المعايشة الإيمانية لاسم الله الجميل إعداد الشيخ السيد طه أحمد الحمد لله رب العالمين ... خلق ...

منذ 2024-01-07
المعايشة الإيمانية لاسم الله الجميل
إعداد
الشيخ السيد طه أحمد
الحمد لله رب العالمين ... خلق الإنسان وصوره في أحسن صورة فقال تعالي{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)} التين .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير.. فطر الإنسان علي حب الجمال فأمره أن يكون جميلا وأن يكون شامة وعلامة في الناس وخاصة في مواطن العبادة , فقال تعالى :{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ(31){ الأعراف.
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ)...بين أن الجمال من أسماء الله الحسني التي يجب أن يتحلى بها المسلم... فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس" [رواه مسلم وأبو داود والترمذي]
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.........
أما بعد: فيا أيها المؤمنون..
إن العلمَ بالله أحَدُ أركانِ الإيمان، بل هو أصلُها وما بعدَها تبَعٌ لها، ومعرِفَةُ أسماء الله وصفاتِه أفضلُ وأوجَب ما اكتسبَته القلوب وحصَّلته النفوسُ وأدركته العقول.
قال ابن القيّم رحمه الله: أطيَبُ ما في الدنيا معرفتُه سبحانه ومحبَّته.
ومن أسماء الله الحسني اسم الله الجميل ، فالله تعالي جميل في أسمائه ، جميل في ذاته ، جميل في أفعاله ، جميل في صفاته .
فأسماء الله سبحانَه أحسَنُ الأسماء، وصفاته أكمَلُ الصفاتِ، قال تعالى{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(11)}[الشورى].
وحقيقٌ بكلِّ مسلمٍ معرفتُها وفهم معانيها، والعمل وفقها، والدعاء بها.
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لهي من أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ،وتقوية يقينه بالله تبارك وتعالى.
لذلك كان موضوعنا (المعايشة الإيمانية لاسم الله الجميل) وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ....
1ـ معنى اسم الله الجميل.
2ـ مراتب الجمال الرباني.
3ـ مظاهر الجمال الرباني.
4ـ الجمال الحقيقي في الحياة .
5ـ الجمال المزيف وعاقبته.
6ـ آخر محطات الجمال .
==================
العنصر الأول : معني اسم الله الجميل :ـ
الجَمِيلُ فِي اللغَةِ مِنَ الجَمَالِ وهُوَ الحُسنُ فِي الخِلقَةِ وَالخَلقِ، جَمُلَ يَجمُلُ فَهُوَ جَمِيلٌ ،وَتَجمَّلَ تَزيَّنَ، وَجَمَّلَهُ تَجمِيلًا زَيَّنَهُ، وَأَجَمَلَ الصَنِيعَةَ عِندَ فُلاَنٍ يَعِني: أَحسَنَ إِلَيهِ، وَالمُجَامَلَةُ هِيَ المُعَامَلةُ بِالجَمِيلِ، وَالتَّجَمُّلُ تَكَلُّفُ الجَمِيلِ، وَقَدْ جَمُلَ الرَّجُلُ جَمَالًا فَهُوَ جَمِيلُ وَالمرأَةُ جَمِيلَةٌ"
وقال النبي (ﷺ)"إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ" .
وقِيلَ معني الجميل: أَنَّ كُلَّ أَمرِهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حَسَنٌ جَمِيلٌ، وَلَهُ الأَسمَاءُ الحُسنَى، وَصِفَاتُ الجَمَالِ وَالكَمَالِ.
وَقِيلَ مَعنَاهُ: جَمِيلُ الأَفعَالِ بِكُم باللُّطفِ والنَّظرِ إليكُم، يُكَلِّفُكُم اليَسِيرَ مِنَ العَمَلِ ويُعِينُ عَلَيهِ، وَيُثِيبُ عَلَيهِ الجَزِيلَ وَيشكُرُ عَلَيهِ".
وجمالُ الله وكماله مطلق ،قال تعالى :{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ(27)}[الرحمن] .
فالله تعالي له الصفات الجلال والكمال سبحانه وتعالي ،قال تعالي{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)} [الرحمن] .
قال ابن القيم : ومن أسمائه الحسنى الجميل ومن أحق بالجمال ممن خلق كل جمال في الوجود ؟! إنه الله تعالي الواحد الأحد.
العنصر الثاني: مراتب الجمال الرباني:
جمال الأسماء وجمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال: أسماءه كلها حسنى : قال تعالي { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ (180)} الأعراف.
أسماءه كلها حسنة ، وصفاته كلها صفات كمال ، وأفعاله كلها حكمة .
لذلك لما قال بعض العلماء : " الشريعة عدل كلها ، لأنها منهج الله ، رحمة كلها حكمة كلها ، مصلحة كلها ، وأية قضية خرجت من الحكمة إلى خلافها ، ومن العدل إلى الجور ، ومن المصلحة إلى المفسدة ، فليست من الشريعة ، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل " .
حتى إن علماء العقيدة قالوا : " الحسن ما حسنه الشرع ، والقبيح ما قبحه الشرع ، الله عز وجل ذاته جميلة ، وصفاته جميلة ، وأفعاله جميلة ، وأسماءه جميلة .
ويجب أن نؤمن أن جمال الذات لا يدركه أحد في الكون ولا الأنبياء ، لا يعرف الله عز وجل إلا الله تعالي، لكن جمال الصفات تدل على جمال الذات ، وجمال الصفات محجوبة بأفعاله ، فأفعاله الجميلة تدل على جمال صفاته ، وجمال صفاته تدل على جمال ذاته ، وأنت ترى أفعاله ، ترى الربيع ، ترى العصفور ، ترى الوردة ، ترى الزهرة ، ترى طفلا جميل الصورة ، هذه كلها أفعاله .
