{ السؤال عن الإيمان } نشر القائمون على ( الموسوعة البريطانية ) في منتصف القرن العشرين ٥٤ مجلدا ...

منذ 2022-05-30
{ السؤال عن الإيمان }

نشر القائمون على ( الموسوعة البريطانية ) في منتصف القرن العشرين ٥٤ مجلدا تضم ما تم تسميته ( أعظم كتب العالَم الغربي - Great Books of Western World) ، و هي كتب في الفلسفة و العلم الطبيعي و القانون و اللاهوت... و كان الحديث في الإله أوسع موضوع في هذه الموسوعة. و لما سُئل الفيلسوف الأمريكي المُعمّر؛ و غزير التأليف، عضو American Catholik Philosophical Association ، مورتمر ج. أدلر - و هو أحد القائمين على هذا المشروع و اختيار كتبه بدءا من عصر قدماء اليونان، وُلد سنة ١٩٠٢ ، و توفي عام ٢٠٠١ ميلادية - عن سبب اختيار الموضوع الديني ليكون الأكبر، قال : " لأنه يترتب عدد من العواقب المؤثرة في الحياة و أعمال الإنسان عن تأكيد وجود الله أو إنكاره أكثر من أي مسألة أساسية أخرى".

إن الإنسان كائن متسائل، يسأل لأنه جُبل على ربط الأشياء الدانية بالآفاق البعيدة، و ربط العلل بالمآلات و الحِكم.. يسأل لأن ظواهر الأشياء لا تروي غُلته الدائمة لما بعد الظاهر.. إنه يسأل لأنه يبحث عن الفهم.. و الفهم روح لا تشبع و عمق بلا قاع.. و السؤال عن الوجود المادي و علاقته بالله باب لكل سؤال كبير لاحق.

و قد يقول ملحد أو لا اكتراثي يُغضبه اغتمار نفوس كثير من الناس باللهج بسؤال أصل الوجود ،و حكمة الخلق، و مرسى المآل : الوجود كما نراه محض مادة و طاقة؛ فلما علينا أن نتكلف البحث عن تفسير أولي و غاية نهائية؟!

هو اعتراض يرفض الإندهاش، و تلك خطيئة العقل الأولى و الكبرى، فإن كل انحراف فكري أوله ميل خفيف عن الحق بزلّة واحدة ، ثم تتسع الهُوة بين الخط المستقيم و الخط المائل عنه، و ليس الإلحاد استثناء في هذا الباب.

و قد نظرت في أدلة الإيمان - و هي كثيرة - و تأملتُ في غفلة الملحد عنها، فوجدت عثرة الرجل الكاسرة في الإعتقاد أن الكون بأشيائه ليس ممكنا من الممكنات، و إنما هو شيء موجود و كفى؛ فلا يستدعي نظرا و لا يستفز في الصدق قلقا.

إن الملحد الرافض للإندهاش قانع بما يبديه السطح؛ فلا يسأل عن هذا الكون : لِم وُجد ؟! و لماذا أخذ هذا الشكل و الترتيب؟! و من أين جاء التنظيم و التهذيب؟! و لماذا التركيب و التأليف؟!
و إنما ينطلق من سؤال : إذا كان الله موجودا فلا بد أن يكون الكون في منتهى الكمال المادي و القِيَمي؛ بلا نقص و لا ألم و لا غدٍ و لا هدف..
كل الكمالات قائمة في الإنسان و ما حوله، و ما على الإنسان إلا أن يعُبّ من النعيم عبا، فما نُظم الوجود لغير الإمتاع ، لا شيء وراء ذلك و لا بعده! و من هنا يأتي الخلل، و تورَث الزلة زلات و أوهامها.

من أين يبدأ نظر العاقل؟

من الصفر! من العدم!
ليسأل : لِم كان ما كان؟! و ليس من صورة واهمة للإله و غاياته و خطته في الكون.
يبدأ العقل من حقيقة أولية بسيطة، و هي أن الوجود المادي بأكمله مثير، يستدعي تفسيرا..
فكيف وُجد ؟! و لماذا كان بما هو كائن عليه؟!
السماء الزرقاء البهية، و الوردة العطرة الندية، و البحور الثرية بأشكال الحياة المعجِبة، و الوادي الأخضر المُفعم بالسكينة.. كل ذلك مثير للعحب.. بل العجب الأكبر كائن في ما هو دون ذلك ،و هو وجود الوجود : نفسك، و ما يُقلُّك و يظلك.. لما كان الوجود موجودا؟! لِم لَم يكن العدم الساتر هو القاهر؟!

و من أجمل ما قيل في السؤال الأول قول الكاتب و الصحفي الأمريكي المشهور؛ صاحب القلم الأنيق، إيريك متكساس المتوفى سنة ١٩٦٣، ألّف عددا من الكتب الذائعة في سيرة شخصيات مشهورة مثل اللاهوتيَين مارتن لوثر و بونهوفر، و حاصل على ثلاث شهادات دكتوراه فخرية.

قال : " كلما ازدادت كشوف العلم اتضح أكثر أنه رغم أننا هنا إلا أنه يجب ألا نكون هنا، و نحن عندما نبدأ بحساب كل أدلة ذلك تصبح الإحتمالات العالية ضد إمكان وجودنا مثيرة للقلق، ما الذي علينا أن نفكر فيه أو نشعر به عندما نكتشف الهشاشة الكبيرة لإمكان وجودنا، و نبدأ في فهم كيف أننا - بكل اعتبار - يجب ألّا نوجَد ؟ إن وجودنا لا يبدو فقط مجرد معجزة تكاد تكون مستحيلة، و إنما هو أعظم المعجزات الصارخة التي من الممكن تصورها؛ معجزة تجعل المعجزات المدهشة السابقة تبدو كأنها لا شيء ".

أصل الإشكال إذا هو تجاهل إمكان الإمكان.. ثم تجاهل غرابة الإمكان.. ثم إغفال معجزة الإمكان!

وجودنا معجزة، لكن العقل الغارق في أُلفة الصور و الأعراض؛ لا يستطيع مُجاوزة لحظة مُعايَشة الوجود للنظر في داعي وجوده.

يقول المتكلم المدرسي الفرنسي بيتر أبلار، المولود سنة ١٠٧٩ و المتوفى عام ١١٤٢ ميلادية، و أحد أعلام اللاهوتيين في عصره، الفيلسوف و عالم المنطق : " الطريق إلى الحكمة هو السؤال المستمر و المتكرر".

🍃 المصادر و المَراجع :

١- Ravi Zacharias, The Real Face of Atheism / Grand Rapids, Mich : Baker Books, 2004, p:20.

٢- Eric Metaxes, Miracles : What They Are, Why They Happen, and How They Can Change Your Life / New York : Plume, 2014, p: 54.

٣- براهين وجود الله في النفس و العقل و العلم للدكتور سامي عامري.

٤- استئناسا و ليس توثيقا : رواية أنتيخرستوس للكاتب الدكتور أحمد خالد مصطفى.

صفحتي على الفايسبوك

https://www.facebook.com/profile.php?id=100081019287721

614e07205a9ad

  • 0
  • 0
  • 84

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً