نصوص تربوية من تراثنا الإسلامي عيسى بن أحمد الفيفي معلم تربية إسلامية وطالب دراسات عليا في أصول ...
منذ 2017-08-19
نصوص تربوية من تراثنا الإسلامي
عيسى بن أحمد الفيفي
معلم تربية إسلامية وطالب دراسات عليا في أصول التربية الإسلامية والعامة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ﷺ
أما بعد
أورد الإمام العلامة شمس الدين إبن القيم الجوزية رحمه الله في كتابه تحفة المولود، الغني الزاخر كما أغلب كتب تراثنا الإسلامي المبارك، نصاً تربوياً قيماً فيه من الفوائد والحكم ما يغني عن كثير من البحوث والدراسات التربوية والنفسية المعاصرة لسبقه رحمه إليها فالمؤمن حين يصدق مع الله ويخلص له ويتجرد من الهوى يدله الله إلى الحق ويجريه على قلمه ولسانه نسأل الله أن يوفقنا لخالص القول والعمل.
نص إبن القيم رحمه الله:
"مما يحتاج إليه الطفل غايةَ الاحتياج الاعتناءُ بأمر خُلُقه؛ فإنه ينشأ على ما عوَّده المربي في صغره: من حرد وغضب، ولجاج وعجلة، وخفةٍ مع هواه، وطيش وحِدَّة وجشع، فيصعُبُ عليه في كِبرِه تلافي ذلك، وتصير هذه الأخلاقُ صفاتٍ وهيئاتٍ راسخةً له، فلو تحرَّزَ منها غايةَ التحرُّز؛ فضَحَتْه - ولا بد يومًا ما - ولهذا تجدُ أكثرَ الناس منحرفةً أخلاقُهم! وذلك من قِبَل التربية التي نشَأ عليها، فيَجِبُ أن يُجنَّب الصبيُّ إذا عَقِل مجالسَ اللَّهو والباطل، والغناءِ وسماعِ الفُحْش، والبدع ومنطق السوء؛ فإنه إذا عَلِق بسمعِه عَسُر عليه مفارقتُه في الكِبَر، وعزَّ على وليِّه استنقاذُه منه، فتغييرُ العوائد من أصعب الأمور! يحتاج صاحبُه إلى استِجْداد طبيعةٍ ثانية، والخروج عن حكم الطبيعة عَسِرٌ جدًّاً ،وينبغي لوليِّه أن يُجنِّبَه الأخذَ من غيره غايةَ التجنُّب؛ فإنه مَتى اعتاد الأخذَ صار له طبيعةً، ونشأ بأن يأخذ لا بأن يُعطيَ، ويُعوِّدَه البذلَ والإعطاء، وإذا أراد الوليُّ أن يعطي شيئًا أعطاه إياه على يده؛ ليذوق حلاوة الإعطاء ويُجنِّبُه الكذب والخيانة أعظمَ مما يُجنِّبُه السُّمَّ الناقع؛ فإنه متى سَهَّل له سبيل الكذب والخيانة، أفسَدَ عليه سعادة الدنيا والآخرة، وحَرَمه كلَّ خير
"ويُجنِّبُه الكسل والبطالة، والدَّعة والراحة، بل يأخذه بأضدادِها، ولا يُريحُه إلا بما يُجمُّ نفسه وبدنَه للشُّغلِ، فإن للكسل والبطالة عواقبَ سوءٍ، ومغبَّةَ ندم، وللجِدِّ والتعب عواقب حميدة: إما في الدنيا، وإما في العُقْبى، وإما فيهما، فأروحُ الناس أتعبُ الناس، وأتعب الناس أروحُ الناس، فالسِّيادة في الدنيا، والسعادة في العُقبَى؛ لا يوصَل إليها إلا على جسرٍ من التعب، قال يحيى بنُ أبي كثير: لا يُنالُ العلم براحة الجسد ويُعوِّدُه الانتباهَ آخرَ الليل؛ فإنه وقتُ قَسْمِ الغنائم، وتفريق الجوائز؛ فمُستقلٌّ ومستكثِرٌ ومحروم، فمتى اعتاد ذلك صغيرًا سَهُل عليه كبيرًا". إنتهى كلامه رحمه الله
أقول وبالله التوفيق:
في قوله ومما يحتاج إليه الطفل غاية الإحتياج فيه بيان أن الحاجة إلى التربية والتأديب والتنشئة المنضبطة للطفل لا تقل أهمية عن حاجته للغذاء والرعاية فبها تسمو نفسه وتزدان حياته
في قوله الإعتناء بأمر خُلقه فيه بيان الإهتمام بشخصية الطفل والنشئ عموماً لكي لا تنمو لديه صفة سلبية وخلق سيء حتى يظهر هذا مع النمو كطبع عام يسلب منه إندماجه السليم مع المجتمع
في قوله فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره دلالة واضحة أن الطفل يكتسب النصيب الأكبر من العادات السلبية أو الإيجابية من المربي فتنشأ لديه بقوة العادة إلى سلوك ظاهر
لذالك نستطيع القول:
أنه قد تكون صفات الطفل والنشأ السلبية لها سببين :
1 إما أننا نحن المربين (معلمين آباء و أمهات وإعلام رموز و مشاهير) ننشر هذه السلبيات بتأثير القدوة والمثل الأعلى للنشأ لأنها صفات ظاهرة على سلوكنا
2 أو أن المربين لا يحاولو مقاومة وتوجيه وتعديل بعض ما يظهر من سلوك الناشئ فتتفاقم وتنمو هذه الصفات حتى تصبح طبعاً عاماً للجيل ككل
نجد هذا في قوله وذالك من قبل التربية التي نشأ عليها
في قوله أن يتجنب الصبي إذا عقل مجالس اللغو والباطل والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء بيان أن الصحبه والرفقة وأهل الهوى يستميلون الناس بزخرف القول وبقبول النفس لها وتزيين الشيطان فتكون هذه المجالس تفتك وتهدم أيما تربية ولو كانت مثالية مكتملة الأركان وما أرى اليوم من مثل اغلب الاعلام في افساده
في قوله عسر عليه مقاومته فيه إشارة لقوة العادة وصعوبة التخلص منها وتأثيرها على سلوك الفرد حتى لو كانت لديه قناعة بأنها عادة سيئة فتأثير العادة لا يزول بسهولة
في قوله وينبغي لوليه فيه بيان أن الولاية تكون من منصف عاقل واعي وتكون على ضعيف لمساندته حتى يبلغ أو سفيه حتى يعقل وهذا منهج إسلامي أصيل لا يحتاج فيه الفرد إلى التعلم بالمحاولة والخطأ
في قوله وإذا أراد الولي أن يعطي شيئا أعطاه إياه وهذا منهج شرعي قبل ذالك قال تعالى ﴿وَلا تُؤتُوا السُّفَهاءَ أَموالَكُمُ الَّتي جَعَلَ اللَّهُ لَكُم قِيامًا وَارزُقوهُم فيها وَاكسوهُم وَقولوا لَهُم قَولًا مَعروفًا﴾ [النساء: ٥]
ولا يخفى على ذي لب أن للمال والعطاء سطوته في نفوس الكبار قبل الصغار فتربي نفس الطفل على أنه ليس كل العالم في يده بل موزع على أيدي الناس أياً كان هذا العطاء من مال أوعلم أو خلق فيتعلم الإنصياع المحمود والإنضباط المتزن والتطلع إلى أن يصبح ما في أيدي الناس بيده وما في عقولهم في عقله
في قوله لا ينال العلم براحة الجسم بعد التمهيد لها ببعض المقدمات فيه بيان أنه يفضل للمربي أن ينشط بدن الطفل ببعض الرياضات والأعمال فبها يتقد ذهنه ويصفو باله وتنشط فهمه وتقوي بدنه وبها تنضج الشخصية بتحمل مسؤولية فعله وقد يتحقق بها مالا يتحقق من مطالعة العلوم
في قوله ويعوده الإنتباه آخر الليل إشارة من إبن القيم رحمه الله إلى أنه وقت مبارك ببركة نزول الرحمن فيه للسماء الدنياء وهذه الإشارة من خصائص التربية الإسلامية ففيه يصفو الذهن وتنجلي عنه غشاوة ضجيج النهار وصخبه فهو كعزلة للتأمل والتدبر وإكتساب خيري الدنيا والآخرة ونجد مثل هذه الثقافة موجودة في كثير من التربيات عند مختلف الثقافات غير أنها غير مخصوصة بهذا الوقت من الليل
في قوله فمتى إعتاد ذالك سهل عليه كبيراً فيه تعقيب لما أسلف في ما يسمي اليوم بقوة العادة غير أن هنا ذكر بأن العادة إيجابية وإذا آمنا أن لها قوتها فيجب تعويد الطفل على العادات الحسنة حتى يتألفا ويعتادها فتصبح سجية لا تفارقه
أحببت هنا أن أوردها بشيء من الربط مع واقعنا المعاصر حتى تؤتي نفعاً وتبني فرداً مسلماً فذاً فريداً إن شاء الله بارك الله لي ولكم في القول والعمل
هذا والله أعلم.
عيسى بن أحمد الفيفي
معلم تربية إسلامية وطالب دراسات عليا في أصول التربية الإسلامية والعامة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ﷺ
أما بعد
أورد الإمام العلامة شمس الدين إبن القيم الجوزية رحمه الله في كتابه تحفة المولود، الغني الزاخر كما أغلب كتب تراثنا الإسلامي المبارك، نصاً تربوياً قيماً فيه من الفوائد والحكم ما يغني عن كثير من البحوث والدراسات التربوية والنفسية المعاصرة لسبقه رحمه إليها فالمؤمن حين يصدق مع الله ويخلص له ويتجرد من الهوى يدله الله إلى الحق ويجريه على قلمه ولسانه نسأل الله أن يوفقنا لخالص القول والعمل.
نص إبن القيم رحمه الله:
"مما يحتاج إليه الطفل غايةَ الاحتياج الاعتناءُ بأمر خُلُقه؛ فإنه ينشأ على ما عوَّده المربي في صغره: من حرد وغضب، ولجاج وعجلة، وخفةٍ مع هواه، وطيش وحِدَّة وجشع، فيصعُبُ عليه في كِبرِه تلافي ذلك، وتصير هذه الأخلاقُ صفاتٍ وهيئاتٍ راسخةً له، فلو تحرَّزَ منها غايةَ التحرُّز؛ فضَحَتْه - ولا بد يومًا ما - ولهذا تجدُ أكثرَ الناس منحرفةً أخلاقُهم! وذلك من قِبَل التربية التي نشَأ عليها، فيَجِبُ أن يُجنَّب الصبيُّ إذا عَقِل مجالسَ اللَّهو والباطل، والغناءِ وسماعِ الفُحْش، والبدع ومنطق السوء؛ فإنه إذا عَلِق بسمعِه عَسُر عليه مفارقتُه في الكِبَر، وعزَّ على وليِّه استنقاذُه منه، فتغييرُ العوائد من أصعب الأمور! يحتاج صاحبُه إلى استِجْداد طبيعةٍ ثانية، والخروج عن حكم الطبيعة عَسِرٌ جدًّاً ،وينبغي لوليِّه أن يُجنِّبَه الأخذَ من غيره غايةَ التجنُّب؛ فإنه مَتى اعتاد الأخذَ صار له طبيعةً، ونشأ بأن يأخذ لا بأن يُعطيَ، ويُعوِّدَه البذلَ والإعطاء، وإذا أراد الوليُّ أن يعطي شيئًا أعطاه إياه على يده؛ ليذوق حلاوة الإعطاء ويُجنِّبُه الكذب والخيانة أعظمَ مما يُجنِّبُه السُّمَّ الناقع؛ فإنه متى سَهَّل له سبيل الكذب والخيانة، أفسَدَ عليه سعادة الدنيا والآخرة، وحَرَمه كلَّ خير
"ويُجنِّبُه الكسل والبطالة، والدَّعة والراحة، بل يأخذه بأضدادِها، ولا يُريحُه إلا بما يُجمُّ نفسه وبدنَه للشُّغلِ، فإن للكسل والبطالة عواقبَ سوءٍ، ومغبَّةَ ندم، وللجِدِّ والتعب عواقب حميدة: إما في الدنيا، وإما في العُقْبى، وإما فيهما، فأروحُ الناس أتعبُ الناس، وأتعب الناس أروحُ الناس، فالسِّيادة في الدنيا، والسعادة في العُقبَى؛ لا يوصَل إليها إلا على جسرٍ من التعب، قال يحيى بنُ أبي كثير: لا يُنالُ العلم براحة الجسد ويُعوِّدُه الانتباهَ آخرَ الليل؛ فإنه وقتُ قَسْمِ الغنائم، وتفريق الجوائز؛ فمُستقلٌّ ومستكثِرٌ ومحروم، فمتى اعتاد ذلك صغيرًا سَهُل عليه كبيرًا". إنتهى كلامه رحمه الله
أقول وبالله التوفيق:
في قوله ومما يحتاج إليه الطفل غاية الإحتياج فيه بيان أن الحاجة إلى التربية والتأديب والتنشئة المنضبطة للطفل لا تقل أهمية عن حاجته للغذاء والرعاية فبها تسمو نفسه وتزدان حياته
في قوله الإعتناء بأمر خُلقه فيه بيان الإهتمام بشخصية الطفل والنشئ عموماً لكي لا تنمو لديه صفة سلبية وخلق سيء حتى يظهر هذا مع النمو كطبع عام يسلب منه إندماجه السليم مع المجتمع
في قوله فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره دلالة واضحة أن الطفل يكتسب النصيب الأكبر من العادات السلبية أو الإيجابية من المربي فتنشأ لديه بقوة العادة إلى سلوك ظاهر
لذالك نستطيع القول:
أنه قد تكون صفات الطفل والنشأ السلبية لها سببين :
1 إما أننا نحن المربين (معلمين آباء و أمهات وإعلام رموز و مشاهير) ننشر هذه السلبيات بتأثير القدوة والمثل الأعلى للنشأ لأنها صفات ظاهرة على سلوكنا
2 أو أن المربين لا يحاولو مقاومة وتوجيه وتعديل بعض ما يظهر من سلوك الناشئ فتتفاقم وتنمو هذه الصفات حتى تصبح طبعاً عاماً للجيل ككل
نجد هذا في قوله وذالك من قبل التربية التي نشأ عليها
في قوله أن يتجنب الصبي إذا عقل مجالس اللغو والباطل والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء بيان أن الصحبه والرفقة وأهل الهوى يستميلون الناس بزخرف القول وبقبول النفس لها وتزيين الشيطان فتكون هذه المجالس تفتك وتهدم أيما تربية ولو كانت مثالية مكتملة الأركان وما أرى اليوم من مثل اغلب الاعلام في افساده
في قوله عسر عليه مقاومته فيه إشارة لقوة العادة وصعوبة التخلص منها وتأثيرها على سلوك الفرد حتى لو كانت لديه قناعة بأنها عادة سيئة فتأثير العادة لا يزول بسهولة
في قوله وينبغي لوليه فيه بيان أن الولاية تكون من منصف عاقل واعي وتكون على ضعيف لمساندته حتى يبلغ أو سفيه حتى يعقل وهذا منهج إسلامي أصيل لا يحتاج فيه الفرد إلى التعلم بالمحاولة والخطأ
في قوله وإذا أراد الولي أن يعطي شيئا أعطاه إياه وهذا منهج شرعي قبل ذالك قال تعالى ﴿وَلا تُؤتُوا السُّفَهاءَ أَموالَكُمُ الَّتي جَعَلَ اللَّهُ لَكُم قِيامًا وَارزُقوهُم فيها وَاكسوهُم وَقولوا لَهُم قَولًا مَعروفًا﴾ [النساء: ٥]
ولا يخفى على ذي لب أن للمال والعطاء سطوته في نفوس الكبار قبل الصغار فتربي نفس الطفل على أنه ليس كل العالم في يده بل موزع على أيدي الناس أياً كان هذا العطاء من مال أوعلم أو خلق فيتعلم الإنصياع المحمود والإنضباط المتزن والتطلع إلى أن يصبح ما في أيدي الناس بيده وما في عقولهم في عقله
في قوله لا ينال العلم براحة الجسم بعد التمهيد لها ببعض المقدمات فيه بيان أنه يفضل للمربي أن ينشط بدن الطفل ببعض الرياضات والأعمال فبها يتقد ذهنه ويصفو باله وتنشط فهمه وتقوي بدنه وبها تنضج الشخصية بتحمل مسؤولية فعله وقد يتحقق بها مالا يتحقق من مطالعة العلوم
في قوله ويعوده الإنتباه آخر الليل إشارة من إبن القيم رحمه الله إلى أنه وقت مبارك ببركة نزول الرحمن فيه للسماء الدنياء وهذه الإشارة من خصائص التربية الإسلامية ففيه يصفو الذهن وتنجلي عنه غشاوة ضجيج النهار وصخبه فهو كعزلة للتأمل والتدبر وإكتساب خيري الدنيا والآخرة ونجد مثل هذه الثقافة موجودة في كثير من التربيات عند مختلف الثقافات غير أنها غير مخصوصة بهذا الوقت من الليل
في قوله فمتى إعتاد ذالك سهل عليه كبيراً فيه تعقيب لما أسلف في ما يسمي اليوم بقوة العادة غير أن هنا ذكر بأن العادة إيجابية وإذا آمنا أن لها قوتها فيجب تعويد الطفل على العادات الحسنة حتى يتألفا ويعتادها فتصبح سجية لا تفارقه
أحببت هنا أن أوردها بشيء من الربط مع واقعنا المعاصر حتى تؤتي نفعاً وتبني فرداً مسلماً فذاً فريداً إن شاء الله بارك الله لي ولكم في القول والعمل
هذا والله أعلم.