أحيانا تأكل طعاما طيبا ، مَن أودع في الطعام هذا الطعم ؟
أحيانا يهب نسيم عليل فتنتعش به ، مَن ساق هذا النسيم ؟
أحيانا ترى مرجا أخضر ، مَن أعطاه هذا اللون الجمال ؟
ترى السماء زرقاء ، البحر صافيا ، الجبال خضراء ، الأطفال الذين وهبهم الله مسحة جمال ، وهناك إنسان قد يفتن بابنه من جماله ، هذه كلها أفعاله ، أفعاله تشير إلى صفاته ، وصفاته تشير إلى ذاته .
لذلك قال بعض العارفين : " لا يعرف الله إلا الله " .
نحن مع جمال الأفعال نرى المطر يُنعش الأرض ، نرى النبع ، الماء الزلال ، نرى الفاكهة الجميلة ، منظر الفاكهة جميل جمالا رائعا جداً ،لدرجة أن البعض يزينون بعض الغرف بصور الفاكهة ، البساتين جميلة ، الماء الرقراق جميل ، يجب أن تخترق جمال الكون إلى جمال الخالق سبحانه وتعالي.
وَعن أَبِي مُوسَى رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ (ﷺ) قَالَ: "حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَ سُبحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ"[رواه البخاري ومسلم].
وقَالَ عَبدُ اللهِ بنُ عَباسٍ رضي الله عنهما: "حُجِبَ الذَّاتُ بِالصِّفَاتِ وَحُجِبَ الصِّفَاتُ بِالأَفعَالِ، فَمَا ظَنُّكَ بِجَمالٍ حُجِبَ بَأَوصَافِ الكَمَالِ، وَسُتِرَ بِنُعُوتِ العَظَمَةِ وَالجَلَالِ"[رواه مسلم].
وَمِنْ هَذَا المَعنَى يُفهَمُ بَعضُ مَعَانِي جَمَالِ ذَاتِهِ، فَإِنَّ العَبدَ يَتَرَقَّى مِنْ مَعرِفَةِ الأَفْعَالِ إِلَى مَعرِفَةِ الصِّفَاتِ، وَمِنْ مَعرِفَةِ الصِّفَاتِ إِلَى مَعرِفَةِ الذَّاتِ، فَإِذَا شَاهَدَ شَيئًا مِنْ جَمَالِ الأَفْعَالِ استَدَلَّ بِهِ عَلَى جَمَالِ الصِّفَاتِ، ثُمَّ استَدَلَّ بِجَمَالِ الصِّفَاتِ عَلَى جَمَالِ الذَّاتِ، وَمِنْ هَهُنَا يَتَبيَّنُ أَنهُ سُبحَانَهُ لَهُ الحَمدُ كُلُّهُ، وله الشكر كله ،وإليه يرجع الأمر كله، وَأَنَّ أَحَدًا مِنْ خَلقِهِ لَا يُحصِي ثَنَاءً عَلَيهِ، بَل هُوَ كَمَا أَثَنَى عَلَى نَفسِهِ.
العنصر الثالث : مظاهر الجمال الرباني :
الجمال في الوجود من آثار صنعه سبحانه وتعالي.. فهيا بنا ننظر إلي بعض مظاهر الجمال الرباني ....
1ـ الجمال في الكون:
كثيرا ما تشهد الآيات القرآنية بروعة وجمال الكون كدلالة على وجود الخالق المصور المبدع ذي القدرة المطلقة والمشيئة النافذة ، حيث أخبر سبحانه وتعالي عن الجمال في السموات والأرض يقول سبحانه وتعالي:{بديعُ السَّمواتِ والأرضِ
(101)} [الأنعام].
ومعنى هذا تأكيد جوانب الإبداع في أنحاء الكون الكبير.
وفي موطن آخر يقدّم القرآن صوراً بديعة من جمال الكون، بُرهاناً على البعث، فيقول تعالى: {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ (10)} [ق] .
فنلمح من مظاهر الجمال التي أبرزتها الآيات كلمة: {وزيّناها} ممَّا يجعل الزينة وهي من أبرز
عناصر الجمال عنصراً في بناء الكون، وكذا قوله تعالى:{وما لها من فروج}، والاتساق والتكامل من مظاهر الجمال، وكذا قوله تعالى:{من كل زوج بهيج}،{حبّ الحصيد}،{والنخيل باسقات}، {طلع نضيد}، وهذه العبارات كُلها تصوّر أنماطاً من الجمال لها مغزاها الكبير.
وهذه الصّور الجمالية في الكون العظيم تردّدت في عدّة آيات، منها قوله تعالي :{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ(6)}الصافات.
وقال تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً (61)} [الفرقان].
وقال تعالي:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ (21)}[الزمر].
وقال تعالي :{الذي خَلَقَ سَبعَ سَمواتٍ طِباقَاً مَا تَرَى في خَلقِ الرَّحْمَنِ من تَفاوُت فارجِع البَصَرَ هَل تَرَى مِنْ فُطُور(3) ثم ارجِعِ البَصرَ كرَّتين يَنقلِبُ إليكَ البَصُرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِير(4) ولقد زيّنا السماء الدُّنيا بمَصابيحَ وجَعلنَاها رُجُومَاً للشياطين(5)}[الملك].
وقال تعالي {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ(28)}[فاطر].
وقال تعالي {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ۗ آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(61)} [النمل]
2ـ الجمال في خلق الإنسان :ـ
أخبر الله تعالي عن خلق الإنسان، إذ قال تعالى بعد أن وصف مراحل الخلق التي مرّ بها الإنسان: قال تعالي{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)}[المؤمنون].
وهُناك آيات أُخرى تكشف عن ظواهر الجمال في خلق الإنسان، وهي تتمثّل في التسوية، والتعديل، والتقويم، فيقول تعالى:{يا أيُّهَا الإنسانُ ما غرّك بربِّك الكَريم (6) الذي خلقك فسوَّاك فعدلك (7) في أيّ صورة ما شاء ركّبك(8)} [الانفطار].
وهناك أمثلة عظيمة في الجمال الذي صنعه الله تعالي ألا وهو جمال الأنبياء عليهم السلام....
فَعَن رَبِيعَةَ بنِ أَبِي عَبدِ الرحمَنِ قَالَ: سَمِعتُ أَنسَ بنَ مَالِكٍ يَصِفُ النَّبِيَّ (ﷺ) ، قَالَ: "كَانَ رَبْعَةً مِنَ القَومِ، لَيْسَ بالطَّويلِ وَلَا بالقَصيرِ، أزهَرَ اللَّونِ، لَيسَ بأبيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ، لَيْسَ بِجَعدٍ قَطِطَ، ولا سَبطٍ رَجِل..."[ رواه البخاري].
ومما جاء في وصفه (ﷺ) "أنه كان يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر "
وَقَدْ أُعطِيَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ حَظًّا وَافِرًا: تَنَاسُبَ الأَعْضَاءِ، وَتَنَاسُقَهَا، وَجَمَالَ الوَجْهِ وَاسْتِدَارَتَهُ وَاسْتِنَارَتَهُ، وَحُسْنَ القَوَامِ وَرَبْعَتَهُ، وَلِينَ الكَفِّ وَطِيبَ رَائِحَتِهِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَ فِي وَصْفِهِ.
وَعَن البَرَاءِ بنِ عَازبَ رضي الله عنهما قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ (ﷺ)أَحسَنَ النَّاسِ وَجهًا، وأَحسنَهُ خَلْقًا، لَيْسَ بالطَّويلِ البائِنِ وَلَا بِالقَصِيرِ"[البخاري ومسلم].
وَعَنهُ: "كَانَ النَّبِيُّ (ﷺ) مَربُوعًا بَعِيدَ مَا بَينَ المَنكِبَينِ، لَهُ شَعَرٌ يَبلُغُ شَحمَةَ أُذنَيهِ، رَأيتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحسَنَ مِنهُ"[البخاري ومسلم].
وَسُئِلَ رضي الله عنه: "أَكَانَ وَجهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثلَ السَّيفِ؟ قَالَ: "لَا، بَلْ مِثلَ القَمرِ"[البخاري ومسلم].
فانظر كيف خلق الباري نبيه المصطفى على هيئة جميلة؛ لأنه حامل الجمال القرآني والهدي الرباني فكيف لا يكون الوعاء جميلا!
وانظر عندما انبهر النسوة في قصة سيدنا يوسف عليه السلام فقطعن أيدهن لشدة انبهارهن بجمال يوسف عليه السلام: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) } يوسف.
إن في هذا الجمال البشري النبوي متعة للناس وتأليف لهم فالوسامة تجذب الناس إليهم وتحبب صاحبها إليهم، والحكمة الشرعية في ذلك الحسن إرادة الله لعبده أن خلقه في أحسن تقويم ليشكر ربه ويعبده، فمن هنا يلزم المسلم أن يكون قصده تعبديا فيما أتاه الله من فضل، كاستثمار هذا الجمال الظاهري في الدعوة إلى الله وجذب عباد الله إلى دين الله، وليس إلى الدنيا وزينتها، ولن يحصل للعبد التوفيق إلا بتجميله للباطن الذي هو محل تكليفه الاختياري، أما الأول فقد جمله الباري سبحانه وتعالي ابتداءً منًّا منه وفضلا.
ومن الجمال الإنساني جمال النساء؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:}كنت عند النبي (ﷺ) فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله (ﷺ) أنظرت إليها؟ قال: لا! قال: فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا {
في هذا الحديث دلالة على جواز النظر إلى وجه من يريد المسلم تزوجها؛ لأنه يستدل بالوجه على الجمال؛ لأن في نظر الرجل لزوجته متعة نفسية تفضي للحكمة الشرعية وهي تحقق السكينة والمودة والرحمة، والقصد التعبدي هو إعفاف النفس بتصريف الشهوة في موضع طيب حلال. لذلك روي عن رسول الله (ﷺ) قوله لعمر بن الخطاب: "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة: إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته ."
فالمرأة الصالحة معناه الجميلة ظاهراً وباطناً، وهي خير من الكنز؛ لأنها أنفع له إذا نظر إليها أدخلت عليه الفرح والسرور بجمال صورتها وحسن سيرتها وحصول حفظ الدين بها، وبطاعتها له، وحفظها لأسرار العشرة وحفظها للمال ورعاية الأولاد.
3ـ الجمال في خلق الحيوان :
ومن مظاهر الجمال الرباني ، الجمال في عالم الحيوان الذي خلقه الله للإنسان على وجه الخدمة والتسخير؛ قال تعالى: وقال تعالي {وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) }[النحل].
لذا أمرنا الله تعالي بالنظر والتدبر في عالم الحيوان فقال تعالي { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)} ]الغاشية[.
فهذ هو الجمال الذي أبدعه الله تعالي وصوره ، فقال تعالي :{ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ
كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)}]النمل[ .
4ـ الجمال في التشريع الإسلامي :ـ
يتجلى الجمال الرباني في التشريع الإسلامي في عدم التعارض مع الغرائز البشرية ،وإشباع الجانب النفسي والروحي ، لذلك أقرَّ ما تتطلَّبُه الفطرةُ البشريّة من سرورٍ وفرَح ولعبٍ ومرَح ومزاح ومداعَبَة وأشواقٍ وجمال، كل ذلك محاطٌ بسياجٍ من أدَب الإسلام الرفيع يبلُغ بالمتعةِ كمالَها وبالمرَحِ غايتَه، بَعيدًا عن الخَنا والحرام والظّلمِ والعدوانِ والغِلِّ وإيغار الصّدور وهدم المبادئ والأخلاق.
فهو دين لم يعادي الجمال بل سما به , ورغب فيه مع أنه يؤثر الجمال المعنوي، وجمال الحياة الباقية ، لكنّه يرعى حاجات الإنسان ومطالبه الغالبة في الدُّنيا، بل يغريه بقضائها إغراءاً مُلحّاً في إطار الطيِّب والحلال الذي يزيد الجميل جمالاً؛ فيقول تعالي:{يا بني آدم خُذُوا زِينَتكِم عند كُلِّ مَسجدٍ وكُلُوا واشرَبُوا ولا تُسرفُوا إنّه لا يُحبُّ المُسرفين(31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) }[الأعراف]
ونجد أن الله تعالي أحل للمسلم التمتع بكل ما هو جميل طالما انتفت المضرة في نفسه وفيمن حوله بلا إسراف ولا مخيلة ، فيقول النبي (ﷺ): {إن الله تعالى جميل يحب الجمال ،و يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ، ويبغض البؤس والتباؤس } [رواه البيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني في صحيح الجامع].
وقال (ﷺ):{كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة } [رواه أحمد وصححه الألباني].
وكان (ﷺ) يحب المنظر الحسن والوجه الحسن والاسم الحسن ، وكان يقول (ﷺ):{إذا بعثتم إلي رجلا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم } [رواه البزار وصححه الألباني في صحيح الجامع].
وقال النبي (ﷺ){خصلتان لا يجتمعان في منافق: حسن سمت (أي حسن هيئة) ولا فقه في الدين} [رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع] .
ويندرج تحت هذا الجانب علاقة الرجل والمرأة التي وجدت في الزواج الشرعي فرصة الإشباع المشروع لهذا الجانب الغريزي ، وقد هيأ الشارع لهذه العلاقة كل مقومات التمتع الكامل والطاهر فحث كل من الزوجين خاصة الزوجة على الحرص على أن يكونا في أجمل صورة وأبهى منظر في عين الآخر ،بل جعل من أوجب حقوق الرجل على زوجته أن تتزين له ، وله أن يطالبها بحقه من الزينة منها إن هي أهملت هذا الأمر ،وبتخصيص زينة المرأة لزوجها وحجبها عن عيون الآخرين استطاع الإسلام بتوازن منقطع النظير ملائمة الفطرة السوية وتقيد أسباب الرزيلة فحل بذلك أصعب معادلة حارت فيها البشرية.
العنصر الرابع : الجمال الحقيقي في الحياة :
إن الله تعالي جميل يحب الجمال، و ينبغي أن نتعبده سبحانه وتعالي بالجمال، بجمال القول، وجمال الفعل، وجمال الثياب، والنظافة، والأدب، والأفعال المحمودة ، والجمال المطلق.
1ـ الجمال المحمود:
ما كان لله عز وجل من باب "إن الله جميل يحب الجمال " والإسلام دين يدعوا إلي الجمال فنجد نصوصا كثيرة تحثنا علي النظافة والتجمل في كل شيء ، فعن خريم فاتك الأسْدي قال : سمعت رسول الله (ﷺ) يقول: ( إنكم قادمون على إخوانكم ، فأصلحوا رحالكم ، وأصلحوا لباسكم ، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس ؛ فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش ) وفي رواية: ( حتى تكونوا كالشامة في الناس ) [رواه الإمام أحمد في المسند] .
كما شرع الإسلام الاغتسال في حالاتٍ: كالجُمع والأعياد، والإحرام، وحضور الاجتماعات العامة، ومن ذلك حثه على التطيب، والسواك والختان، وأخذ الزينة عند حضور المساجد والصلاة.
ومن ذلك أيضاً خصال الفطرة التي أفصح عنها حديث المصطفى (ﷺ) فعن عائشة رضي الله: أن النبي (ﷺ) قال:}عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء يعني: الاستنجاء{ ]رواه مسلم[ .
قال مصعب : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة.
فكان عليه الصلاة والسلام له ثياب خاصة يرتديها إذا لقي الوفود.
والجمال المحمود واسع جداً، فهناك جمال الكلام، تجد إنساناً أنيقاً يمزح مزاحاً فاحشاً: جمال الجسم مع قبح النفوس كقـنديل على قبر المـجوس، هو أنيق لكن بذيء.
فلا يجوز للمسلم أن يكون فاحش اللسان؛ لقوله (ﷺ):}إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش{. [رواه مسلم].
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ (ﷺ): }مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلَ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ, وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ { .[رواه الترمذي و قَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].
2ـ جمال الأخلاق:ـ
إنَّ الجمال الحقيقي والزينة الأساسيَّة هي زينة الدَّاخل وجمال الباطن؛ أيْ: جمال الأخلاق، جمال الروح، جمال النَّفس، فكان النبيُّ (ﷺ) إذا نظر في المرْآة يقول :}اللهُمَّ أحسنتَ خَلْقي فأحسِن خُلُقي{[ أخرجه أحمد]
فكأنه (ﷺ) يُرسل بذلك رسالةً إلى أُمَّته؛ أنَّ العناية بالباطن، ومن ذلك القلب والأخلاق، أمرٌ هو مِن صُلب دينِنا وشرْعِنا، ومقصد هامٌّ من مقاصد الشَّريعة الغرَّاء، وأنَّ مَن يَعتَني بمظْهره الخارجيِّ فقط، ويَدَع الأمراضَ المعنويَّة والنفسيَّة تفعل فعلَها في داخله، هُو إنسان مغفَّل لا يُدرك أين الخير، ولا يَعرف حيثُ مصلحته فيبادرَ إلى تحصيلها.
فإنّ من جماليات الدين الإسلامي غناه بالأخلاق السامية، بل إن الإسلام خلق جميل كالشجرة الباسقة فيها من الثمار الطيبة الشيء الكثير، بل فيها كل ثمر طيب جميل، والأصل واحد وثابت، أولم يكن خلق الرسول الأكرم (ﷺ) القرآن الكريم وهو الأصل المصدري للإسلام!
وذلك أن "التدين إنما هو تمثل قيم الجمال، والتزين بأنوارها في السلوك والوجدان " فلا يصدر عن مسلم قبح في التعبير أو قبح في السلوك.
وهذا يدفعنا إلى تدبّر ما قاله القرآن الكريم في مجال الجمال المعنوي، لقد جاء الجمال المعنوي في القرآن الكريم مقروناً بأنماط شتّى من السلوك البشري، وقد نعجب لبعضها! ما لها وللجمال حتى تقترن به؟!
إنّها من ألوان السلوك غير المستحب، ومن أنواع الحلال البغيض عند الله الذي شرعه ليتيسّر للحياة أسباب الجمال!
لقد اقترن الجمال بالصبر، واقترن بالصفح، واقترن بسراح المرأة من عصمة الزوجية، واقترن بالهجر.
أولا: الصبر الجميل :
إنّ الصبرَ من أعظم الصفات التي تزداد بها النفس جمالاً وكمالاً، والصبر الجميل هو الذي تزداد النفس فيه باليقين والثقة، وتمتلئ بالأمل، ويغمرها بالرجاء في الله، وتكون بمنأى عن الجزع والسخط على القضاء.
قال مجاهد: الصبر الجميل: الذي لا جزع فيه.
وذكر الإمام البخاري رحمه الله تعالي حديث أمنا عائشة رضي الله عنها لما خاض المنافقون في الحديث عنها وسماه القرآن بحديث الإفك حتى ذكر قولها: "والله لا أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبو يوسف عليه السلام : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ."
إن جمالية الصبر في اجتهاد العبد المؤمن في تحمل الهموم والأزمات إلى درجة
لا يستشعر معها الناس حاله ممتثلا أمر ربه {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)} ]المعارج[.
فيتوجه بعمق مشاعره وهو المكلوم المجروح إلى الله تعالى شاكيا ضارعا مناجيا:{ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)} ]يوسف[.
إنه توجُّه يشمل مقومات الجمال الثلاث المتعة النفسية والروحية، والتعبد بالدعاء الخالص، لأجل حكم ومنافع منها ما يعلمه العبد ويقصده ومنها ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالي.
وجاء الحديث عن الصبر الجميل في موضعين في سورة يوسف.....
الموضع الأول: على لسان سيدنا يعقوب عليه السلام، وقد جاءه أبناؤه يخبرونه بأنّ يوسف أكله الذئب، وبرهنوا على قولهم بدمٍّ كذب على قميصه، وبرغم الفاجعة الرهيبة على قلب الأب المؤمن واجه الأمر بأناة بالغة، وثقة عظيمة، جعلته يحسّ أنّ الأمر على غير ما صوّر أبناؤه، وتذرّع بالصبر الجميل، يقول تعالى على لسانه:{ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ (18)}[يوسف]
الموضع الثاني: على لسان سيدنا يعقوب عليه السلام أيضاً، عندما جاءه نبأ احتجاز ابنه الثاني في سجن العزيز بمصر، وبرغم تتابع المحنة، وعمقها في وجدان الشيخ الرسول، لكن ما يزال للصبر الجميل الغلبة على مشاعره، فقال: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)}[يوسف].
ثانيا : الصفح الجميل :
يقترن الجمال بالصفح، وهو من أسمى الصفات، إذ هو يعني التغاضي عن إساءات الآخرين.
وقد طلبه الله تبارك وتعالى من نبيّه في مواجهة المُعرضين المُكذّبين من قومه، مُبيّناً له أنّه صاحب رسالة مُهمّتها الهداية، وعقاب الضّالين مرجعه لرب العالمين، والساعة آتية لا ريب فيها، فقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)}[الحجر]
والصَّفحُ في حدِّ ذاتِه جَميل، وعندما يتّصف بالجمال يكون صفحاً لوجه الله، لا يجعله صاحبه حديثاً يُذكر به بين النَّاس ، ويمن به علي من صفح عنه ، والمراد الصفح الجميل الصفح الكامل .
لقد تجاوزَ هذا الجمالُ حتى شمِلَ العقوبةَ والعفوَ والصفحَ، لذا أمرَ اللهُ تعالي من
يعفوَ عنَ الآخرينَ أنْ يكونَ في عفوِهِ وصفحِهِ رونقاً وجمالاً، فلا يعلو صفحُ المسلمِ على ضعفِ أخيهِ، ولا يمسُّ كرامتَهُ، وأنْ يكونَ صفحُكَ عن أخيكَ فيه الحسنُ والجمالُ والكلامُ الطيبُ الذي يشرحُ الصدورَ، ويَسُدُّ الثغرات ، ويكونُ أدعى للتقاربِ والمودةِ والمحبةِ بينَ المسلمينَ.
ثالثا : الهجر الجميل :
ربما يكون الجمال في الصبر والصفح مألوفاً !! لكن ماذا نقول في جمال الهجر، وهو لون من ألوان المقاطعة .
إنّ القرآن بهذا يُعطى بُعداً جديداً للسلوك الإنساني، وأنَّ الجمال مطلوب ومرغوب حتى في السلوك الذي لا يخلو من ألم ومُعاناة.
لقد أساء المشركون إلى الرسول (ﷺ)، وأمره الله تعالي في معاملتهم بالهجر مع الصبر، والهجر قد يتنافى مع مُهمّة الداعية، لكن الهجر الذي أمر الله به نبيّه (ﷺ) هو الهجر الجميل الذي يُشعر المهجور بسوء تصرّفه، وضلال سعيه مع استبقاء البرّ به والودّ له، فقال تعالي : {وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا (10)} [المزمل] .
الهجر الجميل هو الذي لا عتاب معه ، فالله تعالي جميل يحب الجمال، فالمسلم يسعى ليكون جميلا، ولتكن رسالته نشر الجمال في الكون.
رابعا : السراح الجميل :
والسراح يعني الطلاق وهو أيضا لون من المقاطعة والألم النفسي لذلك أمر الله تعالي يأن يكون جميلا ؟!
وسراح المرأة: أن تكون في حلّ من رابطة الزوجية، فهو الطلاق، وهو أبغض الحلال إلى الله، لكنَّه مع وقعه الأليم على النفس عندما يقترن بالجمال نحصل على ثمراته، وننأى عن سوءاته، ويَجْمُل السراح عندما تفارق المرأة بيت الزوجية من غير غبن، أو قهر، أو انتقاص للحقوق، بعيداً عن البغي والعدوان.
وذُكرَ السراحُ الجميل مرَّتين في القرآن الكريم في سورة الأحزاب...
الموضع الأول : في تخيير النبي لزوجاته عندما سألنه التوسعة في النفقة، فقال
ربُّ العالمين لنبيّه (ﷺ) :{يا أيها النبي قُلْ لأزواجِكَ إن كُنتنّ تُردنَ الحياةَ الدُّنيا وزينتَها فتَعالَين أُمتِعُكن وأسرّحكم سراحاً جميلاً (28)}[الأحزاب]
الموضع الثاني : مطالبة الأزواج الذين يطلّقون الزوجات قبل الدخول، بأن يمتّعوا الزوجات، والمُتعة كسوة ملائمة لمكانة المرأة ومستواها الاجتماعي، ثم السراح الجميل دون بغي على الحقوق، وتعقب بالإساءة، فقال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسّوهن فمالكم عليهن
من عدّة تعتدّونها فمتِعوهُن وسرِّحوهُن سَراحَاً جَمِيلاً(49)} [الأحزاب]
فأمرَ اللهُ أنْ يكونَ هذا الفراقُ فيهِ جَمالٌ وإحسانٌ، فتخرجُ هذه المرأةُ من مُطلِّقِها وتفارقُهُ راضيةً، قد أعطاها حقَّهاَ وأرضاهاَ بشيءٍ يذيبُ عنها ألمَ الفراقِ وحسرةَ الطلاقِ فتذكرُهُ ويذكرُها بالخيرِ، وليسَ ذلكَ في الطلاقِ فحسب بلْ في أيِّ فضٍّ لشراكةٍ أو إنهاءٍ لتعامُلٍ ينبغي أنْ يكونَ فيهِ الجمالُ والرونقُ الذي يليقُ بأمةِ الإسلامِ، وينبغي أنْ لا يخرجَ من هذا الجمالِ إلى الخصومةِ والقطيعةِ والمحاكمِ.
وجمالُ الطلاقِ يكادُ يكونُ معدوماً بينناَ، وإن كنَّا لا نُحبِّذُ الطلاقَ أصلاً، لكنْ إذا وقعَ وجبَ أنْ يكتسيَ بثوبِ الحسنِ والجمالِ.
وما نراهُ اليومَ في كثيرٍ منْ حالاتِ الطلاقِ لا يكونُ إلا بالخصومةِ والتقاطُعِ والتدابُرِ والمحاكمِ، فأينَ الجمالُ أيها المسلمونَ في حالاتِ التسريحِ والطلاقِ؟
3ـ جمال الروح :
ليس مِن الحُسْن أن نَسعَى إلى ستْر عورةِ الجسم، ونتركَ عورةَ النَّفس باديةً لكلِّ أحدٍ، واللهُ تَفضَّل علينا بكرمه فقال تعالي{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)}[الأعراف].
إِذَا المَرْءُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيَابًا مِنَ التُّقَى تَقَلَّبَ عُرْيَانًا وَإِنْ كَانَ كَاسِيَا
وَخَيْرُ لِبَاسِ المَرْءِ طَاعَةُ رَبِّهِ وَلا خَيْرَ فِي مَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِيَا
كان مِن بينِ الصَّحابة على عهد رسول الله (ﷺ) صحابيٌّ اسمُهُ زاهرُ بن حرام الأشْجعي، وكانت به دمامة رضِي الله عنْه، وكان لِحُبِّه الجَمِّ لرسولِ الله (ﷺ) يَتَفَقَّده ببعضِ طعامِ أهلِ البادية، وكان بدويًّا، وكان النَّبيُّ (ﷺ) يُبادله الهديَّة بالهديَّة، ويمنحُه كلَّ المحبَّة والتَّقدير.
وذات يومٍ رآه رسولُ الله (ﷺ) في سُوق المدينة وهو يَبيع متاعَه، فاحتَضَنَه مِن خَلْفه ولا يُبصِرُه زاهِر، فقال: أرْسِلْني، مَن هذا؟
فالتفَتَ فَعَرَف النَّبيَّ (ﷺ)، فجَعَل لا يألو ما ألصَقَ ظهرَه بصَدْر (ﷺ)حين عَرَفَه،
وجَعَل رسولُ الله (ﷺ) يقول: مَن يَشتَري العبدَ؟
فقال: يا رسول الله، إذًا والله تَجِدُني كاسدًا، فقال رسولُ الله (ﷺ): لكن عندَ الله لستَ بكاسد، أو قال: لكن عند الله أنتَ غالٍ.[رواه أحمد].
مع دمامته رضِي الله عنه كان ذا قَدْرٍ ومنزلةٍ عند الله تعالى؛ بصفاء سريرته، وطيبة قلبه، وهذه سبيل كلِّ مَن أراد أن يَنال عند ربِّه وعند الناس الحظوةَ، والمنزلة التي ليست لِسِواه.
نموذج غاية في الروعة والجمال:
رجل من أصحاب النبي (ﷺ)، اسمه جُليبيب، رجل فقير معدوم، عليه أسمال بالية، جائع البطن، حافي القدمين، مغمور النسب، لا جاه، ولا مال، ولا عشيرة، ليس له بيت يأوي إليه، ولا أثاث، ولا متاع، يشرب من الحياض العامة بكفيه مع الواردين، وينام في المسجد، وسادته ذراعه، وفراشه الأرض، هل هناك أقل من هذا؟ وكان في وجهه دمامة، لكنه صاحب ذكر لربه، وتلاوة لكتاب مولاه، لا يغيب عن الصف الأول في كل الصلوات، ولا في كل الغزوات، ويكثر الجلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم..
قال له النبي (ﷺ) ذات يوم : يا جُليبيب ألا تتزوج؟ فقال : يا رسول الله ومن يزوجني؟ فقال رسول الله: أنا أزوجك يا جُليبيب ، فالتفت جُليبيب إلى الرسول (ﷺ) فقال: إذاً تجدُني كاسداً يا رسول الله.. فقال الرسول الكريم: غير أنك عند الله لست بكاسد.
جاء في يوم من الأيام رجلٌ من الأنصار، قد توفي زوج ابنته، فجاء إلى النبي (ﷺ) ، يعرضها عليه ليتزوجها، فقال له النبي (ﷺ): نعم، لما قال له نعم والد الفتاة اختل من الفرح، صارت ابنته زوجة رسول الله (ﷺ) ، ولكن لا أتزوجها أنا، فسأله الأب: لمن يا رسول الله! فقال (ﷺ): أزوجها جُليبيباً، تصور إنساناً لا يملك شيئاً، لا يملك بيتاً لا جمالاً، فقال ذلك الرجل: يا رسول الله تزوجها لجُليبيب؟
انتظر حتى أستأمر أمها يريد أن يخرج من الموضوع ثم مضى إلى أمها، وقال لها: إن رسول الله (ﷺ) يخطب إليك ابنتك، قالت: نعم لرسول الله (ﷺ) ، ومن يرد النبي (ﷺ)..
فقال لها: إنه لا يريدها لنفسه، قالت: لمن؟ قال: يريدها لجُليبيب !! قالت: لجُليبيب؟! لا لعَمْرُ الله، لا أزوج جُليبيباً، وقد منعناها فلاناً وفلاناً، فاغتم أبوها لذلك، ثم قام ليأتي النبي (ﷺ)، فصاحت الفتاة من خدرها، وقالت لأبويها: من
خطبني إليكما؟ قال الأب : خطبك رسول الله.. قالت : أفتردان على رسول الله (ﷺ) أمره؟ ادفعاني إلى رسول الله (ﷺ) فإنه لن يضيعني، البنت وافقت علي جُليبيب لا يوجد أدنى منه في المدينة، ثم ذهب إلى النبي الكريم(ﷺ) وقال: يا رسول الله شأنك بها...
فدعا النبي (ﷺ) جُليبيباً ثم زوجه إياها، ورفع النبي (ﷺ) كفيه الشريفتين، وقال: اللهم صب عليهما الخير صباً، ولا تجعل عيشهما كداً، ثم لم يمض على زواجهما عدة أيام حتى خرج النبي (ﷺ) مع أصحابه في غزوة، وخرج معه جُليبيب، فلما انتهى القتال اجتمع الناس، وبدؤوا يتفقدون بعضهم بعضاً، فسألهم النبي (ﷺ)
وقال: هل تفقدون من أحد؟
قالوا: نعم يا رسول الله نفقد فلاناً وفلاناً، ونسوا جليبيباً، ليس له مكانة إطلاقاً، فقال (ﷺ): ولكنني أفقد أخي جُليبيباً.. فقوموا فالتمسوا خبره، فقاموا وبحثوا عنه في ساحة القتال، وطلبوه مع القتلى، ثم مشوا فوجدوه في مكان قريب، وقد استشهد، قتل سبعة من المشركين وقتلوه ،
وقف النبي (ﷺ) أمام جسده المقطع، ثم قال: أنت مني وأنا منك، لاحظوا أن الإسلام ألغى كل هذه الفوارق، لا يوجد أقل منه، قال: أنت مني وأنا منك، ثم تربع النبي (ﷺ) جالساً بجانب هذا الجسد، ثم حمل هذا الجسد ووضعه على ساعديه، وأمرهم أن يحفروا له قبراً..
قال أنس: فمكثنا والله نحفر القبر وجُليبيب ليس له فراش غير ساعدي النبي (ﷺ) ، فقال أنس: فعدنا إلى المدينة وما كادت تنتهي عدة زوجة جليبيب حتى تسابق إليها كبار الصحابة.
العنصر الخامس : الجمال المزيف وعاقبته:ـ
يَشقَى كثيرٌ من النَّاس في قضيَّة الجمال، ويَبذلون وُسْعهم وطاقتَهم في الحصول على أحْدث مقاييس الجمال، وآخرِ صرخات الموضة والأزياء، سواء في الأثاث ،أو اللباس ،أو ديكور البيت ،الرجال والنساء في ذلك سواء.
أيُّ جمال ذلك الَّذي تَبحَثون عنْه وتَنشُدونه؟!
أي زينة تلك التي تَلهَثون وراءها؟! جمال صناعي، وزينة مصطنَعة.
لَيْسَ الجَمَالُ بِمِئْزَرٍ فَاعْلَمْ وَإِنْ رُدِّيتَ بُرْدَا
إِنَّ الجَمَالَ مَعَادِنٌ وَمَنَاقِبٌ أَوْرَثْنَ مَجْدَا
لَيْسَ الجَمَالُ بِأَثْوَابٍ تُزَيِّنُنَا ♦♦♦ إِنَّ الجَمَالَ جَمَالُ العِلْمِ وَالأَدَبِ
فمن صور الجمال المزيف المذموم عند الله تعالي ورسوله (ﷺ)....
1ـ الاسراف في تجميل الصورة
الله عز وجل ذمّ جمال الصورة، وتمام القامة والخلقة إذا كانت بعيدة عن المنهج الإسلامي، فقال عن المنافقين:{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ (4)}[المنافقون]
المبالغة في العناية بجمال الجسم وأناقة الثياب وفخامة المنزل بدون قيم أخلاقية، وبدون تعبد لله عز وجل ،هذا الجمال وحده بدون مضمون مذموم عند الله سبحانه وتعالي ، فعندما تجد امرأة تهتم بمظهرها الخارجي وتخالف شرع الله عز وجل في عدم الالتزام بالزي الإسلامي، وتغيير خلق الله تعالي فهذا لا يزيدها إلا قبحا والعياذ بالله ، لذلك أمر المولي عز وجل المرأة بالحجاب رمز العفة والجمال ، فالحجاب يزيد المؤمنة جمالاً.. ويحمي البشرة من نارٍ تلظى.. ويقيها بإذن الله من
النظرات المسمومة .. ويعطي مفعولاً أكيداً لمن تريد الراحة النفسية.
ولقد حذر النبي (ﷺ) المجتمع من التبرج والسفور والانحلال الذي وقع فيه كثير من نساء اليوم بحجة البحث عن الجمال..
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): "صنفان من أهل النار لم أرهما نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لايدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجالٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها عباد الله).]مسلم[.
2ـ الإسراف في تجميل المنازل :
قال الله عز وجل{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِئْياً (73)} [مريم]
أي: منظر بيوتهم، وحدائقهم، وهيئاتهم، ومركباتهم شيء جميل جداً، وهذا الآن في العالم بلغ درجة تفوق حد الخيال.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ )[رواه مسلم]
نجد الآن يوجد قصور ثمنها بالمليارات، من يسكنها؟ ربما تجد من يسكنها من يعملون في تجارة المخدرات، أوتجارة الأعضاء ، أو غير ذلك من التجارات المحرمة .
لذلك أمر الله تعالي نبيه (ﷺ) بعدم النظر والالتفات إلي هذه الأشياء الزائفة فقال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ (131)}[طه]
فلو وقع نظرك علي بيت جميل، أو مركبة فارهة جداً ،فلا تنس أن تدعو بدعاء
النبي (ﷺ):عن أنس رضي الله عنه قال : قال النبي (ﷺ) (اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ
الْآخِرَةِ )[متفق عليه]
وكان سيدنا عمر بن عبد العزيز إذا دخل مكان عمله يتلو هذه الآية:{أَفَرَأَيْتَ إِنْ
مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)} [الشعراء ].
وأرسل سيدنا عمر كتابًا إلى بعض الولاة، قال فيه: " أما بعد ؛ فقد نُمِيَ إلي أنه قد صار لك هيئة حسنة في مسكنك ومطعمك، ومشربك وملبسك، ومركبك، ليست لعامة المسلمين، فاحذر يا عبد الله أن تكون كالدابة مرت بواد خصب فجعلت همها في السمن، وفي السمن حتفها ".
عاقبة الجمال المزيف
إن العناية الفائقة بالجمال الخارجي ، والترف والزينة له عاقبة وخيمة والعياذ
بالله تعالي ، ولقد توعد الله تعالي صاحبة بالهلاك والتدمير ،لان في باطنهم كفرا واستعلاء ، قال الله عنها: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ (24)} [ يونس]
العنصر السادس : آخر محطات الجمال :ـ
في الآخرة يحط الجمال رحاله كأعظم جزاء ينتظر الموحدين ، إنها الجنة التي يتجسد فيها الجمال بأروع حلله بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فهي نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وفاكهة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة في دور عالية بهية سليمة ، ونصوص الكتاب والسنة تتكاثر في وصف هذا الجمال لتشحذ همم العاملين وتوقظ أفئدة الغافلين ، قال تعالى {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)}[الإنسان] .
وقال تعالى :{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ (15)} [محمد]
وقال تعالى:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27)عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)} [المطففين ].
ويصفها (ﷺ) بقوله :{ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، وملاطها المسك الأذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وتربتها الزعفران ،من يدخلها ينعم ولا ييأس ،ويخلد ولا يموت ،ولا يبلى ثيابهم ،ولا يفنى شبابهم } [رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع].
وقال (ﷺ):{إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا } رواه مسلم .
وأخير.. أيها المؤمنون
ما أحوجنا إلي الجمال بأن نجعله جزءاً أساسياً في حياتنا ،في أخلاقنا ،وأرواحنا ونفوسنا ، وفي بيوتنا وتعاملاتنا ، فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجملنا بالتقوي ، وأن يزيننا بالحلم ،وأن يكرمنا بالعافية .
  • 0
  • 0
  • 16

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً