منهج أئمة الحديث في تقويم الرجال: العلم المتعلق بالرجال يسمى: “علم الجرح والتعديل” ويعلم أنه لا ...

منذ 2022-10-18
منهج أئمة الحديث في تقويم الرجال:
العلم المتعلق بالرجال يسمى: “علم الجرح والتعديل”
ويعلم أنه لا يوجد منهج بشري على الإطلاق يملك عشر معشار هذا المنهج التوثيقي الدقيق الذي قدمه لنا أئمة الحديث رضي الله عنهم أجمعين.

يقول الإمام أبو حاتم بن حبان يصف معالم هذا المنهج ويقول: “لسنا ممن يوهم الرعاع مالا يستحله ولا ممن يحيف بالقدح في إنسان وإن كان لنا مخالفا بل نعطى كل شيخ حظه مما كان فيه ونقول في كل إنسان ما كان يستحقه من العدالة والجرح”

محاور هذا المنهج متعددة وتفاصيلها تراجع في مظانها من كتب الحديث والمصطلح لكن هنا إشارة لمسائل ثلاث فقط حتى يتبين لنا مدى عدلهم وإنصافهم رحمهم الله.

المسألة الأولى: تقويم المبتدعة:
العلماء ينظرون في الراوي إلى جهتين: جهة الضبط والإتقان بالإضافة إلى الصدق؛ الصدق والضبط والإتقان فإذا توفرت هاتان الصفتان اعتمدت رواية الراوي حتى واو عرف بتلبسه ببدعة غير مكفرة تخلف منهج السلف الصالح وكانوا يقولون: “لنا صدقه وعليه بدعته”؛ “لنا صدقه” لأنه عرف بالصدق لاسيما إن كان خارجياً مثلاً يعتقد أنه يكفر لو كذب وإن كان وجد أيضاً كذب في الخوارج لكن هذا في حق من قبله من أهل البدع أنه ثبت صدقه؛ يقول “لنا صدقه وعليه بدعته” فليس هذا تهويناً من أهل البدع وأهلها وإنما تعظيم للعدل واعتراف بالحق لأهله.

يقول الإمام الطبري رحمه الله: “لو كان كل من ادعي عليه مذهب من المذاهب الردية ثبت عليه ما ادعي به وسقطت عدالته وبطلت شهادته بذلك للزم ترك أكثر محدثي الأمصار، لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه”

مجرد الاتهام هكذا جزافاً لكن ينبغي التحري والتدقيق في هذا.

يقول الحافظ ابن حجر: “فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أمراً متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة وكذا من اعتقد عكسه فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله”

فلذلك لا نعجب إذا رأينا بعض علماء الحديث وأئمتهم حتى البخاري نفسه قد يروي عن بعض أهل البدع لتوفر هاتين الصفتين: الصدق والضبط فهذا يدل على عظم العدل الذي اتصف به هؤلاء السلف في تقويمهم للرجال مع شدتهم على أهل البدع وحساسيتهم في هذه المسألة ولذلك شيخ الإسلام نفسه يعترف بفضائل المبتدعة إذا ثبت الحق عنهم ولا يتردد في ذلك.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: “وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين وهو خير من أن يكونوا كفارا ”فانظر إلى دقة شيخ الإسلام وشدة إنصافه في هذا الباب؛ نجد أيضاً في صفوف من ينتسبون إلى الدعوة الإسلامية يقولون على بعض الجماعات كجماعة التبليغ أنهم ينتشرون في كل أقطار العالم حتى في داخل روسيا؛ في جنوب أفريقيا ؛في أمريكا؛ في أوربا في كل بلاد العالم ينتشرون للدعوة إلى الإسلام على بعض البدع يتلبسون بها وهي معروفة ويرثون لهذا ويقولون كيف يعلمون الناس إسلاماً به هذه البدع؟ فأولى بمن يرى فهماً أصح للإسلام أن ينشط نشاطهم وأن يتحرك حركتهم لكن مع الكسل نتفرغ للرثاء فقط لحال هؤلاء الذين يسلمون على أيديهم.

وهذا كلام شيخ الإسلام يقول: “وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار فأسلم على يديه خلق كثير وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين وهو خير من أن يكونوا كفارا. وكذلك بعض الملوك قد يغزو غزوا يظلم فيه المسلمين والكفار ويكون آثما بذلك ومع هذا فيحصل به نفع خلق كثير كانوا كفارا فصاروا مسلمين وذاك كان شرا بالنسبة إلى القائم بالواجب وأما بالنسبة إلى الكفار فهو خير وأكثر المتكلمين يردون باطلا بباطل وبدعة ببدعة لكن قد يردون باطل الكفار من المشركين وأهل الكتاب بباطل المسلمين فيصير الكافر مسلما مبتدعا واخص من هؤلاء من يرد البدع الظاهرة كبدعة الرافضة ببدعة أخف منها وهى بدعة أهل السنة”

ويقول أيضاً شيخ الإسلام في نفس الباب يقول رحمه الله: “والرافضة فيهم من هو متعبد متورع زاهد لكن ليسوا في ذلك مثل غيرهم من أهل الأهواء فالمعتزلة أعقل منهم وأعلم وأدين والكذب والفجور فيهم أقل منه في الرافضة والزيدية من الشيعة خير منهم أقرب إلى الصدق والعدل والعلم وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعبد من الخوارج ومع هذا فأهل السنة يستعملون معهم العدل والإنصاف ولا يظلمونهم فإن الظلم حرام مطلقا كما تقدم بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض وهذا مما يعترفون هم به ويقولون أنتم تنصفوننا ما لا ينصف بعضنا بعضا وهذا لأن الأصل الذي اشتركوا فيه أصل فاسد مبنى علي جهل وظلم وهم مشتركون في ظلم سائر المسلمين فصاروا بمنزلة قطاع الطريق المشتركين في ظلم الناس ولا ريب أن المسلم العالم العادل أعدل عليهم وعلى بعضهم من بعض”

ومن جميل ما سطره يراع الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في كتابه سير أعلام النبلاء هذا من أنفس كتب الرجال من أنفس هذه الكتب وأعظمها.

يقول الحافظ الذهبي رحمه الله: “غلاة المعتزلة وغلاة الشيعة وغلاة الحنابلة وغلاة الأشاعرة وغلاة الجهمية وغلاة الكرامية قد ماجت بهم الدنيا وكثروا وفيهم أذكياء وعباد وعلماء نسأل الله العفو والمغفرة لأهل التوحيد ونبرأ إلى الله من الهوى والبدع ونحب السنة ونحب العالم على ما فيه من الاتباع والصفات الحميدة ولا نحب ما ابتدع فيه بتأويل سائغ وإنما العبرة بكثرة المحاسن”.

منهاج أهل السنة في تقويم الرجال للشيخ محمد بن أحمد إسماعيل المقدم
  • 0
  • 0
  • 38

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً