-613-حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ...

منذ 2023-04-22
-613-حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إِنَّمَا يَسْلَمُ مِنَ الدُّنْيَا مَنْ أَخَذَ مِنْهَا لَهَا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ، وَحُوسِبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَخَذَ مِنْهَا لِغَيْرِهَا قَدِمَ عَلَيْهِ، وَأَقَامَ فِيهِ

.
.
.
.
.
.
.
-461-نفسه بشيء من أمر الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه (1) فلولا أنه متصور لما ذكره إلا أنه لا يتصور ذلك إلا في قلب استولى عليه الحب حتى صار كالمستهتر فإنا قد نرى المستوعب القلب بعدو تأذى به قد يتفكر بمقدار ركعتين وركعات في مجادلة عدوه بحيث لا يخطر بباله غير حديث عدوه وكذلك المستغرق في الحب قد يتفكر في محادثة محبوبه بقلبه ويغوص في فكره بحيث لا يخطر بباله غير حديث محبوبه ولو كلمه غيره لم يسمع ولو اجتاز بين يد أحد لكان كأن لا يراه وإذا تصور هذا في خوف من عدو وعند الحرص على مال وجاه فكيف لا يتصور من خوف النار والحرص على الجنة ولكن ذلك عزيز لضعف الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر وإذا تأملت جملة هذه الأقسام وأصناف الوسواس علمت أن لكل مذهب من المذاهب وجهاً في محل مخصوص
وبالجملة فالخلاص من الشيطان في لحظة أو ساعة غير بعيد ولكن الخلاص منه عمرا طويلا بعيد جداً ومحال في الوجود ولو تخلص أحد من وساوس الشيطان بالخواطر وتهييج الرغبة لتخلص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي أنه نظر إلى علم ثوبه في الصلاة فلما سلم رمى بذلك الثوب وقال شغلني عن الصلاة {وقال} اذهبوا به إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيته (2) وكان في يده خاتم من ذهب فنظر إليه وهو على المنبر ثم رمى به قال نظرة إليه ونظرة إليكم // حديث كان في يده خاتم من ذهب فنظر إليه على المنبر فرماه فقال نظرة إليكم أخرجه النسائي من حديث ابن عباس وتقدم في الصلاة وكان ذلك لوسوسة الشيطان بتحريك لذة النظر إلى خاتم الذهب وعلم الثوب وكان ذلك قبل تحريم الذهب فلذلك لبسه ثم رمى به فلا تنقطع وسوسة عروض الدنيا ونقدها إلا بالرمي والمفارقة فما دام يملك شيئاً وراء حاجته ولو ديناراً واحداً لا يدعه الشيطان في صلاته من الوسوسة في الفكر في ديناره وأنه كيف يحفظه وفيماذا ينفقه وكيف يخفيه حتى لا يعلم به أحد وكيف يظهره حتى يتباهى به إلى غير ذلك من الوساوس فمن أنشب مخالبه في الدنيا وطمع في أن يتخلص من الشطيان كان كمن انغمس في العسل وظن أن الذباب لا يقع عليه فهو محال فالدنيا باب عظيم لوسوسة الشيطان وليس له باب واحد بل أبواب كثيرة قال حكيم من الحكماء الشيطان يأتي ابن آدم من قبل المعاصي فإن امتنع أتاه من وجه النصيحة حتى يلقيه في بدعة فإن أبى أمره بالتحرج والشدة حتى يحرم ما ليس بحرام فإن أبى شككه في وضوئه وصلاته حتى يخرجه عن العلم فإن أبى خفف عليه أعمال البر حتى يراه الناس صابراً عفيفاً فتميل قلوبهم إليه فيعجب نفسه وبه يهلكه وعند ذلك يشتد إلحاحه فإنها آخر درجة ويعلم أنه لو جاوزها أفلت منه إلى الجنة
بيان سرعة تقلب القلب وانقسام القلوب في التغير والثبات
اعلم أن القلب كما ذكرناه تكتنفه الصفات التي ذكرناها وتنصب إليه الآثار والأحوال من الأبواب التي وصفناها فكأنه هدف يصاب على الدوام من كل جانب فإذا أصابه شيء يتأثر به أصابه من جانب آخر ما يضاده فتتغير صفته فإن نزل به الشيطان فدعاه إلى الهوى نزل به الملك وصرفه عنه وإن جذبه شيطان إلى شر جذبه شيطان آخر إلى غيره وإن جذبه ملك إلى خير جذبه آخر إلى غيره فتارة يكون متنازعاً بين ملكين وتارة بين شيطانين وتارة بين ملك وشيطان لا يكون قط مهملا وإليه الإشارة بقوله تعالى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ولاطلاع رسول الله صلى الله عليه وسلم على عجيب صنع الله تعالى في عجائب القلب وتقلبه كان يحلف
_________
(1) حديث من صلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا تقدم في الصلاة
(2) حديث أنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى علم في ثوبه في الصلاة الحديث تقدم

.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
-345-أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ، فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ عُثْمَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ: سُئِلَ الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ وَقِيلَ لَهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ مَا عَلَامَةُ الْأُنْسِ بِاللَّهِ؟ قَالَ: " التَّوَحُّشُ مِنَ الْخَلْقِ، قِيلَ لَهُ: فَمَا عَلَامَةُ التَّوَحُّشِ مِنَ الْخَلْقِ؟ قَالَ: الْفِرَارُ إِلَى مَوَاطِنِ الْخَلَوَاتِ وَالتَّفَرُّدُ بِعُذُوبَةِ الذِّكْرِ فَعَلَى قَدْرِ مَا يَدْخُلُ الْقَلْبَ مِنَ الْأُنْسِ بِذِكْرِ اللَّهِ يَخْرُجُ التَّوَحُّشُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ فِي مُنَاجَاتِهِ: يَا مَنْ آنَسَنِي بِذِكْرِهِ وَأَوْحَشَنِي مِنْ خَلْقِهِ، وَكَانَ عِنْدَ مَسَرَّتِي ارْحَمْ عَبْرَتِي .
وَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِدَاودَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: كُنْ بِي مُسْتَأْنِسًا وَمِنْ سِوَايَ مُسْتَوْحِشًا ".
وَقِيلَ لِبَعْضِ الْمُتَعَبِّدِينَ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ قَالَ: أَنِسَ فَتَوَحَّشَ.
وَقِيلَ لِرَابِعَةَ: بِمَ نِلْتِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ؟ قَالَتْ: بِتَرْكِي مَا لَا يَعْنِينِي وَأُنْسِي بِمَنْ لَمْ يَزَلْ يُوَالِنِي.
وَقَالَ ذُو النُّونِ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ: يَا أَنِيسَ كُلِّ مُنْفَرِدٍ بِذِكْرِكَ، وَجَلِيسَ كُلِّ مُتَوَحِّدٍ بِحُبِّكَ.
وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ لرَاهِبٍ: يَا رَاهِبُ لَقَدْ تَعَجَّلْتَ الْوَحْدَةَ، فَقَالَ الرَّاهِبُ: يَا فَتَى لَوْ ذُقْتَ حَلَاوَةَ الْوَحْدَةِ لَاسْتَوْحَشْتَ إِلَيْهَا مِنْ نَفْسِكِ، الْوَحْدَةُ رَأْسُ الْعِبَادَةِ مَا آنَسَتْهَا الْفِكْرَةَ، قَالَ: يَا رَاهِبُ، مَا أَقَلُّ مَا يَجِدُ الْعَبْدُ فِي الْوَحْدَةِ؟ قَالَ: الرَّاحَةُ مِنْ مُدَارَاةِ النَّاسِ وَالسَّلَامَةُ مِنْ شَرِّهِمْ , قَالَ: يَا رَاهِبُ، مَتَى يَذُوقُ الْعَبْدُ حَلَاوَةَ الْأُنْسِ بِاللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا صَفَا الْوُدُّ وَخَلُصَتِ الْمُعَامَلَةُ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَتَى يَصْفُو الْوُدُّ؟ قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ الْهَمُّ فَصَارَ فِي الطَّاعَةِ، قُلْتُ: مَتَى تَخْلُصُ الْمُعَامَلَةُ؟ قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ الْهَمُّ فَصَارَ هَمًّا وَاحِدًا.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: عَجَبًا لِلْخَلَائِقِ كَيْفَ أَرَادُوا بِكَ بَدَلًا؟ وَعَجَبًا لِلْقُلُوبِ كَيْفَ اسْتَأْنَسَتِ بِسِوَاكَ عَنْكَ؟ اللَّهُمَّ آنَسْتَ الْآنِسِينَ مِنْ أَوْلِيَائِكِ وَخَصَصْتَهُمْ بِكِفَايَةِ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ تُشَاهِدُهُمْ فِي ضَمَائِرِهِمْ وَتَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي سَرَائِرِهِمْ وَسِتْرِي عِنْدَكَ مَكْشُوفٌ وَأَنَا إِلَيْكَ مَلْهُوفٌ فَإِذَا أَوْحَشَتْنِي الْعُزْلَةُ آنَسَنِي ذِكْرُكَ وَإِذَا كَثُرَتْ عَلَيَّ الْهُمُومُ رَجَعْتُ إِلَى الِاسْتِجَارَةِ بِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: جِئْتُ مِنْ أُنْسِ الرَّحْمَنِ.
وَكَمَا قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَوْ أَنَّ مَعِي أُنْسًا لَتَوَحَّشْتُ، قِيلَ: رَحِمَكَ اللَّهُ فَمَا عَلَامَةُ صِحَّةِ الْأُنْسِ بِاللَّهِ؟ قَالَ: ضِيقُ الصَّدْرِ مِنْ مُعَاشَرَةِ الْخَلْقِ وَالتَّبَرُّمُ بِهِمْ وَاخْتِيَارُ الْقَلْبِ عُذُوبَةَ الذِّكْرِ , قِيلَ: رَحِمَكَ اللَّهُ فَمَا عَلَامَتُهُ فِي ظَاهِرِهِ؟ قَالَ: مُنْفَرِدٌ فِي جَمَاعَةٍ وَمُسْتَجْمِعٌ فِي خَلْوَةٍ وَغَرِيبٌ فِي حَضَرٍ وَحَاضِرٌ فِي سَفَرٍ وَشَاهِدٌ فِي غَيْبَةٍ وَغَائِبٌ فِي حُضُورٍ، قِيلَ: اشْرَحْ عَنْ وَصْفِ هَذَا مَا مَعْنَى مُنْفَرِدٍ فِي جَمَاعَةٍ وَمُسْتَجْمِعٍ فِي خَلْوَةٍ؟ قَالَ: مُنْفَرِدٌ بِالذِّكْرِ مَشْغُولٌ بِالْفِكْرِ لِمَا اسْتَوْلَى عَلَى الْقَلْبِ وَالْهَمِّ مِنَ الشُّغْلِ وَطِيبِ عُذُوبَةِ الذِّكْرِ وَحَلَاوَتِهِ وَهُوَ مُنْفَرِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ شَاهِدٌ مَعَهُمْ بِبَدَنِهِ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فِي حَدِيثِ كُهَيْلِ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَنْ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ فَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَدَهُ الْمُتْرَفُونَ وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ قُلُوبُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى وَبِأَعْلَى الْعُلَى عِنْدَ الْمَلِكِ الْعَالِي فَهَذِهِ صِفَةُ الْمُنْفَرِدِ فِي جَمَاعَةٍ، قِيلَ: فَمَا الْمُسْتَجْمِعُ فِي خَلْوَةٍ؟ قَالَ: مُسْتَجْمِعٌ لَهُ بِهِمَّةٍ قَدْ جَمَعَ الْهُمُومَ فَصَيَّرَهَا هَمًّا وَاحِدًا فِي قَلْبِهِ فَاسْتَجْمَعَتْ لَهُ الْهُمُومُ فِي مُشَاهَدَةِ الِاعْتِبَارِ وَحُسْنِ الْفِكْرِ فِي نَفَاذِ الْقُدْرَةِ فَهُوَ مُسْتَجْمِعٌ لِلَّهِ بِعَقْلِهِ وَقَلْبِهِ وَهَمِّهِ وَوَهْمِهِ كُلِّهِ، وَكُلُّ جَوَارِحِهِ مُسْتَجْمَعَةٌ مُنْتَصِبَةٌ لِدَوَامِ الذِّكْرِ إِلَى وُجُودِ لُحُوقِ الْبَصِيرَةِ وَعِوَضِ الْفِطْنَةِ وَسَعَةِ الْمَعُونَةِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ مُتَفَرِّقًا وَلَا وَهْمٌ مُعَطَّلًا وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُسْتَجْمِعِ فِي انْفِرَادِهِ، قِيلَ: فَمَا مَعْنَى غَائِبٍ فِي حُضُورٍ؟ قَالَ: غَائِبٌ بِوَهْمِهِ حَاضِرٌ بِقَلْبِهِ فَمَعْنَى غَائِبٍ أَيْ غَائِبٌ عَنْ أبَصْارِ النَّاظِرِينَ حَاضِرٌ بِقَلْبِهِ فِي مُرَاعَاةِ الْعَارِفِينَ "

60db7cc5b3763

  • 0
  • 0
  • 15

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً