خديجة بنت خويلد .. سيدة نساء العالمين بقلم: محيي الدين ابراهيم تاريخ النشر : 2016-06-21 خ- خ+ ...

منذ 2017-10-05
خديجة بنت خويلد .. سيدة نساء العالمين بقلم: محيي الدين ابراهيم
تاريخ النشر : 2016-06-21 خ- خ+

استمع
بقلم: محيي الدين ابراهيم
كاتب وإعلامي مصري
هل تعيش هذه الحالة من الهجمة الشرسة على الاسلام؟، هل تستشعر السخرية من الصحابة وكتب التراث والتشكيك في القرآن والأئمة لتحويل الاسلام إلى مجرد دين منفلت إرهابي دموي، وتصوير المسلمين كأنهم قطيع من الغنم؟ .. هل تعيش لحظة تكسير عظام الانتماء والهوية وأن الخيانة مجرد وجهة نظر؟ .. هل تعيش لحظة تدمير تاريخ العرب وتاريخ المسلمين وآثار الشرق الأوسط كلها وسرقة ما تبقى منها لحرق جذور المواطن العربي الشرق أوسطي ليفقد هويته ووعيه للأبد؟ .. هذه المسائل كلها مخطط ( كريه ) تضعه منظمة تسمي نفسها ( الأخ الأكبر ) منذ ثمانينات القرن الماضي كي تسيطر على العالم بافتعال حروب دينية طائفية مذهبية أولاً ثم بعد ذلك تدفع الناس لرفض جميع الأديان التي تدعو للقتل والهدم، وبعد أن تكون قد أحدثت فوضى عارمة في العقائد والمفاهيم يتم لها السيطرة علي العالم بعد ذلك سيطرة كاملة .. لقد نجحوا في العالم المسيحي والآن هم يقومون بدورهم بالإنتشار في العالم الإسلامي، فحينما فشلوا في تحريف القرآن أو التدخل فيه بالسلب في القرون الأولى، فكروا منذ عقود – في زماننا المعاصر - في احداث ثغرات قاتلة في التاريخ والشخصيات الاسلامية بحيث لا يقبلها عقل المسلم الطبيعي فتحدث انفلاتاً عنده، تحدث تشككاً، فوضى، ومن ثم يكون من السهل بعدها الإعلان عن مشروع ( عولمة الإله والمواطنة العالمية )، ذلك المشروع الذي يسعون له، إنهم ينتشرون بسرعة شديدة في العالم الآن من خلال المنظمات العالمية والأمم المتحدة والجمعيات الخيرية وبرامج التليفزيون تحت ذات الاسم ( الأخ الأكبر )، تذكروا هذا الاسم جيداً وتذكروا أيضاً أن هدفهم واحد، اصرارهم واضح، لهاثهم للسيطرة على العالم لم يعد خافياً، لذا فنحن – في تقديري - نتحمل مسئولية إعادة فتح بوابة تاريخ الشخصيات الإسلامية تحديداً وإعادة بثها في الوعي المعاصر بما يتوافق مع ما يقبله العقل بعيداً عن ( الخرافة ) التى أستبدعها أعداء الإسلام ومن حالفهم وسار في ركابهم، ولعل من أهم الشخصيات التي يحاولون تشويهها في التاريخ الإسلامي هي شخصية السيدة خديجة بنت خويلد زوج النبي والأم الوحيدة لذريته، وربما أجد بدافع المسئولية أن أكتب عنها قليلاً لبيان – فقط - روعة شخصيتها في الذهن المعاصر بعد أن شوه بعض سيرتها خوارج هذا الزمان.
خديجة بنت خويلد، بنت عم الرسول الكريم من الدرجة الثانية، أهم امرأة عربية في مكة قبل الإسلام، كان سادة العرب يعتبرونها من أهم الشخصيات راجحة العقل التي يمكن الرجوع إليها في حل أدق المشكلات ويأخذون بمشورتها، ومن ثم كانت "خديجة" واحدة ممن تعمل لهن قريش ألف حساب في إدارة شئون حكم هذه المنطقة في ذلك الوقت، فقد كانت أيضاً تتمتع بثقافة رفيعة لم تتسن لغيرها من النساء، فخديجة كانت تجيد القراءة والكتابة بل وتتحدث إلى جانب اللغة العربية اللغة الرومية وتفهم لغة الكتابة عند اليهود ( التوراة ) وبعض الفارسية وكان لا يضاهيها في ذلك من نساء مكة سوى هند بنت عتبة زوجة أبو سفيان وأم معاوية وجدة يزيد بن معاوية، وإن كانت هند بنت عتبه لم تكن تملك كل ثقافة خديجة بالإضافة لكونها كانت غضوبة سهلة الإستفزاز بعكس خديجة تماماً وربما هو ما دفع العرب في أن يطلقوا علي خديجة لقب ( الطاهرة )، لما تتمتع به من دماثة الخلق وحسن الخلقة ورجاحة العقل.
رغبت خديجة في أن يكون النبي زوجاً لها، فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها "نفيسة بنت منبه" والتي بدورها ذهبت إليه صلى الله عليه وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضي بذلك، وكلّم أعمامه فذهبوا إلى عم خديجة "عمرو بن أسدٍ بن عبد العزَّى بن قصي" وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بَكْرة (وهي الأنثى من الإبل إذا طلع نابها في السنة الثامنة أو التاسعة من عمرها) وكانت خديجة حينئذ تبلغ من العمر أربعين سنة حسب أغلب الرواة بينما روى الحاكم بسنده عن ابن إسحاق: في أن خديجة كان لها يوم تزوجها النبي ثمان وعشرون سنة ( البداية والنهاية ٢/ ٣٦٠ ) ويرجح الدكتور أكرم ضياء أحمد العمري الموصلي العراقي، على مذهب أهل السنة والجماعة وأستاذ التاريخ الإسلامي وعلوم الحديث رواية ابن إسحاق كونها كانت في الثامنة والعشرين فالغالب أنّ المرأة تبلغ سنّ اليأس من الإنجاب وقد أنجبت السيدة خديجة لرسول الله ذكرين وأربعة إناث ورغم ذلك فأنّ هذه المعلومات لم تثبت حديثياً إلا أنها مشتهرة عند الإخباريين أي عند رواة السيرة النبوية.
لقد تم الطعن في روايات كثيرة حول زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من خديجة في زمن الفتن للتقليل من شأن الرسول الأكرم وكان بالعرف العربي وقتذاك وقبل بعثته من سادة العرب بل وتربطه بخديجة صلة قرابة لجدهما المشترك إذ كان جد خويلد الرابع "قصي بن كلاب" وهو جد رسول الله ايضا، وكان عبدالعزى جد خويلد وعبد مناف، جد النبي اخوين وكان ابوهما قصي بن كلاب، مما يؤكد ان الرسول الاعظم والسيدة خديجة، أبناء عمومة ومن قبيلة قريش وتربطهما أنساب وجدود ومن ثم فأي رواية تتقول على زواج الرسول من خديجة بالإحتيال أو التحقير هي رواية – من حيث المنطق وفي تقديري – رواية موضوعة لغرض خبيث في زمن الفتنة التي بدأت في عهد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وأبيه إبن هند بنت عتبة، لا لشئ سوى العبث بقيمة الرسول أمام قيمة زوجته، وقد كان شديد الكرة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأحفاده وأهل بيته بل ولم يخفي كراهته تلك لرسول الله وأهل بيته فهدم الكعبة واغتصب نساء مدينة الرسول فيما أسماه الرواه بعد ذلك بعام السفاح وقتل غالب أحفاد النبي وعلى رأسهم الحسين بن علي بن أبي طالب بن فاطمة الزهراء بنت محمد عليه الصلاة والسلام، وأختفى في عهده أيضاً حفيد رسول الله وكان أسمه "يحيي" بن "اميمة" بنت أبي العاص بن الربيع بنت "زينب" بنت رسول الله صلى عليه وسلم ولا نعرف حتى يومنا هذا هل عاش " يحيي" وله ذرية تحمل دماء آل بيت النبي كأبناء "فاطمة الزهراء" أم أنهم قتلوه وهو صبي في عهد معاوية؟؟ لا ندري!! فقد تم في عهد " يزيد" تزييف حقائق وأحداث وروايات حول أهل بيت رسول الله، ولفق واختلق المنافقون الموالون ليزيد بن معاوية الأكاذيب حول آل البيت تقرباً وتزلفاً له خوفاً من بطشه لدرجة أنه لم ينجو أحد من أكاذيبهم حتى عائشة زوج النبي، ولعل هذا الكره والبغض الذي لم يستطع اسلام "يزيد بن معاوية" أن يسحقه أو ينهيه يرجع إلى النزاع والتخاصم القديم فيما بين بني أمية وبني هاشم في الجاهلية حول سقاية الحجاج ورفادة الكعبة ( أي تقديم الطعام للحجاج ) والحجابة ( أي مفاتيح الكعبة وإذن دخولها ) واللواء ( أي الراية التي يحملها حراس الكعبة ) والندوة ( أي الاجتماع للمشورة والرأي في دار الندوة )، وأكرر أنه حتى لو صحت أياً من هذه الروايات المزعومة في زمن الفتنة ( اليزيدية ) ولو بنسبة ضئيلة لرفضها أهل مكة أنفسهم الذين باركوا هذا الزواج حينها لكونه زواجاً عائلياً طبيعياً في عائلة من أهم عائلات قريش ومكة والعرب، وكانت مسألة الأنساب والمصاهرة والشرف العائلي هو قيمة العرب الأولى حينذاك وحتى يومنا هذا، حيث نظموا فيها القصائد وألفوا فيها الشعر بل وشنوا بسببها الحروب.
خمسة عشرة عاماً من عمر الرسول الكريم قضاها مع خديجة قبل البعثة، حياة طبيعية جداً كأي زوج عربي وزوجته في ذلك الزمان، أي أن خديجة قضت معظم حياتها الزوجية مع الرسول الكريم ولا يعلم كلاً منهما أن الله قد أختار محمداً ( عليه الصلاة والسلام ) ليكون رسول الله، لقد عاش الرسول الكريم وزوجته خديجة قبل البعثة حياة العرب العادية، فهو يرعى إبله ويتاجر في ماله ومال زوجته ويتعبد، بل وحين كبرت بناته قام بتزويج رقية وأم كلثوم بأبناء "أبي لهب"، أي أن الرسول الكريم صاهر "أبي لهب" قبل البعثة وزوّج بناته بأعراف العرب في الجاهلية قبل البعثة وقبل الرسالة التي كان لا يعلمها ولا يدريها ولا يخطر على باله الكريم أنه سيكون نبي هذا الزمان، بل أنه نفسه عليه الصلاة والسلام حين نزل عليه جبريل أول مرة تفاجئ به وخاف منه وأخذ يركض من جبل "حراء" حتى بيته عدة ساعات طويلة في الصحراء من هول المفاجأة وشدة الفزع وليس على لسانه حين رأى زوجته سوى قول واحد: زملوني زملوني، ومن ثم فحياة الرسول مع خديجة وحياتها معه وزواجه منها وزواجها منه لا يمكن لعاقل أن يرده إلى ( تصور ) أنه بعلم خديجة السابق في أنها ستكون زوجة نبي في يوم من الأيام أو أن أحداً يعلم الغيب قد أخبرها بذلك فأقدمت على الزواج منه لتكون زوجة نبي !! ( كما إدعوا على شخصية ورقة بن نوفل التي أشك في أنها شخصية حقيقية وربما أدعي أيضاً أنها شخصية قد تم أختراعها في زمن الفتنة لتلفيق مسألة تأليف القرأن والتشكيك في النبوة ) هذا التصور – في تقديري - ضد المنطق وضد العقل بل وضد المناخ العربي أيضاً في مكة وجزيرة العرب آنذاك بل وبعد ذاك.
قبل أن يتزوج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من خديجة كان قد ترك رعي الأغنام منذ زمن وتفرغ لرعي الإبل، كان يمتلك تلك الإبل ويرعاها هو وشريك له حسب رواية الطبراني الذي روى في "المعجم الكبير" عن جابر بن سمرة قوله: كان النبي يرعى غنماً فاستعلى الغنم فكان في الإبل هو وشريك له، ومن ثم فالرسول كان بلغة عصره تاجراً ميسوراً ورجل أعمال له وزنه وقيمته في قطاع الأعمال والتجارة وإلا كيف له أن يمهر خديجة عشرين ناقة كل منها في سن مابين الثامنة والتاسعة وهي قيمة مادية باهظة الثمن في ذلك الوقت لا يقدر عليها إلا السادة ومن ماله الخاص، بل وكيف كانت خديجة ستأمن على تجارتها معه لو كان معروفاً عنه فقط أنه مجرد راعي غنم لا خبرة له بالتجارة والأسفار ولا علم له بفقه المعاملات السائد في ذلك الزمان سواء في الشام أو اليمن في رحلتي الشتاء والصيف، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغة أهل ذلك الزمان - وكل زمان - في تقديري - رجل صاحب خبرة ووعي بالتجارة بل وله أسلوبه الخاص في التجارة يتسم بشرف البيع والشراء وأمانة البيع والشراء والصدق في البيع والشراء ولذا سماه العرب حتى من كان فيهم عدواً له " الصادق الأمين".
عاشت خديجة مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أربعًا وعشرين سنة وستة أشهر، منها خمسة عشرة عاماً قبل البعثة، وقد انجبت له فيها زينب ورقية وأم كلثوم، والقاسم الذي كان يكنى به الرسول، وفاطمة الزهراء، ثم عبد الله الذي عرف بالطيب الطاهر وولد بعد بعثة النبي، وماتت رضوان الله عليها عن أربعة وخمسين سنة في بعض الروايات مما يرجح زواجها من الرسول الكريم في سن الثلاثين وروايات أخرى تخبر عن وفاتها في سن الخامسة والستين لترجح زواجها بالنبي الأكرم في سن الأربعين.
بعد وفاتها من بر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بها ومحبته لها ما نجده في رواية لأحمد عن أم المؤمنين عائشة قالت: "كان النبي ص إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء قالت فغِرتُ يوماً فقلت: ما أكثر ما تذكرها، حمراء الشدق قد أبدلك الله عز و جل بها خيراً منها، قال: ما أبدلني الله عز و جل خيراً منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس.

490767288

  • 1
  • 0
  • 763

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً