نداء الله لموسى فبدأ موسى يمشى بتأنٍ شديد.. رويداً.. رويداً حتى اقترب أكثر وأكثر من مكان النار ﴿ ...
منذ 2017-08-12
نداء الله لموسى
فبدأ موسى يمشى بتأنٍ شديد.. رويداً.. رويداً حتى اقترب أكثر وأكثر من مكان النار ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ ﴾ نودي نداء جديداً .. بالتحديد ﴿ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ ﴾ القصص:29
- ﴿.. يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ طه:13
وسجل ضمير الوجود ذلك النداء العلوي، وبوركت البقعة التي تجلى عليها ربنا ذو الجلال والإكرام، وتميز الوادي الذي كُرّم بهذا التجلي، ووقف موسى عليه السلام في أكرم موقف يلقاه إنسان، يردد بين نفسه: (ربي !! اختارني ؟! .. أنا ؟).
ثم قاوم رَعشّته، واعتدل في وجل، وسَلت نعليه من قدميه وجثا على رُكبتيه مُحنياً رأسه يستمع إلى الصوت؛ فإذا بنداء ثالث يُعرّف الله فيه نفسه لموسى قائلاً:
- ﴿ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ النمل:9 ﴿ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ القصص:30، ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ..﴾ طه:14
فبدأ الله لقاءه مع موسى عليه السلام بالتعارف، فعرفه بنفسه على نفسه، فهو العزيز الحكيم رب العالمين الذي لا إلاه غيره ولا رب سواه، ثم يقول له بعد هذا التعارف؛ إذا عرفتني يا موسى حقاً﴿ فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ طه:14، فمن عرفني أحبني، ومن أحبني عبدني بالصلاة التي هي أم العبادات، ثم قال الله له محذراً ومنبهاً ﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى(1)﴾.
معجزة العصا
فازداد موسى اضطراباً وخضوعاً وذلة بين يدي الله عز وجل، واستحى أن يرفع عينه من التراب إجلالاً وهيبة لله، فهدّأَ الله من روع موسى وسأله سؤالاً الغرض منه أن يلاطفه، ويؤانسه ..
- فقال:﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾ ؟! طه: 17.
ففهم موسى المغزى، فلم يقل: هي عصاً وسكت، وإنما لمّا لذّ له الخطاب زاد في الجواب؛ ليستمر الحوار بينه وبين رب العزة(1)
- فقال: ﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ﴾ طه: 18، ثم سكت من باب التأدب مع الله، فهو بعلمه غني عن كل هذه التفاصيل.
- فقال له ربه: ﴿ أَلْقِهَا يَا مُوسَى﴾ طه:19
فرمى موسى بعصاه على الأرض، فما إن لامَسَت الأرض حتى اهتزَّت، ثم بدأت تتحرك وتتلوى !! وكلما تحركت انتفخت وانتفشت ونمى حجمها وطولها !
﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ﴾ النمل :10، تركها وهرول يجري مسرعاً من شدة الفزع ﴿ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾، ولم ينظر خلفه ولم يفكر حتى في مجرد العودة إليها ليتبين ماذا سيحدث لها بعد هذا الانتفاخ والانتفاش والاهتزاز.
فناداه ربه قائلاً:
- ﴿يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾ القصص:31
فلبى موسى النداء وعاد إليها مرة أخرى .. فإذا بالمفاجأة ﴿ فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴾ طه:20، وجدها حيَّةٌ تتلوى، لونها أسود تتوسط أوداجَها المنفوخة دائرتان صفراوان كالأعين، تنفث فحيحاً، فخاف من فظاعة هيئتها وصوت فحيحها وهم بالهروب منها مرة أخرى !
فطمأنه ربه قائلاً:
- ﴿ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾ النمل:10، فأقبِل عليها وخذها ولا تخف منها فهي لن تؤذيك لنعيدها لك كما كانت؛ ﴿ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ﴾ طه:21.
بَعد تردد .. اتجه موسى لعَصَاه، ووقف أمامها لحظات قبل أن ينحني بحذر ويقبِض على ذيلها الذي يتلوى، فإذا بها تتيبس وتتصلب فتعود كما كانت !
معجزة اليد
- ثم قال له ربه: ﴿ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى ﴾ طه:22.
فضم موسى ذراعه الأيمن تحت إبط ذراعه الأيسر.
- فقال له ربه: لا يا موسى أدخلها في جيبك ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ﴾ النمل:12، أي في فتحة قميصك من المكان الذي ترتديه منه.
فارتاب موسى وتردد، خوفاً من أن يخرج من يديه شيء كالذي خرج من العصا !
فأمره ربه أن ينفذ الأمر فوراً فقال:
- ﴿ اسْلُكْ يَدَكَ ﴾ القصص:28 ﴿ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾.
فأطاع موسى الأمر، وأدخل يده في فتحة ثوبه من عند صدره ثم أخرجها؛ فإذا بالمفاجأة الثانية، إنها بيضاء لامعة مشعة كالشمس تتلألأ من الصفاء من غير مرض، وقد عهدها أدماء تضرب إلى السمرة.
فارتجف من جلال الله وهيبة المكان، وسجد على الأرض مقاوماً التلعثم والرعشة بسبب خوارق الموقف المتتابعة، فأدركته الرعاية الحانية بتوجيه يرده إلى السكينة، وذلك بأن يضم يده على قلبه، لتنخفض سرعة دقاته، وتهدأ خفقاته ..
- فقال له ربه: ﴿ وَاضْمُمْ إليكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾ القصص:32.
فضم ذراعيه على صدره، ورفع وجهه برهبة ونظر للشجرة التي ازدادت خضرة وحُسناً، شرد فيها متأملاً، فَسَحر الوميض المتلألئ عَينَيه حتى سَكَن وهدأت روعته، فهمس مناجياً ربه:
- ما قد يرغب الرب مِن عبد فَقير ؟
التكليف بالرسالة
- فقال له ربه: ستكون رسولي ونبيي كما كان أجدادك؛ يوسف ومن قبله يعقوب وإسحاق وإبراهيم.
- فقال موسى: رسولك ! إلى مَن ؟
- فقال له ربه: ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ القصص:32، ثم أكد الله عليه بوضوح جوهر رسالته فقال:﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ طه:18.
وهذا هو الشق الأول من رسالته: مواجهة الطاغية فرعون ودعوته للعودة إلى جادة الصواب قبل أن تحل به وبالناس من حوله القارعة الكبرى، فالظلم منذر بخراب العمران، أما الشق الثاني من رسالته فهو تحرير قومه المستَعبدين، ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ الأعراف:105، فرسالة كل الأنبياء هي تحرير البشر ليعبدوا الله وحده لا شريك له وينعكس هذا التوحيد على سلوكهم وحياتهم فلا يكون قولًا بالألسن يخالفه العمل والأنماط الاجتماعية السائدة.
عوائق في طريق الدعوة
شرد موسى للحظات قبل أن يشكو إلى الله بعض العقبات التي قد تكون عائقاً في طريق دعوته فقال: ﴿ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ على ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴾ الشعراء:14
لقد كان شبح القتيل الذي قتله موسى ما زال يطارده، وإن لقاءه بفرعون بوجه سافر سيحرك هذا الحدث الذي كاد يُنسى من ذاكرة المجتمع، ولهذا أظهر موسى ما بنفسه من خوف، وأن لقاءه فرعون، وعرض ما يعرض عليه من آيات قد يقع عند فرعون أنه حيلة يريد أن يشغله بها عن فعلته التي فعلها، ولهذا طلب أن يكون معه أخوه هارون، الذي لا تهمة له عند فرعون، ليكون بعيداً عن هذا الظن.
ولما كان اسم فرعون يقع من نفس موسى موقعاً يثير الرعب والفزع - إنه فرعون بجبروته، وعتوه!! – استرسل متضرعاً إلى الله أن يعينه على مواجهة هذا البلاء، وأن يذهب ما به من اضطراب وفزع!
- فقال: ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾ طه:25، حتى يتّسع لامتثال أمرك، فيتقبله قلبي قبولاً حسناً، فلا يضيق به، ولا يجد حرجاً منه؛ ﴿ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴾ فإن الموقف خطير، والأمر عظيم؛ فإذا لم يكن منك العون والتيسير، فلا طاقة لي به، ولا حيلة لي فيه، ﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴾(1)، ليكون لدي البيان الفصيح والقدرة العالية على محاجّة فرعون، ومناظرته، فـ ﴿ يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ ويعقلوه، ولا تأخذهم العزّة بالإثم، فيردوه على، ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ﴾ إن نسيت ذكرني، وإن نويت خيراً أعانني وحفزني، وليكن هذا المعين هو: ﴿ هَارُونَ أَخِي ﴾ طه:30، فهو بحكم عاطفة الأخوة حريص على سلامتي، وسيقف إلى جانبي في ساعة العسرة، كما أنه ﴿ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا ﴾ القصص:34، فأرسله معي ﴿ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ طه:31، الذي ندبتني إليه، وأكرمتني به ﴿ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ﴾ طه:35.
واستجيب الطلب
فأجابه المجيب القريب سبحانه وتعالى فقال: ﴿ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ طه:36، فكل ما سألتني إياه – من شرح الصدر، وتيسير الأمر، وقوة في الحُجة والفصاحة - أعطيتهم لك ولا أبالي.
كأن الله عز وجل يقول لموسى عليه السلام: "يا موسى من راعى مصلحتك وأعطاك من قبل أن تسأل، أيمنع عنك خيره وأنت تسأل ؟! يا موسى من صعد بك إلى مراتب المعالي، وسما بك إلى درجات الرفعة، أيحجب عنك ما تؤمله ؟! "(1).
- يا موسى ! كل ما سألتني إياه قد أجيب، وأبشر ﴿ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ(2) بِأَخِيكَ ﴾ هارون، علاوة على ما طلبت، وتلك منة جديدة سبقتها منا منن كثيرة ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى ﴾ طه:37، ثم عدد عليه ربه بعض هذه المنن وتلك الحفاوات فقال:
المنة الأولى: حين ألهمنا أمك أنّ أفضل الطرق لخلاصك من فرعون وجبروته، أن تضعك في تابوت- صندوق- ثم تطرح هذا التابوت في النهر ﴿ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ﴾ طه:38
المنة الثانية: زرعت حبك في قلب كل من رآك ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ فعندما تعرضت لخطر الذبح في قصر فرعون، قالت زوجة فرعون – التي أحبتك - لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً.
المنة الثالثة: أنك تربيت وفق إرادتي، ونشأت كما اقتضت مشيئتي ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ حتى تأتي وفق ما أحبّ وأبغي.
المنة الرابعة: ﴿ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ﴾ بعدما حرمنا عليك المراضع ﴿ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ﴾.
المنة الخامسة: عندما دخلت المدينة على حين غفلة من أهلها﴿ وَقَتَلْتَ نَفْسًا ﴾ دفاعاً عن رجل من قومك ﴿ فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ ﴾ الذي كان قد نالك بقتله خوفاً من عقابنا، فقبلنا توبتك وغفرنا لك ذنبك، ونجيناك من جنود فرعون الذين كانوا يتربصون بك.
المنة السادسة: ﴿ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ﴾ عندما أعنّاك على تحمل ما ابتليناك به من مشقة السفر، ومرارة الغربة، وخشونة عيش الصحراء، لتتعلم الخشونة بعد حياة الترف والرفاهية فتشعر بالمحتاج، وتتعلم الصبر بعد ما كان منك من اندفاع وحِدّة فتتصدر للدعوة.
﴿ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾ فاصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ طه:41.
لا أدري بأي قلب استقبل موسى سماع هذه الحفاوة الربانية به، كفاه فخراً فقط أن يستمع إلى قول ربه: ﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ !
وصايا ربانية
وفي نهاية هذا اللقاء النوراني الفريد، وبعد أن عرّف الله موسى عليه السلام بألوهيته الواحدة، وبين له الهدف الأساسي من دعوته وهو عبادة الله عز وجل وإقامة شرائعه في الأرض، وزرع الإيمان الغيبي بقيام الساعة في قلبه، وبين له أن كل إنسان سوف يجزى بحسب عمله، ووجهه بعدم الاكتراث بأقوال المعرضين عنها لأن في نسيان الساعة هلاك للمؤمن، وعرفه بأعدائه الحقيقيين وحذرّه منهم، وأمره بالبدء بدعوتهم لأنهم أفسدوا البلاد وادّعوا الألوهية، واستمع إلى مشاكله وحلها له.
الآن يُختم هذا اللقاء بعدد من الوصايا الربانية كان أولها هو الحرص على ذكر الله: ﴿ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴾ طه:42، فذكر الله قوة تدفع بصاحبها نحو تحقيق هدفه، وهو حصن حصين من دخله أمن على نفسه من جميع المخاطر؛ فمن يَعِش في كنف الله وحصنه من ذا الذي يجرؤ على إيذائه ؟!.
وفي طيات "الوصية الأولى" هذه درراً فريدة، ووصايا محفزة ..
ففي قوله تعالى: ﴿ اذْهَبْ ﴾ تحطيم للسلبية وبناء للإيجابية؛ فأنت قائد التغيير ولو كنت وحدك فإياك أن تستقل، أو تستصغر نفسك.
﴿ أَنتَ وَأَخُوكَ ﴾ إشارة إلى أهمية العمل الجماعي المنظم، في مواجهة الظلم والظالمين، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه.
﴿ بِآيَاتِي ﴾ فيها كسر للجهل والعشوائية في العمل وتأكيد على أهمية العلم والتخطيط.
﴿ ولا تَنِيَا ﴾ فيها تحذير من الكسل أو التواكل.
﴿ فِي ذِكْرِي ﴾ فيها تحطيم للمادية وبناء للربانية.
ثم تأتي "الوصية الثانية" بالرفق بالمدعو حتى ولو كان فرعون ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ طه:44، فاللين واللطف هما سمة الحكماء مع الجهلاء، والأطباء مع المرضى؛ أما رد السفاهة بالسفاهة، والجهل بالجهل، هو نفخ في النار الموقدة، وإمداد لها بالوقود، الذي يزيدها اشتعالاً وتأججاً.
ثم تأتي "الوصية الثالثة" بعدم اليأس؛ فبالرغم أنه قد سبق في علم الله أن فرعون سيموت على الكفر غارقاً، ولكنه يقول لهما: اذهبا إليه غير يائسين من هدايته ﴿ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾، طه:44.
فالداعية الذي ييأس من اهتداء أحد بدعوته لا يبلغها إليه بحرارة، والله يريد أن يوقع الحجة على الناس عامة – وفرعون خاصة - بما وقع منهم في حياتهم؛ وليس بما سبق في علمه هو حتى وإن كان علمه بمستقبل الحوادث كعلمه بالحاضر والماضي في درجة سواء؛ حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
موسى الكليم
وينتهي هذا اللقاء النوراني التاريخي الفاصل بهذه الوصايا الثلاثة:
"المداومة على ذكر الله، والرفق في الدعوة، والتفاؤل وعدم اليأس".
ويحظى موسى عليه السلام بلقب "كليم الله" فهو الوحيد الذي كلمه الله مباشرة بغير واسطة - جبريل - ولعل ذلك يعود إلى مشقة المهمة المنوط بها وصعوبتها، فهو سيبدأ أول ما يبدأ بالجهر بالدعوة ومن داخل قصر أعتى ملوك الأرض وأطغاهم؛ لذا استحق موسى هذا الشرف(1).
سجد موسى لله شكراً على استجابته لكل دعائه، وعلى مننه المتتالية، سجود طال هذه المرة بعدما شعر بسبات مُريح، إلى أن داعبت الرياح وجهه فرفع رأسه ونظر للشجرة التي انطفأ وميضها، ونظر للقمر في سماء صَفَت، ثم التقط عصاه المُلقاة بجانبه واتجه نحو "أهله" الذين تركهم بالقرب من الوادي المقدس، وحكا لهم ما كان من أمر النار والشجرة، ثم ما دار بينه وبين رب السماوات والأرض.
فاقشعر جلدها إجلالاً لله، وبكت شوقاً إليه، فكم شرفها أن كانت زوجة نبي ورسول وكليم لله، كما تشرفت بأن كانت أول من آمن به من البشر.
سر الابتلاء
وفي طريق عودة موسى لمصر تذكر سر ابتلائه في تلك اللحظات الخوالي، عندما خرج منها خائفاً يترقب، الآن فهم السر، وعرف لماذا ابتلي هذا البلاء، فالله لم يكشف مخططه الذي سعى به لقيادة ثورة إصلاحية لأوضاع بني إسرائيل بغضاً فيه، ولا لخطأٍ في طريق التغيير الذي أراد أن يتبناه، ولكن لأن الله دبر أمراً آخر فيه الخير له ولمن بعده، فلقد كان هذا "الابتلاء" في صالحه وإن بدا له في وقتها غير ذلك، وهذا من تمام تدبير الله وحكمته، وصدق بن عطاء الله السكندري عندما قال"ربما منعك ليعطيك"(2)، ففوض أمرك للذي يدبر الأمور، وللذي من حكمته أن ربما يمنع الإنسان من خير صغير ليجلب له الخير الأكبر.
عاد موسى إلى مصر، ودخل نحو خرائب وأكواخ بني إسرائيل، فوجد أهلها ازدادوا فقراً وتهميشاً، نَحلت الوجوه، وهزلت الأجساد، وغُلّقت المتاجر وتناثر المرابون والعاهرات، كثر الذباب وفاح العرق والمرض والشقاء من كل رُكن، لم يندهش موسى كثيراً من أوضاعهم التي تزداد كل يومٍ سوءاً على سوء، فتلك نتيجة السكوت على ظلم الظالم وفساده.
طرق موسى باب بيت أمه والشوق يسبقه لرؤياها ..
فتح هارون الباب واحتاج للحظات حتى تعرف على وجه أخيه، الذي أخفى ملامحه تحت قلنسوة، وتناثر الشيب في لحيته، وغبرت ملابسه بتراب السفر في الصحراء !
ولكن سرعان ما تذكره واحتضنه بفرحة حتَّى بكيا، ثم أدخله ومن معه بسرعة وأحكم غلق الباب.
فلما دخل وجد أمه قد أعياها المرض وجعلها طريحة الفراش، لا تقوى على النهوض لاستقباله، وكأن الله أطال في عمرها حتى ترى بعينيها موسى بعدما أكرمه الله بالرسالة، ليتحقق وعد الله الثاني عندما بشرها فقال: ﴿ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ القصص:7.
فضمها إلي صدره ضمة نسي بعدها آلام الغربة والفراق ..
وبعد أن زال عن موسى عنت السفر، وارتاح من مشقة الطريق، حكى لهم ما كان من أمر سنواته العشر في مدين، وعرفهم بزوجته الشريفة العفيفة التي ارتضته زوجاً لها رغم أنه وقتها كان بلا مال ولا سكن ولا عمل، إضافة إلى أنه أحد المطلوبين لدى الطاغية فرعون، ثم قطع حديثه عند رحلة العودة وما حدث عند الشجرة العجيبة، ليسأل هارون عن حال أبيهما "عمران" ؟!
- فأخبره هارون أنه قد مات بعد مرض لم يمهله، وأن مريم قد تزوجت برجل صالح من بني إسرائيل وتعيش معه بجوارهم.
فسأله موسى عن فرعون ..
فأخبره أنه ما زال يعيث في الأرض فساداً، ولا يزال يزداد ظلماً على ظلمه وجبروتاً على جبروته؛ يُوتِد الأطراف ويُقطِّع الرقاب، ويُصلِّب الناس على جذوع النخل لأتفه الأسباب، ولا زال يأخذ فتيات بني إسرائيل ليُبعن أو يخدمن أو يحترفن البغاء، والشعب لا يحرك ساكناً، يبدد قواهم كل يوم في حفر الخنادق وبناء القصور والمعابد، وصناعة الطوب في موقد ضخم لا تخبو ناره.
طلب هارون من موسى أن يكمل ما بدأه من حديث خاصة ما حدث لهم عند الشجرة في صحراء سيناء ..
فأكمل موسى حديثه إلى أن أخبره أنه دعا الله أن يكلفه معه بالرسالة، وقد استجاب الله دعاءه وأصبح مكلفاً مثله تماماً – من الله - بتوصيل الرسالة إلى فرعون، وإقامة الحجة عليه وعلى قيادات الدولة من الملأ، حتى يؤمنوا بالله الواحد الأحد ويرفعوا العبودية عن بني إسرائيل ويتركوهم يخرجون من مصر إلى أرض الله الواسعة.
فتدلّى فكُ هارون وانقطعت أنفاسه وزاغت عيناه شروداً فيما قاله أخوه، ولم يفق هارون من صدمته إلا حين أخرج موسى يده من جيبه بيضاء مضيئة، وألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، قائلاً له: تلك آيات ربي التي أرسلني بها إلى فرعون وملئه.
دمعت عينا هارون ثم جثا على ركبتيه شاكراً الله على أن اختصه مع أخيه بالرسالة، ودعاه أن يوفقهما في إقامة الحجة على القوم الظالمين.
فبدأ موسى يمشى بتأنٍ شديد.. رويداً.. رويداً حتى اقترب أكثر وأكثر من مكان النار ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ ﴾ نودي نداء جديداً .. بالتحديد ﴿ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ ﴾ القصص:29
- ﴿.. يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ طه:13
وسجل ضمير الوجود ذلك النداء العلوي، وبوركت البقعة التي تجلى عليها ربنا ذو الجلال والإكرام، وتميز الوادي الذي كُرّم بهذا التجلي، ووقف موسى عليه السلام في أكرم موقف يلقاه إنسان، يردد بين نفسه: (ربي !! اختارني ؟! .. أنا ؟).
ثم قاوم رَعشّته، واعتدل في وجل، وسَلت نعليه من قدميه وجثا على رُكبتيه مُحنياً رأسه يستمع إلى الصوت؛ فإذا بنداء ثالث يُعرّف الله فيه نفسه لموسى قائلاً:
- ﴿ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ النمل:9 ﴿ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ القصص:30، ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا ..﴾ طه:14
فبدأ الله لقاءه مع موسى عليه السلام بالتعارف، فعرفه بنفسه على نفسه، فهو العزيز الحكيم رب العالمين الذي لا إلاه غيره ولا رب سواه، ثم يقول له بعد هذا التعارف؛ إذا عرفتني يا موسى حقاً﴿ فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ طه:14، فمن عرفني أحبني، ومن أحبني عبدني بالصلاة التي هي أم العبادات، ثم قال الله له محذراً ومنبهاً ﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى(1)﴾.
معجزة العصا
فازداد موسى اضطراباً وخضوعاً وذلة بين يدي الله عز وجل، واستحى أن يرفع عينه من التراب إجلالاً وهيبة لله، فهدّأَ الله من روع موسى وسأله سؤالاً الغرض منه أن يلاطفه، ويؤانسه ..
- فقال:﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾ ؟! طه: 17.
ففهم موسى المغزى، فلم يقل: هي عصاً وسكت، وإنما لمّا لذّ له الخطاب زاد في الجواب؛ ليستمر الحوار بينه وبين رب العزة(1)
- فقال: ﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ﴾ طه: 18، ثم سكت من باب التأدب مع الله، فهو بعلمه غني عن كل هذه التفاصيل.
- فقال له ربه: ﴿ أَلْقِهَا يَا مُوسَى﴾ طه:19
فرمى موسى بعصاه على الأرض، فما إن لامَسَت الأرض حتى اهتزَّت، ثم بدأت تتحرك وتتلوى !! وكلما تحركت انتفخت وانتفشت ونمى حجمها وطولها !
﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ﴾ النمل :10، تركها وهرول يجري مسرعاً من شدة الفزع ﴿ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾، ولم ينظر خلفه ولم يفكر حتى في مجرد العودة إليها ليتبين ماذا سيحدث لها بعد هذا الانتفاخ والانتفاش والاهتزاز.
فناداه ربه قائلاً:
- ﴿يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾ القصص:31
فلبى موسى النداء وعاد إليها مرة أخرى .. فإذا بالمفاجأة ﴿ فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴾ طه:20، وجدها حيَّةٌ تتلوى، لونها أسود تتوسط أوداجَها المنفوخة دائرتان صفراوان كالأعين، تنفث فحيحاً، فخاف من فظاعة هيئتها وصوت فحيحها وهم بالهروب منها مرة أخرى !
فطمأنه ربه قائلاً:
- ﴿ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾ النمل:10، فأقبِل عليها وخذها ولا تخف منها فهي لن تؤذيك لنعيدها لك كما كانت؛ ﴿ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ﴾ طه:21.
بَعد تردد .. اتجه موسى لعَصَاه، ووقف أمامها لحظات قبل أن ينحني بحذر ويقبِض على ذيلها الذي يتلوى، فإذا بها تتيبس وتتصلب فتعود كما كانت !
معجزة اليد
- ثم قال له ربه: ﴿ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى ﴾ طه:22.
فضم موسى ذراعه الأيمن تحت إبط ذراعه الأيسر.
- فقال له ربه: لا يا موسى أدخلها في جيبك ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ﴾ النمل:12، أي في فتحة قميصك من المكان الذي ترتديه منه.
فارتاب موسى وتردد، خوفاً من أن يخرج من يديه شيء كالذي خرج من العصا !
فأمره ربه أن ينفذ الأمر فوراً فقال:
- ﴿ اسْلُكْ يَدَكَ ﴾ القصص:28 ﴿ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾.
فأطاع موسى الأمر، وأدخل يده في فتحة ثوبه من عند صدره ثم أخرجها؛ فإذا بالمفاجأة الثانية، إنها بيضاء لامعة مشعة كالشمس تتلألأ من الصفاء من غير مرض، وقد عهدها أدماء تضرب إلى السمرة.
فارتجف من جلال الله وهيبة المكان، وسجد على الأرض مقاوماً التلعثم والرعشة بسبب خوارق الموقف المتتابعة، فأدركته الرعاية الحانية بتوجيه يرده إلى السكينة، وذلك بأن يضم يده على قلبه، لتنخفض سرعة دقاته، وتهدأ خفقاته ..
- فقال له ربه: ﴿ وَاضْمُمْ إليكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ﴾ القصص:32.
فضم ذراعيه على صدره، ورفع وجهه برهبة ونظر للشجرة التي ازدادت خضرة وحُسناً، شرد فيها متأملاً، فَسَحر الوميض المتلألئ عَينَيه حتى سَكَن وهدأت روعته، فهمس مناجياً ربه:
- ما قد يرغب الرب مِن عبد فَقير ؟
التكليف بالرسالة
- فقال له ربه: ستكون رسولي ونبيي كما كان أجدادك؛ يوسف ومن قبله يعقوب وإسحاق وإبراهيم.
- فقال موسى: رسولك ! إلى مَن ؟
- فقال له ربه: ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ القصص:32، ثم أكد الله عليه بوضوح جوهر رسالته فقال:﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ طه:18.
وهذا هو الشق الأول من رسالته: مواجهة الطاغية فرعون ودعوته للعودة إلى جادة الصواب قبل أن تحل به وبالناس من حوله القارعة الكبرى، فالظلم منذر بخراب العمران، أما الشق الثاني من رسالته فهو تحرير قومه المستَعبدين، ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ الأعراف:105، فرسالة كل الأنبياء هي تحرير البشر ليعبدوا الله وحده لا شريك له وينعكس هذا التوحيد على سلوكهم وحياتهم فلا يكون قولًا بالألسن يخالفه العمل والأنماط الاجتماعية السائدة.
عوائق في طريق الدعوة
شرد موسى للحظات قبل أن يشكو إلى الله بعض العقبات التي قد تكون عائقاً في طريق دعوته فقال: ﴿ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ على ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴾ الشعراء:14
لقد كان شبح القتيل الذي قتله موسى ما زال يطارده، وإن لقاءه بفرعون بوجه سافر سيحرك هذا الحدث الذي كاد يُنسى من ذاكرة المجتمع، ولهذا أظهر موسى ما بنفسه من خوف، وأن لقاءه فرعون، وعرض ما يعرض عليه من آيات قد يقع عند فرعون أنه حيلة يريد أن يشغله بها عن فعلته التي فعلها، ولهذا طلب أن يكون معه أخوه هارون، الذي لا تهمة له عند فرعون، ليكون بعيداً عن هذا الظن.
ولما كان اسم فرعون يقع من نفس موسى موقعاً يثير الرعب والفزع - إنه فرعون بجبروته، وعتوه!! – استرسل متضرعاً إلى الله أن يعينه على مواجهة هذا البلاء، وأن يذهب ما به من اضطراب وفزع!
- فقال: ﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾ طه:25، حتى يتّسع لامتثال أمرك، فيتقبله قلبي قبولاً حسناً، فلا يضيق به، ولا يجد حرجاً منه؛ ﴿ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴾ فإن الموقف خطير، والأمر عظيم؛ فإذا لم يكن منك العون والتيسير، فلا طاقة لي به، ولا حيلة لي فيه، ﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴾(1)، ليكون لدي البيان الفصيح والقدرة العالية على محاجّة فرعون، ومناظرته، فـ ﴿ يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ ويعقلوه، ولا تأخذهم العزّة بالإثم، فيردوه على، ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ﴾ إن نسيت ذكرني، وإن نويت خيراً أعانني وحفزني، وليكن هذا المعين هو: ﴿ هَارُونَ أَخِي ﴾ طه:30، فهو بحكم عاطفة الأخوة حريص على سلامتي، وسيقف إلى جانبي في ساعة العسرة، كما أنه ﴿ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا ﴾ القصص:34، فأرسله معي ﴿ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ طه:31، الذي ندبتني إليه، وأكرمتني به ﴿ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ﴾ طه:35.
واستجيب الطلب
فأجابه المجيب القريب سبحانه وتعالى فقال: ﴿ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ طه:36، فكل ما سألتني إياه – من شرح الصدر، وتيسير الأمر، وقوة في الحُجة والفصاحة - أعطيتهم لك ولا أبالي.
كأن الله عز وجل يقول لموسى عليه السلام: "يا موسى من راعى مصلحتك وأعطاك من قبل أن تسأل، أيمنع عنك خيره وأنت تسأل ؟! يا موسى من صعد بك إلى مراتب المعالي، وسما بك إلى درجات الرفعة، أيحجب عنك ما تؤمله ؟! "(1).
- يا موسى ! كل ما سألتني إياه قد أجيب، وأبشر ﴿ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ(2) بِأَخِيكَ ﴾ هارون، علاوة على ما طلبت، وتلك منة جديدة سبقتها منا منن كثيرة ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى ﴾ طه:37، ثم عدد عليه ربه بعض هذه المنن وتلك الحفاوات فقال:
المنة الأولى: حين ألهمنا أمك أنّ أفضل الطرق لخلاصك من فرعون وجبروته، أن تضعك في تابوت- صندوق- ثم تطرح هذا التابوت في النهر ﴿ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ﴾ طه:38
المنة الثانية: زرعت حبك في قلب كل من رآك ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ فعندما تعرضت لخطر الذبح في قصر فرعون، قالت زوجة فرعون – التي أحبتك - لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً.
المنة الثالثة: أنك تربيت وفق إرادتي، ونشأت كما اقتضت مشيئتي ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ حتى تأتي وفق ما أحبّ وأبغي.
المنة الرابعة: ﴿ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ﴾ بعدما حرمنا عليك المراضع ﴿ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ﴾.
المنة الخامسة: عندما دخلت المدينة على حين غفلة من أهلها﴿ وَقَتَلْتَ نَفْسًا ﴾ دفاعاً عن رجل من قومك ﴿ فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ ﴾ الذي كان قد نالك بقتله خوفاً من عقابنا، فقبلنا توبتك وغفرنا لك ذنبك، ونجيناك من جنود فرعون الذين كانوا يتربصون بك.
المنة السادسة: ﴿ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ﴾ عندما أعنّاك على تحمل ما ابتليناك به من مشقة السفر، ومرارة الغربة، وخشونة عيش الصحراء، لتتعلم الخشونة بعد حياة الترف والرفاهية فتشعر بالمحتاج، وتتعلم الصبر بعد ما كان منك من اندفاع وحِدّة فتتصدر للدعوة.
﴿ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾ فاصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ طه:41.
لا أدري بأي قلب استقبل موسى سماع هذه الحفاوة الربانية به، كفاه فخراً فقط أن يستمع إلى قول ربه: ﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ !
وصايا ربانية
وفي نهاية هذا اللقاء النوراني الفريد، وبعد أن عرّف الله موسى عليه السلام بألوهيته الواحدة، وبين له الهدف الأساسي من دعوته وهو عبادة الله عز وجل وإقامة شرائعه في الأرض، وزرع الإيمان الغيبي بقيام الساعة في قلبه، وبين له أن كل إنسان سوف يجزى بحسب عمله، ووجهه بعدم الاكتراث بأقوال المعرضين عنها لأن في نسيان الساعة هلاك للمؤمن، وعرفه بأعدائه الحقيقيين وحذرّه منهم، وأمره بالبدء بدعوتهم لأنهم أفسدوا البلاد وادّعوا الألوهية، واستمع إلى مشاكله وحلها له.
الآن يُختم هذا اللقاء بعدد من الوصايا الربانية كان أولها هو الحرص على ذكر الله: ﴿ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴾ طه:42، فذكر الله قوة تدفع بصاحبها نحو تحقيق هدفه، وهو حصن حصين من دخله أمن على نفسه من جميع المخاطر؛ فمن يَعِش في كنف الله وحصنه من ذا الذي يجرؤ على إيذائه ؟!.
وفي طيات "الوصية الأولى" هذه درراً فريدة، ووصايا محفزة ..
ففي قوله تعالى: ﴿ اذْهَبْ ﴾ تحطيم للسلبية وبناء للإيجابية؛ فأنت قائد التغيير ولو كنت وحدك فإياك أن تستقل، أو تستصغر نفسك.
﴿ أَنتَ وَأَخُوكَ ﴾ إشارة إلى أهمية العمل الجماعي المنظم، في مواجهة الظلم والظالمين، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه.
﴿ بِآيَاتِي ﴾ فيها كسر للجهل والعشوائية في العمل وتأكيد على أهمية العلم والتخطيط.
﴿ ولا تَنِيَا ﴾ فيها تحذير من الكسل أو التواكل.
﴿ فِي ذِكْرِي ﴾ فيها تحطيم للمادية وبناء للربانية.
ثم تأتي "الوصية الثانية" بالرفق بالمدعو حتى ولو كان فرعون ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ طه:44، فاللين واللطف هما سمة الحكماء مع الجهلاء، والأطباء مع المرضى؛ أما رد السفاهة بالسفاهة، والجهل بالجهل، هو نفخ في النار الموقدة، وإمداد لها بالوقود، الذي يزيدها اشتعالاً وتأججاً.
ثم تأتي "الوصية الثالثة" بعدم اليأس؛ فبالرغم أنه قد سبق في علم الله أن فرعون سيموت على الكفر غارقاً، ولكنه يقول لهما: اذهبا إليه غير يائسين من هدايته ﴿ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾، طه:44.
فالداعية الذي ييأس من اهتداء أحد بدعوته لا يبلغها إليه بحرارة، والله يريد أن يوقع الحجة على الناس عامة – وفرعون خاصة - بما وقع منهم في حياتهم؛ وليس بما سبق في علمه هو حتى وإن كان علمه بمستقبل الحوادث كعلمه بالحاضر والماضي في درجة سواء؛ حتى لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
موسى الكليم
وينتهي هذا اللقاء النوراني التاريخي الفاصل بهذه الوصايا الثلاثة:
"المداومة على ذكر الله، والرفق في الدعوة، والتفاؤل وعدم اليأس".
ويحظى موسى عليه السلام بلقب "كليم الله" فهو الوحيد الذي كلمه الله مباشرة بغير واسطة - جبريل - ولعل ذلك يعود إلى مشقة المهمة المنوط بها وصعوبتها، فهو سيبدأ أول ما يبدأ بالجهر بالدعوة ومن داخل قصر أعتى ملوك الأرض وأطغاهم؛ لذا استحق موسى هذا الشرف(1).
سجد موسى لله شكراً على استجابته لكل دعائه، وعلى مننه المتتالية، سجود طال هذه المرة بعدما شعر بسبات مُريح، إلى أن داعبت الرياح وجهه فرفع رأسه ونظر للشجرة التي انطفأ وميضها، ونظر للقمر في سماء صَفَت، ثم التقط عصاه المُلقاة بجانبه واتجه نحو "أهله" الذين تركهم بالقرب من الوادي المقدس، وحكا لهم ما كان من أمر النار والشجرة، ثم ما دار بينه وبين رب السماوات والأرض.
فاقشعر جلدها إجلالاً لله، وبكت شوقاً إليه، فكم شرفها أن كانت زوجة نبي ورسول وكليم لله، كما تشرفت بأن كانت أول من آمن به من البشر.
سر الابتلاء
وفي طريق عودة موسى لمصر تذكر سر ابتلائه في تلك اللحظات الخوالي، عندما خرج منها خائفاً يترقب، الآن فهم السر، وعرف لماذا ابتلي هذا البلاء، فالله لم يكشف مخططه الذي سعى به لقيادة ثورة إصلاحية لأوضاع بني إسرائيل بغضاً فيه، ولا لخطأٍ في طريق التغيير الذي أراد أن يتبناه، ولكن لأن الله دبر أمراً آخر فيه الخير له ولمن بعده، فلقد كان هذا "الابتلاء" في صالحه وإن بدا له في وقتها غير ذلك، وهذا من تمام تدبير الله وحكمته، وصدق بن عطاء الله السكندري عندما قال"ربما منعك ليعطيك"(2)، ففوض أمرك للذي يدبر الأمور، وللذي من حكمته أن ربما يمنع الإنسان من خير صغير ليجلب له الخير الأكبر.
عاد موسى إلى مصر، ودخل نحو خرائب وأكواخ بني إسرائيل، فوجد أهلها ازدادوا فقراً وتهميشاً، نَحلت الوجوه، وهزلت الأجساد، وغُلّقت المتاجر وتناثر المرابون والعاهرات، كثر الذباب وفاح العرق والمرض والشقاء من كل رُكن، لم يندهش موسى كثيراً من أوضاعهم التي تزداد كل يومٍ سوءاً على سوء، فتلك نتيجة السكوت على ظلم الظالم وفساده.
طرق موسى باب بيت أمه والشوق يسبقه لرؤياها ..
فتح هارون الباب واحتاج للحظات حتى تعرف على وجه أخيه، الذي أخفى ملامحه تحت قلنسوة، وتناثر الشيب في لحيته، وغبرت ملابسه بتراب السفر في الصحراء !
ولكن سرعان ما تذكره واحتضنه بفرحة حتَّى بكيا، ثم أدخله ومن معه بسرعة وأحكم غلق الباب.
فلما دخل وجد أمه قد أعياها المرض وجعلها طريحة الفراش، لا تقوى على النهوض لاستقباله، وكأن الله أطال في عمرها حتى ترى بعينيها موسى بعدما أكرمه الله بالرسالة، ليتحقق وعد الله الثاني عندما بشرها فقال: ﴿ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ القصص:7.
فضمها إلي صدره ضمة نسي بعدها آلام الغربة والفراق ..
وبعد أن زال عن موسى عنت السفر، وارتاح من مشقة الطريق، حكى لهم ما كان من أمر سنواته العشر في مدين، وعرفهم بزوجته الشريفة العفيفة التي ارتضته زوجاً لها رغم أنه وقتها كان بلا مال ولا سكن ولا عمل، إضافة إلى أنه أحد المطلوبين لدى الطاغية فرعون، ثم قطع حديثه عند رحلة العودة وما حدث عند الشجرة العجيبة، ليسأل هارون عن حال أبيهما "عمران" ؟!
- فأخبره هارون أنه قد مات بعد مرض لم يمهله، وأن مريم قد تزوجت برجل صالح من بني إسرائيل وتعيش معه بجوارهم.
فسأله موسى عن فرعون ..
فأخبره أنه ما زال يعيث في الأرض فساداً، ولا يزال يزداد ظلماً على ظلمه وجبروتاً على جبروته؛ يُوتِد الأطراف ويُقطِّع الرقاب، ويُصلِّب الناس على جذوع النخل لأتفه الأسباب، ولا زال يأخذ فتيات بني إسرائيل ليُبعن أو يخدمن أو يحترفن البغاء، والشعب لا يحرك ساكناً، يبدد قواهم كل يوم في حفر الخنادق وبناء القصور والمعابد، وصناعة الطوب في موقد ضخم لا تخبو ناره.
طلب هارون من موسى أن يكمل ما بدأه من حديث خاصة ما حدث لهم عند الشجرة في صحراء سيناء ..
فأكمل موسى حديثه إلى أن أخبره أنه دعا الله أن يكلفه معه بالرسالة، وقد استجاب الله دعاءه وأصبح مكلفاً مثله تماماً – من الله - بتوصيل الرسالة إلى فرعون، وإقامة الحجة عليه وعلى قيادات الدولة من الملأ، حتى يؤمنوا بالله الواحد الأحد ويرفعوا العبودية عن بني إسرائيل ويتركوهم يخرجون من مصر إلى أرض الله الواسعة.
فتدلّى فكُ هارون وانقطعت أنفاسه وزاغت عيناه شروداً فيما قاله أخوه، ولم يفق هارون من صدمته إلا حين أخرج موسى يده من جيبه بيضاء مضيئة، وألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، قائلاً له: تلك آيات ربي التي أرسلني بها إلى فرعون وملئه.
دمعت عينا هارون ثم جثا على ركبتيه شاكراً الله على أن اختصه مع أخيه بالرسالة، ودعاه أن يوفقهما في إقامة الحجة على القوم الظالمين.