المقاومة في غزة تسير على خطا ثورة التحرير الجزائرية محمد شعبان أيوب 3/8/2024 رمضاني ...

منذ يوم
المقاومة في غزة تسير على خطا ثورة التحرير الجزائرية
محمد شعبان أيوب
3/8/2024

رمضاني مراد
وهران
2024
تشبه المقاومة في غزة إلى حد كبير في ظهورها واستمرارها وتكتيكاتها وإستراتيجيتها وأدواتها ما قام به الثوار الجزائريون إبان مقاومتهم للاحتلال الفرنسي الذي جثم على صدر الجزائر لأكثر من 130 عامًا؛ إذ كانت فرنسا قد احتلت الجزائر منذ عام 1830م، وهي أول بلدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تسقط في يد الاحتلال الغربي بعد فشل الفرنسيين أنفسهم من قبل أيام نابليون بونابرت في احتلال مصر وخروجهم منها سنة 1801م.

كان الاحتلال الفرنسي للجزائر إجراميًا ودمويًا اتخذ كافة الوسائل التي يتخذها جيش الاحتلال اليوم في استمرار احتلالهم وفصلهم العنصري وحروبهم المتواصلة على فلسطين في شقيه العسكري والثقافي، المادي والمعنوي، حيث بدأوا في تنفيذ خطة مَحْوِ خصائص الجزائر الحضارية من دين ولغة ومعالم تاريخية، ليسهُل في زعمهم استعادة الجزائر للمسيحية، ولم يتوقفوا عن تنفيذ تلك الخطة- ساعة من نهار- طيلة وجودهم بالجزائر. ولذلك اعتبر الإمام البشير الإبراهيمي احتلال فرنسا للجزائر "حلقةً من الصليبية الأولى"، وأنه "قَرْنٌ من الصليبية نَجَم، لا جيش من الفرنسيين هَجَم"، وأن هذه الصليبية لم تخف حِدَّتها، ولم يتغيّر لونها، ولم تضعف فَوْرَتُها بتعاقب السنين وتطور الأفكار؛ بل بقيت هي هي "تَجَمْهَرت فرنسا أو تَدَكْتَرت، أو اختلفت عليها الألوان بَياضًا وحمرة" على حد وصفه.

واتخذت فرنسا في ذلك سُبل القمع والقوة العسكرية والتطهير العرقي والمذابح في حق المقاومة الجزائرية منذ الأمير عبد القادر الجزائري في بداية الاحتلال الفرنسي ومرورا مقاومة الزعاطشة والشريف بوبغلة وحتى مقاومة المقراني وبوعمامة في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وانتهاءً بتشكيل بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ثم الإعلان عن قيام الثورة الجزائرية التي استمرت منذ عام 1954 وحتى الاستقلال عام 1962م.
وقد تجلى غدر الفرنسيين كما يتجلى غدر الإسرائيليين اليوم في كثير من الأحداث، لعل أبرزها ما وقع يوم 8 مايو/أيار 1945م في اليوم الذي أُعلن فيه عن انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفرحة الجزائريين بهذا اليوم حيث ظنّوا أن الفرنسيين سيصدقون في وعودهم التي وعدوهم إياها أثناء تلك الحرب بالجلاء عن الجزائر، فإذا هذا اليوم يتحول إلى مجزرة ضخمة لا يزال يخلدها التاريخ الحديث، وقد سقط فيها 45 ألف جزائري في يوم واحد، وارتفع العدد إلى مائة ألف شهيد بحلول نهاية ذلك الشهر، وذلك بحسب الباحث كمال بن يعيش في كتابه "مجازر 8 مايو/أيار 1945.. سطيف المجزرة الجماعية".


وأمام هذه المجازر والغدر، ونكص التعهدات أدرك الجزائريون أن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد في مواجهة الاحتلال الفرنسي، تماما كما أدرك الفلسطينيون مبكرًا منذ الثورة الفلسطينية الأولى سنة 1936- 1939م أن مقاومة البريطانيين والحركة الصهيونية هي الحل الناجز، وقد تجلى ذلك في أثناء النكبة وعقبها وحتى يومنا هذا في معارك "طوفان الأقصى".

كان تاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول 1954 موعدا للقاء مجموعة الستة الذين أشعلوا الثورة الجزائرية ومأسسوها؛ وهم: محمد بوضياف، ومصطفى بن بولعيد، والعربي بن مهيدي، ومراد ديدوش، ورابح بيطاط وكريم بلقاسم، وقد اختاروا اسم "جبهة التحرير الوطني" لمنظمة تحرّرية مسلحة تعمل على استقلال البلاد، وطرد المحتل الفرنسي، على أن يكون الأول من نوفمبر/تشرين الأول 1954، على الساعة الصفر (ليلة 31 أكتوبر/تشرين الأول) موعدا لبداية هذه الثورة.

بدأت الثورة الجزائرية بمقاومة عددها 1200 شخص، وحوالي 400 قطعة سلاح، وقد انطلقت من جبال الأوراس في شرق الجزائر وبعد التضييق الفرنسي الكبير طوال أشهر، والاعتقال والقتل في حق الجزائريين جاء مؤتمر الصومام في أغسطس/آب 1955م ليُعيد ترتيب الثورة الجزائرية وهيكلتها، حيث تم تقسيم الجزائر إلى ست ولايات، تنقسم إلى مناطق، وكل منطقة تتفرع إلى نواحٍ، وكل ناحية تنقسمُ بدورها إلى مجموعات عمل، كل منها كبُر أم صغر يعمل فوق قيادة الثورة العليا وتوجيهاتها.

ومن أبرز التكتيكات التي اتخذها المقاومون الجزائريون في تلك الحقبة أمام المحتل الفرنسي تمثلت في استغلال المناطق الجبلية الوعرة للإثخان في العدو، وانتهاج حرب العصابات، والضربات الفردية والتفجيرات والاغتيالات في المدن الكبرى ، كما حصل في العاصمة الجزائر فضلا عن الإضرابات العامة التي نجحت نجاحا كبيرًا.

كانت عمليات الثوار تقوم عادة في شكل كمين وهجوم ثم اشتباك مع العدو الفرنسي، تماما كما تقوم المقاومة اليوم في غزة، وحرص المقاومون على أن تكون عملياتهم يومية لضمان إرهاق وإيقاع الخسائر في صفوف الفرنسيين، وعلى الرغم من أن الفرنسيين كانوا أصحاب اليد العليا في عدد القوات والأسلحة وأنواعها فضلا عن سلاح الطيران، فإن حرب العصابات والكمائن التي كان يتخذها الجزائريون دفعت الجنرال ديغول في نهاية المطاف إلى قبول الحوار والتوصل لحلول مع منظمة التحرير الجزائرية.
حرصت القيادة العليا لمنظمة التحرير الجزائرية على تلقي الدعم من القوى الإقليمية والدولية المناوئة للإمبريالية الغربية، فاحتضنتها القاهرة أيام عبد الناصر وأمدتها بالسلاح والعتاد، وكذلك لجأت المقاومة الجزائرية إلى الاتحاد السوفيتي لتحقيق التوازن التسليحي والعسكري في مواجهة السلاح الفرنسي والغربي المتطور.

وبين إعلانه التفاوض سنة 1958 والجلاء عن الجزائر استمرت المعارك أربع سنوات كاملة أدرك فيها الفرنسيون أنهم لن يستطيعوا الوقوف أمام تصميم وعزم الجزائريين على تحرير بلدهم، فضلا عن الخسائر اليومية في الأرواح والعتاد، وفي 5 يوليو/تموز 1962م حصلت الجزائر رسميا على الاستقلال، وانسحب المحتل الفرنسي عن البلاد التي أوقع فيها ملايين الشهداء بعد أكثر من 130 عامًا من الاحتلال، فهل تُعيد المقاومة الفلسطينية سيرة المقاومة الجزائرية الأولى!


المصدر : الجزيرة

66d5648a7ebb3

  • 1
  • 0
  • 4

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً