موسى بين تربيتين ! كبر موسى بين ظهراني القوم فصار طفلاً ثم صبياً؛ وكان من ذكاء أمه أنها أسقته ...
منذ 2017-08-11
موسى بين تربيتين !
كبر موسى بين ظهراني القوم فصار طفلاً ثم صبياً؛ وكان من ذكاء أمه أنها أسقته جرعات مضاعفة من الحنان فتعلق بها وبالجلوس معها أكثر من تعلقه بقصر فرعون وما فيه !
فلقد كان من تدبير الله أن يبتعد موسى عليه السلام عن بيئة بني إسرائيل الذليلة المريضة المهينة؛ فقد بلغوا من الذل والخضوع حدَّ أن يأتي الشرطي من جنود فرعون وينتزع الرضيع من يدي أمه ويقتله ذبحاً أمام عائلته، دون مقاومة !
لذلك لم يتركه الله ينشأ في هذه البيئة الذليلة؛ فيُذَل مثلهم في سجن، أو يقهره تحكم أصحاب الملك والسلطان، فالحياة في ظل الطغيان ضارة بالنفس، دافعة لقبول الضيم والذل والخضوع.
وقدّر الله له أن يشِب في قصر فرعون ليذوق طعم العزة والكرامة، ولينشأ قوي القلب شجاعًا، ثابت الجنان، لما يصطبغ به مما حوله من عظمة وشموخ وكبرياء وعلم وشجاعة ..
كما كان من تقدير الله أن يشِب موسى في قصر فرعون ليُزيل الله من قلبه مهابة الملوك والأمراء، فقد أراه بعينيه فرعون بشراً -لا إلهاً، ولا أسطورة، ولا شيئا رهيباً- رآه كسائر البشر، يفرح ويحزن، يفزع ويغتم، يتألم ويمرض، يقوى ويضعف !
فلم يعتقد فيه ما يعتقده أولئك الأذلاء من سطوة وجبروت وسلطان وصولجان!!
كما نشأ موسى بين مظاهر الترف ومباهج الملك والسلطان كما ينشأ أبناء الملوك، فتعلم كيف يتكلم كأمير، وكيف ويمشى كأمير، وكيف يأكل كأمير، فهو يدعى الأمير موسى بن فرعون.
ولئلا تكون تلك العظمة هي الأغلب عليه، فيكون مستكبراً طاغياً، حرم الله عليه المراضع فلم يقبل إلا ثدي أمه؛ ليرضع منها العطف على بني إسرائيل والرحمة بأمته وشعبه، وليتعلم منها البساطة والتواضع وأهمية الشعور بالآخرين، ومساعدة المحتاجين واغاثة الملهوفين، وعدم الرضى بالظلم والسعى بكل قوة لمقاومته ورفعه عمن وقع عليه، ولعلها كانت تُسمعه قصصاً من بينها قصة يوسف النبي الصديق الذي ما زال المصريون يحمدون صنيعه بهم بعدما أنقذهم من أزمة اقتصادية طاحنة، وأن هذا النبي هو جد أولادها ..
وبذلك نجحت أم موسى بإمكانياتها المتواضعة أن تربط ابنها بها، حتى لا تلهيه مظاهر الترف التي في قصر فرعون عنها؛ كما نجحت في أن تنتقل من كونها مجرد "مرضعة موسى" إلى حاضنته ومربيته، بعدما كادت مهمتها تنتهي بعد فطامه، وكلما شب موسى غرست فيه أمه قيمة جديدة، وجعلته يتعلق بها أكثر وأكثر ..
موسى يعرف الحقيقة
أتى اليوم الذي تسآل فيه موسى بإلحاح عن سر تسميته بهذا الإسم تحديداً ؟
فأجابته آسية بما تعرفه
تلك الإجابة التي لم تروي فضوله الذي جعله شارد الذهن دائما يفكر في أهله الذين لا يعرفهم حتى الآن، حتى قطعت "يوكابد" تفكيره بلمسة يدها اليابسة على خده، قبل أن تحتضنه.
- ما بك يا موسى ؟
- أريد أن أعرف من أنا، ما هو أصلي وفصلي، لماذا ألقاني أهلى في الماء وتخلو عني ؟
قالت: والله ما ألقوك برضاهم ولا تخلوا عنك.
- أتقسمين على غيب لا تدركيه ؟
سكت لسانها عن الجواب، فضاقت عينا موسى ومال رأسه:
- أنت تعرفين من أنا؟ أليس كذلك ؟
غاصت عيناها الدامعة في التراب ولم تجبه .. فأمسك كتفيها برفق قائلاً:
- لقد عشت في هذا القصر سنين قبل أن أدرك أنني غريب عن أهله، الذين انتشلوني من الماء الذين ألقاني أهلي فيه، وعطفت عليّ سيدة القصر "آسية" واتخذتني ابناً لها على غير رغبة من فرعون، فمن أنا ؟
إزداد بكاء أم موسى قائلة له:
سامحني يا بني، فالأمر لم يكن يوماً بيدي، لك أن تعرف يا بني أنك لست لقيطاً لا أهل له، بل أنت من أحفاد يوسف عليه السلام، أنت سليل بيت النبوة، جدك خليل الله إبراهيم.
تعرق وجه موسى، وتلاحقت أنفاسه ..
- فمن هو أبي ؟
فقالت: هو عمران زوجي ..
ضم موسى جسدها الهزيل إلى صدره ضمة حانية، وأجلسها بجواره لتقص عليه القصة بتفاصيلها، فلما قصت عليه القَصص .. سألها: هل أبقى في قصر فرعون؟
فأجابته: نعم؛ ابق كما أنت، لأن فرعون لو علم بالخبر سيلحقك بإخوانك الذين ذُبِحوا من ذكور بني إسرائيل، وارفع الظلم ما استطعت عن بني إسرائيل، إلى أن يأذن الله بزوال الغمة، ويجمع شملنا جميعاً خارج مصر.
كبر موسى بين ظهراني القوم فصار طفلاً ثم صبياً؛ وكان من ذكاء أمه أنها أسقته جرعات مضاعفة من الحنان فتعلق بها وبالجلوس معها أكثر من تعلقه بقصر فرعون وما فيه !
فلقد كان من تدبير الله أن يبتعد موسى عليه السلام عن بيئة بني إسرائيل الذليلة المريضة المهينة؛ فقد بلغوا من الذل والخضوع حدَّ أن يأتي الشرطي من جنود فرعون وينتزع الرضيع من يدي أمه ويقتله ذبحاً أمام عائلته، دون مقاومة !
لذلك لم يتركه الله ينشأ في هذه البيئة الذليلة؛ فيُذَل مثلهم في سجن، أو يقهره تحكم أصحاب الملك والسلطان، فالحياة في ظل الطغيان ضارة بالنفس، دافعة لقبول الضيم والذل والخضوع.
وقدّر الله له أن يشِب في قصر فرعون ليذوق طعم العزة والكرامة، ولينشأ قوي القلب شجاعًا، ثابت الجنان، لما يصطبغ به مما حوله من عظمة وشموخ وكبرياء وعلم وشجاعة ..
كما كان من تقدير الله أن يشِب موسى في قصر فرعون ليُزيل الله من قلبه مهابة الملوك والأمراء، فقد أراه بعينيه فرعون بشراً -لا إلهاً، ولا أسطورة، ولا شيئا رهيباً- رآه كسائر البشر، يفرح ويحزن، يفزع ويغتم، يتألم ويمرض، يقوى ويضعف !
فلم يعتقد فيه ما يعتقده أولئك الأذلاء من سطوة وجبروت وسلطان وصولجان!!
كما نشأ موسى بين مظاهر الترف ومباهج الملك والسلطان كما ينشأ أبناء الملوك، فتعلم كيف يتكلم كأمير، وكيف ويمشى كأمير، وكيف يأكل كأمير، فهو يدعى الأمير موسى بن فرعون.
ولئلا تكون تلك العظمة هي الأغلب عليه، فيكون مستكبراً طاغياً، حرم الله عليه المراضع فلم يقبل إلا ثدي أمه؛ ليرضع منها العطف على بني إسرائيل والرحمة بأمته وشعبه، وليتعلم منها البساطة والتواضع وأهمية الشعور بالآخرين، ومساعدة المحتاجين واغاثة الملهوفين، وعدم الرضى بالظلم والسعى بكل قوة لمقاومته ورفعه عمن وقع عليه، ولعلها كانت تُسمعه قصصاً من بينها قصة يوسف النبي الصديق الذي ما زال المصريون يحمدون صنيعه بهم بعدما أنقذهم من أزمة اقتصادية طاحنة، وأن هذا النبي هو جد أولادها ..
وبذلك نجحت أم موسى بإمكانياتها المتواضعة أن تربط ابنها بها، حتى لا تلهيه مظاهر الترف التي في قصر فرعون عنها؛ كما نجحت في أن تنتقل من كونها مجرد "مرضعة موسى" إلى حاضنته ومربيته، بعدما كادت مهمتها تنتهي بعد فطامه، وكلما شب موسى غرست فيه أمه قيمة جديدة، وجعلته يتعلق بها أكثر وأكثر ..
موسى يعرف الحقيقة
أتى اليوم الذي تسآل فيه موسى بإلحاح عن سر تسميته بهذا الإسم تحديداً ؟
فأجابته آسية بما تعرفه
تلك الإجابة التي لم تروي فضوله الذي جعله شارد الذهن دائما يفكر في أهله الذين لا يعرفهم حتى الآن، حتى قطعت "يوكابد" تفكيره بلمسة يدها اليابسة على خده، قبل أن تحتضنه.
- ما بك يا موسى ؟
- أريد أن أعرف من أنا، ما هو أصلي وفصلي، لماذا ألقاني أهلى في الماء وتخلو عني ؟
قالت: والله ما ألقوك برضاهم ولا تخلوا عنك.
- أتقسمين على غيب لا تدركيه ؟
سكت لسانها عن الجواب، فضاقت عينا موسى ومال رأسه:
- أنت تعرفين من أنا؟ أليس كذلك ؟
غاصت عيناها الدامعة في التراب ولم تجبه .. فأمسك كتفيها برفق قائلاً:
- لقد عشت في هذا القصر سنين قبل أن أدرك أنني غريب عن أهله، الذين انتشلوني من الماء الذين ألقاني أهلي فيه، وعطفت عليّ سيدة القصر "آسية" واتخذتني ابناً لها على غير رغبة من فرعون، فمن أنا ؟
إزداد بكاء أم موسى قائلة له:
سامحني يا بني، فالأمر لم يكن يوماً بيدي، لك أن تعرف يا بني أنك لست لقيطاً لا أهل له، بل أنت من أحفاد يوسف عليه السلام، أنت سليل بيت النبوة، جدك خليل الله إبراهيم.
تعرق وجه موسى، وتلاحقت أنفاسه ..
- فمن هو أبي ؟
فقالت: هو عمران زوجي ..
ضم موسى جسدها الهزيل إلى صدره ضمة حانية، وأجلسها بجواره لتقص عليه القصة بتفاصيلها، فلما قصت عليه القَصص .. سألها: هل أبقى في قصر فرعون؟
فأجابته: نعم؛ ابق كما أنت، لأن فرعون لو علم بالخبر سيلحقك بإخوانك الذين ذُبِحوا من ذكور بني إسرائيل، وارفع الظلم ما استطعت عن بني إسرائيل، إلى أن يأذن الله بزوال الغمة، ويجمع شملنا جميعاً خارج مصر.