أخت موسى والحس والأمني كانت أخت موسى في هذه الأثناء قد تسللت في خفّة ولطف تحوم حول قصر فرعون تلتقط ...

منذ 2017-08-11
أخت موسى والحس والأمني
كانت أخت موسى في هذه الأثناء قد تسللت في خفّة ولطف تحوم حول قصر فرعون تلتقط الأخبار المتناثرة من أفواه القوم ولا تستخبرهم عنها، تستقرأ الحركات والإشارات، وتتأول الرموز والألغاز في حيطة وحذر حتى لا يفتضح أمرها وأمر الوليد معها، كل هذا يحدث ﴿ عَنْ جُنُبٍ﴾، فهي لم تكن تتلقى أخباره لقاء مواجها، وإنما كانت تتلقاها عرضاً، كأنه من غير قصد! ﴿ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ القصص:11، فأي شجاعة كانت تمتلكها، وأي عقل راجح كان عقلها !
وقد "كان من الممكن أن يرى القوم أخت موسى وهى ترقبهم فيتم القبض عليها وينتهى الأمر، ولكن كيف لهم أن يروها بأبصارهم، وتلك الأبصار لا تتحرك ولاترى إلا بأمر الله وقدرته ؟!!"(2).
وحرمنا عليه المراضع !
دب الجوع في معدة موسى، وانهمرت عيناه في البكاء وعلا صراخه حتى عكر هدوء القصر، فخافت آسية أن يجن جنون فرعون بسبب انزعاجه من صراخ موسى، فذهبت إلى المرضعة ونهرتها قائلة: لماذا لا ترضعينه ؟!
فأجابتها متعجبة من الطفل وهي تقول: إنه يرفض الرضاعة رغم أنه جائع !
فاتهمتها آسية أنها امرأة سيئة اللبن، وأخذت موسى منها محاولة أن تهدئ من روعه، وتسكن من هلعه، ثم أرسلت جواري القصر وخدمه يلتمسن له المراضع، في صور وأشكال شتّى.. إنه ابن فرعون.. وإن الدولة كلّها في خدمته وأجهزة الدولة كلها تعمل لتحقيق سعادته.
وعندئذ تدخلت أخت موسى بعدما كانت ترقب الأوضاع ﴿ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ القصص:11، إذ لا بأس من أن تعرض ما عندها من أفكار لعلها تروق لأعين القوم، ولعلها تحقق لهم ما يريدون ﴿ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ القصص:12
فلم يترددوا في قبول هذا العرض.. وأرسلوا إلى المرضعة الجديدة - أم موسى- يطلبون منها أن تأتي لترضعه، فلبت النداء وانطلقت معهم وقلبها يسبق قدميها شوقاً إليه وفرحاً برؤيته، ولكنها كانت تذكر نفسها بضرورة ضبط مشاعرها وانفعالاتها عندما تراه حتى لايُشك في أمرها ..
فلما وصلت القصر رحب بها الجميع وأبصارهم ترقبها .. هل ستنجح في إرضاعه أم سيأبى الرضاعة كما فعل مع السابقات ؟
ولكن المفاجأة .. أنه ما إن شعر موسى بدفء أمه، واشتم رائحتها حتى أقبل على ثديها والتقمه بنهم؛ فلقد كان للرضعات التى أرضعتها له أمه أثراً مهماً في معرفته لها وتمييزه لرائحتها من بين كل المرضعات، ولما شبع من الرضاعة عاد وجهه مشرقاً، وعلت ثغره اللطيف ابتسامة أشرق لها القصر الذي قد عكر صفو هدوئه بصراخه المتواصل، ثم نام في يسر!
ففرحت الجواري بذلك فرحًا شديدًا، وذهب البشير إلى امرأة فرعون، فاستدعت أم موسى، وقالت لها: من أنت ؟! فقد أبى موسى كل ثدي إلا ثديك ؟!
فقالت أم موسى: إني امرأة طيبة الريح، طيبة اللبن، لا يؤت لي برضيع إلا قبلني.
فأحسنت آسية إليها، وأعطتها مالاً كثيراً - وهي لا تعرف أنها أمه- وأمرت أحد رجال الملأ أن يهيئ المكان الذي تعيش فيه مع موسى لترضعه وتربيه لها؛ كما تكفلت آسية بنفقاته إضافة إلى أجر كبير تأخذه "يوكابد" نظير عملها كمرضعة، على أن تأتيها به يومياً لتطمئن عليه وتجلس معه بعض الوقت.
وبذلك رجعت أم موسى بابنها راضية مرضية، وعاش موسى مع أمه في حماية فرعون وجنوده، تحت رعاية الله وعنايته، ولم يكن بين الشدة والفرج إلا يوم وليلة، فسبحانه – عز وجل - وعد فأوفى؛ وعد الله أم موسى بأنه سيرده إليها، وأوفى بوعده ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾ التوبة:111.
فقد أجرى الله الأحداث بهذا الشكل العجيب لكى يرده إليها كما أخذه منها ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ القصص:13 فما الصندوق والنيل وامرأة فرعون والمرضعات ومشاهد القصة كلها إلا جنود لله يتحركون بأمره وينفذون مشيئته سبحانه وتعالى.
ثم يغلق الستار على هذا المشهد بعدما أوفى الله بوعده الأول لأم موسى وهو ﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إليكِ﴾ لتبدأ أحداث أخرى جديدة تدفع بموسى نحو صناعة ربانية فريدة ليتحقق لها الوعد الثاني ﴿ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ فيكون من الرسل والنبيين.
#موسى_كل_عصر
#يتبع

5790110a908f2

  • 0
  • 0
  • 183

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً