ما هي قواعد وضوابط الاعداد الجيد لخطبة الجمعة؟ 1- حسن اختيار الموضوع: فإن موضوع الخطبة هو لبها ...

منذ 2023-02-02
ما هي قواعد وضوابط الاعداد الجيد لخطبة الجمعة؟
1- حسن اختيار الموضوع: فإن موضوع الخطبة هو لبها وروحها وبحسب الموضوع يكون تفاعل السامعين، مع الحرص على الاجتهاد في أن يكون الموضوع نافعا للناس ذا هدف يهم السامعين، صادرا من شعور قلبي صادق، يناسب الزمن الذي يطرح فيه، يركز فيه على الأساسات والقضايا الكلية للموضوع، مع الحرص على الشمولية والتركيز والترابط وعدم التكرار إلا لحاجة، ومراعاة التبكير في اختيار الموضوع حتى يكون أدعى لضبطه وإتقانه.


2- أهمية الإعداد المتقن من حيث المضمون والشكل:
براعة الاستهلال بالمسلمات العقدية والبداية المثيرة للانتباه ينبغي أن تكون قريبة جدا من الموضوع المطروح، وروعة العرض وجمال الأسلوب، والتجديد والابتكار ومراعاة الظروف والأحوال، وحسن الأداء وقوة الإلقاء، والاهتمام بإيراد الشواهد القرآنية والأحاديث النبوية، وتثبيت الأفكار وإثارة الانتباه بضرب الأمثال وذكر القصص المناسبة، والحرص على تأليف القلوب ووحدة الصف المسلم، والبعد عن كل ما يفرق الأمة ويثير الفتنة، وحسن اختتام الخطبة وإنهائها بالدعاء للمسلمين عامة ولولاتهم خاصة.

3- وحدة الموضوع وترابطه: فإن مما يساعد على تثبيت المعلومات وفهمها، توحيد الفكرة التي يدور حولها الموضوع وترابط أجزائه، فإن تعدد موضوعات الخطبة، والاستطراد فيها وعدم الترابط يشتت ذهن السامع ويجعله في حيرة من أمره، وتزدحم الموضوعات في ذهنه فينسي بعضها بعضا، وغالبا ما تكون المعالجة لما يطرح فيها سطحية عاجلة توجد الإشكال في ذهن السامع دون أن يجد الجواب عليها.


4- تخفيف الخطبة وتقصيرها: لأن المقصود من الخطبة إفادة السامعين وتذكيرهم، والإطالة في الكلام تجعل بعضه ينسي بعضًا. ويمل منه السامع، والمقصود من ذلك الاختصار غير المخل بالمعاني المقصودة من الخطبة وقد وردت أحاديث كثيرة في الحث على قصر الخطبة منها قوله تعالى ( إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وإن من البيان لسحرا ) ( ) رواه مسلم

5- مراعاة قدرة الخطيب على الإعداد: فالعلم درجات، وفوق كل ذي علم عليم، فإذا رأى الخطيب في نفسه عدم القدرة على ذلك فعليه أن لا يتكلم في موضوع هو غير قادر على بيانه وتوضيحه ويستعين بكتب الخطب للعلماء الموثوقين.


6- مراعاة قدرة الناس في الفهم: فإن الناس يتفاوتون في الفهم والإدراك، والخطيب يخاطب أناسا كثيرين فكان واجبا عليه مراعاة قدراتهم على فهم ما يقول والبعد عما لا تدركه عقولهم كمن يحدث العوام بدقائق المسائل في القضاء والقدر أو الخوض في المسائل السياسية، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله ) رواه البخاري

7- مراعاة الأحوال ، مراعاة الحال والمقام، والمخاطبين:


فإن من الحكمة التي أمر الله بها في قوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل: 125]
فمراعاة حال الأمة وما تمر به من أحوال مختلفة تستدعي من الخطابة ما يناسبها: ففي أحوال الشدة يركز الخطيب على الصبر وجمع الكلمة والتوكل على الله، وفي حال الرغد والرخاء يركز على التذكير بالنعم والشكر والتحذير من كفران النعم وبيان قصص السابقين الذين بدلوا نعمة الله كفرا.
ومن ذلك مراعاة حال السامعين فمن يخطب في مسجد أكثر رواده مدرسو الجامعات يختلف عن الذي يرتاده الطلاب، والمسجد الذي يرتاده العمال غير الذي يرتاده المتعلمون فمن الحكمة أن يختار الخطيب من الموضوعات ما يتناسب مع المصلين.


8- حسن النقد وجمال النصح: فإن الناس تقع منهم أخطاء ويقع بعضهم في منكرات يراها الخطيب، وحتى يؤدي النصح ثمرته لا بد من تقيد الخطيب بالضوابط التالية:


أ) الإخلاص لله تعالى وأن يكون هدفه الإصلاح
فالنية أصل جميع الأعمال ويكون قدوته في ذلك الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم كما قـال شعيب فيما حكـاه الله تعالى عنه (قَالَ يَٰقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أنهاكم عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) [هود: 88].
وعلى الخطيب أن يجاهد نفسه بإصلاح نيته في هذا الأمر لأن في النصح العلني ما فيه من أغراض النفس والموفق من وفق للتجرد لله تعالى.
ب) التأكد من صحة الخبر الذي وصل إليه، والتثبت من حصوله ممن نسب إليه، وعدم التسرع بإلقاء التهم بدون تدقيق وتمحيص.
ج) أن لا يجرح ذوات الأشخاص أو الجهات أو الهيئات الرسمية ولا يفتري عليهم.
د) البعد عن تصيد الأخطاء، أو الإلزام بلوازم الأقوال والأفعال، أو محاولة تأويل الكلام ليكون وسيلة إدانة للمنصوح.
هـ) أن يكون لطيفا في نصحه مبتعدا عما يثير في المنصوح العناد والتمادي في الباطل، وأن يهتدي بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان يتبعه في النصـح والتوجيـه فيقـول: ( ما بال أقوام ) ( )
و) أن يكون عالما بحكم ما ينصح به فلا ينهى عن أمر هو غير متأكد من حرمته أو كراهته ولا يأمر بفعل أمر هو غير متأكد من مشروعيته.


9- الموازنة بين الأمور المتقابلة:


أ- فيوازن بين البشارة والنذارة: فمن سلك مثلا جانب الإنذار والتخويف من فساد الناس وضياع الدين وأن مستقبل الناس يزداد شرا وأن الأعداء يملكون زمام الأمور، ونحو ذلك، فإن ذلك يبعث اليأس في النفوس ويحطم حيويتها ونشاطها للعمل النافع، والحكمة في ذلك الموازنة بين البشارة والنذارة ولذلك جمع الله للرسل بين هذين العملين
قال تعالى ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) [البقرة: 213]
وقال تعالى: ( رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) ( ) [النساء: 165]
فهم يبشرون في مواضع البشارة وينذرون في مواضع النذارة ويجمعون بينهما في مواضع الجمع، فالإنذار يحتاج إليه عندما يركن الناس إلى الدنيا ويعرضون عن دين الله تعالى فهو أسلوب تخويف والرسل عليهم الصلاة والسلام فعلوا ذلك فكانوا ينذرون أقوامهم ويخوفونهم لما يرونه من إعراضهم عن دين الله تعالى.
والبشارة تكون للمتقين الطائعين قال تعالى: (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا) [مريم: 97]
ويحتاج الناس إلى البشارة وبعث الأمل في النفوس حين الضعف والخوف والبلاء فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بالرفعة والظهور على الأديان وهم في أشد حالات الضعف وأعداؤهم متسلطون عليهم.
فالموازنة بين البشارة والنذارة من الحكمة في الدعوة التي أمر الله تعالى بها ومن اتباع سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وفيه مراعاة لأحوال الناس ونفوسهم.
ب- يوازن بين المصالح والمفاسد:
فالخطيب بحاجة ماسة إلى فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد ومعرفة رتب المصالح والمفاسد حتى يوازن بين مصلحة كلامه وما قد يترتب عليه من المفاسد، وذلك أن قيام الشريعة إنما هو على جلب المصالح ودرء المفاسد.
وتعارض المصالح والمفاسد وحسنات الفعل وسيئاته باب واسع جدا لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة، وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل، ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة، فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم، فينظر أناس إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة، وينظر أناس إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة، والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين معا، وتعارض المصالح والمفاسد عالجه الشارع بما يلي:


1 - بارتكاب أخف الضررين للسلامة من أعلاهما.
2- تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما.
3- وبتقديم درء المفاسد على جلب المصالح.
4- وبالنظر إلى ما تؤول ‌‌إليه الأمور وعواقبها.
ج- الموازنة بين الجانب العاطفي والجانب العقلي:


وهو ضبط العواطف بالضوابط الشرعية فبعض الخطباء تصطبغ خطبتهم بالصبغة العاطفية البحتة فلا تراه يجتهد لإقناع الناس بما يقول، وبعضهم تصطبغ خطبته بالصبغة العقلية البحتة فلا يثير عواطف الناس، وكل من الأمرين فيه قصور.


إن إشعال عواطف الناس دون أن يكون هناك شيء من الإقناع والأدلة واستخدام الأسلوب العلمي مؤد إلى سلبيات كثيرة منها:


1- أن ما جاء عن طريق العاطفة فقط سرعان ما ينسى إذا انطفأت جذوة تلك العاطفة.
2- أن عواطف الناس تنطلق بدون علم رشيد، فلا بد إذًا من العلم وهو اللجام الذي يلجم العواطف من أن تتجاوز الحدود، كما أن الناس بطبيعتهم محتاجون إلى حاد يحدوهم إلى العمل ومرغب يرغبهم فيه، كما هم محتاجون عند النهي إلى ما يرهبهم إتيانه، ولذلك كان الجمع بين الأسلوبين العقلي والعاطفي هو الحق والصواب.


10- التثبت:


فإن الخطب يحضرها أناس تختلف أقدارهم العلمية والعقلية وكلهم في الغالب يقف موقف المتلقي من الخطيب فكان واجبا على الخطيب أن يتثبت مما يقول ومن أهم ما يجب عليه التثبت فيه ما يلي:


أ- التثبت من سلامة نقل النص:
والخطيب ينقل في موضوع الاستشهاد شيئا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومن الواجب ألا يعتمد على حفظه فيما يتعلق بالآيات والأحاديث النبوية، بل يراجعها لينقلها بلفظها إن كانت من القرآن الكريم، وبلفظها إن أمكن أو معناها إذا كانت من السنة النبوية.


ب- التثبت في الفهم ووجه الاستدلال:
فقد يكون النص صحيحا من جهة النقل، ولكن الفهم المقلوب لذلك النص يحيل المراد، فقد يعيب المرء القول وهو غير معيب، وقد يأخذ من النص دلالة وهو غير مصيب، ولو راجع أقوال المفسرين وشروح العلماء لكتب الحديث لوقع على الصواب، وأما الاعتماد على ما يتبادر إلى الذهن من النص فذلك موقع في الخطأ.


ج- التثبت من صحة نص الحديث الشريف:
لأن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر عن الله تعالى، وليس الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كالكذب على غيرهما.
والتثبت هو بطلب أسانيد تلك الأحاديث والنظر في رجال السند والتوثق من عدالتهم واتصال السند، وعلى الخطيب أن يتثبت من صحة الأحاديث فإن كانت مخرجة في البخاري ومسلم أو أحدهما فيكتفي بالعزو إليها، وإن كانت في غيرهما اجتهد في البحث عن أقوال أهل العلم في الكلام عن الحديث.


د- التثبت من الأحكام الشرعية:
من حل وحرمة ووجوب وندب وكراهة، وخاصة في بعض المواسم كرمضان والحج ونحو ذلك ولا يصح أن يذكر الخطيب تلك الأحكام دون تثبت منها فإن ذلك قول على الله تعالى بغير علم.


هـ- التثبت من الأخبار: قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة) [الحجرات: 6]


فقد ينقل الخطيب في أثناء الخطبة للناس حدثا من الأحداث فالواجب عليه حينئذ التثبت من صحته فإن نقله لخبر لا يثبت، يكون سببا لفقدان مصداقيته عند الناس فلا يأخذون قوله ولا يتقبلونه إلا بنوع من الريب.
وتزداد أهمية التثبت في الأخبار بشكل عام حين وقوع الفتن والشرور واضطراب الأحوال وتبلبل الأذهان، لأن زمن الفتن والشرور مظنة لكثرة الكذب والافتراء.
وقد كان ازدياد الشرور والفتن من أعظم أسباب تثبت السلف واهتمامهم بالأسانيد
قال ابن سيرين رحمه الله: " لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم".


11- معالجة مشكلات الأمة:


فالناظر إلى المجتمعات المسلمة اليوم يجد أنها تزخر بألوان من المشكلات العقدية والاجتماعية والسلوكية والاقتصادية وتفشي المنكرات والمعاصي وترك العبادات، والخطيب كالطبيب يعالج هذه المشكلات، بل حري به أن يتلمس مشكلات الناس ليساعد على حلها، ولكن يحسن التنبيه إلى جملة ملحوظات تتعلق بهذا الموضوع وهي:


أ- أنه يجب على الخطيب أن تكون معالجاته للمشكلات على المنبر منضبطة بالضوابط الشرعية في إنكار المنكر ومن ذلك الإخلاص لله تعالى ومراعاة المصالح والمفاسد، والعلم بأن ما يريد النهي عنه منكرا أو ما يريد الأمر به معروفا. ومعالجة الأمر بالحكمة والموعظة الحسنة.


ب- أن يوجه الناس إلى ما يستطيعون القيام به فلا يخاطب العوام بما يخرج عن قدرتهم أو بمنكر ليسوا هم القائمون عليه أو القائمون به، فمن تكلم عن منكر من المنكرات ولم يذكر ما يمكن للناس عمله تجاه ذلك المنكر أجج مشاعر الناس فيقفون موقف المحتار الذي لا يدري ما يعمل، وقد يصير بعض الناس إلى أعمال غير شرعية في تغيير ذلك المنكر.


ج- ألا يركز الخطيب على الجانب السلبي فقط وهو جانب الإنكار، بل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإن مشكلات الناس إما ترك لمعروف أو فعل لمنكر.


د- ألا يركز الخطيب على لون من ألوان المشكلات فإن في المجتمع مشكلات كثيرة تحتاج إلى علاج وبعضها إذا عولج تبع معالجته مشكلات كثيرة.


هـ- أن صلاة الجمعة يشهدها جماعات من الناس من مختلف المشارب فمنهم البر والفاجر والصالح والفاسق، وضعيف النفس والجاهل، فعلى خطيب الجمعة عند الحديث عن المنكرات والمعاصي ألا يوغل في وصف تلك المنكرات وبيان أماكنها وطريقة أهل الشر فيها، فإن ذلك الوصف مدعاة إلى عكس ما أراده الخطيب، وفي التحذير من المنكر والنهي عنه وبيان أضراره وآثاره غنية عن وصفه.


و- أن الكلام على حدث من الأحداث أو منكر من المنكرات العامة قد يعالج بطريق يسبب ضررا أكبر، كأن يتحدث الإنسان عن ذلك المنكر والقائمين عليه ويصف أحوالهم وأعمالهم، بينما يمكن أن يعالج الموضوع بطريقة حكيمة كأن يتحدث الخطيب عن موضوع مناسب لما وقع أو مشابه له يفهم الناس عن طريقة الموقف الشرعي الرشيد في القضية.
  • 0
  • 0
  • 36

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً