اتهام موسى بجريمة القتل وظل موسى طوال الليل بعيداً عن أعين الناس حتى أشرق النهار ﴿ فَأَصْبَحَ فِي ...

منذ 2017-08-11
اتهام موسى بجريمة القتل
وظل موسى طوال الليل بعيداً عن أعين الناس حتى أشرق النهار ﴿ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ القصص:18، فخرج يسير في طرقات المدينة يتحسس أخبار الفعلة التي فعلها، ويتسمع حديث الناس عنها وعمن فعلها، وذلك ليستوثق أنه غير مطالب بما حدث؛ وتلك غريزة بشرية تدفع بمرتكب الجريمة أن يحوم حولها، وإلا فماذا كان يحمل موسى على البقاء في المدينة؟
وفي أثناء سيره وجد ﴿ الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ﴾ القصص:18، طالباً منه العون والنجدة، فهو في مشاجرة جديدة مع مصري آخر؛ فنظر إليه موسى نظرة غيظ وغضب، وصرخ فيه بحدةٍ قائلاً: ﴿ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ﴾ القصص:18.
فكثيراً ما أكد عليهم موسى في جلساته السرية التي عقدها معهم أن المعارك الجانبية ضد من يظلمونهم، ستثير الثائرة على بني إسرائيل وهم عن الثورة الكاملة في هذا التوقيت عاجزون، وعن حركة التغيير المثمرة ضعفاء؛ وما عليهم في هذا التوقيت إلا أن يعمقوا إيمانهم، ويوحدوا صفهم ويجمعوا قوتهم لساعة الصفر التى سيعلو فيها نجم الإيمان ويرفع للعدل علماً يخفق في البلاد.
لذا تردد موسى في أن يفض هذا النزاع ويتركه ويمضي إلى سبيله، فهو يخشى من وقوع قتيل جديد بسبب يديه القويتين(1).
فما لبث إلا أن اندفع نحوهما متحفزاً رافعاً قبضة يده ﴿ فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما ﴾ القصص:19، ترك الإسرائيلي المصري خوفاً من موسى وانزوى بعيداً يخبئ وجهه بين ذراعيه ظاناً أن موسى قادم لضربه، ثم قال: ﴿ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ ﴾ ؟! القصص:19.
فتوقف موسى مكانه، وأحنى هامته، وشحب لونه، ودارت الدنيا به ..
فقد أفشى هذا الغبي ما كان من أمره بالأمس أمام هذا الجمع من الناس!
الأمر الذي لم يتوقف عند هذا الحد المتأزم، فقد رماه الإسرائيلي الثرثار بالتي هي أشد فقال: ﴿ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ القصص:19، فأفشى السر الثاني وهو الأخطر؛ سر جلساته التي كان يعقدها مع بعض أقرانه من بني إسرائيل يعظهم فيها ويقول: إنه يريد إصلاح أوضاعهم، وأنه واحد منهم !!
اكتشاف حقيقة موسى
سمع المتجمهرون في منطقة الإشتباك هذه الأخبار الخطيرة، فتناقلوا الخبر وأحاط بموسى الخطر، وتعالت همهماتهم وهم يحملقون في موسى مندهشين ! أأنت من قتل المصرى بالأمس نصرة ومحاباة لبني إسرائيل ؟!
تركهم موسى وانزوى بعيداً عن أعينهم المصوبة نحوه ..
أما الرجل المصري فقد أسرع الخطى بهذه الأسرار الخطيرة نحو قصر فرعون الذي ما زال في حالة انعقاد دائم منذ أمس بسبب غياب موسى بن الفرعون، ولمقتل "أحد رجال القصر" في ظروف غامضة!
ولما وصل إلى قصر فرعون وأدلى بما سمعه من كلام الإسرائيلي عن موسى؛ تشاور الملأ من رجال القصر في هذه المصيبة التي نزلت عليهم، فالطفل الذي قتلوا في طلبه الآلاف هو موسى الذي تربى بينهم، والمصيبة الأكبر أنه كان يتردد على بني إسرائيل سراً في بيوتهم يعظهم ويحدثهم في الإصلاح والتغيير ليقودهم لثورة ضد الفرعون ونظامه ؟!!.
نصيحة من فاعل خير
وفي أثناء هذا الاجتماع الذي سيسفر لا محالة عن تدبير مذبحة جديدة لبني إسرائيل عامة ولموسى خاصة؛ علم أحد جنود فرعون بما يدبر لموسى عليه السلام فخرج بهذه الأخبار يمشى مسرعاً ﴿ وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى ﴾ القصص:20، دون أن يلفت الأنظار، لتسبق خطاه تدابير الملأ وتحركات جحافل الجنود، محذراً موسى مما يُكاد ضده.
وهنا ينبغي أن نقر بأن المصريين في كل العصور لم يفتقروا إلى وجود رجال شرفاء يناصرون الحق وأهله حتى في أحلك عصور الطغيان؛ فهذا البطل المصري عرض نفسه للخطر كي يُنجي موسى، وهو ليس على دينه؛ إذ إن الرجولة لا يشترط لها إسلام ولا إيمان ولا حتى توافق في الأفكار، فالقاسم المشترك بينهما أنهما يرفضان الظلم! وقد قدم الله صفة الرجولة عندما قص علينا قصته على صفة السير – بخلاف مؤمن ياسين- لأن رجولته في نصرة الحق سجية فيه كررها مراراً.
فلما وصل "الرجل" إلى المكان الذى علم أن موسى مختبأً فيه ﴿ قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ﴾، بعدما اكتشفوا حقيقة أمرك وما كنت تسعى وتخطط له؛ ﴿ فَاخْرُجْ ﴾ من مصر ﴿ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ القصص:20.
هيا .. قم بسرعة .. فالوقت يمر .. اسلك طريق الصحراء، واتجه إلى أي بلد تضعف فيها قبضة فرعون لكيلا يلاحقوك هناك ..

5790110a908f2

  • 0
  • 0
  • 115

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً