بدون:ج2ص255).
التعليل بكي :
قال الغزالي: إثبات العلة بأدلة نقلية وذلك إنما يُستفاد من صريح النطق وذلك أن يرد فيه لفظ التعليل ، كقوله : لكذا أو لعلة كذا أو لأجل كذا أو لكيلا يكون كذا وما يجري مجراه من صيغ التعليل(الغزالي:ج2ص231) مثل قوله تعالى:( كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) سورة الحشر: الآية7. قال القرطبي: ومعنى الآية: فعلنا ذلك في هذا الفيء كي لا تقسمه الرؤساء والأغنياء والأقوياء بينهم دون الفقراء والضعفاء، لأن أهل الجاهلية كانوا إذا غنموا أخذ الرئيس ربعها لنفسه(القرطبي :2002م:ج18ص15).
التعليل بمن أجل :
كقوله تعالى :( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) سورة المائدة: الآية32. فدلّت الآية على أن الغاية والعلة من إيجاب القصاص هو حفظ النفوس وصيانتها والذي هو مقصد من مقاصد ديننا الحنيف .
التعليل بإنَّ المشددة :
كقوله تعالى:( إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) سورة الأنبياء: الآية 77. فدلّت الآية على أن العلة من إغراق الله سبحانه وتعالى لهم إنهم كانوا قوم سوء وفسق ، كما في قوله تعالى :( إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ) سورة الأنبياء: الآية 74.
التعليل بالفاء :
قال الغزالي : والضرب الثالث من طرق إثبات العلة بأدلة نقلية ، التنبيه على الأسباب بترتيب الأحكام عليها بصيغة الجزاء والشرط وبالفاء التي هي للتعقيب والتسبيب(الغزالي:ج2ص233) وكقوله تعالى:( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) سورة المائدة: الآية 38. وكقوله تعالى:( فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا) سورة المزمل: الآية:16.
التعليل بذكر الصفة قبل الحكم :
كقوله تعالى:( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) سورة البقرة: الآية222. قال الغزالي: فهو تعليل يفهم منه تحريم الإتيان في غير المأتى لأن الأذى فيه دائم ، و لا يجري في المستحاضة لأن ذلك عارضٌ وليس بطبيعي(الغزالي:ج2ص232).
التعليل بإلحاق النظير بالنظير :
قال ابن القيم: أصل الشرع إلحاق النظير بالنظير ، فهذا شرع الله وقدره ووحيه وثوابه وعقابه ، كله قائم بهذا الأصل وهو إلحاق النظير بالنظير واعتبار المثل بالمثل ، ولهذا يذكر الشارع العلل والأوصاف المؤثرة والمعاني المعتبرة في الأحكام القدرية والشرعية والجزائية ، ليدل بذلك على تعلق الحكم بها أين وجدت ، واقتضائها لأحكامها وعدم تخلفها عنها إلاّ لمانع يعارض اقتضائها ويوجب تخلف أثرها عنها(ابن قيم الجوزية:ج1ص254). و كقوله تعالى:( ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) سورة غافر: الآية 12.
التعليل بالأمر بالشيء مع بيان مصالحه وبالنهي عن الشيء مع بيان مفاسده :
كقوله تعالى:( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) سورة الأنفال: الآية 60. دلّت الآية على أن العلة من الأمر بإعداد القوة ورباط الخير فيه رهبة للعدو وهو عين المصلحة. وكقوله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة الأنعام: الآية 108. بينت الآية العلة من النهي عن سب الذين يدعون من دون الله حتى لا يسبوا الله تعالى بغير علم، وهذا هو عين المفسدة.
التعليل بلعلّ :
وهو في كلام الله مجردة عن معنى الترجي بل هي من الخالق سبحانه وتعالى للتعليل المحض ومنها قوله تعالى:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة: الآية 183. وقوله تعالى:( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) سورة يوسف: الآية 2. وفي هذا كله قد أخلصت للتعليل(الغزالي:بدون:ص196).
التعليل بترتيب الحكم على الوصف المقتضى له :
كقوله تعالى:( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) سورة المجادلة: الآية 11. حيث يفهم التعليل من إضافة الحكم إلى الوصف المناسب(الغزالي:بدون:ج2ص217).منها قوله تعالى:( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) سورة المائدة: الآية 38. وقوله تعالى:( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) سورة النور: الآية:2. فيتضح من هاتين الآيتين أن السرقة والزنا هما علة للحكم.
التعليل بذكر صفاته سبحانه وتعالى التي تدل على الحكمة :
لقد وصف الله سبحانه وتعالى نفسه أنه على صراط مستقيم في موضعين:
أحدهما : ما قاله سبحانه وتعالى حاكياً عن نبيه هود عليه السلام كما في قوله سبحانه وتعالى:( إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) سورة هود: الآية:56.
الثاني: قوله سبحانه وتعالى:( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) سورة النحل: الآية76. و الصواب أنه لابد أن يكون لفعله حكمة وتعليل، وإذا عرف هذا فمن ضرورة كونه على صراط مستقيم أنه لا يفعل شيئاً إلا بحكمة يحمد عليها وغاية هي أولى بالإرادة من غيرها فلا تخرج أفعاله تعالى عن الحكمة والمصلحة والإحسان(الغزالي:ص202). وهذا باب كبير من أبواب الشريعة ، وعليه المدار بل أصل في الأصول ، وهو سر التعليل ،وهذا غيضٌ من فيض ، وقليل من كثير ، مما ورد من التعليل في القرآن الكريم .
2/ أدلة مثبتي التعليل من السنة النبوية:
قال ابن القيم: وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم علل الأحكام والأوصاف المؤثرة فيها ليدل على ارتباطها بها، وتعديها بتعدي أوصافها وعللها(ابن قيم الجوزية:بدون: ج1ص256). فالسنة النبوية جاءت معللة لكثير من أحكامها فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
التعليل بحرف من حروف التعليل : حروف التعليل تدل على العلة التي لأجلها كان الحكم ، ومما جاء في السنة النبوية معللاً بحرف من حروف التعليل :
التعليل بمن أجل : ومن ذلك ما رواه سهل بن سعد رضي الله عنه قال: اطلع رجل من حُجر في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدرىَّ يحك به رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك ، إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر(البخاري:بدون:ص1333) فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن العلة من مشروعية الاستئذان إنما هو من أجل البصر. ومن ذلك أيضاً تعليله صلى الله عليه وسلم عن ادخار لحوم الأضاحي بقوله: إنما نهيتكم لأجل الدافة(أبو داود:1983م:ج2ص19) أي إنما نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي من أجل الدافة التي دفت إلى المدينة وهم القوم الذين يسيرون جماعة سيراً ليس بالشديد ، فنهاهم عن ادخار لحوم الأضاحي ليفرقوها ويتصدقوا بها فينتفع أولئك القادمون بها.
التعليل بالفاء: والتي هي للتعقيب والتسبيب، كقوله صلى الله عليه وسلم: من أحيا أرضاً ميتة فهي له(البخاري:بدون:ص483) وكقوله صلى الله عليه وسلم: من بدَّل دينه فاقتلوه (البخاري:بدون:ص635). وكما في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : بينما رجلٌ واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فأوقصته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:أغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً(مسلم:2001م:ج3ص264).
التعليل بإذاً :
فهي من أدوات التعليل ومما ورد في الأحاديث معللاً بها قوله صلى الله عليه وسلم: أينقص الرطب إذا يبُس؟ فقيل:نعم فقال: فلا إذاً(أبو داود:1983م:ج3ص653). قال الإمام الغزالي:معلقاً على هذا الحديث ففيه تنبيه على العلة من ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه لا وجه لذكر هذا الوصف لولا التعليل به .
الثاني: قوله " إذاً" فإنه للتعليل .
الثالث: الفاء في قوله: "فلا إذاً" فإنه للتعقيب والتسبيب(الغزالي:بدون:ج2ص233) .
التعليل بالإجابة عن المسألة بذكر نظائرها: قال ابن القيم: وقد قرّب النبي صلى الله عليه وسلم الأحكام إلى أمته بذكر نظائرها وأسبابها وضرب لها الأمثال. ومن ذلك ما جاء عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: هششت إلى المرأة فقبلتها وأنا صائم ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله أتيت أمراً عظيماً قبلّت وأنا صائم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ فقلت: لا بأس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ففيم(ابن حنبل:1978م:ج1ص21). قال ابن القيم: ولولا أن حكم المثل حكم مثله وأن المعاني والعلل مؤثرة في الأحكام نفياً وإثباتاً لم يكن لذكر هذا التشبيه معنى فذكر ليدل به على أن حكم النظير حكم مثله، وأن نسبة القبلة التي هي وسيلة إلى الوطء كنسبة وضع الماء في الفم الذي هو وسيلة إلى شربه ، فكما أن هذا الأمر لا يضر ، فكذلك الآخر(ابن قيم الجوزية:بدون:ج2ص257). وقال الغزالي: فإنه لو لم يكن للتعليل لما كان التعرض لغير محل السؤال منتظماً(الغزالي:ج2ص233). وقد قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله، فقال: إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل والحج مكتوب عليه ، أفأحج عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان يجزئ عنه ؟ قال: نعم قال: فحج عنه(سنن الدارمي:1986م:ج2ص62)قال ابن القيم: فقرب الحكم من الحكم، وجعل دين الله سبحانه وتعالى في وجوب القضاء، أو في قبوله بمنزلة دين الآدمي ، وألحق النظير بالنظير، والمقصود أن النبي صلى الله عليه سلم يذكر في الأحكام العلل وربطها بأوصاف مؤثرة فيها مقتضية لها طرداً وعكساً ، وأنه قد يوجب الشيء ويحرم نظيره من وجه ، ويحرم الشيء ويبيح نظيره من كل وجه، وهذا كله يدل على أنه من المعلوم الثابت في فطرهم أن حكم النظيرين حكم واحد، سواء كان ذلك تعليلاً منه صلى الله عليه وسلم للقدر أو الشرع أولهما، فهو دليل على تساوي النظيرين وتشابه القرينين، وإعطاء أحدهما حكم الآخر(ابن قيم الجوزية:بدون:ج2ص256).
التعليل بالتنبيه والإيماء على العلة: فمن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن الهرة قال: إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات(أبو داود:1983م:ج1ص8). قال الغزالي: فإن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يقل: لأنها أو لأجل أنها من الطوافين عليكم لكن أومأ إلى التعليل، لأنه لو لم يكن علة لم يكن ذكر وصف الطواف مفيداً، فإنه لو قال: سوداء أو بيضاء لم يكن منظوماً إذا لم يُرد التعليل(الغزالي:بدون:ج2ص232).
التعليل بالفصل بين قسمين بوصف ويخصه بالحكم:
وهو أن يفصل الشارع بين قسمين بوصف ويخصه بالحكم ، كقوله صلى الله عليه وسلم: لا يرث القاتل(ابن ماجة:بدون:ج2ص883). فإنه يدل في الظاهر على أنه لا يرث لكونه قاتلاً وليس هذا للمناسبة: بل لو قال الطويل لا يرث أو الأسود لا يرث،لكُنَّا نفهم منه جعل الطول والسواد علامة على انفصاله عن الورثة (الغزالي: بدون:ج2ص232) . فالحديث يدل دلالة واضحة على أن القاتل لا يرث وعلل سبب منعه وعلته لكونه قاتلاً.
التعليل بالتنبيه على الأسباب بترتيب الأحكام عليها بصيغة الجزاء والشرط والفاء: كقوله صلى الله عليه وسلم: من أحياء أرضاً ميتة فهي له (البيهقي:1994م: ج6ص99). وقوله صلى الله عليه وسلم: من بدّل دينه فاقتلوه (الدارقطني: 1966م:ج3ص108). ويلحق بهذا القسم ما يرتبه الراوي بفاء الترتيب والتعقيب كقوله صلى الله عليه وسلم:(مسلم:2000م:ج3ص396). وقول راوِ آخر: وسها النبي صلى الله عليه وسلم فسجد(البيهقي:1994م:ج2ص342). وقول راوِ آخر: ورضّخ يهودي رأس جارية فرضّخ النبي صلى الله عليه وسلم رأسه(ابن ماجة:بدون:ج2ص889). ولما كانت الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ، فقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم علّل فيها الأحكام، مما يصعب حصرها لكثرتها، ولذا أكتفي بهذا السرد (المختصر) مما ورد معللاً من أحاديثه صلى الله عليه وسلم.
الخاتمة:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من بشّر المجتهد المصيب بأجرين والمجتهد المُخطئ بأجر، فصلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعــــــد....
فقد خلُص الباحث إلى النتائج والتوصيات:
أولاً: النتائج: فقد خلُص الباحث إلى جملة من النتائج وهي:
1/ معرفة أدوات التعليل مما يحتاج إليه الفقيه في فقهه، والمفتي في فتواه، والقاضي في إصدار حكمه.
2/ الشريعة معللة بالجملة ولأدوات التعليل أثر في تعليل الأحكام الشرعية.
3/ الشريعة جاءت لتحقيق مصالح العباد وذلك بجلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، سواء أدركت العقول البشرية علل التشريع أم لا؟.
ثانياً: التوصيات: فقد خلُص الباحث إلى جملة من التوصيات وهي:
1/ ضرورة تدريس أدوات التعليل لطلاب الجامعات والمعاهد إذ من خلالها يُعرف علل الأحكام والحكمة منها.
2/ ضرورة تفعيل الفكر الأصولي المقاصدي في جميع مجالات الحياة دون استثناء سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وثقافية، وضرورة مراعاة مقاصد الشريعة في القضايا المستجدة وربطها بالعلل لما لها من أهمية كبيرة، وفائدة عظيمة في التيسير عن الناس ورفع الحرج والمشقة عنهم.
فـهرس المصـادر والمراجــع:
1/ الآمدي: سيف الدين علي بن علي: الإحكام في أصول الأحكام: الطبعة الأولى1430ه- 2010م، المكتبة العصرية- صيدا- بيروت.
2/ ابن حنبل: الحافظ أحمد بن حنبل الشيباني: المسند: الطبعة الثالثة1420ه-2001م، المكتب الإسلامي- بيروت- لبنان.
3/ ابن خزيمة: الحافظ أبو بكر بن إسحاق بن خزيمة: صحيح ابن خزيمة: الطبعة الأولى1432-2003م، دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان.
4/ أبو داود: الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث: سنن أبي داود: الطبعة الثانية1403ه-1983م، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده- القاهرة- مصر.
5/ ابن كثير: للحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير: تفسير القرآن العظيم، الطبعة الأولى1425ه- 2004م، مكتبة الصفا- القاهرة- مصر.
6/ ابن ماجة: الحافظ أبي عبد الله محمد يزيد القزويني، مات سنة275ه، بدون، دار الفكر- بيروت- لبنان.
7/ ابن منظور: جمال الدين مكرم بن منظور الأفريقي، مات سنة711ه، لسان العرب، الطبعة الأولى 1421ه- 2001م، دار إحياء التراث العربي.
8/ ابن قيم الجوزية: شمس الدين محمد بن أبي بكر، إعلام الموقعين عن رب العالمين: دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان.
9/ البيهقي: أحمد بن الحسن البيهقي: السنن الكبرى: الطبعة الأولى1348ه-1930م، دار الفكر- بيروت- لبنان.
10/ الترمذي: للحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى، مات سنة297ه، سنن الترمذي: بدون، دار الكتب العلمية- بيروت-لبنان.
11/ التفتازاني: سعد الدين بن مسعود بن عمر: شرح التلويح على التوضيح: دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان.
12/ الحاكم: الحافظ أبو عبد الله الحاكم بن محمد بن عبد الله النيسابوري المعروف بابن البيع، مات سنة405ه، المستدرك على الصحيحين، الطبعة الأولى1416ه- 1996م، دار الفكر- بيروت- لبنان.
13/ الدارقطني: عبد الله الدارقطني: سنن الدارقطني: الطبعة الأولى1407ه-1986م، دار الكتاب العربي- بيروت- لبنان.
14/ الرازي: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، معجم مختار الصحاح: الطبعة الأولى 1429ه- 2008م، دار صادر- بيروت- لبنان.
15/ الشوكاني: محمد بن علي بن محمد الشوكاني: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الطبعة الأولى1422ه- 2001م، دار إحياء التراث العربي- بيروت- لبنان.
16/ الغزالي: أبو حامد محمد بن محمد: المستصفى: الطبعة الأولى1430ه- 2009م، المكتبة العصرية- صيدا- بيروت.
17/ الغزالي: أبو حامد محمد بن محمد: شفاء العليل: الطبعة الثالثة 1419ه- 1998م، دار الفكر- بيروت- لبنان.
18/ الفيروزآبادي:مجد الدين الفيروزآبادي، مات سنة817ه، القاموس المحيط: الطبعة الأولى1415ه- 1995م، دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان.
19/ القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول: الطبعة الأولى 1432ه- 2011م، المكتبة العصرية- صيدا – بيروت.
20/ القرطبي: أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: الطبعة الأولى1422ه- 2002م، دار إحياء التراث العربي- بيروت- لبنان.
21/ مسلم: الحافظ مسلم بن الحجاج النيسابوري، مات سنة261ه، صحيح مسلم، دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان.
22/ النووي: أبي زكريا محي الدين بن شرف النووي، مات سنة676ه، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، الطبعة الثامنة1422ه- 2001م، دار المعرفة- بيروت- لبنان.
23/ وهبة: وهبة الزحيلي: أصول الفقه الإسلامي: الطبعة الأولى1423ه- 2002م، دار الفكر- بيروت- لبنان.
د/ أشرف إبراهيم عبد الله إبراهيم
أستاذ أصول الفقه المشارك- كلية الشريعة والقانون- جامعة دنقلا.
المستخلص:
لاشك أن تقدم الحياة وتطور العصر، يجعل الحياة في تجدد وتوسع، وأن الشريعة الإسلامية قد جاءت بيضاء نقية صالحة لكل زمان ومكان، ولا تضيق ذرعاً بما يستجد في الحياة من أمور، وصلاحيتها لكل زمان ومكان يجعلها تنفرد من بين الشرائع السابقة ، بالنظر في كل المشاكل التي تستجد في الحياة وإيجاد الحلول لكل جديد وحديث. فقد جاء الكتاب العزيز والسنة النبوية بأحكام لا تقبل التغير ولا التبديل ، بل هي ثابتة يفتقر إليها كل الحوادث المستجدة في كل زمان ومكان ، وقد قُرنت أحكامها نعللها وأسبابها ومقاصدها رحمة بالأمة وتوسيعاً عليها. ولما كانت العلة هي المعرفة للحكم والدالة عليه ، كانت محط أنظار وأبحاث العلماء من الأصوليين والفقهاء، حتى توسعت أبحاثها وتوسعت فروعها ، وأصبحت مباحثها من مباحث أصول الفقه المعتمدة التي ثار حولها الخلاف وتعددت فيها الآراء والمذاهب. فوجدوا من خلال جهودهم أن هنالك ارتباطاً وثيقاً بين العلة ومقاصد الشرع عبر أدوات التعليل، وأن مقاصد الشرع تستخلص من خلال معرفة علل الأحكام.
Abstract:
There is no doubt that the progress of life and development of the times makes life in the renewal and expansion that Sharia came pure white time less and place fed up with developments in life of things and validity of ever y time and place. The Holly Quran and sunnah came to the provisions of the rules and they do not accept the change and switch it is fixed lacking any emerging in every time and place have been paired rulings causes and purposes mercy nation even give Muslims community be wildered to find the rule of anew incident not provided for or at a particular verdict if they insert it in to the pan legal rules based on the evidence .Through it knowledge of the reasons of the verdicts, but some scientists has made the verdicts are regarded are the reasons of the fixed reference known a legislator on the purpose in the ways in which reasons known ( reasons paths ) can take courses to learn purposes of the law.
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن سار على دربهم إلى يوم الجمع والدين.
أما بعـــــــد....
فإنّ أدوات التعليل عند الأصوليين من الموضوعات المهمة في أصول الفقه الإسلامي، وعادةً ما تتم مناقشة موضوع أدوات التعليل عند الأصوليين من خلال الأمثلة من القرآن الكريم والسنة النبوية. وذلك لأن موضوع العلة وأدوات التعليل من الموضوعات التي بذل فيها الأصوليون قصارى جهدهم، وتنافس فيها العلماء والأصوليون، فبينوا أدوات العليل وربطوا هذه العلل بالأحكام الشرعية وجوداً وعدماً، كما أنهم بينوا مسالك هذه العلة وأثر أدوات التعليل في إثبات علية الحكم.
أسباب اختيار الموضوع: ومن أهم الأسباب لاختيار هذا الموضوع ما يلي:
1/ بيان دور وأثر أدوات التعليل في إظهار علية الحكم.
2/ توضيح مفهوم أدوات التعليل.
3/ نشر أصول وتعاليم ديننا الحنيف.
أهمية الموضوع : تُقدر أهمية البحث بأهمية موضوعه، والأهداف المرجوة منه وتأتي أهمية هذا الموضوع في كونه:
1/ التأكيد على أنّ أحكام شريعتنا إنّما شرعت لمقاصد وغايات سامية وجليلة، باقية ما بقي الزمان.
2/ دعوة لتجديد النظر في تعاليم ديننا الحنيف ، لمعرفة يسره وسماحته، وشموله، ومواكبته ، لكل الحوادث .
3/ التأكيد على أن الأحكام منوطة بعللها وأنّ لهذه العلل أدوات.
مشكلة الدراسة: لأهمية موضوع أدوات التعليل عند الأصوليين كان الاختيار لهذا الموضوع كمجال للدراسة ويمكن حصر مشكلة الدراسة في التساؤلات التالية:
1/ ما هي أدوات التعليل؟
2/ و ما أثر أدوات التعليل في إثبات علية الحكم؟
منهج البحث: المنهج الذي انتهجه الباحث لكتابة هذا البحث هو المنهج الوصفي التحليلي، لآراء علماء الأصول وتحليلها.
المبحث الأول: :تعريف العلة لغة واصطلاحاً:
تعريف العلة في اللغة: العِلة بالكسر:اسمٌ لما يتغير الشيء بحصوله،أخذاً من العِلة التي هي المرض،لأنّ تأثيرها في الحكم، كتأثير العِلة في ذات المريض، اعتل فلان إذا حال عن الصحة إلى السقم(ابن منظور:2010م:ج11ص465). قال القرافي: العِلة باعتبار اللغة مأخوذة من ثلاثة أشياء:العرض المؤثر: كعلة المرض، وهو الذي يؤثر فيه عادةً، والداعي للأمر: من قولهم: علة إكرام زيد لعمرو،علمه وإحسانه، وقيل من الدوام والتكرار، ومنه العلل الشرب بعد الري، يُقال: شرب عللاً بعد نهل(القرافي:1999م:ج7ص3217). وتأتي العِلة بمعنى السبب كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: فكان عبد الرحمن يضرب رجلي بعلة الراحلة، يظهر أنّه يضرب جنب البعير برجله،وإنّما يضرب رجلي(النووي:2000م:ج2ص311). ولعل هذا المعنى هو المناسب للمعنى الاصطلاحي، وذلك لأنّ العِلة سبب في ثبوت الحكم في الفرع المطلوب إثبات الحكم له.
تعريف العلة في الاصطلاح:
لمّا كانت العلة هي أهم أركان القياس، بل هي أساس القياس، وجماع أمره ومرتكزه، وعلى أساس معرفتها في الأصل والتحقق من وجودها في الفرع يتم القياس، ويأخذ الفرع حكم الأصل، تعددت عبارات الأصوليين وتنوعت في تعريف العلة من حيث الاصطلاح، مع تنوع الطعون فيها، والاعتراضات الواردة عليها، ولكنني سوف أتناول التعريف الذي اختاره معظم علماء الأصول، وشرح هذا التعريف، فالعلة هي: الوصف الظاهر المنضبط الذي يُناسب الحكم بتحقيق مصلحة الناس،إما بجلب منفعة أو دفع مفسدة عنهم(التفتازاني:1996م:ج2ص133).
شرح التعريف الاصطلاحي:
معنى الوصف: لا يراد به الوصف حقيقة بل يراد به ما يشمل الوصف والفعل والقول، ولذا قال الآمدي: سواء كان الوصف معقولاً كالرضا والسخط، أم محسوساً كالقتل والسرقة، أم عرفياً كالحُسن والقبح، وسواء كان موجوداً في المحكوم عليه كهذه الأمثلة، أم غير موجودٍ فيه، ولكنه ملازمٌ له، كتعليل حرمة نكاح الأمة برق الولد(الآمدي:2010م:ج3ص208).
الظاهر: وهو أن يكون الوصف ظاهراً جلياً لا خفاء فيه،يُدرك بالحواس حتى يُمكن تحقيقه، ولا يصح التعليل بالوصف إذا كان خفياً، وذلك لأنّ الخفاء يمنع التعريف بالحكم، إذ لا يُمكن التحقق من وجود العلة أو عدمها، ومن الأوصاف الظاهر التي تصلح أن تكون علة كالسفر علة تبيح القصر للصلاة والسفر، وكالإسكار كعلة تحريم الخمر، أو الصغر لثبوت الولاية على الصغير،أما الأوصاف غير الظاهرة أي الحفية،لا تصلح أن تكون علة كالأوصاف المتعلقة بأعمال القلب أو النفس.
المنضبط: وهو أن تكون له حقيقة مُعينة يمكن من التحقق من وجودها في الفرع،ومساواته للأصل، لأنّ أساس القياس هو مساواة الفرع للأصل في علة حكم الأصل، وهذا التساوي يستلزم أن يكون الوصف منضبطاً محدداً، بحيث لا يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال والأمكنة والكثرة والقلة، وهو قيد لإخراج الوصف المضطرب،كالمشقة مثلاً: فلا تعتبر وصفاً مناسباً منضبطاً لقصر الصلاة في السفر لاختلافها باختلاف الأشخاص والأحوال، فقد يعد الأمر مشقة عند بعض الناس، ولا يُعد كذلك عند البعض الآخر، فالشاب لا يناله مشقة في السفر مثلما يتعرض له شيخ كبير السن، وقد يكون الشيء شاقاً في زمن دون زمن، فالمشقة في زمن الصيف أشد منها في زمن الشتاء، وقد تكون المشقة حاصلة في مكان دون آخر، فالسفر في السهول والوديان أقل مشقة منه في الجبال، ولهذا كله أناط الشارع قصر الصلاة وإباحة الفطر في رمضان بالسفر مدة معينة لانضباطه، ولم ينط الرخصة بالمشقة لعدم انضباطه(وهبة الزحيلي:2006م:ج2ص643).
المناسب: أي مناسبة الأوصاف أو علل الأفعال، حيث يؤدي في نظر العقل أن ربط الأحكام بالأوصاف يحقق المصالح التي شرعت الأحكام لتحقيقها، فمثلاً: الإسكار كوصف مناسب لكونه علة لتحريم الخمر، وربط الحرمة بهذا الوصف يترتب عليه في نظر العقل تحقيق المصلحة المقصودة في التحريم، وهي المحافظة على عقول الناس أحد مقاصد التشريع الأساسية، وبهذا يكون الإسكار وصفاً مناسباً.
المطلب الأول :أدلة مثبتي التعليل النقلية والعقلية وفيه فرعان:
الفرع الأول : أدلة مثبتي التعليل النقلية :
لقد استدل مثبتي التعليل بأدلة نقلية كثيرة من القرآن الكريم ومن السنة النبوية على إثبات التعليل ، فمن ذلك :
1/ أدلة مثبتي التعليل من القرآن الكريم : لقد أرشد الله سبحانه وتعالى عباده في القرآن الكريم إلى مقاصد التشريع وحكمة الأوامر والنواهي ، فضرب الأمثلة للناس وقارن بين المتماثلين لما فطر عليه الناس فقاس النشأة الثانية على الأولى في الإمكان ، وجعل النشأة الأولى أصلاً والثانية فرعاً ، وقاس حياة الأموات بعد الموت على حياة الأرض بعد موتها بالنبات ، وقاس الخلق الجديد الذي أنكره أعداؤه على خلق السموات والأرض وجعله من قياس الأولى ، وقاس الحياة بعد الموت على اليقظة بعد النوم ، وضرب الأمثال وصرفها في الأنواع المختلفة ينبه بها عباده أن حكم الشيء حكم مثله ، وما ذكر في القرآن الكريم يدل على أن " مدار الاستدلال جميعه على التسوية بين المتماثلين ، والفرق بين المختلفين ، فإنه إما استدلال بمعين على معين ، أو بمعين على عام ، أو بعام على معين ، أو بعام على عام ، فهذه الأربعة هي مجامع ضروب الاستدلال(ابن قيم الجوزية:ج1ص177). ولقد سلك الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم مسالك شتى لبيان التعليل فمنها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي :
التعليل بحرف من حروف التعليل: قال ابن القيم: ( وقد جاء التعليل في الكتاب العزيز بالباء تارة ، وباللام تارة ، وبأن تارة ، وبمجموعهما تارة ، وبكي تارة ، ومن أجل تارة ، وترتيب الجزاء على الشرط تارة ، وبالفاء المؤذنة بالسببية تارة ، وترتيب الحكم على الوصف المقتضي له تارة ، وبلمّا تارة ، وبإنّ المشددة تارة ، وبلعل تارة ، وبالمفعول له تارة(ابن قيم الجوزية:ج1ص254).
ومما جاء في القرآن الكريم معللاً بحرف من حروف التعليل ، توضيحاً لما سبق ذكره :
التعليل بحرف الباء :
كقوله تعالى:( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا) سورة النساء: الآية 160. قال الشوكاني: فالباء للسببية والتنكير للتعظيم ، أي فبسبب ظلم عظيم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ، لا بسبب شيء آخر كما زعموا...(الشوكاني:2010م:ج1ص675). فدلّت الآية أن علة التحريم وسببه هو الظلم والصد عن سبيل الله تعالى .
التعليل باللام :
كقوله تعالى:( ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) سورة المائدة: الآية 97. أي لتعلموا أن الله يعلم تفاصيل أمر السموات والأرض ويعلم مصالحكم الدينية والدنيوية فإنها من جملة ما فيها، فكل ما شرعه لكم فهو جلب لمصالحكم ودفع لما يضركم(فتح القدير:2010م:ج2ص99). وكقوله تعالى:( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) سورة الذاريات: الآية56. فدلّت الآية على أن العلة من الخلق والإيجاد هو عبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.
التعليل بأن :
كقوله تعالى:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) سورة الحجرات: الآية 2. فدلّت الآية الكريمة على أن رفع الصوت بحضرته صلى الله عليه وسلم سبب من أسباب حبوط الأعمال وبطلانها ، والآية معناها الأمر بتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره وخفض الصوت عند مخاطبته وبحضرته(القرطبي: 2002م:ج16ص195).
التعليل بمجموعهما:
أي اجتماع أن ولا ، كقوله تعالى:( رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) سورة النساء: الآية: 165.
فدلّت الآية على أن الحكمة من إرسال الرسل هو إقامة الحجة على الناس . وغالباً ما يكون هذا في النفي فتأمله(ابن قيم الجوزية:بدون:ج2ص255).
التعليل بكي :
قال الغزالي: إثبات العلة بأدلة نقلية وذلك إنما يُستفاد من صريح النطق وذلك أن يرد فيه لفظ التعليل ، كقوله : لكذا أو لعلة كذا أو لأجل كذا أو لكيلا يكون كذا وما يجري مجراه من صيغ التعليل(الغزالي:ج2ص231) مثل قوله تعالى:( كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) سورة الحشر: الآية7. قال القرطبي: ومعنى الآية: فعلنا ذلك في هذا الفيء كي لا تقسمه الرؤساء والأغنياء والأقوياء بينهم دون الفقراء والضعفاء، لأن أهل الجاهلية كانوا إذا غنموا أخذ الرئيس ربعها لنفسه(القرطبي :2002م:ج18ص15).
التعليل بمن أجل :
كقوله تعالى :( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) سورة المائدة: الآية32. فدلّت الآية على أن الغاية والعلة من إيجاب القصاص هو حفظ النفوس وصيانتها والذي هو مقصد من مقاصد ديننا الحنيف .
التعليل بإنَّ المشددة :
كقوله تعالى:( إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) سورة الأنبياء: الآية 77. فدلّت الآية على أن العلة من إغراق الله سبحانه وتعالى لهم إنهم كانوا قوم سوء وفسق ، كما في قوله تعالى :( إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ) سورة الأنبياء: الآية 74.
التعليل بالفاء :
قال الغزالي : والضرب الثالث من طرق إثبات العلة بأدلة نقلية ، التنبيه على الأسباب بترتيب الأحكام عليها بصيغة الجزاء والشرط وبالفاء التي هي للتعقيب والتسبيب(الغزالي:ج2ص233) وكقوله تعالى:( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) سورة المائدة: الآية 38. وكقوله تعالى:( فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا) سورة المزمل: الآية:16.
التعليل بذكر الصفة قبل الحكم :
كقوله تعالى:( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) سورة البقرة: الآية222. قال الغزالي: فهو تعليل يفهم منه تحريم الإتيان في غير المأتى لأن الأذى فيه دائم ، و لا يجري في المستحاضة لأن ذلك عارضٌ وليس بطبيعي(الغزالي:ج2ص232).
التعليل بإلحاق النظير بالنظير :
قال ابن القيم: أصل الشرع إلحاق النظير بالنظير ، فهذا شرع الله وقدره ووحيه وثوابه وعقابه ، كله قائم بهذا الأصل وهو إلحاق النظير بالنظير واعتبار المثل بالمثل ، ولهذا يذكر الشارع العلل والأوصاف المؤثرة والمعاني المعتبرة في الأحكام القدرية والشرعية والجزائية ، ليدل بذلك على تعلق الحكم بها أين وجدت ، واقتضائها لأحكامها وعدم تخلفها عنها إلاّ لمانع يعارض اقتضائها ويوجب تخلف أثرها عنها(ابن قيم الجوزية:ج1ص254). و كقوله تعالى:( ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) سورة غافر: الآية 12.
التعليل بالأمر بالشيء مع بيان مصالحه وبالنهي عن الشيء مع بيان مفاسده :
كقوله تعالى:( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) سورة الأنفال: الآية 60. دلّت الآية على أن العلة من الأمر بإعداد القوة ورباط الخير فيه رهبة للعدو وهو عين المصلحة. وكقوله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة الأنعام: الآية 108. بينت الآية العلة من النهي عن سب الذين يدعون من دون الله حتى لا يسبوا الله تعالى بغير علم، وهذا هو عين المفسدة.
التعليل بلعلّ :
وهو في كلام الله مجردة عن معنى الترجي بل هي من الخالق سبحانه وتعالى للتعليل المحض ومنها قوله تعالى:( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة: الآية 183. وقوله تعالى:( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) سورة يوسف: الآية 2. وفي هذا كله قد أخلصت للتعليل(الغزالي:بدون:ص196).
التعليل بترتيب الحكم على الوصف المقتضى له :
كقوله تعالى:( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) سورة المجادلة: الآية 11. حيث يفهم التعليل من إضافة الحكم إلى الوصف المناسب(الغزالي:بدون:ج2ص217).منها قوله تعالى:( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) سورة المائدة: الآية 38. وقوله تعالى:( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) سورة النور: الآية:2. فيتضح من هاتين الآيتين أن السرقة والزنا هما علة للحكم.
التعليل بذكر صفاته سبحانه وتعالى التي تدل على الحكمة :
لقد وصف الله سبحانه وتعالى نفسه أنه على صراط مستقيم في موضعين:
أحدهما : ما قاله سبحانه وتعالى حاكياً عن نبيه هود عليه السلام كما في قوله سبحانه وتعالى:( إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) سورة هود: الآية:56.
الثاني: قوله سبحانه وتعالى:( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) سورة النحل: الآية76. و الصواب أنه لابد أن يكون لفعله حكمة وتعليل، وإذا عرف هذا فمن ضرورة كونه على صراط مستقيم أنه لا يفعل شيئاً إلا بحكمة يحمد عليها وغاية هي أولى بالإرادة من غيرها فلا تخرج أفعاله تعالى عن الحكمة والمصلحة والإحسان(الغزالي:ص202). وهذا باب كبير من أبواب الشريعة ، وعليه المدار بل أصل في الأصول ، وهو سر التعليل ،وهذا غيضٌ من فيض ، وقليل من كثير ، مما ورد من التعليل في القرآن الكريم .
2/ أدلة مثبتي التعليل من السنة النبوية:
قال ابن القيم: وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم علل الأحكام والأوصاف المؤثرة فيها ليدل على ارتباطها بها، وتعديها بتعدي أوصافها وعللها(ابن قيم الجوزية:بدون: ج1ص256). فالسنة النبوية جاءت معللة لكثير من أحكامها فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
التعليل بحرف من حروف التعليل : حروف التعليل تدل على العلة التي لأجلها كان الحكم ، ومما جاء في السنة النبوية معللاً بحرف من حروف التعليل :
التعليل بمن أجل : ومن ذلك ما رواه سهل بن سعد رضي الله عنه قال: اطلع رجل من حُجر في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدرىَّ يحك به رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك ، إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر(البخاري:بدون:ص1333) فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن العلة من مشروعية الاستئذان إنما هو من أجل البصر. ومن ذلك أيضاً تعليله صلى الله عليه وسلم عن ادخار لحوم الأضاحي بقوله: إنما نهيتكم لأجل الدافة(أبو داود:1983م:ج2ص19) أي إنما نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي من أجل الدافة التي دفت إلى المدينة وهم القوم الذين يسيرون جماعة سيراً ليس بالشديد ، فنهاهم عن ادخار لحوم الأضاحي ليفرقوها ويتصدقوا بها فينتفع أولئك القادمون بها.
التعليل بالفاء: والتي هي للتعقيب والتسبيب، كقوله صلى الله عليه وسلم: من أحيا أرضاً ميتة فهي له(البخاري:بدون:ص483) وكقوله صلى الله عليه وسلم: من بدَّل دينه فاقتلوه (البخاري:بدون:ص635). وكما في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : بينما رجلٌ واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فأوقصته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:أغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ، ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً(مسلم:2001م:ج3ص264).
التعليل بإذاً :
فهي من أدوات التعليل ومما ورد في الأحاديث معللاً بها قوله صلى الله عليه وسلم: أينقص الرطب إذا يبُس؟ فقيل:نعم فقال: فلا إذاً(أبو داود:1983م:ج3ص653). قال الإمام الغزالي:معلقاً على هذا الحديث ففيه تنبيه على العلة من ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه لا وجه لذكر هذا الوصف لولا التعليل به .
الثاني: قوله " إذاً" فإنه للتعليل .
الثالث: الفاء في قوله: "فلا إذاً" فإنه للتعقيب والتسبيب(الغزالي:بدون:ج2ص233) .
التعليل بالإجابة عن المسألة بذكر نظائرها: قال ابن القيم: وقد قرّب النبي صلى الله عليه وسلم الأحكام إلى أمته بذكر نظائرها وأسبابها وضرب لها الأمثال. ومن ذلك ما جاء عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: هششت إلى المرأة فقبلتها وأنا صائم ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله أتيت أمراً عظيماً قبلّت وأنا صائم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ فقلت: لا بأس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ففيم(ابن حنبل:1978م:ج1ص21). قال ابن القيم: ولولا أن حكم المثل حكم مثله وأن المعاني والعلل مؤثرة في الأحكام نفياً وإثباتاً لم يكن لذكر هذا التشبيه معنى فذكر ليدل به على أن حكم النظير حكم مثله، وأن نسبة القبلة التي هي وسيلة إلى الوطء كنسبة وضع الماء في الفم الذي هو وسيلة إلى شربه ، فكما أن هذا الأمر لا يضر ، فكذلك الآخر(ابن قيم الجوزية:بدون:ج2ص257). وقال الغزالي: فإنه لو لم يكن للتعليل لما كان التعرض لغير محل السؤال منتظماً(الغزالي:ج2ص233). وقد قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله، فقال: إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل والحج مكتوب عليه ، أفأحج عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان يجزئ عنه ؟ قال: نعم قال: فحج عنه(سنن الدارمي:1986م:ج2ص62)قال ابن القيم: فقرب الحكم من الحكم، وجعل دين الله سبحانه وتعالى في وجوب القضاء، أو في قبوله بمنزلة دين الآدمي ، وألحق النظير بالنظير، والمقصود أن النبي صلى الله عليه سلم يذكر في الأحكام العلل وربطها بأوصاف مؤثرة فيها مقتضية لها طرداً وعكساً ، وأنه قد يوجب الشيء ويحرم نظيره من وجه ، ويحرم الشيء ويبيح نظيره من كل وجه، وهذا كله يدل على أنه من المعلوم الثابت في فطرهم أن حكم النظيرين حكم واحد، سواء كان ذلك تعليلاً منه صلى الله عليه وسلم للقدر أو الشرع أولهما، فهو دليل على تساوي النظيرين وتشابه القرينين، وإعطاء أحدهما حكم الآخر(ابن قيم الجوزية:بدون:ج2ص256).
التعليل بالتنبيه والإيماء على العلة: فمن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن الهرة قال: إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات(أبو داود:1983م:ج1ص8). قال الغزالي: فإن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يقل: لأنها أو لأجل أنها من الطوافين عليكم لكن أومأ إلى التعليل، لأنه لو لم يكن علة لم يكن ذكر وصف الطواف مفيداً، فإنه لو قال: سوداء أو بيضاء لم يكن منظوماً إذا لم يُرد التعليل(الغزالي:بدون:ج2ص232).
التعليل بالفصل بين قسمين بوصف ويخصه بالحكم:
وهو أن يفصل الشارع بين قسمين بوصف ويخصه بالحكم ، كقوله صلى الله عليه وسلم: لا يرث القاتل(ابن ماجة:بدون:ج2ص883). فإنه يدل في الظاهر على أنه لا يرث لكونه قاتلاً وليس هذا للمناسبة: بل لو قال الطويل لا يرث أو الأسود لا يرث،لكُنَّا نفهم منه جعل الطول والسواد علامة على انفصاله عن الورثة (الغزالي: بدون:ج2ص232) . فالحديث يدل دلالة واضحة على أن القاتل لا يرث وعلل سبب منعه وعلته لكونه قاتلاً.
التعليل بالتنبيه على الأسباب بترتيب الأحكام عليها بصيغة الجزاء والشرط والفاء: كقوله صلى الله عليه وسلم: من أحياء أرضاً ميتة فهي له (البيهقي:1994م: ج6ص99). وقوله صلى الله عليه وسلم: من بدّل دينه فاقتلوه (الدارقطني: 1966م:ج3ص108). ويلحق بهذا القسم ما يرتبه الراوي بفاء الترتيب والتعقيب كقوله صلى الله عليه وسلم:(مسلم:2000م:ج3ص396). وقول راوِ آخر: وسها النبي صلى الله عليه وسلم فسجد(البيهقي:1994م:ج2ص342). وقول راوِ آخر: ورضّخ يهودي رأس جارية فرضّخ النبي صلى الله عليه وسلم رأسه(ابن ماجة:بدون:ج2ص889). ولما كانت الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ، فقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم علّل فيها الأحكام، مما يصعب حصرها لكثرتها، ولذا أكتفي بهذا السرد (المختصر) مما ورد معللاً من أحاديثه صلى الله عليه وسلم.
الخاتمة:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من بشّر المجتهد المصيب بأجرين والمجتهد المُخطئ بأجر، فصلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعــــــد....
فقد خلُص الباحث إلى النتائج والتوصيات:
أولاً: النتائج: فقد خلُص الباحث إلى جملة من النتائج وهي:
1/ معرفة أدوات التعليل مما يحتاج إليه الفقيه في فقهه، والمفتي في فتواه، والقاضي في إصدار حكمه.
2/ الشريعة معللة بالجملة ولأدوات التعليل أثر في تعليل الأحكام الشرعية.
3/ الشريعة جاءت لتحقيق مصالح العباد وذلك بجلب المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، سواء أدركت العقول البشرية علل التشريع أم لا؟.
ثانياً: التوصيات: فقد خلُص الباحث إلى جملة من التوصيات وهي:
1/ ضرورة تدريس أدوات التعليل لطلاب الجامعات والمعاهد إذ من خلالها يُعرف علل الأحكام والحكمة منها.
2/ ضرورة تفعيل الفكر الأصولي المقاصدي في جميع مجالات الحياة دون استثناء سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وثقافية، وضرورة مراعاة مقاصد الشريعة في القضايا المستجدة وربطها بالعلل لما لها من أهمية كبيرة، وفائدة عظيمة في التيسير عن الناس ورفع الحرج والمشقة عنهم.
فـهرس المصـادر والمراجــع:
1/ الآمدي: سيف الدين علي بن علي: الإحكام في أصول الأحكام: الطبعة الأولى1430ه- 2010م، المكتبة العصرية- صيدا- بيروت.
2/ ابن حنبل: الحافظ أحمد بن حنبل الشيباني: المسند: الطبعة الثالثة1420ه-2001م، المكتب الإسلامي- بيروت- لبنان.
3/ ابن خزيمة: الحافظ أبو بكر بن إسحاق بن خزيمة: صحيح ابن خزيمة: الطبعة الأولى1432-2003م، دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان.
4/ أبو داود: الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث: سنن أبي داود: الطبعة الثانية1403ه-1983م، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده- القاهرة- مصر.
5/ ابن كثير: للحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير: تفسير القرآن العظيم، الطبعة الأولى1425ه- 2004م، مكتبة الصفا- القاهرة- مصر.
6/ ابن ماجة: الحافظ أبي عبد الله محمد يزيد القزويني، مات سنة275ه، بدون، دار الفكر- بيروت- لبنان.
7/ ابن منظور: جمال الدين مكرم بن منظور الأفريقي، مات سنة711ه، لسان العرب، الطبعة الأولى 1421ه- 2001م، دار إحياء التراث العربي.
8/ ابن قيم الجوزية: شمس الدين محمد بن أبي بكر، إعلام الموقعين عن رب العالمين: دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان.
9/ البيهقي: أحمد بن الحسن البيهقي: السنن الكبرى: الطبعة الأولى1348ه-1930م، دار الفكر- بيروت- لبنان.
10/ الترمذي: للحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى، مات سنة297ه، سنن الترمذي: بدون، دار الكتب العلمية- بيروت-لبنان.
11/ التفتازاني: سعد الدين بن مسعود بن عمر: شرح التلويح على التوضيح: دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان.
12/ الحاكم: الحافظ أبو عبد الله الحاكم بن محمد بن عبد الله النيسابوري المعروف بابن البيع، مات سنة405ه، المستدرك على الصحيحين، الطبعة الأولى1416ه- 1996م، دار الفكر- بيروت- لبنان.
13/ الدارقطني: عبد الله الدارقطني: سنن الدارقطني: الطبعة الأولى1407ه-1986م، دار الكتاب العربي- بيروت- لبنان.
14/ الرازي: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، معجم مختار الصحاح: الطبعة الأولى 1429ه- 2008م، دار صادر- بيروت- لبنان.
15/ الشوكاني: محمد بن علي بن محمد الشوكاني: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، الطبعة الأولى1422ه- 2001م، دار إحياء التراث العربي- بيروت- لبنان.
16/ الغزالي: أبو حامد محمد بن محمد: المستصفى: الطبعة الأولى1430ه- 2009م، المكتبة العصرية- صيدا- بيروت.
17/ الغزالي: أبو حامد محمد بن محمد: شفاء العليل: الطبعة الثالثة 1419ه- 1998م، دار الفكر- بيروت- لبنان.
18/ الفيروزآبادي:مجد الدين الفيروزآبادي، مات سنة817ه، القاموس المحيط: الطبعة الأولى1415ه- 1995م، دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان.
19/ القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول: الطبعة الأولى 1432ه- 2011م، المكتبة العصرية- صيدا – بيروت.
20/ القرطبي: أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: الطبعة الأولى1422ه- 2002م، دار إحياء التراث العربي- بيروت- لبنان.
21/ مسلم: الحافظ مسلم بن الحجاج النيسابوري، مات سنة261ه، صحيح مسلم، دار الكتب العلمية- بيروت- لبنان.
22/ النووي: أبي زكريا محي الدين بن شرف النووي، مات سنة676ه، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، الطبعة الثامنة1422ه- 2001م، دار المعرفة- بيروت- لبنان.
23/ وهبة: وهبة الزحيلي: أصول الفقه الإسلامي: الطبعة الأولى1423ه- 2002م، دار الفكر- بيروت- لبنان.